الأورغانون
١
لكننا نرى في هذا الرأي الثاني تجنيًا على أرسطو، الذي كان له في هذا المضمار فضل السبق على أفضل تقدير، إن لم تَقُلْ إنه صاحب فضل في الكشف عن بعض المبادئ الثابتة في طريقة البحث العلمي؛ ولا أَدَلَّ على ذلك من «بيكن» نفسه الذي أراد بمنهجه أن يعارض المنهج الأرسطي؛ ولولا أن لأرسطو أسبقية في هذا الميدان، لما كان هنالك موضع للمعارضة، وحسبك أن تعلم أن «بيكن» قد أطلق على كتابه اسم «الأورغانون الجديد» أي الأداة الجديدة لتحصيل العلم — لتعلم أنه منذ عنوان الكتاب، يضع نصب عينيه معارضة أرسطو، الذي أُطلق على مجموعة كتبه المنطقية اسم «الأورغانون».
والظاهر أن اختلافهما في المعنى المراد بكلمة «استقراء» — التي يراد بها على وجه التقريب منهج العلوم التجريبية — كان مصدرًا لكثير من الخلط والخطأ عند كثيرين ممن وازنوا بين ما قاله أرسطو قديمًا، وما جاء به المناطقة حديثًا؛ لأن أرسطو حدد استعماله لهذه الكلمة تحديدًا، بحيث أخرج من معناها جوانب هي التي يطلق عليها «بيكن» وغيره من المناطقة المحدثين اسم «الاستقراء»؛ فحين ينظر هؤلاء المحدثون إلى ما قاله أرسطو، ثم يقررون أنه لم يقل شيئًا في «الاستقراء» بمعناه الجديد، فإنما يفوتهم أن ما يريدونه هم بهذه الكلمة، قد ذكره أرسطو تحت اسم آخر؛ وليس الاختلاف في الأسماء بذي خطر كبير، إذا كان هنالك اتفاق على الموضوع ومادته.
فما الذي كان يعنيه أرسطو «بالاستقراء»؟ هو عنده إقامة البرهان على قضية كلية، لا بإرجاعها إلى قضية أعم منها، بل بالاستناد إلى أمثلة جزئية تؤيد صدقها، فالبرهنة عل قضية ما إذا استندت إلى قضية أخرى أعم منها، كان ذلك قياسًا، كأن تطلب مني البرهان على أن البقرة حيوان مُجْتَرٌّ، فأقول: لأنها من ذوات القرن، وكل ذوات القرن مجترة، أما البرهان «الاستقرائي» فيرجع في إثبات القضية الكلية إلى أمثلة جزئية، فنقول في البرهنة على أن ذوات القرن مجترة، ما يأتي: إن البقرة والخروف والغزال … إلخ حيوانات مجترة، والبقرة والخروف والغزال … إلخ من ذوات القرون، وإذن فذوات القرون مجترة.
معنى «الاستقراء» عند أرسطو، هو إقامة البرهان على قضية كلية بالرجوع إلى أمثلة جزئية تؤيد صدقها؛ غير أنه لا يريد بالأمثلة الجزئية — في هذا السياق — أفرادًا، بل يريد أنواعًا، بمعنى أنك تنظر — في المثل السابق — إلى بقرة واحدة، لا على أنها فرد قائم بذاته، بل على أنها عَيِّنَة تمثل نوعًا بأسره، بحيث تشعر بعد ذلك ألا حاجة بك إلى النظر إلى بقرة أخرى، ثم تنتقل إلى عَيِّنة أخرى من نوع آخر، وهكذا.
ويشترط في البرهان على قضية كلية بالطريقة الاستقرائية أن نُحصي الأمثلة الجزئية كلها — أي الأنواع كلها — قبل أن يجوز لنا أن نقول إننا قد أقمنا البرهان المطلوب، فطريق السير في إقامة البرهان على أن «كل ذوات القرون مجترة» هو كما يأتي:
البقرة، والخروف، والغزال … إلخ حيوانات مجترة
البقرة، والخروف، والغزال … إلخ هي كل ذوات القرون
فها هنا لا يجوز لي أن أنتهي إلى أن «كل» ذوات القرون مجترة إلا إذا كنت قد أحصيت الأنواع المجترة — في المقدمة الثانية — إحصاء تامًّا كاملًا، فوجدتها جميعًا من ذوات القرون.
