الفصل التاسع

منطق العلاقات

نظرية العلاقات من أهم ما استحدثه المنطق الحديث، «فهي تكون في المنطق جزءًا خاصًّا غاية في الأهمية»١ كما أنها «من أكثر فروع المنطق الرياضي تقدُّمًا»؛٢ ومن أول من يرجع إليهم الفضل في استحداث هذا الجانب الهام من جوانب المنطق، هم «دي مورجان»٣ المنطقي الإنجليزي، و«بيرس»٤ الأمريكي، و«شريدر»٥ الألماني؛ ثم جاء «رسل»٦ فتناول الموضوع بالتوسُّع في التحليل والإيضاح.
إنه لمما يلفت النظر حقًّا أن نرى الفلاسفة فيما قبل العصر الأخير، كلما تناولوا المعاني الكلية بالبحث، انصرف انتباههم إلى نوعين منها، هما أسماء الذوات ثم الصفات، وأما العلاقات التي تربط الأشياء بعضها ببعض، والتي تتمثَّل لغة في أحرف الجر وفي الأفعال، فلم تظفر منهم بنصيب من التفكير؛ وكان لإهمال العلاقات على هذا النحو أثر بعيد عميق في تكوين الفلسفات فيما مضى؛ إذ أدَّى في كثير من الأحيان إلى فلسفة مثالية ترى في الكون حقيقة واحدة لا كثرة فيها ولا تعدُّد، لأن الكثرة في الأشياء إنما يتصورها الإنسان حين يتصور ما بين الأشياء من روابط وصِلات، فإذا انعدمت هذه الروابط والصلات، وجدت الإنسان أميل بفكره إلى جعل الحقيقة كائنًا واحدًا؛ وحتى إن تصور الفيلسوف المثالي في الأشياء تعددًا وكثرة، رأيته يجعلها — كما فعل ليبنتز — غير متصل بعضها ببعض، كل كائن قائم وحده لا سبيل إلى اتصاله بسائر الكائنات، كأنه حصن مقفل النوافذ لا يطل على شيء خارجه ولا يطل شيء من خارج عليه.٧

فقد كان أرسطو وأتباعه يحصرون انتباههم فيما أطلقوا عليه اسم القضية الحملية التي قوامها الأساسي موضوع ومحمول، أي موصوف وصفته، وكانوا يردون كل قضية، مهما كانت صورتها، إلى هذا النوع الواحد الذي شغل أذهانهم، فإن قلت: «سقراط إنسان» قالوا: «سقراط موضوع، وإنسان محمول»، وإن قلت: «قيس أحبَّ ليلى»، قالوا: «قيس موضوع وإنسان أحبَّ ليلى محمول»، وهكذا.

ونظرة تحليلية يسيرة، تبين لك أن الشيء لا يتميز بصفاته فقط، بل يتميز كذلك بعلاقاته بأشياء أخرى، وأهم ما يميز الصفة عن العلاقة، هو أن الموضوع الموصوف بصفة ما يفهم مستقلًّا عن سواه، فقولي: هذه الورقة بيضاء كافٍ وحده للفهم، أما الموضوع المرتبط مع شيء آخَر بعلاقة ما، فلا يفهم هو وعلاقته وحدهما إلا إذا أضيف كذلك الشيء الآخر المرتبط بتلك العلاقة، فلو قلت: «طنطا بين» وسكت عند ذلك، لَمَا فهم السامعُ شيئًا؛ إذ لا بد أن أكمل له الأطراف الأخرى التي ترتبط مع طنطا بعلاقة «بين»، فأقول مثلًا: طنطا بين القاهرة والإسكندرية، وعندئذٍ يتم الفهم.

وإنك لتجد من ألفاظ اللغة ألفاظًا خاصة بالتعبير عن علاقات الأشياء بعضها ببعض، مثل: فوق، وتحت، وإلى يمين، وإلى يسار، من ألفاظ العلاقات المكانية، ومثل: قبل، وبعد، من ألفاظ العلاقات الزمانية، ومثل: يساوي، ويختلف عن، ووالد، وشقيق، وغيرها من مئات الألفاظ التي من شأنها أن تصوِّر نوع العلاقة الكائنة بين الأشياء، حتى تأتي اللغة مصورة للواقع؛ إذ الواقع مركَّب من أشياء يتعلَّق بعضها ببعض على نحو ما، فإنْ كان هناك طائر على شجرة، فهناك في الواقع شيئان، لكن تربطهما علاقة نعبِّر عنها بكلمة «على» حتى يجيء الكلام صورة مطابقة للواقعة الخارجية بحدودها وعلاقاتها معًا.

بل لعل ما يميز اللغة الإنسانية عن صرخات الحيوان، هي الألفاظ الدالة على العلاقات، ولو كان أمر التفاهم مقصورًا على تسمية الأشياء بأسمائها، لاكتفينا بإشارةٍ بالإصبع أو بإيماءة الرأس إلى الشيء المقصود، والحيوان بصرخة مُعيَّنة يُسمِّي شيئًا مُعيَّنًا مما يهمه أن ينبه زملاءه إلى وجوده، لكنه لا يستطيع أن يصور العلاقة بين شيئين.

ولئنْ كان علم النحو يفرق بين كلمة مثل «على» فيقول إنها حرف، وكلمة مثل «أحب» فيقول إنها فعل، وهكذا، فالمنطق يجعلهما سواء، لأن كليهما يؤدي عملًا واحدًا من الوجهة المنطقية، وهو تصوير العلاقة بين الأشياء؛ فعبارة «الطائر على الشجرة» وعبارة «قيس أحب ليلى» كلاهما يصور طرفين مرتبطين بعلاقة ما، وكلمة «على» هي التي صورت العلاقة في العبارة الأولى، وكلمة «أحب» هي التي صورت العلاقة في العبارة الثانية، وإذَن فكلاهما من الألفاظ الدالة على علاقات، وأما «طائر» و«شجرة» و«قيس» و«ليلى»، فكلمات دالة على أشياء أو عناصر.

وواضح أن العلاقات المختلفة تتطلب عددًا مختلفًا من العناصر أو الحدود، فهنالك علاقات يتم معناها بذكر عنصرين، مثل علاقة «شمالي» و«والد» و«يساوي» … إلخ، فنقول «أ شمالي ب»، «أ والد ب»، «أ يساوي ب»، وهذه هي ما تُسمَّى بالعلاقة الثنائية، وهنالك علاقات لا يتم معناها إلا بذكر ثلاثة أطراف، مثل علاقة «بين» و«أعطى» … إلخ، مثل «أ بين ب، ﺟ» «أ أعطى ب ﻟ ﺟ» وتسمى هذه بالعلاقة الثلاثية، وهكذا.

