الفصل الثامن

التعريف

لعل موضوع التعريف أن يكون أخطر ما يتناوله المنطقي من موضوعات دراسته، إذا استثنينا موضوع الاستدلال؛ لأنه محاولة تحديد ما يريده القائل حين يقول شيئًا؛ «بل الفلسفة في جوهرها بناء من تعريفات، أو قل هي وصف للطريقة التي تتم بها صياغات التعريف»١ وليس العلم في كثير من الأحيان إلا تحديد المراد بكلمة معينة، فتحديد «الحرارة» موضوع لعلم بأسره، وتحديد «الحركة» موضوع لعلم آخر، وتحديد «المادة» موضوع لمجموعة علوم، وهكذا؛ بل إن التفاهم بين الناس في حياتهم اليومية، قائم على اتفاقهم على أن تكون الكلمة المعينة معنى معين، حتى يعلم السامع أو القارئ، ماذا ينقله إليه المتكلم أو الكاتب، وإن يكُن المنطق «لا يُعنى بمشكلات التعريف الخاصة، بل يُعنى بمشكلاته العامة؛ فهو لا يقصد إلى تعريف ألفاظ معينة مما يرد في الفن أو العلم، بل يقصد إلى فض المشكلات التي تنشأ في التعريف كائنًا ما كان اللفظ المعروف».٢

وأول ما ينبغي ذكره في موضوع التعريف، هو أن تفرق تفرقة واضحة بين الغاية من التعريف من جهة، وطرائقه من جهة أخرى، ذلك لأن الخلط بين هذين الجانبين، يؤدي حتمًا إلى كثير من الخطأ والغموض، وكثيرًا ما تجد اختلافًا بين مؤلف ومؤلف ممَّن يكتبون في المنطق، ويكون مدار اختلافهما أساسًا، أنهما لا يقصدان إلى غاية واحدة، فأحدهما يريد أن ينتهي بالتعريف إلى غرض مُعيَّن، والآخَر يريد أن ينتهي به إلى غرض آخَر؛ وبديهي أن تختلف الوسائل المؤدية إلى الغرضين المختلفين، ولو قد حدد الكاتبان المختلفان ما يرميان إليه من غرض في موضوع بحثهما لأمكن أن يتَّحدا على اتخاذ وسائل مُعيَّنة لبلوغ ذلك الغرض.

والغرضان الرئيسيان اللذان قد يختلف فيهما علماء المنطق، فيقصد فريقٌ منهم إلى غرض ويقصد الفريق الآخر إلى الغرض الآخر، هما: هل نريد بالتعريف أن نحدد كيف يتركَّب «الشيء» أو نريد به أن نحدد معنى «الاسم» الذي نسمي به الشيء؛ أما إذا كان مرادنا تحديد «الشيء» لا اسمه، فعندئذٍ لا نأبه للرمز أو للكلمة التي تطلق على ذلك الشيء ماذا تكون، لتكن رمزًا رياضيًّا، أو لتكن كلمة لغوية في هذه اللغة أو تلك، فما يعنينا من أمر «التسمية» شيء، وإنما نريد «المسمى» نفسه أو «الشيء» لنرى مما يتألف؛ وأما إذا كان مرادنا تحديد «الاسم» أو «الرمز» فالغاية ها هنا تختلف عن الغاية الأولى، لأننا عندئذٍ نرمي إلى تحديد رمز مُعيَّن، في استعمال مُعيَّن، حتى ولو لم يكن هناك «شيء» في عالم الأشياء الواقعة، يشير إليه ذلك الرمز الذي نريد تحديده؛ وسنسمي التعريف الذي يحاول تحديد «الشيء» بالتعريف الشيئي، وسنسمي التعريف الذي يحاول تحديد «الكلمة» أو «الاسم» بالتعريف الاسمي.٣
والذي ينظر إلى المنطق نظرة وضعية، لا يسعه سوى أن يهدف بالتعريف إلى تحديد الكلمات أو الأسماء وحدها، فلا شأن له بطريقة تركيب الأشياء في الواقع، لأن ذلك هو موضوع العلوم الأخرى، أما المنطق فموضوعه صورة الفكر، والفكر هو الكلام٤ الذي نتلقاه رؤية وسمعًا (أو لمسًا في حالة العميان حين يقرءون بلمس الكلمات البارزة)؛ وإذَن فميداننا هو الكلمات والرموز نفسها، وكيف تكون السبل المختلفة إلى تحديدها.

لكن التعريف الشيئي هو الذي كانت له السيادة طوال القرون الماضية، فلا بد أولًا من شرحه ونقده، قبل أن نتناول التعريف الاسمي بالبحث المفصَّل.

(١) التعريف الشيئي (وهو التعريف الأرسطي)

ليس من شك في أن هدف التعريف عند سقراط وأفلاطون وأرسطو جميعًا هو تحديد «الشيء»؛ فانظر مثلًا إلى سقراط في محاورة أو طيفرون،٥ حين يطلب من محاوره تعريف «التقوى»؛ إنه لا يسأل عن طريقة استعمال كلمة «التقوى» فيما تواضع عليه الناس من لغة الحديث، إنه لا يطلب كلمة أخرى تُرادفها، أو عبارة تقوم مقامها، إذا ما أراد أن يستبدل بها في الحديث لفظًا آخَر؛ بل غايته أن يعرف طبيعة الشيء الخارجي الذي نطلق عليه كلمة «التقوى»؛ فمطلبه في تلك المحاورة أخلاقي، وليس هو بالبحث اللغوي الذي قد يتطلبه واضع القاموس؛ وكذلك قل في شتى المحاورات الأفلاطونية إذا ما أراد كاتبها أن يحدِّد المراد بكلمة ما، ففي «الجمهورية» يسأل أفلاطون: «ما العدالة؟» وفي «ثيانيتوس» يسأل: «ما المعرفة؟» وفي «فيدون» يسأل: «ما الروح؟» وهو في كل هذه الحالات وفي أمثالها، لا يطلب كيف يمكن أن نستبدل اسمًا باسم يساويه في التعبير الكلامي، بل يريد تحديد طبائع تلك الأشياء، والعناصر الأساسية الجوهرية التي تتألف منها.
وكذلك الحال مع أرسطو، فهو لا يدع الأمر لاستنتاجنا ماذا كان رأيه في التعريف، إنما يعبر عن رأيه في ذلك تعبيرًا صريحًا، فيقول: إن «التعريف هو العبارة التي تصف الجوهر»،٦ جوهر ماذا؟ جوهر الشيء طبعًا، لأن جوهر الكلمة مداد إذا كانت مكتوبة، وموجات صوتية إذا كانت منطوقة؛ فالجوهر الذي يصفه التعريف، هو جوهر الشيء المراد تعريفه بالعبارة الكلامية التي ترد في التعريف.
وليس الأمر في ذلك بقاصر على الفلاسفة اليونان وحدهم، بل ترى كثيرين من الفلاسفة وعلماء المنطق في العصور الحديثة، يرون هذا الرأي نفسه في الغرض من التعريف، فيقول إسبينوزا: «إنه لكي يكون التعريف كاملًا، يجب أن يوضح الجوهر الباطني للشيء»،٧ وهذا هو بعينه ما يراه «كوك ولسن»٨ و«جوزيف»٩ وغيرهما من رجال المنطق في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين.

وهنا يأتي السؤال: وما جوهر الشيء؟ ممَّ يتألف ذلك الجوهر؟ هو يتألف عند أرسطو وأتباعه من صفتين: الصفة التي يشترك فيها النوع مع سائر جنسه، والصفة التي يتفرَّد بها هذا النوع عن سائر الأنواع التي تدخل معه في ذلك الجنس، فجوهر المثلث — أي تعريفه — هو أنه سطح مستوٍ بين سائر السطوح المستوية لكنه يتفرد عنها بصفة كونه محوطًا بثلاثة خطوط مستقيمة؛ وجوهر المسجد — أي تعريفه — أنه بناء بين سائر الأبنية، لكنه يتفرد عنها بصفة كونه خاصًّا بعبادة الله على مبادئ الدين الإسلامي، وهكذا.

ويجمل بنا في هذا الموضع أن نعرِّف القارئ بما أطلق عليه أرسطو اسم «المحمولات»، ثم نعود بعد ذلك إلى تفصيل القول في المذهب القائل بأن التعريف مؤلَّف من الصفات الجوهرية التي يتألف منها قوام الشيء المُعرَّف.

إنك إذا حكمتَ حُكمًا على «موضوع» ما، فإن العلاقة التي تربط الصفة المحكوم بها (وسنطلق عليها اسم المحمول) بالشيء الذي نصفه بتلك الصفة (وهو ما نسميه بالموضوع) لا تخرج — في رأي أرسطو — عن واحدة من خمس.

ففي كل حكم — عند أرسطو — لا بد أن يكون المحمول إما تعريفًا للموضوع أو جنسًا له، أو فصلًا، أو خاصة أو عرضًا من صفاته العارضة.

أما التعريف فهو ما يدل على جوهر الشيء الذي هو موضوع الحكم، أي هو الذي يدل على أن الشيء هو ما هو عليه؛ أعني أنه إذا فقد الشيء صفاته المذكورة في تعريفه، فقد بطل إمكان وجوده، فلولا أن المثلث موصوف بأنه سطح مستوٍ، وبأنه محوط بثلاثة خطوط مستقيمة لَمَا أمكن إطلاقًا أن يوجد مثلث؛ إذ التعريف هو ماهية الشيء وكيانه، وتلك الماهية مؤلفة من الجنس والفصل، وهي متساوية في نطاقها مع الموضوع الذي نعرفه، أي إن التعريف ينطبق على كل فرد من أفراد الموضوع، ولا ينطبق على غير هؤلاء الأفراد، ولذا يقال في وصفه إنه جامع مانع، أي يجمع كل أفراد الموضوع ويمنع أي فرد آخر من أي نوع آخر.