والصورة الرمزية التي تعبر عن الاستدلال الاستقرائي عند أرسطو هي:
«أ، ب، ﺟ … إلخ» هي «ك»
«أ، ب، ﺟ … إلخ» هي كل «و»
هذا هو الاستقراء عند أرسطو، وهو أول من استخدم هذه الكلمة، فهو استدلال يقوم على حصر الجزئيات كلها حتى نضمن ضمانًا قاطعًا صحة النتيجة التي نصل إليها، والاستقراء بهذه الصورة خطوة لا بد منها في بنائه المنطقي، لأننا إذا أقمنا البرهان على قضية كلية بنسبتها إلى قضية كلية أعم منها، أو بعبارة أخرى، إذا استندنا في صدق النتيجة إلى المقدمات التي توجبها، ثم إذا استندنا في صدق المقدمات نفسها إلى مقدمات سابقة لها، وهكذا، اضطررنا آخر الأمر إلى الرجوع إلى الجزئيات الواقعية نفسها لنبحثها بالملاحظة الحسية، فيكون ذلك هو مستندنا في صدق المقدمة الأولى التي يتفرع عنها كل ما تلاها من نتائج.
فالبناء المنطقي كله عند أرسطو، أساسه في النهاية عملية استقرائية يتحتم فيها — من جهة نظره — أن نستقصي الأمثلة الجزئية كلها حتى نضمن اليقين: ولو انهار هذا الأساس انهار في إثره البناء كله.
لكن أي أمثلة يريدنا أرسطو أن نستقصيها في الخطوة الأولى؟ أهي الأمثلة الجزئية بمعنى الأفراد؟ أم هي الأمثلة الجزئية بمعنى الأنواع؟ إن المثل الذي يسوقه هو — توضيحًا للاستدلال الاستقرائي — يدل على أنه إنما أراد استقصاء الأنواع لا الأفراد، لأنه إذ يذكر أن الاستقراء يبدأ سيره بحصر كل الأمثلة الجزئية التي تقع تحت الكلي، يوضح ذلك بمثال فيقول:
الإنسان، والحصان، والبغل … إلخ طويلة العمر
الإنسان، والحصان، والبغل … إلخ هي كل الحيوانات التي لا مرارة لها
وواضح أن «الإنسان» و«الحصان» … إلخ الواردة في المقدمات هي الأنواع؛ فلاهي أفراد الإنسان: زيد وعمرو وخالد، ولا أفراد الحصان، هذا الحصان وذاك؛ فلكي أكون المقدمة الكبرى — مثلًا — لا بد لي من عدة قضايا هي في ذاتها قضايا كلية، هي: «الإنسان طويل العمر» و«الحصان طويل العمر» … إلخ وهذه القضايا محتاجة بدورها إلى الجزئيات التي تؤيدها.
بل إنني لكي أصل إلى قضية «الإنسان طويل العمر» — التي هي جزئية واحدة من جزئيات الاستقراء عند أرسطو — لا بد لي قبل أن أبحث زيدًا وعمرًا وخالدًا وغيرهم من أفراد الإنسان لأعلم هل هم طوال العمر حقًا أو لا، لا بد لي قبل ذلك من خطوة أعرف بها ما الإنسان، حتى أستطيع على أساس تعريفه أن أميز زيدًا وعمرا وخالدًا مما يحيط بهم من أشياء، فأقرر أن هؤلاء هم أفراد الإنسان أولًا، ثم آخذ في بحثهم من حيث طول العمر أو قصره.
وعلى ذلك فالجزئية الواحدة في استقراء أرسطو، هي في الواقع تعميم من الدرجة الثانية: الخطوة الأولى هي التعميم من الجزئيات، أي إن ألاحظ الأشياء التي حولي على اختلافها، وأقارن بينها، لأستخرج العلامات التي تميز النوع الإنساني من سائر الأنواع، وأقول «الإنسان دائمًا يتصف بكذا وكذا»؛ والخطوة الثانية في التعميم، هي أن أبحث في الأفراد الذين يتقرر بحكم التعريف أنهم من بني الإنسان فأرى أنهم طوال العمر، وعندئذٍ أقول «الإنسان طويل العمر».