(١) العلاقات العنصرية والعلاقات المنطقية

ونستطيع أن نميز بين مجموعتين مختلفتين من العلاقات: (أ) العلاقات العنصرية٨ و(ب) العلاقات المنطقية؛ أما الأولى فهي التي تربط حدين أو أكثر تتركب منها قضية واحدة، كالتي تراها متمثلة في الأمثلة السابقة، وأما الثانية فهي التي تربط قضية بقضية غيرها، وتجعل منهما قضية مركبة، مثل «إذا … إذَن …» و«… تستلزم …» و«إما … أو …» ما دامت الأطراف المرتبطة بهذه العلاقات قضايا كاملة، كقولنا: «إذا لمع البرق، سُمع صوت الرعد.»

ولقد بحثنا العلاقات المنطقية التي تربط القضايا بحثًا مفصلًا عند الكلام على القضية المركبة في الفصل الخامس.

(٢) مصطلحات عامة في نظرية العلاقات

يحسن قبل المضي في تفصيل العلاقات، أن نوضح ألفاظًا تستخدم في وصفها؛ «فاتجاه»٩ العلاقة هو طريق سيرها، فكلمة «أكبر من» مثلًا تدل على علاقة، فإن قلت أ أكبر من ب، كان «اتجاه» العلاقة بادئًا من أ وسائرًا نحو ب، ويُسمى الحد الذي تبدأ منه العلاقة ﺑ «طرف البداية»١٠ كما يسمى الحد الذي تنتهي إليه العلاقة ﺑ «طرف النهاية»،١١ ففي قولنا «أ أكبر من ب» أ هي طرف البداية، ب هي «طرف النهاية»، و«نطاق»١٢ العلاقة هو مجموعة الحدود التي ترتبط بهذه العلاقة، فمثلًا علاقة «زوج» نطاقها هو كل الأفراد الذين يمكن أن يرتبطوا بهذه العلاقة بأفراد آخرين، بحيث يقال عن الواحد منهم: «أ زوج …»؛ و«النطاق العكسي»١٣ للعلاقة هو مجموعة الأفراد أو الحدود التي يمكن أن تكون طرف النهاية بالنسبة إلى أفراد النطاق، ففي المثال السابق، مجموعة الزوجات تكون النطاق العكسي لمجموعة الأزواج، و«المجال»١٤ هو مجموع أفراد النطاق والنطاق العكسي معًا.
وسنصطلح على أن نستخدم فيما يلي الرمز ع ليدل على لفظ العلاقة، والرمز ~ ع ليدل على نفيها، فلو قلنا «أ ع ب» كان معنى ذلك أن ثمة علاقة معينة بين أ، ب وإذا قلنا: «~ (أ ع ب)»، كان المعنى تكذيب وجود علاقة معينة بين أ، ب.

وسنبدأ الآن في بحث أهم العلاقات التي نصادفها في قضايا العلوم المختلفة وبخاصة العلوم الرياضية.

(٢-١) علاقة الذاتية (الهوية)

الذاتية هي علاقة الفرد الجزئي مع نفسه، بحيث إذا اختلفت الظروف من حوله، ظل هو ما هو، ذلك إذا لم نأخذ الفرد الجزئي بالمعنى التفصيلي الدقيق، الذي يحمل الجزئي حالة واحدة من سلسلة الحالات التي من مجموعها يتكون ما جرى العُرف على تسميته بفرد جزئي؛ فالعرف يجري على أن يعتبر «العقاد» فردًا جزئيًّا؛ على حين أن الجزئي الحقيقي حالة واحدة من حالاته المتتابعة التي يتكوَّن تاريخه منها؛ لكننا لو أخذنا الجزئي بهذا المعنى الدقيق، لَمَا كان للجزئي ذاتية يحتفظ بها؛ لأن كل حالة جزئية تمضي ولا تعود، هذا المكتب الذي أمامي ليس هو على وجه الدقة المكتب الذي كان بالأمس، بل هو حالة جديدة من سلسلة حالات يتكون منها «المكتب»، هذا هو الحق الواقع، لكن الحق الواقع كذلك هو أن الحالة الجديدة التي عليها المكتب الآن، لم تغير من مكتب الأمس إلا تغييرًا طفيفًا، بحيث لا يتعذَّر على مَن رأى مكتب الأمس ثم رأى مكتب اليوم، أن يقول: إن هذا هو نفسه ذاك، أعني أنه يعرف للمكتب ذاتيته التي احتفظ بها رغم اختلاف الظروف التي تحيط به.

من أجل هذا إن إدراكنا لذاتية شيء ما مقصود به أننا رأينا الشيء في محيطين مختلفين، فعرفنا أن الشيء في هذا المحيط هو نفسه الشيء في ذلك المحيط، ولهذا أيضًا، كانت علاقتا «الذاتية» و«التباين» ضدين لا يجتمعان، بحيث إذا كان ثمة شيئان «أ» و«ب» فيستحيل أن تكون «أ» متطابقة تطابقًا ذاتيًّا مع «ب»، وفي الوقت نفسه يُقال عن «أ» إنها شيء آخر غير «ب»، إذ لو كانتا متطابقتين ذاتيًّا لما كانتا متباينتين، والعكس صحيح أيضًا، فلو كانتا متباينتين لاستحال أن تكونا متطابقتين ذاتيًّا، فالحالتان يستحيل اجتماعهما معًا، ومن ثَم أيضًا تستطيع أن تعتبر «الذاتية» و«التناقض» وجهين لحقيقة واحدة، بمعنى أن الحالتين أ، ب، إنْ كانتا متطابقتين تطابقًا ذاتيًّا، فهما ليستا بالمتناقضتين، وإن كانتا متناقضتين فيستحيل أن يكون بينهما تطابق ذاتي.

كثيرًا ما يجيء التعبير عن علاقة الذاتية في كتب المنطق، على هذه الصورة: «أ متطابقة ذاتيًّا مع أ» لكن في هذا التعبير إعمالًا لعنصر أساسي في علاقة الذاتية، وهو اختلاف الظروف المحيطة بالشيء الذي نعرف له ذاتيته، «فأهم ما نقصد إليه بهذه العلاقة، هو أن اللفظة «س» حين يتكرر ذكرها، سواء كان ذلك التكرار في سياق معين أو لم يكن مرتبطًا بسياق معين، يظل للفظة في الاستعمالات المستقبلة معناها الذي كان لها حين وردت في الحالات السابقة.»١٥
على أن ما يهمنا بصفة خاصة هو أننا إذا عرفنا كلمة أو عبارة «س» بكلمة أو عبارة «ص» وجب أن يكون بين «س» و«ص» تطابق ذاتي يجعل الواحدة منهما مساوية في الاستعمال للأخرى، بحيث لو استعملنا الواحدة مكان الأخرى، فكأننا استعملنا الكلمة نفسها مكان نفسها، وفي ذلك يقول «مل» في سياق شرحه لعلاقة الذاتية: «إن كل ما يصح قوله بعبارة لفظية معينة، صحيح في أي عبارة لفظية أخرى تحمل المعنى نفسه.»١٦ فالعبارتان اللفظيتان المتساويتان في المعنى، بينهما تطابق ذاتي، وقد عبر «برادلي» عن هذا المعنى نفسه للذاتية في الفصل الذي عقده لشرحها؛١٧ إذ قال: «إذا ما صدق اللفظ مرة فهو صادق دائمًا، وإذا ما كذب مرة فهو كاذب دائمًا، فالصدق لا يتوقف على أهوائي أنا، كلا ولا هو يتوقف على تغيير الظروف والمصادفة، فغيِّر ما شئت في ظروف المكان أو الزمان، وغيِّر ما شئت في الحوادث والسياق، فلن تجعل صدق القول بهذا التغيير باطلًا، إن القول الذي أقوله مرة، إذا كان صادقًا، فسيظل صادقًا إلى الأبد.»