والجنس هو ذلك الجزء من جزأَي التعريف، الذي تشترك فيه مع الشيء المعرف أشياء أخرى مختلفة أنواعها: فالجنس الذي ينتمي إليه «مثلث» هو «سطح مستوٍ» غير أن استواء السطح صفة غير مقصورة على المثلث، بل تشمل معه أشكالًا أخرى كثيرة، ولما كان الجنس شاملًا للموضوع وغيره، إذن فهو أوسَع نطاقًا منه.

والفصل هو ذلك الجزء من جزأَي التعريف، الذي يميز نوع الشيء الذي نعرفه من سائر الأنواع التي تشترك معه في جنس واحد، فكون المثلث محوطًا بثلاثة خطوط مستقيمة هو الذي يميزه من سائر أنواع السطح المستوي.

وليس حتمًا أن يكون الفصل مساويًا في نطاقه للموضوع الذي نعرفه، فقولي عن المسجد إنه لعبادة الله على مبادئ الدين الإسلامي، محاولًا بذلك أن أميزه من سائر أنواع الأبنية، ظاهر فيه أن عبادة الله على مبادئ الإسلام قد لا تكون عن طريق المسجد، بل بطريق آخر، وإذَن فليس الموضوع وفصله بنوعين متساويين في اتساع النطاق، على أن مدى انطباق «الفصل» ومدى انطباق «الموضوع» الذي نعرفه قد يتساويان — كما هي الحال في تعريف المثلث، فالفصل هو كون السطح المستوي محوطًا بثلاثة خطوط مستقيمة، وهو ينطبق على نفس المجال الذي ينطبق عليه لفظ «مثلث»، بغير زيادة أو نقصان — وإنما يتساوى نطاق «الفصل» ونطاق «الموضوع» حين يكون الفصل دالًّا على صفة يستحيل أن تتوافر إلا في الجنس الذي ينتمي إليه «الموضوع»، باعتباره نوعًا من أنواعه، فالإحاطة بثلاثة خطوط مستقيمة لا تتوافر أبدًا إلا للسطح المستوي؛ وحين تكون هذه هي الحالة، يكون لدينا أكمل تعريف ممكن.

وأما الخاصة فهي صفة يتصف بها جميع أفراد الموضوع، ولا يتصف بها أفراد أي نوع آخر؛ ولذا فهي متساوية في مدى انطباقها، مع الموضوع في مدى انطباقه، لكنها مع ذلك ليست جزءًا من جوهره، ولذا فهي ليست جزءًا من تعريفه، فكون زوايا المثلث تساوي قائمتين خاصة من خواص المثلث، يتصف بها كل مثلث، ولا يتصف بها إلا المثلث، وقد اعتبرت خارجة عن جوهر المثلث، لأنها نتيجة مترتبة على كون المثلث محاطًا بثلاثة خطوط مستقيمة، وإذَن فالإحاطة بثلاثة خطوط مستقيمة أصلٌ جوهري يتفرَّع عنه كون زوايا المثلث تساوي قائمتين.

والعرض هو كل صفات الموضوع الأخرى، التي لا هي جزء من تعريفه ولا هي خاصة من خواصه، ولذا فقد يوصف به الموضوع وغيره من الموضوعات، فمن أعراض الإنسان — مثلًا — أنه يأكل الفاكهة، ومن أعراض المسجد أنه يُبنى بالحجر الجيري.١٠

فبناءً على هذا التقسيم الأرسطي الذي أسلفناه للمحولات، لو أخذت أي موضوع في أية قضية شئت — على شرط ألا يكون الموضوع فردًا جزئيًّا بل اسمًا كليًّا — وقارنته بالمحمول في تلك القضية، لوجدتهما — أي الموضوع والمحمول — إما متساويين من حيث مجال الانطباق، أي من حيث الماصدق، أو غير متساويين؛ فإن كان المحمول مساويًا لموضوعه في ذلك الصدد، كان تعريفًا له أو خاصة من خواصه، وإن لم يكن مساويًا له، كان جزءًا من تعريفه، فإما جنس وإما فصل؛ لأن التعريف يتألف من هذين الجزأَين، أو عرضًا من أعراضه.

ونعود بعد ذلك إلى حديثنا عن التعريف عند مَن يقولون إنه يقصد إلى تحديد «الشيء» المعرف، فقد أسلفنا أن هذا الفريق الذي يأخذ بالتعريف الشيئي، يرى أن التعريف إنما يكون بذكر جوهر الشيء، والجوهر عند أرسطو مؤلَّف من عنصرين: (١) الجنس الذي ينتمي إليه الشيء الذي نعرفه، (٢) والفصل الذي يميز ذلك الشيء مما عداه من سائر الأشياء التي تدخل معه في ذلك الجنس، على أن نفهم «الشيء» هنا بمعنى النوع، لا بمعنى الفرد الجزئي الواحد، لأن الفرد الجزئي الواحد عنده لا تعريف له.

والفرد الجزئي الواحد عند أرسطو لا تعريف له، لأن تعريف الشيء تحديد لصفاته تحديدًا ثابتًا لا زيادة فيه ولا نقصان، فأين يكون ذلك التحديد الثابت بالنسبة للفرد الجزئي الذي تتغير صفاته وعلاقاته بغيره كل لحظة من كل يوم في حياته، فهو الآن جالس وهو الآن واقف، وهو الآن متكلم وهو الآن سامع وهو الآن صحيح وهو الآن مريض، وهو الآن طفل وهو الآن رجل، وهو الآن والد، وهو الآن لا ولد له، إلى آخر ألوف الألوف من صفات الفرد الجزئي الواحد التي يستحيل أن تقع تحت الحصر؛ وحتى لو استطعنا حصرها وتحديدها، فسيكون لنا منها قائمة من صفات ليس فيها ما يقطع بأنها صفات تدل على هذا الفرد لا ذلك الفرد، فلماذا تكون هذه القائمة من الصفات دالة عليك أنت ولا تكون دالة على جارك أو أخيك؟ إن كل صفة منها كلية تنطبق على أي فرد من أفراد النوع على السواء، وليس فيها صفة «جزئية» تخصك دون سواك؛ فإن كنت طويلًا فغيرك من الطوال كثيرون، وإن كنت والدًا فغيرك من الوالدين كثيرون، وهكذا.

فالتعريف يتناول المدرك الكلي، لا الفرد الواحد الجزئي، وبتعريفنا لأي مدرك كلي مثل «إنسان» فقد عرفنا بالتالي كل فرد من أفراده، لا باعتباره فردًا فريدًا له ذاتٌ قائمة بذاتها، ولكن باعتباره عضوًا في ذلك النوع الذي عرَّفناه بتحديد الصفات الجوهرية المشتركة بين أفراده جميعًا. والمقتصرة على هؤلاء الأفراد وحدهم دون سائر الطوائف والفئات.

إننا حين نعرف الشيء، نحلله إلى عنصرين؛ الجنس والفصل، تحليلًا عقليًّا، لأن الجنس والفصل لا ينفصلان في الواقع، فالسطح المستوي يستحيل ألا يكون محوطًا بخطوط، وما هو محوط بخطوط ثلاثة لا بد أن يكون سطحًا مستويًا.

إن الجنس — عند أصحاب هذه النظرة — حقيقة تتبدى في أنواعها، وليس هو إلا تلك الأنواع التي يتبدى فيها، فالحيوان — مثلًا — يتبدى في الإنسان والحصان والقرد والثعلب، وغيرها، وإنما فصلنا هذه الأنواع أنواعًا — رغم تعبيرها عن حقيقة واحدة — لأن كلًّا منها يعبر عن تلك الحقيقة الواحدة بصورة مختلفة، وهذه الصورة المختلفة في التعبير عن حقيقة الجنس، هي التي نسميها «فصلًا» يفصل النوع عن سائر الأنواع، وواضح — إذن — أن الحقيقة وطريقة التعبير عنها لا تنفصلان إحداهما عن الأخرى، كما يفصل الخطاب عن الظرف الذي يحتويه، وكل ما نستطيعه إزاءها هو أن نحللهما تحليلًا عقليًّا، فنقول إن «الإنسان» — مثلًا — هو الحقيقة الحيوانية قد عبر عنها بصورة عاقلة، وإذا نحن اهتدينا إلى مثل ذلك التحليل للشيء، فقد اهتدينا إلى تعريفه وتحديده.

ولئن كان تعريف «الشيء» هو تحليله إلى جنسه وفصله، إذن فالشيء الذي لا جنس له لا تعريف له، وكذلك لا تعريف للشيء الذي لا تفصل الفواصل الجوهرية بين أفراده.

فيمكن أن نتصوَّر الأشياء سلسلة ذات طرفين، نبدأ بجنس عام يأخذ في التفرع إلى أنواع. والأنواع إلى أنواع. وهلمَّ جرًّا. حتى تنتهي إلى الطرف الآخر وهو الأفراد الجزئية، وكلا الطرفين غير قابل للتعرف، فأفراد النوع الواحد كزيد وعمرو وخالد من بني الإنسان، لا تقبل التعريف، لأننا لو وجدنا المدرك الكلي الذي يحتوي الفرد منهم، فلن نجد الصفة الجوهرية التي تفصله عما عداه من أفراد نوعه، لأنهم في الصفات الجوهرية جميعًا سواء.