قد يقال دفاعًا عن أرسطو إن خطوة التعريف لا تأتي نتيجة للمشاهدة الحسية للجزئيات، على الرغم من أننا نرى خصائص الجزئيات وصفاتها بالحواس فنعلم أنها مؤيدة للتعريف؛ إنما التعريف ندركه بالحدس العقلي المباشر، فبالحدس الصادق — لا بالحواس — أعرف الارتباط الضروري بين الصفات التي تُكَوِّن تعريف الشيء؛ بالحدس الصادق — لا بالحواس — قد عرفت أن صفة الحيوانية وصفة التفكير يرتبطان ارتباطًا ضروريًّا في الكائن الذي يكون إنسانًا؛ وبعدئذٍ أستطيع أن ألاحظ أفراد الإنسان لينكشف لي صدق التعريف، لا لأتخذ من تلك الملاحظة برهاني على صدقه؛ كالطفل الذي يتعلم بالخرزات أن ٢ + ٢ = ٤، لتنكشف له الحقيقة الرياضية مُمثَّلَةً في جزئية من جزئياتها، لا ليستمد الحقيقة الرياضية من تلك الجزئية؛ قد يقال ذلك دفاعًا عن أرسطو، ونحن نسلم به جدلًا دون اقتناع بصدقه لأن استطراد الحديث فيه يخرجنا عن سياق الموضوع؛ نسلم به جدلًا لنسأل: وما الرأي في الخطوة الثانية التي تأتي بعد التعريف؟
أليس من الضروري فيها أن أرجع إلى الملاحظة. ملاحظة زيد وعمرو وخالد، حتى يتسنى لي أن أُدخلها مع غيرها من الحقائق في المقدمة التي أستعين بها في الاستدلال الاستقرائي؟ إن كان ذلك كذلك، فالأساس الذي بنى عليه أرسطو استقراءه، لم يكن يصلح أن يقام عليه البناء، بل كان لا بد له من خطوة سابقة.
وليس ذلك كل ما يؤخذ على الاستقراء الأرسطي من عيوب؛ إذ مما يؤخذ عليه كذلك، استحالة استقصاء الجزئيات استحالة منطقية؛ فيستحيل أولًا أن تأخذ «الجزئيات» بمعنى الأفراد» ثم تحصيها في بحثك إحصاء كاملًا؛ إذ حتى لو استطاعت قدرة خارقة أن تستقصي البقر الموجود الآن بقرة بقرة لتعلم أن البقر كله ذو قرون، وأنه كله مجتر، فماذا هي صانعة بالبقر الذي مضى والبقر الذي لم يولد بعد؟ لكن أرسطو، يقصد «بالجزئيات» الأنواع لا الأفراد، فيكفيك عيِّنة من البقر، ترى أنها ذات قرون وأنها مجترة، لتحكم على البقر كله بهاتين الصفتين حكمًا يأتينا بالحدس الصادق أيضًا، لا بالاستقصاء؛ وبهذا الحدس الصادق تعرف أن البقر كله سواء في صفة أ، وأن الخراف كلها سوءا في صفة أ، وأن الغزلان كلها سواء في صفة أ، وبعدئذٍ يأتي دور الاستقصاء المقصود، وهو أن نحصي الأنواع كلها إحصاءً كاملًا في الحكم الذي نريد أن نصل إليه في النتيجة، حتى نضمن يقين تلك النتيجة. غير أن الاعتراض نفسه الذي أقمناه في حالة الأفراد نقيمه الآن في حالة الأنواع: فمن ذا أدراك أن قائمة الأنواع التي لاحظت أنها ذوات قرون، هي كل ما هنالك من أنواع من هذا القبلي، في الحاضر وفي الماضي وفي المستقبل على السواء؟
فإذا صادفني حجر مثلًا، عرفت أنه معرض للجاذبية، لا لأني أستدل حكمًا جديدًا، بل لأن الحجر قد سبق ذكره في المقدمات، وإلا لما كان استقصاء الأمثلة في المقدمات كاملًا.
إنما يكون الاستدلال، حين يصادفني شيء لم أكن قد بحثته بذاته ضمن الأمثلة التي أدت بي إلى النتيجة، فأستدل أن الحكم الذي في النتيجة لا بد منطبق عليه هو أيضًا، بالرغم من أني لم أكن قد بحثته؛ مثال ذلك أن أبحث بعض أجزاء المادة فأجده معرضًا للجاذبية، فأستنتج أن كل مادة هي كذلك معرضة للجاذبية، وبعدئذٍ يصادفني حجر فأستدل أنه لا بد هو الآخر معرض للجاذبية، ولذا تراني لا ألقيه من نافذتي خشية أن يقع على رءوس المارة في الطريق، دون أن أنتظر حتى أعلم هل هذا الحجر يندرج في الحكم مع الجزئيات التي بحثتها أو لا يندرج.