الذاتية والتساوي

ما دمنا نقصد بالذاتية — أولًا وقبل كل شيء — إلى تساوي المترادفين، أو تساوي العبارتين، بحيث نعدهما كالكلمة الواحدة، أو العبارة الواحدة، ما دامتا تتفقان فيما تشيران إليه من معنًى، كانت علاقة الذاتية هي علاقة التساوي، ولذا فرمزها في المنطق الرياضي هو هذه العلامة =، حتى إذا ما قلنا إن س، ص بينهما تطابق ذاتي، كان المراد هو س = ص، وأما علاقة الاختلاف، أو عدم التطابق الذاتي، فرمزها هو ، فإذا أردنا أن نقول: إن ص، س ليستا متطابقتين تطابقًا ذاتيًّا، عبَّرنا عن ذلك بهذه العبارة الرمزية س ص.
إذَن فتحديدنا لمعنى التساوي هو أيضًا تحديد لمعنى الذاتية، فماذا نعني على وجه الدقة بقولنا س = ص؟١٨
  • (١)

    القانون الأول في تحديد معنى س = ص، وهو ما يسمى أحيانًا بقانون ليبنتز، لأن ليبنتز كان أول من قرَّرَه، مُؤدَّاه أن س = ص عبارة صحيحة في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون «س» لها كل الخصائص التي ﻟ «ص»، وأن تكون «ص» لها كل الخصائص التي ﻟ «س»، أو بعبارة أخرى، س تساوي ص لو كانتا مشتركتين في كل الخصائص؛ ومما يترتب على هذا القانون أنه إذا ثبت صدق العبارة س = ص، أمكننا أن نضع أيهما مكان الأخرى في أي سياق شئنا؛ هذه حقيقة هامة جدًّا من الناحية المنطقية، لأنها تلخص التعريف في صميمه، فما التعريف إلا أن نثبت صحة الترادف بين لفظتين أو عبارتين فيما تشيران إليه من حقائق الواقع، فإذا ثبت لنا ذلك، كان لنا أن نضع المرادف مكان مرادفه في أي موضع ورد من السياق.

    ومن قانون ليبنتز السابق، تتفرَّع قوانين أخرى، تعتمد عليه، منها:

  • (٢)

    كل شيء مساوٍ لنفسه، أي س = س.

    والبرهان على ذلك هو أن نضع س مكان ص في قانون ليبنتز، فينتج لك ما يلي: (س = س عبارة صحيحة في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون «س» لها كل الخصائص التي ﻟ «س» وأن تكون «س» لها كل الخصائص التي ﻟ «س»)، وطبعًا نستطيع أن نختصر هذه العبارة بحذف شطرها الثاني.

  • (٣)

    والقانون الثالث في تحديد معنى س = ص (وهو أيضًا كالقانون الثاني متفرِّع من القانون الأول ومعتمد عليه) هو:

    إن كانت س = ص إذَن ص = س.

    وبرهان ذلك كما يأتي:

    ضع في قانون ليبنتز (القانون الأول) س مكان ص، ص مكان س، فينتج لك ما يلي: (ص = س عبارة صحيحة في حالة واحدة فقط، هي أن تكون «ص» لها كل الخصائص التي ﻟ «س» وأن تكون «س» لها كل الخصائص التي ﻟ «ص».)

    ولما كانت هذه الصيغة بشقيها هي نفسها صيغة القانون الأول بشقيها، وكل ما بينهما من اختلاف هو تبادل الوضع بين الشقين، فما هو أول في الحالة الأولى يأتي ثانيًا في الحالة الثانية، كانت الصيغتان متساويتين، وبالتالي كانت العبارتان الرمزيتان اللتان تساويانهما متساويتين كذلك، أي إن:

    س = ص، ص = س صيغتان متساويتان.

    وبالتالي يجوز لنا أن نقول: إنه إذا صدقت الصيغة الأولى، صدقت كذلك الصيغة الثانية؛ وهو نص القانون الذي أردنا إقامة البرهان عليه.

  • (٤)

    والقانون الرابع في تحديد معنى س = ص (وهو أيضًا مترتب على قانون ليبنتز) هو:

    إذا كانت س = ص، ص = ط إذَن س = ط.

    البرهان:

    هنا عبارتان مفروض فيهما الصدق، وهما:
    • (١)

      س = ص.

    • (٢)

      ص = ط.

    وبناءً على قانون ليبنتز، كل ما يقال عن «ص» في العبارة الثانية يمكن قوله كذلك على «ط»؛ إذَن فلنا أن نضع «ط» مكان «ص» في العبارة الأولى، فينتج لنا العبارة المطلوبة وهي: «س = ط».

  • (٥)

    القانون الخامس في تحديد معنى س = ص (وهو أيضًا متوقف على القانون الأول، قانون ليبنتز) هو:

    إذا كانت س = ط، ص = ط س = ص، أو بعبارة أخرى، الشيئان اللذان يساويان شيئًا ثالثًا يكونان متساويَين.

البرهان

بناءً على قانون ليبنتز، يمكننا في العبارة الثانية أن نقول عن «ص» كل ما نقول عن «ط»، إذَن فيجوز لنا في العبارة الأولى أن نضع «ص» مكان «ط» فينتج لنا: «س = ص»، وهي العبارة المطلوبة.