وأما الجنس العام — وهو الطرف الأعلى لسلسلة الأشياء — والذي يشمل كل شيء، وليس يشمله شيء أعم منه، فهو كذلك لا تعريف له، لأنك إن وجدت أشياء أخرى تقف معه في مستوًى واحد من حيث التعميم؛١١ وتستطيع أن تفصله عنها بصفة جوهرية تجعله شيئًا متميزًا من دونها، فلن تجد الجنس الذي يحتويه، وقد قلنا إن التعريف يكون بالجزأَين معًا.

(٢) التعريف الاسمي وهو التعريف عند الوضعيين

قلنا فيما سبق إن التعريف يختلف في هدفه الذي يرمي إليه عند فريقين مختلفين من الباحثين في المنطق؛ وباختلاف الهدف المقصود تختلف الوسائل المؤدية إليه؛ ففريق من رجال المنطق — وهو الكثرة العظمى وعلى رأسه أرسطو ومَن شايعه في وجهة نظره المنطقية — يرى أن التعريف يرمي إلى تحديد عناصر «الشيء» المعرف، ووسيلة ذلك هي تحليل «الشيء» إلى عنصريه الأساسيين: جنسه وفصله، فتعلم إلى أي حقيقة من حقائق الوجود ينتمي، وبأية صورة يعبر عن هذه الحقيقة التي ينتمي إليها، وقد بسطنا لك في القسم السابق وجهة نظر هذا الفريق.

أما الفريق الآخر — ومنه أصحاب المذهب الوضعي — فيرى أن هدف التعريف هو تحديد الطريقة التي تستعمل بها كلمة من كلمات اللغة، إن هؤلاء لا يريدون بالتعريف أن يحددوا ماذا يجعل الشيء هو ما هو، بل أن يحددوا ماذا يجعل الشيء حقيقًا بأن يطلق عليه اسم من الأسماء؛ أي من الصفات التي اتفقنا، أو نريد أن نتفق، على أن تكون أساسًا للتسمية؛ إنهم لا يبحثون عن الجوهر المفروض على الأشياء بحكم طبائعها، بل يبحثون عن معنى اللفظ المفروض علينا نحن بحكم ما تواضعنا عليه في طريقة استعمالنا للغة في التفاهم؛ فلئن كانت وجهة النظر القديمة تتطلب من التعريف أن يشتمل على جوهر الشيء الذي بغيره يبطل وجود الشيء، فإن وجهة النظر الجديدة لا تتطلب من التعريف إلا تحديد الصفات التي بغيرها يبطل استعمال الكلمة التي نحدِّد معناها؛ فلا شأن لها بطبيعة الشيء ذاته، ولكن أمامها لفظة يتداولها الناس، وتريد أن تضمن أنهم يتناولونها بمعنًى واحد.

ليس هدف التعريف أن يحدد «جوهر الشيء»، بل هدفه أن يحدد «معنى الكلمة في الاستعمال»، وإن كان ذلك كذلك، فليست وسيلة التعريف أن نحلل عناصر الشيء إلى ما هو جنس وما هو فصل، بل وسيلته أن نستبدل بالكلمة أو العبارة المراد تعريفها كلمة أو عبارة أخرى لا تحتاج من السامع إلى إيضاح، ولئن كان التعريف الشيئي يقصر نفسه على أسماء الأشياء وحدها، كشجرة وكتاب، فإن التعريف الاسمي يمتد حتى يتسع لكل كلمة في اللغة، لا فرق بين أسماء الأشياء وأحرف الجر، والأسماء الموصولة والصفات، وما شئت من أنواع الكلمات ما دام التعريف هو وضع صيغة لفظية مكان صيغة لفظية تُساويها استعمالًا.١٢

الفرق بين المذهب الوضعي والمذهب الأرسطي في التعريف هو فرق في الاتجاه: فأرسطو يبدأ سَيْره بالكلمة ثم يبحث في تحليل مفهومها ليجيء هذا التحليل تعريفًا لها، وأما الوضعي فيبدأ من الطرف الآخر؛ إذ يبدأ من مجموعة الصفات التي وقعت له في مشاهداته، ثم يطلق عليها اسمًا يشترطه لها، أو يتفق مع غيره من الناس على إطلاقه عليها؛ فلو وضعنا هذا الكلام في صورة تشبيهية نشبه فيها الشيء المسمى بالمولود والاسم الذي يطلق عليه بشهادة الميلاد، قلنا: إن أرسطو يبدأ بشهادة الميلاد، ثم يبحث عن المولود التابع لها، وأما الوضعي فيبدأ بالمولود ثم يكتب له شهادة ميلاد، فإذا لم يكن مولود فلا شهادة ميلاد، أعني أنه إذا لم تكن هناك الصفات المعينة التي نريد أن نسميها فلا ضرورة لخلق اسم بغير حاجة إليه، فلو شاهدنا — مثلًا — مجموعة صفات «أ، ب، ﺟ، د» ثم اتفقنا على أن نطلق عليها رمز «س» أصبح تعريف «س» هو «أ، ب، ﺟ، د»، فكل ما يهمني في تعريف الرمز هو أن أعلم كيف اتفقنا على استعماله، وإلى أي الصفات اتفقنا على أن نشير، أما المذهب الأرسطي فيبدأ بالتورط في الرمز الموجود، ثم يحاول بعد ذلك أن يحدد عناصر مفهومه، كأنما كل اسم في اللغة يتحتم أن يكون له مُسمًّى، وكأنما ليس هنالك الكلمات بالمئات التي ألِف الناس استعمالها دون أن يكون لها مُسمى، أرسطو يبدأ بالاسم ليقول: إن تحليل مُسمَّاه هو كذا وكذا من العناصر، أما الوضعيون فيبدءون بما يقع لهم في عالم الخبرة من عناصر ثم يقولون: هيا نتفق على اسم لهذه العناصر، ومن ثَم كان التعريف الأرسطي «شيئيًّا» يدور حول تحليل الشيء المسمى، وكان التعريف الوضعي اسميًّا يقوم على اتفاق الناس على اسم معين يُطلَق على ما قد شوهد بالفعل من الخبرات التي نريد تسميتها للتحدث عنها.

وللتعريف الاسمي نوعان:
  • (١)

    التعريف القاموسي الذي يعرف الكلمة بمرادفها معتمدًا في ذلك على الاستعمال القائم فعلًا بين الناس.

  • (٢)

    التعريف الاشتراطي الذي يشترط فيه صاحبه على القارئ أو السامع أن يفهم لفظة معينة بمعنًى معين يريده هو.

وسنتناول هذين النوعين من التعريف الاسمي بشيء من التفصيل.١٣

(٢-١) التعريف القاموسي

هو تعريف اللفظ أو العبارة بما يساويها في الاستعمال القائم فعلًا بين الناس في التفاهم، فهو تاريخ، لأنه يقرر واقعة معينة كما حدثت فعلًا بين جماعة معينة وفي ظروف معينة، لا فرق في ذلك بين لغة ميتة ولغة حية؛ فإذا قلت إن اللفظ «س» معناه مراد للفظ «ص»، كان معنى ذلك أني أؤرخ لحالة قامت بالفعل فيما مضى، وقد تكون قائمة اليوم كذلك، فليس لي أنا الذي أقرر تعريف اللفظة بما يساويها أن أضيف شيئًا من عندي أو أحذف شيئًا، فهكذا يستعمل الناس هذه الكلمة، يستعملونها بحيث تساوي كذا من الكلمات الأخرى، فإن كانوا مثلًا يستعملون كلمة «مقعد» وكلمة «كرسي» بمعنًى واحد، كانت الواحدة منهما تعريفًا قاموسيًّا للأخرى.

ويقوم تعلم الناشئ للغة بلاده، وتعلمه للغة أجنبية — في معظم الأحيان — على التعريف القاموسي، فيقال له معنى اللفظ الذي لا يعرفه بلفظ يعرفه.

وما دامت المعاني القاموسية للكلمات تسجيلًا لما يجري به الاستعمال بين جماعة من الناس، فلهذه الجماعة أن تغير كيف شاءت من طريقة استعمالها للكلمات فتتغير تبعًا لذلك معانيها القاموسية، فالقاموس يتبع الاستعمال ولا يسبقه؛ القاموس يستوحي ولا يُملي، القاموس يؤرخ ولا يشرِّع؛ فإذا عرفنا الكلمة بما يرادفها في الاستعمال، وجب أن نقيد هذا التعريف بزمان معين ومكان معين، لأنه يجوز أن يتغير التعريف بتغير الزمان أو تغير المكان، وليست المعاني القاموسية بالحقائق الثابتة ثباتًا مطلقًا كجدول الضرب في الحساب.

والصواب والخطأ في التعريف القاموسي، يكونان بمعنى الصواب والخطأ في القضية التاريخية، فهل يصور التعريف حالة قائمة — أو كانت قائمة فيما مضى — بين جماعة معينة من الناس تصويرًا صحيحًا أو لا يصور شيئًا من ذلك؟ هل يستعمل الناس — مثلًا — كلمة الساحل ليشيروا بها إلى نفس الصفات التي يشيرون إليها بكلمة «شاطئ»؛ بحيث إذا قال قائل: «ساحل البحر»، أو قال: «شاطئ البحر» كان للسامع أن يفهم المراد؟ إن كان ذلك كذلك، فلكلمة «ساحل» وكلمة «شاطئ» كل منهما تعريف قاموسي للأخرى؛ ومقياس الصواب أو الخطأ هو الناس أنفسهم كيف يتفاهمون، أعني أن مقياس الصواب هو مطابقة التعريف للواقع.