لكن هذا المأخذ الرابع مردود عليه من أرسطو نفسه؛ إذ تراه يذكر في «التحليلات الثانية» مصدرًا آخر نستمد منه القضايا الكلية العامة تعميمًا ضروريًّا غير الجزئيات المعدودة المحصورة، وذلك يكون بالحدس المباشر، فقد تستطيع من جزئية واحدة أن تنفذ بحدسك إلى الرابطة الضرورية التي تربط صفتين من صفاتها، فتكون لك من هذه الرابطة الضرورية قضية كلية ضرورية التعميم؛ فمثلًا قد تنظر إلى شيء مُلَوَّن، فتقول: إن كل ما هو ملون لا بدَّ أن يكون ممتدًّا في المكان؛ وإذا جاز لي في أي مثل واحد أن أدرك بأن الشيء إذا كان «س» لزم أن يكون «ص» كذلك، (إذا كان «ملونًا» لزم أن يكون «ممتدًا» كذلك) جاز لي بالتالي أن أقول إن كل «س» هي «ص» بالضرورة؛ ولو كان ذلك كذلك، فقد وجد أرسطو طريقًا يؤدي بنا إلى تكوين القضايا الكلية الضرورية في تعميمها، غير طريقة تلخيص الجزئيات المعروفة في مقدمة كلية محدودة بحدود تلك الجزئيات. ونستطيع أن نسمي هذا النوع من طرائق إدراك القضية الكلية، بالاستقراء الحدسي، تمييزًا له من الاستقراء التلخيصي الذي يتقيد بحدود الأمثلة المذكورة في مقدماته؛ وقد يسمى هذا النوع الأخير بالاستقراء التام، لأنه يزعم أنه استقى النتيجة من دراسته لكل الجزئيات الموجودة، لكن أرسطو لم يطلق اسم «الاستقراء» على ذلك النوع من الإدراك الحدسي الذي يهدينا إلى صدق القضايا الكلية الضرورية، وقصر التسمية على الاستقراء التام الذي تجيء النتيجة فيه تلخيصًا لمقدماته.
ولشرح ذلك نقول: إن لكل علم موضوعه الخاص، فالهندسة تبحث في خصائص الخطوط والسطوح والأشكال، وعلم طبقات الأرض يبحث في العوامل التي تؤثر في توزيع العناصر المختلفة في القشرة الأرضية، وكيفية تكون تلك القشرة؛ وعلم وظائف الأعضاء يبحث فيما تؤديه أعضاء الكائنات الحية وأنسجتها وخلاياها وما إلى ذلك؛ كذلك لكل علم من تلك العلوم مبادئه الخاصة به، والتي يفسر بها الحقائق الداخلة في نطاق بحثه؛ فعالم الهندسة مثلًا يستخدم في تفكيره البديهية القائلة إن الخطين المتوازيين مع خط بعينه يكونان متوازيين، على حين لا يدخل في موضوعه كيف تتكون الرواسب الجيرية فوق سطح الأرض؛ ويأتي عالم الجيولوجيا فيستخدم في تفكيره مثل المبدأ الذي يقول إن الصخور تتآكل بعوامل التحات، ولا يُدخل في موضوعه شيئًا عن الخطوط المتوازية أو تعريف الدائرة، ولعالم وظائف الأعضاء مشاكله ومبادئه الخاصة، والتي لا شأن لعالم الهندسة أو عالم الجيولوجيا بها، وهكذا.
ذلك شأن العلوم المختلفة، وأما «الجدل» — الديالكتيك — فليس له موضوع خاص به كما هي الحال في العلوم، ولكن كل العلوم خاضعة لمبادئه، لأنها مبادئ عامة تنطبق عليها جميعًا، ولكن كل العلوم خاضعة لمبادئه، لأنها مبادئ عامة تنطبق عليها جميعًا، كمبدأ عدم التناقض مثلًا، فافرض أن عالم وظائف الأعضاء قد قبل تعريف الحياة (الذي ذهب إليه هربرت سبنسر) بأنها «المحاولة المتصلة للملاءمة بين ما هو داخلي وما هو خارجي»، فيأتي «الجدليُّ» ليسأل هل هذا التعريف مقبول؟ هل لفظتا «داخلي» و«خارجي» هنا واضحتا المعنى محددتا المدلول؟ هل كل كائن يتغير باطنه تغيرًا يلائم التغيرات الحادثة في المحيط الخارجي، يكون كائنًا حينًا؟ لأنه لو كان هنالك شيء ينطبق عليه تعريف الحياة على النحو المذكور، ولم يكن كائنًا حيًّا، كان التعريف مرفوضًا من الوجهة المنطقية، لأنه أدخل أشياء زائدة على الأشياء المراد تعريفها. إن الجدلي في كل هذه الأسئلة ليس من شأنه أن يجيب، لأن الموضوع ليس موضوعه، وإنما يترك الإجابة للعلماء في هذا الموضوع المعين، ومهمته أن يرى إن كان الكلام مقبولًا أو مرفوضًا من حيث الشكل وحده. بعبارة أخرى هو الذي يستخلص القواعد العامة التي لا بد من تحقيقها في كل قضية علمية كي تكون قضية صحيحة مقبولة، وذلك هو صميم منطق المناهج.