(٢-٢) علاقة التماثل١٩

سنرمز فيما يلي بالرمز «ع» للعلاقة في اتجاهها من طرف البداية إلى طرف النهاية؛ أي في سيرها من اليمين إلى اليسار هكذا ، وبالرمز «ع» لنفس العلاقة في الاتجاه المعاكس، أي في سيرها من اليسار إلى اليمن، هكذا ، ثم نرمز بالحروف الأبجدية العادية: أ ب ﺟ … إلخ للأطراف التي ترتبط بعلاقة معينة؛ فلو كتبنا هذه الصيغة «أ ع ب» كان معناها أن العلاقة تربط «أ» ﺑ «ب» على أن تكون «أ» هي طرف البداية، و«ب» هي طرف النهاية؛ وإذا أردنا أن نقرأ الصيغة معكوسة، بادئين من «ب» وسائرين نحو «أ» رمزنا لهذه الحالة بهذه الصيغة «ب ع أ».
  • (أ)
    فالعلاقة تكون تماثلية٢٠ إذا كانت ع = ع ، فلو كان لدينا هذه الصيغة «أ ع ب» أمكن أن نستبدل بها هذه الصيغة الأخرى «أ ع ب».

    ومن أمثلة الكلمات التي تدل على علاقة تماثلية ما يأتي: شقيق، ابن عم، يساوي، يختلف عن.

    فلو قلنا: إن «أ شقيق ب» أمكن كذلك أن نقول: إن «ب شقيق أ» أو قلنا: إن «أ تساوي ب» أمكن كذلك أن نقول: إن «ب تساوي أ» وهكذا.

  • (ب)
    والعلاقة تكون لا تماثلية٢١ حين تكون ع، ع نقيضتين، بمعنى أنه لو كانت لدينا هذه الصيغة الآتية «أ ع ب» استحال أن تصدق معها كذلك هذه الصيغة الأخرى «ب ع أ»:

    ومن أمثلة الكلمات التي تدل على العلاقة اللاتماثلية ما يأتي: أكبر من، قبل، والد، فوق … إلخ.

    فلو قلنا: إن «أ أكبر من ب» استحال أن نقول: إن «ب أكبر من أ»، أو قلنا: إن «أ والد ب» استحال أن نقول: إن «ب والد أ»، وهكذا.

  • (جـ)
    والعلاقة تكون جائزة التماثل٢٢ حين تكون ع، ع لا هما بالمتساويتين، ولا هما بالمتناقضتين، وفي هذه الحالة يجوز أن تتجه بالعلاقة في كلا الاتجاهين، كما يجوز ألا يحتمل الأمر هذا الاتجاه المزدوج، فلو كانت لدينا صيغة كهذه «أ ع ب» لم يكن في مستطاعنا أن نحكم بصدق أو بكذب «أ ع ب» لاحتمال الوجهين.

    ومن الكلمات التي تدل على هذه العلاقة الجائزة التماثل ما يأتي: يحب، ينظر إلى.

    فلو قلنا: إن «أ يحب ب» كان من الجائز أن «ب يحب أ»، وكان من الجائز أيضًا ألا يكون الأمر كذلك، أو قلنا: إن «أ ينظر إلى ب» كان قولنا «ب ينظر إلى أ» محتمل الصدق والكذب.

    يلاحظ أننا في كل ما ذكرناه من علاقة التماثل بأنواعها، قد حصرنا الحديث والأمثلة في الحالات التي يكون فيها حدان فقط، لكن يمكن تطبيق الفكرة على الحالات التي يكون فيها ثلاثة حدود أو أكثر؛ فمثلًا إذا رمزنا للعلاقة بالحرف «ع» وللحدود الأربعة المتصلة بالعلاقة بالحروف أ، ب، ﺟ، د، فيمكن تصور هذه الحدود وعلاقتها كما يلي ع (أ، ب، ﺟ، د)، وعندئذٍ تكون العلاقة تماثلية لو عكسنا وضع الحدود وظلت العبارة صحيحة، فنقول ع (د، ﺟ، ب، أ) وتكون لا تماثلية لو استحال عكس الحدود، وجائزة التماثل لو احتمل الأمر الوجهين، فمثلًا لو وضعت أربعة كتب بالترتيب أ ب ﺟ د، أمكن وضعها على عكس هذا الترتيب، وإذن فالعلاقة بينهما تماثلية؛ لكن العلاقة بين حلقات عمر الإنسان من طفولته إلى صباه ورجولته لا يمكن إعادتها معكوسة، فهي لا تماثلية؛ وكثيرًا ما يكون توزيع فصول كتاب ما مما يمكن عكس الوضع فيه، وقد لا يكون ذلك ممكنًا، وإذَن فتتابُع الفصول في كتاب ما جائز التماثل.

(٢-٣) علاقة التعدي٢٣

علاقة التعدي لا بد لها من زوجين الأطراف على الأقل، بحيث يكون هنالك طرف مشترك بين الزوجين.

  • (أ)
    فالعلاقة تكون متعدية٢٤ إذا أمكننا من هاتين الصيغتين: «أ ع ب» و«ب ع ﺟ» أن نستدل هذه الصيغة الثالثة «أ ع ﺟ».٢٥

    ومن الكلمات التي تدلُّ على علاقة التعدي ما يلي: يساوي، أكبر من، قبل … إلخ.

    فإذا قلنا: «أ تساوي ب» و«ب تساوي ﺟ» أمكن كذلك أن نقول: إن «أ تساوي ﺟ».

    أو قلنا: إن «أ أكبر من ب» و«ب أكبر من ﺟ» أمكن أيضًا أن نقول: إن «أ أكبر من ﺟ».

  • (ب)
    والعلاقة تكون لا متعدية٢٦ إذا استحال علينا أن نستنتج «أ ع ﺟ» من العبارتين «أ ع ب» و«ب ع ﺟ».

    ومن الكلمات التي تدل على هذه العلاقة ما يأتي: والد، نقيض … إلخ.

    فإذا قلنا «أ والد ب» و«ب والد ﺟ» استحال أن نقول: إن «أ والد ﺟ».

    أو قلنا: إن «أ نقيض ب» و«ب نقيض ﺟ» استحال أن نقول: إن «أ نقيض ﺟ».

  • (جـ)
    وتكون العلاقة جائزة التعدي٢٧ إذا كان لدينا الصيغتان «أ ع ب» و«ب ع ﺟ» فاحتمل الأمر الوجهين بالنسبة إلى «أ ع ﺟ»، أعني قد تكون هذه العبارة الثالثة صادقة، وقد لا تكون.

    ومن الكلمات التي تدل على هذه العلاقة ما يأتي: صديق، يختلف عن، متداخل في … إلخ.

فإذا قلنا: إن «أ صديق ب» و«ب صديق ﺟ» أمكن أن يكون «أ صديق ﺟ» لكن يجوز ألا يكون كذلك.

أو قلنا: إن «أ تختلف عن ب» و«ب تختلف عن ﺟ» جاز الوجهان بالنسبة ﻟ «أ، ﺟ»، فقد تكون «أ» مختلفة عن «ﺟ» وقد لا تكون.

ويلاحظ أن علاقتَي التماثُل والتعدي مستقلة إحداهما عن الأخرى، فقد تكون العلاقة:
  • (١)

    تماثلية ومتعدية معًا، مثل «يساوي» – أو.