وكل لفظة من ألفاظ اللغة يمكن تعريفها بحذفها ووضع ما يساويها، لا فرق في ذلك بين لفظة وأخرى، لا نستثني من ذلك اسم العلم كما فعل «مل»، لأنك تستطيع مثلًا أن تعرِّف «القمر» بأنه «تابع الأرض» وتعرِّف عمرو بن العاص بأنه «القائد العربي الذي فتح مصر سنة ٦٤٠م» وهكذا؛ فإذا كانت الكلمة التي لا يفهمها السامع أو القارئ جزءًا من عبارة، وأردت «تعريفها» تحتم أن تقول له العبارة في صيغة أخرى تساويها، مستغنيًا هذه المرة عن الكلمة المجهولة بكلمة أو كلمات معلومة؛ فافرض — مثلًا — أن العبارة التي تشمل على مجهول رمزها هو «أ ب ﺟ د»؛ حيث الأجزاء المجهولة منها هي «ب ﺟ»، مما أدى إلى غموض العبارة كلها عند السامع أو القارئ، فلا بد أن نعيد المعنى في صيغة تساوي الأولى، وافرض أن رمزها هو «أ س ص د»، حيث وضعت «س ص» مكان «ب ﺟ» وهو الجزء المجهول من العبارة الأولى، فأنت في هذه الحالة قد عرَّفت مجهولًا من اللفظ بمعلوم، وليس هناك أي شرط نقيد به نوع اللفظ الذي يطلب تعريفه، كما أنه ليس هنالك أي شرط أقيد به صحة التعريف سوى أن يفهم سامعك أو قارئك العبارة في صيغتها الجديدة، بعد أن لم يكن قد فهمها في صيغتها الأولى؛ ولذلك فالتعريف الذي يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر،١٤ لأن الأمر متوقف على مدى علم السامع أو القارئ، فقد تعرِّف عبارة فيها أسماء يفهمها الطبيب ولا يحتاج فيها إلى تعريف، على حين لا يفهمها الرجل العادي ويحتاج إلى تغييرها بألفاظ أخرى مما يفهمه.
والذي نعجب له حقًّا أن يحاول قوم تحديد معنى «الكلمة» إطلاقًا فتراهم يسألون ويبحثون بأي العناصر يتحدَّد معنى «الكلمة» كائنة ما كانت، أو «العبارة» أيًّا ما كانت، كأن كلمات اللغة كلها وعبارات التفاهم كلها، تعني شيئًا واحدًا بعينه هو الذي يسألون ويبحثون عنه؛ أما نحن فإذا سُئلنا: ما العناصر التي يتحدد بها معنى الكلمة أو العبارة؟ سألنا بدورنا: أية كلمة وأية عبارة؟ لأن كل كلمة وكل عبارة لها ما يحدد معناها هي دون غيرها،١٥ بل لنا أن نسأل بدورنا كذلك: مَن ذا يريد هذا التحديد؟ لأن توضيح الكلمة أو العبارة بما يساويها يختلف باختلاف معلومات الذي نوضح له، فإذا قلت لي كلمة بعينها في ظروف بعينها أمكنني أن أجيبك عما تسأل.

ورُب سائل يقول: إذا كنت ستعرف الكلمة بأخرى تساويها، وهذه بثالثة وهكذا، فأين تنتهي السلسلة؟ أم عساها تمتد إلى غير نهاية معلومة؟ أليس يتحتم بناءً على هذا الرأي في التعريف أن تنتهي إلى طرف لا تعريف له؟

وليس الجواب على هذا السؤال ذا شق واحد، لأن الأمر هنا أيضًا يختلف باختلاف الظروف، فإذا كنت إزاء ألفاظ تسمي أشياءً في الطبيعة، كانت نهاية مطافي إشارة إلى الشيء المسمى فأقول: هذا هو الشيء الذي أريد، أما إذا كنت إزاء رموز في بناء صوري — كالرياضة مثلًا — يطلب فيه اتساق الأجزاء وعدم تناقض بعضها مع بعض، ولا يطلب فيه تصوير الواقع، فسأظل أرتد بتعريف الرمز إلى رمز يساويه، وهذا إلى رمز ثالث يساويه، وهكذا حتى أصل بداية لا يمكن تحويلها إلى ما يساويها من رموز البناء نفسه. وعندئذٍ أخرج من حدود البناء الصوري ورموزه، لأعرف تلك البداية بلغة غير لغة ذلك البناء كلغة الحديث العادي. كما ترى في علم الهندسة مثلًا، ففي الهندسة توضح كل خطوة بالخطوة التي قبلها، وهذه بما قبلها، حتى تصل إلى بداية لا يطلب لها تعريف من نوع لغتها، وهي ما يُسمى بالبديهيات والفروض الأولية، لكننا لا نترك هذه البداية نفسها بغير تعريف، إنما نترجمها إلى لغة أخرى غير لغة الهندسة، كلغة الحديث الدارج، وعندئذٍ تفهم ولا تعود بحاجة إلى إيضاح. على أن هذه النقطة تنقلنا إلى النوع الثاني من نوعَي التعريف الاسمي. وهو التعريف الاشتراطي.

(٢-٢) التعريف الاشتراطي

قلنا إن هدف التعريف عند فريق الاسميين — ومنهم الوضعيون — يختلف عن هدفه عند جماعة الشيئيين؛ وبالتالي تختلف وسائله، وقد أسلفنا الحديث عن التعريف الشيئي هدفًا ووسيلة، ثم حدَّثناك عن النوع الأول من التعريف عند الاسميين، وها نحن أولاء نحدِّثك عن نوعه الثاني.

إن كان التعريف القاموسي للكلمة هو بمثابة الحقيقة التاريخية التي تقرِّر شيئًا كما حدث أو يحدث فعلًا، فإن التعريف الاشتراطي بمثابة التشريع الذي يسنُّ قانونًا جديدًا، التعريف القاموسي يصف ما يجري به الاستعمال فعلًا، والتعريف الاشتراطي يحدِّد المعنى الذي يجب أن تستعمل به كلمة مُعيَّنة. فلكل مَن شاء أن يبدأ حديثه أو كتابته باشتراط معانٍ مُعيَّنة لألفاظ مُعيَّنة، على ألَّا يجاوز هذه المعاني في حدود حديثه أو كتابته، وللسامع أو للقارئ أن يحاسبه على ما يقول، على أساس التحديد الذي اشترطه لمعاني الألفاظ التي ينوي استعمالها.

وليس لأحد أن يجادل صاحب التعريف الاشتراطي في تعريفه؛ لأن المجادلة لا تكون إلا في الجمل التقريرية التي تصف الواقع كما هو، فعندئذٍ يحقُّ لمَن شاء أن يراجع الواقع ليتأكد أن ما تُقرِّره الجملة مطابق له أو غير مطابق؟ لكن صاحب التعريف الاشتراطي لا يصف حقيقة واقعة؛ إنما هو يرجو رجاءً، أو يأمر أمرًا، فهو بمثابة مَن يقول لقارئه أو لسامعه: أرجوك أن تفهم الكلمة الفلانية حيثما تجدها في حديثي أو كتابتي بالمعنى الفلاني.

إن الرجاء أو الأمر لا يُوصَف بصدق أو كذب، لأنه لا يشير إلى حقيقة واقعة الآن، بل يعمل على إحداث ما ليس له وجود؛ فالفرق بين قولي: «النافذة مفتوحة»، وقولي: «افتح النافذة» هو أن القول الأول صورة مزعومة لحقيقة واقعة، وإما أن أكون قد أصبت في التصوير أو أخطأت، والمرجع في ذلك هو إلى الحالة القائمة فعلًا، بينما القول الثاني يرمي إلى إحداث حالة ليست الآن قائمة، وإذَن فليس هنالك زعم مني بأني أصور شيئًا واقعًا، ولا هنالك حالة قائمة الآن يرجع إليها عند المطابقة.

والتعريف الاشتراطي هو من قبيل الأمر أو الرجاء بأن تفعل شيئًا، وهو أن تفهم كلمة مُعيَّنة بمعنًى مُعيَّن، وليس لك مندوحة عن تنفيذ هذا الأمر وتحقيق هذا الشرط، إذا أردت أن تتابع المتكلم فيما يقول.