- (١)
إحصاء الأمثلة الجزئية والوصول منها إلى نتيجة كلية، وهذا هو وحده ما أطلق عليه أرسطو اسم «الاستقراء».
- (٢)
الحدس المباشر الذي نصل به إلى الأحكام العامة الضرورية، التي تجد من الجزئيات الحسية ما يؤيدها لا ما يبررها؛ ولم يطلق أرسطو اسم «الاستقراء» على هذا الفعل العقلي، مع أننا نستطيع أن نسميه الاستقراء الحدسي الذي ربما رأى القانون العام من النظر إلى جزئية واحدة، إذا كانت هذه الجزئية الواحدة تكفي العقل أن يدرك الرابطة الضرورية بين الصفات.
- (٣)
تحليل القوانين العلمية تحليلًا منطقيًّا، من حيث معاني الألفاظ وتركيب العبارات وما إلى ذلك لترى هل تُقبل تلك القوانين أو تُرفض، ولم يطلق أرسطو على ذلك اسم «الاستقراء» بل أسماه «بالجدل».
المنطق الأرسطي قائم على أن يعلِّم الناس بعضهم بعضًا، فهذا ينقل علمه على ذاك، على أن يكون المفروض هو أن العلم موجود في رأس زيد من الناس، وأن كل المطلوب هو أن ينتقل إلى رأس عمرو؛ فزيد من الناس يوقن بحقيقة معينة لا يوافقه عليها عمرو، فليس على زيد عندئذٍ سوى أن يقيم له الحجة ببيان المقدمات التي تستلزم النتيجة التي يعرضها؛ فكأنما الناس لا يراد لهم أن يعلموا إلا ما قد علمه بعضهم من قبل، فلا غرابة أن يجد مفكرو العصور الوسطى في المنطق الأرسطي أداة فعالة في أيديهم ينشرون بها التعاليم المراد نشرها بين الناس.
زيادة العلم ونماؤه — عند أرسطو — لا تعني سوى ربط حقيقة عقلية كلية بحقيقة حسية جزئية سبق إدراكها على حدة، فنقول إنه ما دامت الحقيقة الكلية الفلانية مسلَّمًا بها، وما دامت هذه الحقيقة الجزئية تندرج تحتها، إذن فالحكم فيها يكون هو الحكم الوارد في الحقيقة الكلية؛ لكن ازدهار العلم ونماءه وريادته لا تكون إلا بالكشف عن الجديد، ولا يكون هذا الكشف إلا إذا خرجنا عن حدود الحقائق الكلية التي نحملها في أذهاننا ونظن أنها هي كل ما يمكن الوصول إليه من علم؛ نخرج عن هذه الحدود الضيقة إلى حيث الطبيعة نلاحظها ونجري عليها التجارب لتنطق بأسرارها، وذلك هو المنهج الفكري الجديد الذي جاء فرانسس بيكن ليحله محل المنهج الفكري القديم.
٢
فقد كان يشوب العلم قبله أن يُسْقِط الباحث شخصه البشري على موضوع بحثه، فيخلع على هذا الموضوع نوازعه هو وإحساساته هو؛ ولذلك كانت نظرة الباحث إلى موضوع بحثه كيفية الطابع؛ فتراه — مثلًا — يتحدث عن «الأضداد» في ظواهر الطبيعة حديثًا ينساق فيه مع وقع تلك الأضداد على إدراكه الذاتي، فيقول: «حار» و«بارد» و«يابس» و«رطب»، على أساس أنه هكذا يجد الأشياء في مجرى خبرته الحسية؛ على حين أننا لو نظرنا إلى الأمر بعين الباحث العلمي الحديث، لوجدنا كل زوج من هذه الأضداد درجاتٍ متفاوتة من سلَّم واحد؛ فدرجات الحرارة تتدرج في الصعود أو في الهبوط تدرجًا لا نجد فيه حدًّا فاصلًا بين ما هو «حار» في ناحية وما هو «بارد» في ناحية أخرى؛ وكذلك قل في «درجات» الرطوبة؛ وكذلك قل في كلِّ ازدواجٍ كيفيٍّ من هذا القبيل؛ فمثل هذا الازدواج الكيفي في الصفات، مألوف لنا في مجال إدراكنا الفطري، ولذلك ترانا نستخدمه في حديثنا الجاري عن حياتنا اليومية، أما لغة العلم الحديث فقد أصبحت كمية الطابع، تتحدث عن كل شيء «بدرجته» المقيسة بهذه الأداة من أدوات القياس أو تلك، بالترمومتر أو بالبارومتر أو غير ذلك.