  • (٢)

    تماثلية ولا متعدية معًا، مثل «نقيض» – أو.

  • (٣)

    لا تماثلية ومتعدية معًا، مثل «أكبر من» – أو.

  • (٤)

    لا تماثلية ولا متعدية معًا، مثل «ابن».

(٢-٤) علاقة الانعكاس

تكون العلاقة علاقة انعكاس٢٨ إذا قامت بين الشيء ونفسه، وعلى ذلك فعلاقة الذاتية علاقة انعكاس من هذا القبيل؛ لأن س متطابقة ذاتيًّا مع س، أو قل إن بينها وبين نفسها علاقة انعكاس، أو بعبارة أخرى إلى الشيء يشبه نفسه.٢٩

إن البحث الرئيسي للمنطق هو الاستدلال الصوري؛ أي إمكان اشتقاق صيغة من صيغة أخرى، وأبسط أنواع الاستدلال أن نستدل الشيء من نفسه فنقول: إن «أ يلزم عنها أ».

ويتوسع الأستاذ «بوبر»٣٠ في هذا المعنى فيقول:

إذا كانت أ يلزم عنها أ، نتج أنه:

إذا كانت أ١، أ٢، أ٣ … أع، يلزم عنها ب، إذَن فإن أ١، أ٢، أ٣ أ + ١ يلزم عنها ب، أي إنه إذا كان الاستدلال من تكرار المقدمة أ سليمًا فإضافة مقدمة أخرى لا تفسده.

ويترتب أيضًا على كون أ يلزم عنها أ ألا يكون لترتيب المقدمات أثر في أية عملية استدلالية، أي إنه:

إذا كانت أ١، أ٢، أ٣ … أع يلزم عنها ب، إذَن فإن أع … أ٣، أ٢، أ١، يلزم عنها ب كذلك.

ويترتب على كون أ يلزم عنها أ، ثم على كون إضافة مقدمة أخرى للاستدلال الصحيح لا تفسده، ثم على كون ترتيب المقدمات غير ذي أثر في سلامة الاستدلال، أننا نستطيع من أية مجموعة من المقدمات أن نختار إحداها ونجعلها النتيجة، لأنها إن كانت صحيحة وهي مقدمة فهي صحيحة أيضًا وهي نتيجة، وصورة ذلك بالرموز كما يلي:

أ١، أ٢، أ٣ … أع يلزم عنها أ١ (أو أي مقدمة أخرى) ويُسمِّي «بوبر» هذا المبدأ بمبدأ الانعكاس العام.

إنه إذا كانت العلاقة متعدية وتماثلية معًا، كانت كذلك علاقة انعكاسية، خذ مثلًا علاقة «يساوي»، فهذه يجتمع فيها التعدي والتماثل معًا، فهي متعدية لأننا من العبارتين «أ = ب» و«ب = ﺟ» نستنتج «أ = ﺟ»، وهي تماثلية لأننا من العبارة «أ = ب» نستنتج أن «ب = أ» ما دامت متعدية وتماثلية، فهي انعكاسية كذلك، أي تقوم بين الشيء ونفسه، فنقول إن أ = أ.

أما إذا اجتمع في علاقة ما التعدي واللاتماثل، كانت لا انعكاسية، مثل «أكبر من» — فهذه علاقة اجتمع فيها التعدي واللاتماثل، هي متعدية لأننا من العبارتين «أ أكبر من ب» و«ب أكبر من ﺟ» نستنتج «أ أكبر من ﺟ»، وهي لا تماثلية لأننا لا نستطيع أن نستنتج أن «ب أكبر من أ» من عبارة «أ أكبر من ب» — ما دامت متعدية ولا تماثلية، فهي لا انعكاسية أيضًا، فلا يجوز أن نقول إن أ أكبر من أ.

(٢-٥) علاقة الترابط٣١

إذا كانت الحال في أفراد المجال الواحد، (مجال الأعداد مثلًا) بحيث إن أخذنا أي فردين جزافًا، وجدنا بينهما ع، ع (أي وجدنا علاقة ما إذا اتجهنا من طرف البداية إلى طرف النهاية، وعكسها إذا اتجهنا من طرف النهاية إلى طرف البداية)، كان هناك علاقة ترابط بين أفراد هذا المجال، مثال ذلك، علاقة «أكبر من» وعكسها «أصغر من» يربطان أي عددين يختارهما جزافًا من بين الأعداد، وليكونا مثلًا ٢٥، ٩، فها هنا «٢٥ أكبر من ٩» و«٩ أصغر من ٢٥»، وإذَن فبين أفراد مجال الأعداد علاقة ترابط، خذ مثلًا آخر، علاقة «قبل» وعكسها «بعد» فهما يربطان أي لحظتين من لحظات الزمن، فاللحظتان الزمنيتان أ، ب لا بد أن تكون إحداهما بالنسبة للأخرى إما قبلها أو بعدها فإن كانت «أ قبل ب» لزم أن تكون «ب بعد أ» وإذَن فبين لحظات الزمن علاقة ترابط.

خذ مثلًا ثالثًا سلسلة النقط في خط مستقيم، فبين أي نقطتين تختارهما جزافًا لا بد أن تقوم علاقة «إلى يمين» وعكسها «إلى يسار» فإن كانت النقطتان هما أ، ب، وكانت «أ على يمين ب» فلا بد أن تكون «ب على يسار أ».

وإذا اجتمعت علاقات التعدي، واللاتماثل، والترابط معًا في مجال واحد، كان بين أفراد هذا المجال علاقة تسلسل،٣٢ خذ مثلًا علاقة «أكبر من» في مجال الأعداد، فهي متعدية وهي لا تماثلية، ثم هي تصل الأعداد بعلاقة الترابط، وإذَن فالأعداد بينها تسلسل: ١، ٢، ٣، ٤، …

(٢-٦) علاقة «واحد بكثير»٣٣

وهي علاقة تربط حدًّا واحدًا على الأكثر من ناحية بحد آخَر من ناحية أخرى، على أن هذا الحد الآخر يحتمل إحدى حالتين: فإما أن يكون هو أيضًا حدًّا وحيدًا لا يشاركه في هذه العلاقة المذكورة حد آخر، أو يكون هناك حدود غيره تشاركه فيها، والأمثلة الآتية توضح ما نريد:

فكلمة «والد» تعبر عن علاقة «واحد بكثير» بمعنى أنني إذا قلت عبارة كهذه: «أ والد ب» كانت العلاقة تربط حدًّا واحدًا على الأكثر، وهو «أ» — إذ يستحيل أن يكون للشخص ب أكثر من والد واحد — وهي تربط هذا الحد الواحد بحد آخر، هو «ب»، الذي قد يكون وحده وقد يكون معه غيره مما يرتبط مع «أ» بهذه العلاقة نفسها.