وهذا هو ما أراده «وايتهد» و«رسل» حين قالا: «التعريف هو الإعلان بأن رمزًا مُعيَّنًا قد هممنا باستعماله … ونريد له أن يكون معناه كذا.»١٦
وأوضح ما يوضح هذا النوع من التعريف هو ما نراه في الرياضة، حين يبدأ الرياضي بتحديد كلمات ورموز مُعيَّنة ينوي استعمالها، ويشترط عليك أن تفهم هذه الكلمات والرموز بالمعاني التي حدَّدها لها، وبعدئذٍ لا يجوز له أن يفسر عبارة إلا في حدود اشتراطه، يقول «تارسكي»١٧ وهو يشرح تركيب العلوم الرياضية: «إن طريقة السير [في العلوم الرياضية] تبلغ حد الكمال لو أتاحت لنا أن نفسر معنى كل عبارة تَرِد فيها، وأن نجد ما يبرِّر أية قضية تثبتها في غضونها، لكنه من اليسير أن ترى أن هذا الكمال يستحيل تحقيقه، فالواقع هو أن الرياضي إذا أراد أن يفسِّر معنى عبارة ما، لجأ بالضرورة إلى استخدام عبارات أخرى، ولكي يفسِّر معنى هذه العبارات الأخرى بدورها، دون أن يدور في حلقة مفرغة، فلا بد له أن يستخدم عبارات أخرى غير السالفتين معًا، وهكذا، وهكذا نجد أنفسنا إزاء طريق يستحيل أن ينتهي إلى طرف … (وتخلصنا من هذا المأزق) إذا ما هممنا ببناء نسق رياضي، كان علينا أن نبدأ بطائفة قليلة من العبارات الخاصة بهذا النسق، تبدو لنا كأنما هي في متناول فهمنا فهمًا مباشرًا؛ وهذه الطائفة من العبارات نطلق عليها اسم الحدود الأولية، أو الحدود التي تُرِكَت بغير تعريف. ثم نستخدمها بغير تفسير معناها، وفي الوقت نفسه نأخذ أنفسنا بهذا المبدأ الآتي: وهو ألَّا نستعمل أية عبارة مما عساه أن يَرِد في النسق الرياضي الذي نحن ماضون في بنائه. إلا إذا كانت تلك العبارة قد تحدَّد معناها بواسطة الحدود الأولية وبواسطة العبارات الأخرى التي سبق تحديدها على هذا النحو.»

إن التعريف الاشتراطي في العلوم كلها هو الذي يقطع دابر الخلاف على معاني الألفاظ والرموز المستعملة في كل علم على حِدَة، فإذا استعمل علم الطبيعة كلمة «حار» فإنه لا يترك معناها للأذواق الشخصية، فيقول شخص إن الجو حار اليوم، ليردَّ عليه الآخر بأنه ليس حارًّا؛ وإنما يعرف الكلمة تعريفًا اشتراطيًّا، فيقول: إني سأستعمل عبارة «درجة مئوية من الحرارة بالمعنى الفلاني»، وبعدئذٍ لا يكون خلاف بين الأشخاص على تحديد المعنى، فإذا قال مقياس الحرارة إن الجو حرارته ٣٠ درجة مئوية، عرف المقصود في غير موضع إلى جدل؛ وكلما وفق العلم في تحديد كلماته تحديدًا اشتراطيًّا على هذا النحو، كان سيره في طريق التقدُّم أيسر سبيلًا، ومن ثَم تستطيع أن تدرك لماذا قعدت علوم مثل الأخلاق والجمال، وإلى حدٍّ ما علما النفس والاجتماع، فلم تَسِر بنفس السرعة التي سارت بها علوم الطبيعة، لأن هذه العلوم تستخدم ألفاظًا، مثل خير وشر وجميل وقبيح وغريزة ومجتمع، بغير أن تحسم الأمر في تحديد معانيها.

(٣) وسائل التعريف الاسمي

حدَّدنا هدف التعريف الاسمي بأحد أمرَين، فهو إما يقصد إلى استبدال لفظ معلوم بلفظ مجهول، بحيث يجيء المعلوم مساويًا في الاستعمال الجاري للفظ المجهول، وهذا هو ما أطلقنا عليه اسم التعريف القاموسي، أو يقصد إلى تشريع معنًى جديد للفظ مُعيَّن ينوي الكاتب أو المتكلم أن يستعمله بذلك المعنى، وقد أطلقنا عليه اسم التعريف الاشتراطي، وواضح ألَّا وسيلة لهذا الضرب الثاني من ضربَي التعريف الاسمي، سوى أن يشترط صاحب الشأن ما شاء من معنًى للألفاظ التي يريد استعمالها، ما دام ينوي أن يخرج بها عن معناها المألوف في استعمال الواقع؛ وأما الضرب الأول، وهو التعريف القاموسي الذي يستبدل لفظًا بلفظ فله طرائق عِدَّة، نذكرها فيما يلي، لا على أنها الطرائق التي لا طريقة سواها في التعريف بمعاني الألفاظ المجهولة، لأن ذلك الحصر مستحيل، ما دام الأمر متوقفًا دائمًا على الظروف، فتتغير طريقة التعريف بتغيُّر الكلمة التي أريد تعريفها وتغير الشخص الذي أعرفه بمعناها، بل نذكر منها ما يلي تسجيلًا لما نلاحظه في خبرتنا، كيف يفسر الناس بعضهم لبعض معاني الألفاظ حين يريد عالم بمعناها أن يفسِّرها لمَن يجهلها، وهي:
  • (١)
    ترجمة اللفظ المجهول إلى ما يُساويه من لفظ معلوم، سواء كانت الترجمة من لغة أجنبية إلى اللغة القومية، أو كانت من عبارة إلى ما يساويها في نفس اللغة القومية؛ بعبارة أخرى هي طريقة تفسير اللفظ بما يُرادفه معنًى، إذا كان هذا المرادف معلومًا لمَن أفسِّر له اللفظ المجهول، فمثلًا إذا سألني طفل ناشئ في تعلُّم اللغة العربية: ما معنى «ليث»؟ قلت له: إنه «الأسد»، أو سألني: ما معنى «مشجب»؟ قلت له: إنه «الشماعة التي نعلِّق عليها الثياب»، وكذلك إنْ كان يتعلَّم الإنجليزية وصادَفَتْه — مثلًا — كلمة Dog ولم يعرف ماذا تعني، فأقول له: إنها تعني «كلبًا»، وهكذا؛ وهذه بعينها هي طريقة القواميس، فقواميس اللغة الواحدة تفسِّر لك كل لفظ بما يُساويه من اللغة نفسها، وقواميس اللغتين، كالقاموس «العربي الإنجليزي» مثلًا، تفسر لك كل لفظ في إحدى اللغتين بما يُساويه في اللغة الأخرى.
  • (٢)
    ذكر أمثلة للمواقف أو الأشياء التي يصحُّ للفظ المجهول أن يطلق عليها وبواسطة الأمثلة يعرف السائل معنى اللفظ المراد تعريفه، فإذا أردت — مثلًا — أن أفسِّر «الغيرة» لمَن لا يعرفها، لجأت إلى ذكر أمثلة مثل «عطيل»، وطريقة تصرُّفه في مسرحية شكسبير المعروفة بهذا الاسم، أو مثل «سوان» في كتاب بروست القصصي الفرنسي،١٨ وقد لجأ «كارناب»١٩ إلى هذه الطريقة حين أراد أن يعرف معنى عبارتَي «رمز وصفي» و«رمز منطقي»؛ إذ راح يذكر قوائم من الأمثلة التي توضِّح معنى كلٍّ من الرمزَين.

    والأغلب أن تستخدم هذه الطريقة حين يكون اللفظ المراد تعريفه اسمًا لمواقف كثيرة من الصعب تحديد أوجُه الشَّبَه الدقيق بينها؛ بحيث نأخذ العناصر المشتركة لنجعلها معنًى للفظ.

  • (٣)
    تحليل الكلمة أو العبارة إلى عناصرها؛ إذ كثيرًا ما يستغلق معنى الكلمة أو العبارة على السامع أو القارئ، حتى إذا ما رأى مجموعة العناصر التي يتألَّف منها المراد، اتضح له، مثال ذلك أن أفسِّر كلمة «الأرملة» بقولي: «امرأة كانت متزوجة ومات زوجها»، وأمثال هذا التحليل في الرياضة كثيرة، فنقول مثلًا: «أ٢ − ب٢» = (أ − ب) (أ + ب).

    وجدير بنا أن نذكر في هذا الموضوع أن كثيرين من علماء المنطق من رأيهم أن التحليل هو الطريقة الوحيدة للتعريف، وها قد رأينا — بالإضافة إلى ما سنراه بعدُ — أن للتعريف وسائل كثيرة، فكل وسيلة يستطيع بها إنسان أن يوضح عبارة لإنسان آخر لم يكن يفهمها، هي وسيلة للتعريف.

  • (٤)

    وكما تستطيع أن تعرف كلمة بتحليل معناها تحليلًا يبين أجزاءه، كذلك تستطيع أن تعرف اللفظ أو الرمز كائنًا ما كان بتركيبه مع أجزاء أخرى سواه، فيتضح معناه حين تتبين علاقاته بتلك الأجزاء، مثال ذلك أن تضع الكلمة المجهولة في عبارة، فيظهر معناها بفضل السياق، فإذا سألني طالب: ما معنى لفظي «فضلًا عني»، لجأت إلى استعمالها في جملة، مثل: لقد كافأت المجتهد بكتاب فضلًا عن الإشادة بذكره بين زملائه الطلاب.

    ومن ضروب التعريف التركيبي تعريف الشيء بما يسبِّبه، أو بما يصاحبه، كتعريف اللون الأزرق بأنه تأثر شبكية العين بضوء طول موجته يتراوح بين ٤٢٥٠–٤٧٥٠ أنجستروم،٢٠ فها هنا أعرِّف إحساس العين باللون الأزرق، بما يصاحب ذلك الإحساس من موجات الضوء.

    وتعريف أسماء الأعلام كثيرًا ما يتم بطريقة التركيب هذه، أي نذكر العلاقات التي تربط الاسم المراد توضيحه بغيره، فيتحدَّد معناه، كأن أقول لك: إن «طه حسين» هو «مؤلف كتاب الأيام»، وإن «نابليون» هو القائد الذي غزا مصر سنة ١٧٩٨م، وإن «القاهرة» هي الواقعة عند تقاطع خط طول ٣١ بخط عرض ٣٠، وهكذا.