وكان من نتائج هذه النزعة البشرية في العلم القديم — كما كان مثلًا عند أرسطو — أن دخلت القِيَم الإنسانية — كالقيم الجمالية والخلقية — في المفاهيم العلمية؛ فترى العالم القديم يحدثك عن حركة الأجسام، لا كالحديث الذي يتحدث به عنها جاليليو ونيوتن، حديث الأعداد والمعادلات، بل يحدثك عنها حديث المقوِّم لها بقيم متفاضلة تجعل بعضها أرفع مقامًا من بعضها الآخر؛ فالحركة الدائرية هي أعلى ضروب الحركة، ولا تكون إلا للأجرام السماوية، أما العالم الأرضي فالحركة فيه كانت تعدُّ من طراز أدبي.
وكذلك في تعليل الحوادث بأسبابها، كانت الأسباب تقوَّم بالقيم الإنسانية، فمنا ما هو «خيِّر» ينحو بالجسم نحو الكمال، ومنها ما هو ضار كالمصادفات التي تنزل بالجسم شيئًا من الاضطراب الذي يعوق نموه واكتماله.
وجاءت نهضة العلوم الطبيعية في القرن السابع عشر، فتغير الأساس والبناء جميعًا؛ أما الأساس فقد كان عند أرسطو هو تصنيف الطبيعة إلى أنواعها، حتى إذا ما تم لنا هذا التصنيف ثم استطعنا أن نعرِّف كل صنف بالجنس الذي ينتمي إليه هذا الصنف وبالفصل الذي يفصله عن بقية الأصناف التي تندرج معه تحت ذلك الجنس، فإن علمنا بالعالَم يبلغ تمامه؛ وما علينا بعد ذلك، إذا ما صادفتنا إحدى الظواهر الكونية، كأن نصادف نباتًا أو حيوانًا معيًّا أو غير ذلك مما عساه أن يقع لنا في مجرى الحياة، إلا أن ندرجه في النوع الذي هو منتمٍ إليه، وذلك وحده كافٍ لتحديد طبيعته الحقيقية، ومن علمنا بتلك الطبيعة الحقيقية لنوعه نستطيع أن نستنبط كيف يكون سلوك ذلك الكائن المفرد الذي صادفناه.
وما دام أساس العلم هو تصنيف الكائنات إلى الأنواع التي تنتمي إليها، فلا بد أن يجيء العلم ذا طابع كيفيٍّ، لأن التصنيف معتمد على الخصائص المدرَكة في الأفراد كما تقع لنا في طريق إدراكنا إياها؛ «فالحار» عندئذٍ يعدُّ صنفًا يختلف عن «البارد» و«اليابس» يعدُّ صنفًا يختلف عن «الرطب» وكذلك قلْ في بقية الأنواع التي نصنف بها الكائنات في جرى إدراكنا الفطري: الذكي والغبي؛ الغني والفقير؛ المرتفع والمنخفض؛ السريع والبطيء؛ الناجح والفاشل؛ الصحيح والمريض؛ الشبعان والجائع وهلمَّ جرًّا. وهي كلها مدركات كيفية لا أثر فيها للدقة الكمية.