وكلمة «زوج» تعبر عن هذه العلاقة أيضًا — علاقة واحد بكثير — لأنني إذ أقول «أ زوج ب» فلا يمكن أن يكون هناك إلا حد واحد في طرف البداية من طرفَي العلاقة، أما طرف النهاية فيحتمل أن تكون «ب» هي وحدها التي ترتبط برابطة الزوجية مع «أ»، وقد يكون معها غيرها، مما يرتبط مع «أ» بهذه العلاقة نفسها.

فالعنصر الهام في تحديد علاقة «واحد بكثير» هو استحالة أن يكون هناك أكثر من حد واحد في طرف البداية، بغض النظر عن طرف النهاية، هل يكون هو أيضًا واحدًا أو يكون أكثر من واحد، على أننا إذا كنا إزاء حالة يستحيل فيها أن يكون طرف النهاية أكثر من حد واحد أيضًا، سُميت العلاقة عندئذٍ بعلاقة «واحد بواحد»٣٤ وإذَن فعلاقة «واحد بواحد» هي فرع من فرعين تنقسم إليهما علاقة «واحد بكثير»، وسنعود إلى الكلام عنها بعد حين.
والذي يجعل علاقة «واحد بكثير» ذات أهمية خاصة في المنطق، وهو أنها هي العلاقة التي تتمثل في كل الأسماء الجزئية الوصفية، أعني العبارات التي لا يكون لها، ويستحيل أن يكون لها أكثر من مسمى واحد تنطبق عليه٣٥ مثل «مربع العدد ٢» و«أعلى جبل في العالم» و«والد الحسين»، كلها أمثلة لعبارات وصفية ينطبق كلٌّ منها على جزئي واحد، وفي الوقت نفسه يعبِّر كلٌّ منها عن علاقة «واحد بكثير»، فالحد الذي يرتبط بعلاقة «مربع العدد ٢» عند طرف بدايتها، يتحتم أن يكون عددً واحدًا معينًا، والحد الذي يرتبط بعلاقة «أعلى جبل في العالم» عند طرف بدايتها يتحتم أن يكون حدًّا واحدًا معينًا؛ وكذلك قل في الحد الذي يرتبط بعلاقة «والد الحسين» عند طرف البداية، فلا اختيار لنا في أن يكون الحد الذي تبدأ به العبارة في المثل الأول هو «٤»، وفي المثل الثاني هو «هملايا»، وفي المثل الثالث هو «علي».
ونستطيع أن نقول بصفة عامة إن علاقة «واحد بكثير» تتمثل في كل عبارة مؤلفة من مضاف ومضاف إليه، إذا ما كان المضاف شيئًا مما يمكن أن ينسب له المضاف إليه، وعلى شرط ألا يكون هناك إلا حد واحد يمكن أن يكون مضافًا بالنسبة إلى المضاف إليه،٣٦ فمثلًا إذا قلنا عبارة علاقية مثل «أ والد ب» وأردنا أن نحدد بها الحد الواحد الذي يصح أن يكون طرف البداية لهذه العلاقة، بحيث يمكن أن يقال: «أ والد ب» فلا بد أولًا من أن تكون ب مما يمكن أن يضاف إليه بعلاقة البنوة للحد المضاف — أي لطرف البداية في العلاقة — ثم لا بد ثانيًا ألا تنطبق العلاقة إلا على مضاف واحد، وعلى ذلك، فإذا عرفنا من هو المرموز إليه برمز ب في عبارة «أ والد ب» تحدَّد على وجه الدقة من ذا يكون المرموز إليه بالرمز أ؛ ولما كانت هذه الحالة شبيهة بما يسمى في الرياضة بكلمة «دالة» إذ يقال مثلًا: إن «ص» هي دالة «س» في هذه العبارة الآتية: «س» = ٢ص، لأننا إذا عرفنا قيمة «ص» عرفنا بالتالي قيمة «س»، نقول إنه لما كان الأمر في علاقة «واحد بكثير» شبيهًا بالدالة في الرياضة، من حيث إن تحديد «قيمة» الطرف الثاني يحدد قيمة الطرف الأول، فقد سميت كذلك علاقة «واحد بكثير» في المنطق الرمزي بهذا الاسم نفسه.

ففي الدالة «أ والد ب»، قبل أن نحدد «قيمة» أي رمز من هذين الرمزين يكون كل فرد من أفراد الناس، ممن يجوز أن ينطبق عليه وصف كونه والدًا، «قيمة» محتملة للرمز «أ» ولذلك فمجموع «الوالدين» يؤلف ما أسميناه ﺑ «النطاق» كما أن مجموع الأفراد الذين يصح أن ينتسبوا لسواهم بعلاقة البنوة، يتكون منهم ما أسميناه ﺑ «النطاق العكسي» ومن مجموع أفراد النطاق والنطاق العكسي يتكون ما أسميناه ﺑ «المجال» الذي يجوز فيه استعمال علاقة معينة (علاقة والد في هذه الحالة التي أمامنا).

ولعل الصورة الرمزية الآتية تزيد الأمر إيضاحًا:

ففي القائمة اليمنى مجموعة الوالدين، وفي القائمة اليسرى مجموعة الأبناء، وفي القائمة الوسطى نوع العلاقة وهي «والد»، فإذا ربطنا هذه العلاقة بواحد من طائفة الأبناء، تحدَّد على وجه الدقة والحصر مَن ذا يكون طرف البداية لهذه العلاقة.

ولو قد وجدنا علاقة «والد» تربط رمزين مختلفين، «أ» و«ﺟ» بطرف واحد هو «ب»، مثل:

«أ والد ب» و«ﺟ والد ب».

حكمنا بأن أ، ﺟ بينهما علاقة الذاتية، أي إنهما رمزان لشيء واحد بذاته، أي إن أ = ﺟ.٣٧

مثال ذلك أن نجد العبارتين الآتيتين: «علي والد الحسين» و«ابن أبي طالب والد الحسين» فنعلم أن عليًّا هو نفسه ابن أبي طالب.

علاقة «واحد بواحد»

قلنا إن علاقة «واحد بكثير» تُحتِّم واحدية الطرف الأول، أي طرف البداية في الصيغة العلاقية، أما الطرف الثاني، وهو طرف النهاية من تلك الصيغة العلاقية، فيحتمل أحد وجهين، فإما ألا يكون هناك إلا حد واحد يمكن ربطه طرفًا ثانيًا بهذه العلاقة، أو أن يكون هناك أكثر من حد واحد؛ وإن كانت الحالة هي الأولى، سُميت العلاقة عندئذٍ علاقة «واحد بواحد».