    والظاهر أن «جونسن»٢١ كان أول مَن تنبَّه إلى التعريف بطريقة التركيب بعد أن كاد المناطقة جميعًا من قبله يحصرون انتباههم في التعريف بطريقة التحليل وحدها، يقول «جونسن»: «إننا بدل أن ننظر إلى «س» على أنها حدٌّ يُراد تعريفه فنعرضها في صورة مركبة من عناصرها «أ، ب، ﺟ، د»، نستطيع أن نتناول العنصر «أ» ونعرِّفه ببيان موضعه من ذلك المركب «س»، حيث يضاف إلى سائر العناصر «ب، ﺟ، د»، وهذا يبيِّن طريقتَين للتعريف، هما: الطريقة التحليلية والطريقة التركيبية، ففي التعريف التحليلي ننتقل من المركب إلى عناصره التي تساويه، وفي التعريف التركيبي نعرض طبيعة كل عنصر بسيط من تلك العناصر، لا بأن نبيِّن أنه مركب بدوره من عناصر، بل بوضعه في مكانه المركب الذي يحتويه ضمن غيره من العناصر …»
  • (٥)

    وسائل التعريف الأربع التي أسلفناها، كلها تفترض في سامعها إلمامًا سابقًا باللغة؛ إذ لا بد أن يعرف منها جانبًا يفهم به جانبًا آخَر، فلا فائدة منها للطفل الذي يُراد له تعلُّم اللغة من بدايتها، ولا بد من وسيلة أخرى تعرف الألفاظ بالإشارة إلى مدلولاتها، حتى يرتبط الاسم بمُسمَّاه، أو المسمى باسمه، فتشير بأصبعك أو تومئ برأسك للطفل الذي تريد أن تعلِّمه اللغة، تشير إلى شيء ما قائلًا: هذا هكذا.

    وقد أدخلنا هذه الوسيلة ضمن وسائل التعريف الاسمي رغم كونها لا تستبدل لفظًا بلفظ، بل تشير إلى الشيء وتُسمِّيه باسمه، لأنها نقطة البداية، أو قل كذلك إنها نقطة النهاية لمَن تفسر له اللفظة بلفظة تُساويها، وهذه بثالثة، وهكذا، ثم يحدث ألَّا يفهم أيًّا من هذه السلسلة كلها، فلا بد في النهاية أن نصل إلى مرحلة تفسر فيها اللفظة بالإشارة إلى مسماها، إذا لم يكُن مجال الحديث نسقًا رياضيًّا أو منطقيًّا لأننا في حالة الرياضة والمنطق — كما قدمنا — لا تنتهي بنا السلسلة إلى أشياء نشير إليها بأسمائها، بل إلى تعريفات اشتراطية لألفاظ، بدأنا بها السير.

    وللتعريف بالإشارة عيوب منها أن الشيء المشار إليه قد لا يتحدَّد بصورة قاطعة لمَن تعرف له الكلمة، «فافرض أن طفلًا أمامه لبن في زجاجة، وأخذت تكرِّر له كلمة «لبن» أو كلمة «زجاجة»، ففي الحالة الأولى قد يظن الطفل كلمة «لبن» دالة على زجاجة، وأنها تنطبق كذلك على زجاجة فيها ماء، وفي الحالة الثانية قد يظن الطفل كلمة «زجاجة» دالة على اللبن؛ وأنها تنطبق كذلك على كوب فيه لبن»،٢٢ ولذلك كان من الضروري للتعريف بالإشارة أن يُشار إلى الشيء مرات كثيرة وهو في ظروف مختلفة، كأن يُشار — في المثال السابق — إلى الزجاجة وهي فارغة؛ ثم وهي مليئة باللبن، ثم وهي مليئة بماء، وفي كل حالة يُقال: «زجاجة»؛ حتى يخص الطفل الكلمة بمُسمَّاها الحقيقي، وهكذا.

(٤) التعريف الإجرائي٢٣

وممَّا هو قريب الصلة بالتعريف الاسمي؛ الذي يجعل تعريف الكلمة إحلالًا لكلمات أخرى محلها؛ بحيث يظلُّ المعنى في الحالتين واحدًا، أن يُقال: إن تعريف الكلمة أو العبارة هو إحلال المجموعة السلوكية التي يسلكها الإنسان في دنيا الواقع عندما يجوز للمتفاهمين باللغة أن يطلقوا تلك الكلمة المراد تعريفها، أعني أنه إذا اتفق المتفاهمان على السلوك العملي المعين الذي يكون معنى الكلمة المراد تحديد معناها، انحسم بذلك كل خلاف، فلتكُن اللفظة المصطلح على استعمالها ما تكون، ما دام هنالك اتفاق على ما يعمل، فالإجراءات العملية وحدها هي التي تحدِّد معاني الألفاظ في نهاية الأمر.

ذلك رأي في التعريف أشاعه البراجماتيون، وأخذ به علماء الطبيعة في عصرنا هذا منذ عهد أينشتين إلى اليوم، ذلك أن العُرف المنطقي كان قد جرى على منوال النظرية الأرسطية في التعريف، وهو أن يكون تعريف فكرة مُعيَّنة تحليلًا لها في حد ذاتها، فيكفيك أن تُمعن النظر في المفهوم العقلي وحده لترى مقوماته التي منها يتألَّف، والتي بها يتميَّز من سائر المفاهيم الأخرى، لتكون قد بلغت غاية المدى في تعريفه، وهذا هو ما عناه ديكارت حين اشترط أن تكون الفكرة التي يقبلها المفكر «واضحة» و«متميزة»، فوضوحها هو ظهور مقوماتها للعيان العقلي، وتميزها هو مباينتها لما عداها، وهذا أيضًا هو أساس التعريف الأرسطي الذي يجعل تعريف فكرة ما ذكرًا لجنسها وفصلها، فالجنس هو طبيعتها وحقيقتها في حد ذاتها، والفصل هو ما تتميَّز به ممَّا عداها، كل ذلك ولا شأن لأصحاب هذا التعريف بالجانب التطبيقي العملي للفكرة المراد تعريفها، ولذلك كان يجوز أن يظلَّ الخلاف قائمًا بين متخاصمين على تعريف مفهوم معين، دون أن يجدا فيصلًا يحسم بينهما الخلاف.

أما الآخذون بالتعريف الإجرائي للألفاظ فلا ينشأ بينهم مثل هذا الموقف العقيم، لأنه إذا اختلف اثنان على معنى لفظة بذاتها، طلب أحدهما إلى الآخَر أن يعين له نوع الإجراءات العملية التي يريد للفظة أن تشير إليها، فإذا اتفق على مجموعة الإجراءات. فقد بات الاتفاق على معنى اللفظ أمرًا محتومًا.

افرض أن عالمًا مثل نيوتن قال عن «الزمان»: إنه نوعان: نسبي ومطلق؛ فالزمان النسبي هو ما يعرفه الناس في حيواتهم اليومية عندما يقسمون فترة زمنية إلى فترة زمنية أخرى فيقولون عنهما إنهما متساويتان أو متفاوتتان، فظهور الشمس مرَّتَين متواليتين في نقطة مُعيَّنة من السماء يستغرق فترة تساوي الفترة التي يستغرقها عقرب الساعات إذا ما دار دورتين، وأما الزمان المطلق — عند نيوتن — فهو الذي ينساب من تلقاء نفسه وبمحض طبيعته انسيابًا مطردًا منتظمًا بغض النظر عن أي شيء آخَر مما يطلق عليه أي اسم آخر، أي إنك لو أفرغت العالم من كل أشيائه بما لها من حركة، فسينعدم الزمان النسبي بطبيعة الحال، لأنه لن تعود هناك أشياء يقارن بعضها ببعض، لكن يبقى الزمان المطلق غير المتقيد بهذا الشيء أو ذاك.

فما موقف صاحب التعريف الإجرائي إزاء قولٍ كهذا؟ موقفه هو أن يطالب المتكلم بالتجارب التي تجري على الطبيعة، والتي يمكن أن يطلق عليها هي نفسها اسم «الزمان المطلق» فإذا لم يكُن هناك شيء من هذا، كانت عبارة «الزمان المطلق» بغير معنًى مفهوم، فالاسم كائنًا ما كان إنما يتحدَّد مُسمَّاه عندما يتحدَّد نوع الإجراءات العملية التي يمكن إجراؤها، فما الاسم إلا اسم لهذه الإجراءات العملية نفسها.

ولنضرب مثلًا آخَر بمفهوم «الطول»، فماذا نعني عندما نتحدَّث عن «طول» شيء ما؟ إن للكلمة معنًى مفهومًا عندما نتحدَّث عن طول شيء مُعيَّن كهذا الجدار مثلًا؛ إذ نقول: إن طوله أربعة أمتار، ونعني بذلك أن المتر موضوعًا إلى جانب الجدار أربع مرات متوالية، يطبق طرفه الأول على طرف الجدار من ناحية، وطرفه الثاني على طرف الجدار الآخر من ناحية أخرى؛ فهذه إجراءات عملية نلجأ إليها لنحدِّد طول الجدار، وتكون هي نفسها معنى كلمة «الطول» في هذه الحالة، فالمعنى هو هو بعينه مجموعة الإجراءات التي تجري، فإذا كان اللفظ مشيرًا إلى شيء في الطبيعة الخارجية، كان معناه إجراءات طبيعية تنصبُّ على الأشياء نفسها، وأما إذا كان اللفظ مشيرًا إلى مفهوم عقلي — كالمفاهيم الرياضية مثلًا — كانت الإجراءات التي تحدد معناها هي إجراءات عقلية، من قبيل ما تجريه في ذهنك عندما تراجع صحة عملية حسابية مُعيَّنة.