أما الأساس العلمي الجديد الذي جاء به جاليليو في القرن السابع عشر، فهو إذابة هذه «الأنواع» إلى ما هو متضمَّن فيها من عوامل متفاعلة تخضع للقياس الكمي؛ وعندئذٍ نرى أن تلك الازدواجات المذكورة قد اختفت ليحل محلها تدرجات عددية وتفاعلات؛ فكما ينساب الحار والبارد أحدهما في الآخر ويصبحان درجات متفاوتة من ظاهرة واحدة تقاس بمقياس خاص، كذلك ينساب الذكي والغبي في درجات متفاوتة من ظاهرة تُعَدُّ لها طرق قياسها، وينساب الغني والفقير في سلم واحد متدرج يقاس التفاوت فيه بمقدار الدَّخل السنوي مثلًا، وهكذا؛ فالمنهج العلمي على أساسه الجديد لا يقف عند تصنيف الكائنات على الطريقة الأرسطية — التي هي نفسها طريقتنا في حياتنا اليومية المعتمدة على الإدراك الفطري — بحيث يفرِّق بين أنواع الحيوان وأنواع النبات وأنواع الكائنات الجامدة، بما لكل نوع منها من صفة جوهرية تفصله عما عداه، بل إن المنهج العلمي على أساسه الجديد يحلل هذه المفاهيم الكيفية ليردها إلى الجذور الأولية الداخلة في تكوينها من فيزيائية وكيموية، وعندئذٍ يتحول «النوع» إلى شبكة من تفاعلات تبين علاقة الشبه — إن كان هنالك شبه — بين نوعيْن ظاهرهما مختلف، لكنهما متحدان في الأصول التحليلية؛ فقد يتبيَّن مثل هذا التحليل أن «الإنسان» — مثلًا — ليس نوعًا قائمًا بذاته، بل هو إحدى درجات السلَّم في ظاهرة بيولوجية واحدة؛ وقد يبيِّن التحليل أن ما نسميه «عقلًا» ويخص به الإنسان وحده، إن هو إلا ظاهرة سلوكية يشترك فيها الحيوان مع الإنسان، ولا يكون الاختلاف بينهما فيها إلا من حيث الدرجة وحدها؛ وبمقدار تخلص العلم من الألفاظ الدالة على مفاهيم كيفية، ليحلَّ محلها عوامل متفاعلة مقيسة قياسًا عدديًّا مضبوطًا، ويكون بينها علاقة متبادلة، فإذا زاد أو نقص هذا بمقدار كذا أو نقص ذلك بمقدار كيْت، يكون مدى تقدم ذلك العلم، ومدى انتقاله من القديم إلى الجديد.
كان تصنيف العالَم إلى أنواع غير متداخلة هو — إذن — أساس العلم الطبيعي عند أرسطو؛ فإذا وجدنا لأحد الكائنات نوعه الذي ينتمي إليه، عددناه متسقًا مع الطبيعة في اطرادها أي إننا نعده جاريًا مع القانون الطبيعي، أما إذا تعذر ذلك عددناه كائنًا شاذًا، أي إنه كائن جاء بفعل المصادفة لا وفق القانون؛ ولما كانت اتساق الكائن مع قانون الطبيعة معناه عند أرسطو «معقولية» ذلك الكائن، كان حدوث الشيء مرة واحدة يجعله أمرًا غير معقول، لأنه يكون بمثابة المصادفة العابرة التي لا تستحق النظر.
وأما عند المنهج العلمي الجديد، كما استخدمه جاليليو ممثَّلا به نظرة القرن السابع عشر وما تلاه من قرون هذا العصر الحديث، فلا فرق بين ظاهرة تندرج تحت قانون وأخرى لا تندرج وتبدو «شذوذًا» في اطراد الطبيعة؛ لا فرق بينهما من حيث إن الطبيعة لا تعرف «شذوذًا»، لأن الحادثة الفريدة التي لا نجد لها — فيما نعلم — قانونًا يطويها، إنما يزول عنها شدودها الظاهر إذا ما حللناها إلى مقوماتها، فعندئذٍ ستنكشف لنا الروابط التفاعلية بين عناصرها، والتي تحملها بمثابة التطبيق لما نعلمه من قوانين الطبيعة، وإلا جعلناها موضوع بحث جديد لنوسِّع من علمنا بقوانين الطبيعة توسيعًا يشمل هذه الظاهرة الفريدة كما يشمل سواها؛ وبعبارة أخرى، كان من الفوارق الأساسية بين النظرة الأرسطية والنظرة الجديدة، أن الأولى لم تكن تقبل في مجال البحث العلمي إلا ما قد علمنا عنه اطراد الحدوث، وأما النظرة الجديدة فتهتم بالحادثة غير المطردة، لأنها حافز على البحث أكثر من زميلتها المطردة، لكونها دالة بحدوثها «الشاذ» على قصور القوانين الطبيعة القائمة بوجه من الوجوه.