ففي علاقة «واحد بواحد» إذا حددنا طرف البداية تحدَّد بالتالي طرف النهاية، وإذا حددنا طرف النهاية تحدَّد بالتالي طرف البداية [لاحظ أننا في علاقة «واحد بكثير» إذا حددنا طرف النهاية تحدَّد بالتالي طرف البداية، لكن العكس غير صحيح، أي إننا إذا حددنا طرف البداية فلا يتحدَّد بذلك طرف النهاية]، فمثلًا العلاقة التي يدل عليها لفظ «ولي العهد» علاقة واحد بواحد؛ لأننا حين نقول: «أ ولي عهد ب»، ثم نعرف مَن هو المرموز له بالرمز «أ» نعرف بالتالي مَن يكون المرموز له بالرمز «ب»، والعكس صحيح أيضًا، أي إذا عرفنا مَن هو «ب» عرفنا بالتالي مَن ذا يكون «أ».

إذا ربطنا حدود طائفتين، بحيث نجد لكل حد من طائفة ما يقابله من حدود بالطائفة الأخرى، كانت الطائفتان مرتبطتين بعلاقة «واحد بواحد»، «فإذا فرضنا أن العالم يخلو خلوًّا تامًّا من تعدد الزوجات للزوج الواحد، ومن تعدد الأزواج للزوجة الواحدة، بحيث أصبح لكل زوج زوجة واحدة، ولكل زوجة زوج واحد، فواضح أن عدد الأزواج في أية لحظة سيكون هو نفسه عدد الزوجات؛ ولسنا بحاجة عندئذٍ إلى إحصاء ليؤكد لنا هذه الحقيقة، كلا ولا نحن بحاجة في ذلك إلى معرفة العدد الحقيقي للأزواج والزوجات، وإنما نعرف أن العدد في كل مجموعة يساوي العدد في المجموعة الأخرى، ما دام لكل زوج زوجة واحدة ولكل زوجة زوج واحد، عندئذٍ تكون العلاقة بين الأزواج والزوجات علاقة واحد بواحد.»٣٨

وواضح من هذا المثل السابق، أن عملية العد إنْ هي إلا ربط طائفتين بعلاقة «واحد بواحد»، طائفة الأعداد من جهة وطائفة المعدودات من جهة أخرى، فإذا عددت برتقالات ووجدتها خمسًا، كان ما فعلته هو أني ربطت كل برتقالة بعدد من سلسلة الأعداد، على الصورة الآتية:

برتقالة١ برتقالة٢ برتقالة٣ برتقالة٤ برتقالة٥.

ولذا كانت عملية العد باطلة إذا رقمت برتقالتين مثلًا بعدد واحد، أو إذا رقمت برتقالة واحدة بعددين.

وعلى هذا الأساس تكون العلاقة بين الجنود وأرقامهم، أو بين أصحاب السيارات وأرقام السيارات، أو بين أصحاب أجهزة التليفون وأرقام تلك الأجهزة علاقة «واحد بواحد»؛ بحيث إذا عرفت حدًّا في أحد النطاقين، عرفت بالتالي الحد الذي يقابله في النطاق الآخر.

وكذلك علاقة «التشابه» بين شيئين، هي في حقيقتها علاقة، «واحد بواحد» بينهما، بحيث أجد لكل عنصر من عناصر الشيء الأول ما يقابله من عناصر الشيء الثاني، على شرط ألَّا يكون هنالك في أحد الشيئين أكثر من عنصر واحد مقابل لعنصر واحد في الشيء الثاني، فأقول مثلًا عن أسرتين إنهما شبيهتان في التكوين، إذا كانت العلاقة بين أفرادهما هي علاقة «واحد بواحد» فوالد يقابل والدًا، ووالدة تقابل والدة، وابن أكبر يقابل ابنًا أكبر، وبنت صغرى تقابل بنتًا صغرى.

والقضية التي تصف شيئًا في الطبيعة، تحتوي على عدد من الحدود يقابل عناصر الشيء الموصوف مقابلة تامة، أي يكون بين النطاقين علاقة «واحد بواحد»، مثل قولي: «الطائر على الشجرة»، فكلمة «طائر» تقابل طائرًا، وكلمة «شجرة» تقابل شجرة، وكلمة «على» تقابل العلاقة بينهما.

وفي كل تصوير صادق، يكون بين الصورة وأصلها علاقة «واحد بواحد» كالخريطة الجغرافية والإقليم الذي تصوره، والرسوم التخطيطية لمدينة أو لمنزل، وهكذا؛ ولعل الصورة الرمزية الآتية توضح ما نريد (في قولنا) س ولي:

أي إننا إذا حددنا س٢ من أفراد النطاق على أنه ولي عهد فلان، كان فلان هذا هو على التحديد ص٢ من أفراد النطاق العكسي، وإذا حددنا ص٢ من أفراد النطاق العكسي على أنه يولي العهد لفلان، كان فلان هذا هو على التحديد س٢ من أفراد النطاق.

علاقة كثير بواحد

لقد حددنا علاقة «واحد بواحد» بأنها تكون قائمة إذا كانت «س» ترتبط مع «ص» بالعلاقة المعينة، على ألا يكون هناك حد آخر «س » مرتبطًا بنفس العلاقة مع «ص»، وعلى ألا تكون «س» مرتبطة بنفس العلاقة مع أي حد آخر «ص» غير «ص»، فإذا تحقَّقَ أول هذين الشرطين دون ثانيهما، كانت العلاقة علاقة «واحد بكثير»، وإذا تحقَّقَ ثاني هذين الشرطين دون أولهما، كانت العلاقة علاقة «كثير بواحد»،٣٩ فمثلًا عبارة «من خلفاء النبي» تعبِّر عن علاقة «كثير بواحد» لأنك إذا حددت أي فرد «س» من أفراد النطاق تحدد له سالف واحد هو خليفته وهذا السالف الواحد هو النبي، دون أن يكون للفرد «س» نفس العلاقة مع أي سالف آخَر، وفي البلاد التي تُجيز تعدُّد الزوجات للزوج الواحد، تكون علاقة الزوجة بزوجها علاقة «كثير بواحد» لأنك إذا حددت زوجة من نطاق الزوجات تحدد زوجها، لكنك إذا حددت فردًا من نطاق الأزواج لم تتحدد زوجته؛ إذ قد يكون له أكثر من زوجة، وإذا كان لرجل واحد «ص» عدة خدم س١ س٢ س٣ … فتحديد الخادم يحدد مخدومه «ص» أما تحديد المخدوم «ص» فلا يحدد الخادم، لأن له أكثر من خادم واحد، وإذَن تكون العلاقة بين جماعة الخدم ومخدومهم علاقة كثير بواحد.