ويشترط لمجموعة الإجراءات التي نحدد بها مفهومًا ما أن تكون مجموعة فريدة، بمعنى ألَّا يكون هناك مجموعة إجرائية أخرى تقابل نفس المفهوم المراد تحديده، وإلا لحدث ازدواج في معنى ذلك المفهوم؛ ونعود هنا مرة أخرى إلى مفهوم «الزمان المطلق» ونسأل: كيف نقيسه؟ ما الإجراءات العملية التي نُجريها لنقيس «الزمان المطلق» المزعوم؟ فإذا لم نجد أمامنا إلا الإجراءات نفسها التي نحدِّد بها معنى «الزمان النسبي» كان الزمان كله نسبيًّا، ولم يكُن للزمان المطلق معنًى خاصٌّ به، وبدل أن نقول: إن الزمان المطلق لا وجود له، سنقول إن هذه العبارة خلو من المعنى.

(٥) قواعد التعريف

إننا نفرد عنوانًا خاصًّا لقواعد التعريف، لكي نؤكد تأكيدًا واضحًا أن ليس للتعريف قواعد على الإطلاق، ليس هنالك قاعدة واحدة مُعيَّنة لا بد من تطبيقها في كل تعريف، كيف يمكن أن تكون قاعدة للتعريف، والأصل فيه أن يصبح معنى الكلمة أو العبارة أو الرمز معروفًا لمَن لم يكُن يعرفه، فكل طريقة وكل أسلوب من شأنه أن يعرف معنى اللفظ أو الرمز لمَن لا يعرفه، طريقة صحيحة وأسلوب مقبول.

ومع ذلك فلننظر في القواعد كما تذكرها كتب المنطق لنُلقي عليها نظرة فاحصة، وسنختار مجموعتَين من القواعد: إحداهما من كتاب يؤمن صاحبه٢٤ «جوزف» Joseph بالمذهب الأرسطي الذي يجعل التعريف تعريفًا للشيء لا للفظ الذي يُسمِّيه، والثانية من كتاب آخَر تذهب صاحبته٢٥ «إستبنج» Stebbing إلى المذهب الآخَر الذي يجعل التعريف تعريفًا للفظ لا للشيء.
فالقواعد كما ذكرها Joseph هي:
  • (١)

    يجب أن يذكر التعريف جوهر الشيء المعرف.

  • (٢)

    يجب أن يكون التعريف بذكر الجنس والفصل.

  • (٣)

    يجب أن يكون التعريف مساويًا للمعرف.

  • (٤)

    لا يجوز أن يعرف الشيء بنفسه، بطريق مباشر أو غير مباشر.

  • (٥)

    لا يجوز أن يكون التعريف في ألفاظ معدولة (أي سالبة) إذا أمكن أن يكون في ألفاظ موجبة.

  • (٦)

    لا ينبغي للتعريف أن يكون مجازيًا أو غامض العبارة.

والقواعد كما ذكَرَتْها «إستبنج» هي: (غيَّرنا في ترقيمها وترتيبها لتسهل المقارنة بينهما وبين قواعد «جوزف»؛ فقد ذكرت أربع قواعد سنرقمها نحن ٣، ٤، ٥، ٦، لأنها تطابق هذه الأرقام في القائمة السابقة.)

(٣) يجب أن يكون التعريف مساويًا للمعرف.

(٤) لا يجوز أن يذكر في التعريف لفظ يرد في المعرف، أو لفظ يستحيل تعريفه إلا بواسطة ألفاظ المعرف.

(٥) لا يجوز أن يكون التعريف سالب العبارة، إلا إذا كان المعرف سالبًا.

(٦) لا يجوز أن يجيء التعريف في عبارة مجازية أو غامضة.

•••

وأول ما نلاحظه على هذه القواعد، هو أنها ملاحظات شتى وردَتْ في «طوبيقا» أرسطو، خصوصًا في الكتاب السادس، وهي هناك ليست مجموعة في مكان واحد، ومرتبة على صورة قائمة من قواعد، بل هي منثورة في الكتاب هنا وهناك … وهبطت إلى القرن العشرين بغير تغيير كبير، سوى أنها جمعت معًا، ورتبت في قائمة ذات أرقام.٢٦

ولما كان أرسطو دائمًا ينظر إلى التعريف على أنه تعريف ﻟ «الشيء» لا ﻟ «الاسم»، فنحن نلتمس العذر ﻟ «جوزف» في ذكر القواعد الأرسطية، لأنه يأخذ بوجهة نظره، ولا نجد عذرًا ﻟ «إستبنج» في ذلك لأنها تفهم التعريف بمعناه «الاسمي» لا بمعناه «الشيئي» وعلى كلِّ حالٍ فقد أنصفت بعض الإنصاف حين حذفت القاعدتين الأولى والثانية المذكورتين عند «جوزف».

ولننظر الآن إلى هذه القواعد، لنرى كيف أنها جميعًا لا تكون قواعد إلا إذا كان التعريف شيئيًّا كما فهمه أرسطو.٢٧
  • (١)
    يجب أن يذكر التعريف جوهر الشيء المعرف (جوزف) وهذا هو بعينه ما قاله أرسطو عن التعريف، حين قال: «إن التعريف عبارة تصف جوهر الشيء» (طوبيقا أر، ٥)، وواضح أن ذلك لا يكون إلا إذا وضعنا «الشيء» في اعتبارنا، أما إذا كنا نعرف «اللفظ» فليس بنا حاجة إلى ذكر ذلك الجوهر، وإلا فأين «جوهر الشيء» في تعريفنا للعبارة الرياضية أ٢ − ب٢ بأنها (أ − ب) (أ + ب)؟ المهم هنا هو أن نضع بدل الرمز المراد تحديده رمزًا يساويه؛ وقد أحسنت «إستبنج» صنعًا حين حذفت هذه القاعدة من قائمة قواعدها.
  • (٢)

    «يجب أن يكون التعريف يذكر الجنس والفصل» (جوزف) ومعناه أن تعريفك ﻟ «الشيء» يقتضي أن تنسبه للجنس الذي هو مُنتمٍ إليه، ثم تذكر الصفة التي تفصله عن بقية الأشياء التي تنتمي للجنس نفسه؛ فهذه القاعدة لا تكون قاعدة عامة إلا إذا كان التعريف شيئيًّا؛ وإذَن فلا تصلح هذه أن تكون قاعدة تنطبق على كل وسائل التعريف التي ذكرناها فيما سبق؛ وقد أحسنت «إستبنج» صنعًا هنا أيضًا، حين حذفت هذه القاعدة من قائمتها.

  • (٣)

    «يجب أن يكون التعريف مساويًا للمعرف» (جوزف وإستبنج) هذه كذلك لا تكون قاعدة عامة إلا إذا جعلنا التعريف شيئيًّا، عندئذٍ يجب أن يكون التعريف جامعًا لكل الأشياء التي تدخل في النوع المعرف، وألا يدخل فيه شيء غير ذلك، لكنها لا تصلح قاعدة للتعريف الاسمي؛ إذ لو انطبقت على بعض وسائل التعريف الاسمي، فهي لا تنطبق على بعضها الآخَر، فماذا نقول في التعريف بذكر الأمثلة؟ إننا إذا اعترفنا بأن ذكر الأمثلة ضرب من التعريف بمعنى الكلمة التي نمثل لها، بطلت هذه القاعدة على الفور؛ ثم ماذا نقول في التعريف بالطريقة التركيبية التي تعرف الكلمة بوضعها في سياق يحتويها، وماذا نقول في تعريف الكلمة بالإشارة إلى مسماها؟ إن التعريف هنا هو فعل الإشارة إلى جهة معينة، فهل هذا الفعل مساوٍ ﻟ «كتاب» أو «مصباح» أو «شجرة» مما عسى أن أشير إليه حين أريد تعريف معاني هذه الكلمات لمن لا يعرفها؟

    والعجيب أن تأخذ «إستبنج» بهذه القاعدة مع اعترافها بأن التعريف يكون للألفاظ لا للأشياء.

  • (٤)
    «لا يجوز أن يعرف الشيء بنفسه» (جوزف وإستبنج)، معنى ذلك أنه لا يجوز أن أعيد لفظًا من ألفاظ المعرف في التعريف، لكن ذلك لا ينطبق على بعض أنواع التعريف الاسمي، فهو لا ينطبق — مثلًا — على تعريف اللفظ بوضعه في سياق يوضحه، لأنك في هذه الحالة بمثابة مَن يُعيد أجزاء السياق كلها بعد تغيير الجزء الواحد المراد توضيحه، فإن كانت «ب ﺟ» في السياق «أ ب ﺟ د»، غير مفهومة وتحتاج إلى التعريف، فسأضع مكانها «س ص» لتفسيرها، ويصبح السياق الجديد «أ س ص د» مفهومًا — هذا تعريف ولا شك، ومع ذلك فهو يكرر أجزاءً من المعرف في التعريف — وفي ذلك يقول «جونسن»:٢٨ «إن تعريفًا كهذا الذي أسلفنا رمزه، مرفوض في كتب المنطق السائدة، على أساس أنه معيب من حيث إنه تحصيل حاصل (يعيد في التعريف ما يراد تعريفه) لأنه يكرر تكرارًا حرفيًّا الأجزاء «أ د» من العبارة الرمزية المراد تعريفها وهي «أ ب ﺟ د»، لكن هذا النوع من التعريف، بعيد على أن يكون موضعًا للاتهام، لدرجة أننا نعدُّه هو التعريف الذي يحقق ما نطلبه على أكمل الوجوه، فكلما ازددنا دقة في تكرار نفس الكلمات وطريقة تركيبها في التعريف كما هي في العبارة المراد توضيحها، ازددنا كذلك دقة في تحقيقنا لشروط التوضيح … ويلزم عن هذا استحالة أن يكون هنالك قاعدة عامة أو صورية لنقد التعريف يستطيع المنطق أن يصطنعها في كل حالة؛ فكون التعريف المقترح جيدًا أو رديئًا، متوقِّف كلَّ التوقف على معرفة السائل أو جهله بمعاني الألفاظ.»
  • (٥)

    «لا يجوز أن يكون التعريف في ألفاظ سالبة إذا أمكن أن يكون في ألفاظ موجبة» (جوزف وإستبنج).

    هذه هي القاعدة الوحيدة بين القواعد المذكورة، التي لم تَرِد عند أرسطو فيما يظهر.

    ونحن نسأل: لماذا يشترط علينا ألا نضع في التعريف ألفاظًا سالبة؟ هل الأمر هنا متعلِّق بالأسلوب وجماله، بحيث يرى المشترطون هذا الشرط، أن الأسلوب يجود إذا خلا من الألفاظ السالبة؟ ماذا يعيب التعريف إذا استطعت أن أوضح المراد عن طريق السلب؟ لقد عرَّف إقليدس «النقطة» بأنها «ما ليس له أجزاء» مع أن النقطة ليس في معناها ضرورة السلب كما اشترطت «إستبنج» في صياغتها لهذه القاعدة؛ فهل ترى أن ذلك تعريف لا يؤدي الغاية منه؟ أين الخطأ الرياضي حين أعرف العبارة الموجبة «س ص» بعبارة سالبة تساويها هي «− س × − ص»؟ — لعل المراد بهذه القاعدة تحذير لنا ألا يكون تعريفنا للشيء بنفي اللفظ عما عداه، كأن يسألني الطفل: ما معنى «مصباح»؟ — فأشير له إلى مقعد وأقول له: ليس هذا مصباحًا؛ لو كان هذا هو المراد فالتحذير مقبول، ولو أن ما يحذروننا منه قليل الحدوث.٢٩
  • (٦)

    «لا ينبغي للتعريف أن يكون مجازيًّا أو غامض العبارة» (جوزف وإستبنج).

    ونحن بالطبع نوافق على أن يكون التعريف واضح العبارة غير غامضها؛ لأن التوضيح هو غايته، لكن هذه نصيحة وليست بقاعدة، ثم هي نصيحة بما لا يحتاج إلى النصح.

    غير أننا لا ندري لماذا يحرم المجاز في التعريف؟ إنه كثيرًا جدًّا ما يتم توضيح الغموض بالتشبيه والاستعارة وغيرهما من ضروب المجاز؛ انظر مثلًا إلى أرسطو نفسه حين أراد تعريف المادة فقال: هي بالنسبة للجوهر ما يكون البرونز بالنسبة للتمثال، ولا بأس به من توضيح مجازي لما أريد توضيحه.

    ثم أين تكون الحدود الفاصلة بين الألفاظ التي تعبر عن حقيقة والألفاظ التي تعبر عن مجاز؟ إن ألوفًا من ألفاظ اللغة كانت تستعمل لشيء واستعيرت لشيء آخر؛ هل أستعمل كلمة «القيام» بالنسبة للثورة أو لا أستعملها؟ هل أستعمل كلمة «الجريان» للنهر أو لا أستعملها؟ هل أستعمل «البناء» للجملة اللغوية أو لا أستعملها؟ كل هذه ألفاظ تُستعمَل لشيء وتُستعار لشيء آخر.

إن الغاية من التعريف هي التوضيح لمَن ليس اللفظ واضحًا له، وكل ما يوضح هو تعريف صحيح.

١  Ramsey, F. P., The Foundations of Mathematics، ص٢٦٣١.
٢  المرجع نفسه ص٢٦٤.
٣  Robinson, Richard, Definition، ص١٦.
٤  راجع الفصل الأول من هذا الكتاب.
٥  راجع كتاب محاورات أفلاطون للمؤلف.
٦  طوبيقا أول، ٦.
٧  أخلاق، جزء أول، قضية ٨.
٨  Wilson, Cook, Statement and Inference.
٩  Joseph, H. W. B., An Intr. to Logic.
١٠  طرأ على تقسيم المحمولات تغير على يدي فورفوريوس (ولد ٢٣٣م)؛ إذ استبدل بالتعريف — وهو أول المحولات — النوع، وأصبحت الأقسام هي: النوع، الجنس، الفصل، الخاصة؛ العرض، ويلاحظ أن هذا التغيير يتضمن تغييرًا في وجهة النظر من أساسها؛ إذ يجعل التقسيم منصبًّا على علاقة الموضوع الجزئي بمحمولاته، لا علاقة المحمول بموضوعه الذي هو دائمًا نوع، على اعتبار أن الفرد الجزئي لا تعريف له، والأنسب أن تسمى قائمة «فوفوريوس» بالكليات، لأنها تحصر أنواع اللفظ الكلي الذي يجوز للفرد الجزئي أن يندرج فيها.
١١  نقول ذلك لأن الرأي في ذلك على اختلاف، «فالجنس الأعلى» عند فريق من أصحاب وجهة النظر التي نبسطها، هو «الوجود الخالص»، و«الوجود الخالص» يستحيل أن يشاركه في درجة التعميم شيء آخر، لأن أي شيء آخر يتصف بالوجود، وإذَن فهو أخص من «الوجود الخالص» الذي يقع تحته كل ما يتصف بالوجود.
لكنَّ هناك فريقًا آخَر، يقول: إن «الجنس الأعلى» هو المقولات العشر كلها — والمقولات هي أنواع الصفات أو المحمولات التي تستطيع أن تصف بها فردًا معينًا كائنًا ما كان؛ فإذا سألت عن أي شيء ما هو؟ كان حتمًا أن يقع الجواب تحت واحد منها، وهي: الجوهر والكمية والصفة والإضافة والمكان والزمان والوضع والملك والفعل والانفعال — هذه هي المقولات التي جعلها أرسطو «أنواعًا للوجود»، فإذا سألت عن فرد معين: ما هو؟ وأجبتك بأنه إنسان أو حصان أو ذهب، فقد أخبرتك بجوهره، وإذا سألتني عن شيء وكان جوابي: إنه ثلاثة أمتار كان ذلك وصفًا لكميته، وقد أصفه بكيفيته فأقول: أبيض، أو بإضافته إلى شيء آخر، فأقول: إنه نصف، أو بمكانه فأقول: إنه في المنزل، أو بزمانه فأقول: إنه حدث أمس، أو بوضعه فأقول: إنه جالس، أو بملكه — أي بحالته — فأقول: إنه شاكي السلاح، أو بالفعل كالقطع أو بالانفعال مثل مقطوع.
وهناك رأي يقول: إن المقولات العشر ليست كلها في مرتبة سواء، فالجوهر يكون موضوعًا، والمقولات التسع الأخرى تكون محمولات له، ثم هنالك رأي آخَر يجعل الجوهر والإضافة (أي العلاقة) في مرتبة أعلى من حيث التعميم … والاستطراد في تفصيلات الموضوع يخرجنا عن سياق الحديث. فتكفينا هذه الإشارة إليه.
١٢  Johnson, W. E., Logic، الجزء الأول: ص١٠٣.
١٣  راجع Robinson, Richard, Definition، الفصلان الثالث والرابع.
١٤  Johnson, W. E., Logic، الجزء الأول، ص١٠٤-١٠٥.
١٥  Ayer, A. J., The Foundations of Empirical Knowledge، ص١٩٨.
١٦  Whitehead and Russell, Principia Mathematica، ج١، ص١١.
١٧  Tarski, Alfred, Introduction to Logic، ص١١٧–٤١٨.
١٨  المثل مأخوذ من A. J. Ayer.
١٩  Carnap, Rudolf, Introduction to Semantics، ص٥٧-٥٨.
٢٠  الأنجستروم وحدة طولية مقدارها جزء من مائة مليون جزء من السنتيمتر، يقاس بها طول الموجات الضوئية، وسميت كذلك باسم العالم الطبيعي السويدي A. J. Angstrom.
٢١  Johnson, W. E., Logic، الجزء الأول، ص١٠٨-١٠٩.
٢٢  Russell, B., Human Knowledge، ص٧٩.
٢٣  راجع Bridgman, P. W., The Logic of Modern Physics، ص١–٢٥.
٢٤  Joseph, H. W. B., An Introduction to Logic، ص١١١–١١٥.
٢٥  Stebbing, S. A., Modern Intr. to Logic، ص٤٢٤-٤٢٥.
٢٦  Robinson, Richard, Definition، ص١٤٢.
٢٧  اعتمدنا في التحليل الآتي بعض الاعتماد على المرجع السابق نفسه.
٢٨  Johnson, W. E., Logic، الجزء الأول، ص١٠٥.
٢٩  حدث لي في تجربتي الشخصية حين كنت طالبًا أنْ سألتُ مدرسًا إنجليزيًّا عن معنى كلمة Art (فن) فرفع الرجل رأسه إلى السقف وكانت به رسوم وقال: That is not art (ليس هذا فنًّا) فلعل مثل هذه الإجابة هو ما يحذرنا منه أصحاب القاعدة التي نناقشها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