علاقة كثير بكثير

أما إن كانت العلاقة المعينة التي أمامنا، لا تحدد طرفها الأول إذا عرف طرفها الثاني، ولا نحدد طرفها الثاني إذا عرف طرفها الأول. فهي تسمى علاقة كثير بكثير، مثال ذلك علاقة الأشقة، فقولنا: «س شقيق ص» لا يدل بطرف بدايته على طرف نهايته، ولا بطرف نهايته على طرف بدايته، أي إنني لو قلت «س شقيق …» لما عرفت بمَن أملأ الثغرة الشاغرة، لأن س قد يكون له أشقاء كثيرون، ولو قلت «… شقيق ص» لَمَا عرفت أيضًا بمَن أملأ الثغرة الشاغرة لأن علاقة الأشقة تربط كثيرين ﺑ «ص».

ونلخص قواعد هذه العلاقات فيما يلي:٤٠  
  • (١)

    ع تكون علاقة «كثير بكثير» حين يكون كلٌّ من النطاق والنطاق العكسي محتويًا على أكثر من عضو واحد، واختيار حد من أحد النطاقين لا يحدد اختيار الحد الآخَر.

  • (٢)

    ع تكون علاقة «كثير بواحد» حين يكون اختيارنا لحد من حدود النطاق، محددًا لاختيارنا الحد الآخر من حدود النطاق العكسي، لكن العكس غير صحيح.

  • (٣)

    ع تكون علاقة «واحد بكثير» حين يكون اختيارنا لحد من حدود النطاق العكسي محددًا لاختيارنا الحد الآخر من حدود النطاق لكن العكس غير صحيح.

  • (٤)
    ع تكون علاقة «واحد بواحد» إذا كانت كلٌّ من ع، ع (أي العلاقة في الاتجاهين المتعاكسين) علاقة واحد بكثير.

(٢-٧) اندماج العلاقات

قد تندمج علاقتان في علاقة واحدة، وهو ما يُسمى بعملية الضرب في العلاقات لأنها شبيهة بعملية الضرب في الحساب، وتُسمى العلاقة التي نحصل عليها بهذه العملية بحاصلي ضرب العلاقتَين.

خُذ لذلك مثلًا يوضح المراد: علاقة العمة بابن أخيها، هي في الحقيقة حاصل ضرب علاقتين، هما: (١) علاقة الأخت بأخيها. (٢) علاقة الوالد بابنه.

فلو رمزنا بالرموز لعلاقة الأخت بأخيها، بحيث يكون معنى العبارة الآتية: «أ ع ب» هو «أ أخت ب»، ثم لو رمزنا بالرمز س لعلاقة الوالد بابنه أو بنته، بحيث يكون معنى العبارة الآتية: «ب س د» هو «ب والد د»، كانت العلاقة بين «أ» و«د» هي حاصل ضرب العلاقتين ع، س ويرمز لعملية الضرب بين العلاقات بخط عمودي هكذا «/»، فإذا كتبنا هذه العبارة «ع/س» كان معناها «اندماج العلاقتين ع، س في علاقة واحدة».

وإذا كانت العلاقتان من نوع واحد فحاصل ضربهما هو «مربع العلاقة» فلو قلنا — مثلًا — إن «أ والد ب» و«ب والد ﺟ» وأردنا تحديد العلاقة بين «أ»، «ﺟ» فالعلاقتان المراد دمجهما في هذه الحالة كلاهما من نوع واحد وإذا رمزنا للواحدة منهما بالرمز ع؛ كان حاصل ضربهما ع ع = ع٢ و«ع٢» في هذه الحالة هي ما يعبر عنها في اللغة بلفظة «جد»، فيكون «أ جد ﺟ».

على أن العلاقتين المضروبتين إحداهما في الأخرى، بحيث تندمجان في علاقة واحدة تجمعهما معًا، لا تقبلان الرجوع، أي إنهما لا تكونان معًا علاقة تماثلية؛ ففي قولنا «أ أخت ب» و«ب والد ﺟ» إذَن «أ عمة ﺟ» لا يمكن قراءة العلاقتين في اتجاه عكسي لتنتجا النتيجة عينها؛ إذ لو قلنا: «ﺟ والد ب» و«ب أخت أ» كانت النتيجة أن «ﺟ والد أ».

١  Tarski, Alfred, Introduction to Logic، ص٦٠.
٢  نفس المرجع، ص٩٠.
٣  De Morgan, A., Formal Logic (١٨٠٦–١٨٧٨م) والكتاب صادر سنة ١٨٤٧م.
٤  Peirce, C. S., Description of a Notation for the Logic of Relatives (١٨٣٩–١٩١٤م) والكتاب صادر سنة ١٨٧٠م.
٥  Schroder, E. (١٨٩٠–١٩٠٥م)، وتجد خلاصة لمنطقه في كتاب Lewis, C. I. عن المنطق الرمزي Symbolic Logic.
٦  من أهم ما ترجع إليه في منطق العلاقات عند رسل كتاب Introduction to Mathematical Philosophy.
٧  راجع كتاب رسل: Problems of Philosophy، ص١٤٧.
٨  Constituent Relations راجع: Langer, Susanne, An Introduction to Symbolic Logic.
٩  Sense.
١٠  Referent.
١١  Relatum.
١٢  Domain.
١٣  Converse domain.
١٤  Field.
١٥  Johnson, W. E., Logic، ج١، ص١٨٦.
١٦  Mill, J. S., Examination of Sir William Hamilton’s Philosophy.
١٧  Bradley, F. H., The Principles of Logic، ج١، ص١٣٣.
١٨  راجع Tarski, Alfred, An Introduction to Logic الفصل الثالث.
١٩  راجع Russell, B., Introduction to Mathematical Philosophy فصل ٥ وأيضًا Stebbing, Susan, A Modern Introduction to Logic، ص١٦٧-١٦٨.
٢٠  Symmetrical.
٢١  Asymmetrical.
٢٢  Non-Symmetrical.
٢٣  Stebbing, Susan, A Modern Introduction to Logic، ص١٦٨.
٢٤  Transitive.
٢٥  لاحظ أن الاستدلال القياسي كله إن هو إلا نوع واحد من أنواع علاقة التعدي.
٢٦  Intransitive.
٢٧  Nontransitive.
٢٨  Reflexive.
٢٩  Russell, B., Int. to Math. Philosophy، ص١٦.
٣٠  Popper, K. R., New Foundations for Logic “Mind”, Jully 1947.
٣١  Connexity، راجع Russell, B., Int. to Math. Philosophy، ص٣٢.
٣٢  Serial Relation.
٣٣  One-many Relation.
٣٤  One-One Relation.
٣٥  راجع في الفصل الثاني والفصل الرابع ما قلناه عن الاسم الجزئي.
٣٦  Russell, B., Introduction to Mathematical Philosophy راجع ٤٦-٤٧.
٣٧  Tarski, Alfred, Introduction to Logic، ص٦٨.
٣٨  Russell, B., Intr. to Math. Philosophy، ص١٥.
٣٩  Russel, B., Intr. to Math. Philosophy، ص١٥.
٤٠  تلخيص Susan Stebbing في كتابها A Modern Intr. to Logic هامش ص١٧٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