فالاعتماد في مثل تلك النظرة القديمة — سواء كانت في صورتها الأرسطية، أو فيما بقي من آثارها عند رجال النهضة — هو على اطراد الحدوث اطرادًا فعليًّا، أعني بمعناه «التاريخي»؛ فلا بدَّ للخاصة المعينة أن يشاهد وقوعها «فعلًا» في ظاهرة معينة يتكرر حدوثها «فعلًا»، حتى يتاح لنا أن نثبت انتماءها إلى تلك الظاهرة، أما أن نحكم بانتماء تلك الخاصة إلى الظاهرة من مثل واحد نخضعه للتحليل والبحث، فأمر لم يكن مقبولًا ولا مفهومًا، ما دام الأساس العميق هو تصنيف الكائنات أنواعًا وأجناسًا بالمعنى الذي نألفه في المنطق الأرسطي؛ فإذا رأينا لهب النار — مثلًا — متجهًا دائمًا إلى أعلى، وإذا رأينا الأحجار المتحركة متجهة دائمًا إلى أسفل، وإذا رأينا دائمًا في سطح أفقي، جعلنا هذه الاتجاهات المختلفة للحركة «أنواعًا» قائمة بذاتها؛ فنهالك «نوع» من الحركة هو الحركة إلى أعلى وتتمثل في النار، وهناك «نوع» آخر من الحركة هو الحركة إلى أسفل وتتمثل في الأحجار، وهلمَّ جرًّا.
ووجه الانقلاب المنهجي الذي تحقق على يدي جاليليو، هو ألا يكون البحث العلمي قائمًا على أساس «تاريخي»، أي أساس ما يقع «فعلًا» من أحداث، وبالصورة التي وقعت بها تلك الأحداث «فعلًا»؛ بل لا بد من تجريد الظاهرة من حدودها المكانية والزمانية التي تجعلها حدثًا «تاريخيًّا» ذا مكان معلوم وزمان مرصود محدد؛ لا بد من تجريدها بحيث تصبح عوامل نظرية نبحث في تفاعلها تحت ظروف نخلقها لها خلقًا؛ وما دمنا قد ضربنا المثل بالحركة، فلنتناول هذا المثل نفسه لنرى كيف يكون البحث العلمي فيه: إننا نغض النظر عن الشيء المتحرك ونوعه، سواء أكان نارًا أم حجرًا أم ماء أم هواء؛ ونحاول أن نلتمس ما هو مشترك في ظاهرة الحركة على إطلاقها، متجردة من الأشياء المتحركة؛ وقد نصل بعدئذٍ إلى أن القانون الذي تسير الأجرام السماوية على مقتضاه هو نفسه القانون الذي تسقط على مقتضاه الأحجار الساقطة، أو ينداح الماء ويهب الهواء على مقتضاه؛ وإذا صحَّ لنا ذلك، كنا بمثابة من أزال الحواجز الظاهرية التي حسبناها تقسم الظواهر أنواعًا متباينة، وردَّ الحقيقة كلها إلى أصولها المتجانسة فالحركة هي الحركة سواء كان المتحرك طائرًا يطير أو ماء يسيل أو نارًا تعلو بلهبها أو حجرًا يهوي على الأرض؛ وهكذا تنهار الفواصل بين الأنواع الأرسطية حين يوصِّلنا تحليل الطبيعة إلى الوحدات البسيطة التي تتجانس عندها الظواهر التي كنا قد عددناها منتمية إلى أنواع مختلفة، أقول إن الفواصل التي كانت تفصل «الأنواع» على أساس اختلافاتها الكيفية تنهار، لتصبح تلك «الأنواع» درجات من سلَّم واحد، تتفاوت كما ولا تختلف نوعًا، كما انهارت الفواصل بين الأضداد القديمة: الحار والبارد، واليابس والرطب، وغيرها؛ وبعبارة موجزة، جاء المنهج الجديد على يدي جاليليو فأحل فكرة «التسلسل» — أي تدرج الظاهرة المعينة في سلسلة متزايدة من المقادير الكمية — محل فكرة المفاهيم المستقل بعضها عن بعض.
فلم يعد الشيء الهام في البحث العلمي هو أن نصنِّف الكائنات والأحداث على أساس ظواهرها البادية، بل أصبح الشيء الهام هو التحليل الذي يوصِّلنا إلى الوحدات والعوامل الأولية التي تتفاعل على نحو ما فتكون هذه الظاهرة، أو على نحو آخر فتكون تلك الظاهرة؛ فلو أخذنا دوران الكواكب في أفلاكها، ودحرجة الصخور على سفوح الجبال، وذبذبة البندول، أقول لو أخذنا هذه الأشياء بخصائصها الكيفية الظاهرة، لجعلناها «أنواعًا» من الحوادث مختلفات، ولجعلنا لكل «نوع» منها جوهرًا مستقلًّا عن جوهر الأنواع الأخرى، لكنها جميعًا عند النظرة العلمية الجديدة تطبيقات متعددة لقانون واحد، هو قانون الحركة.
كانت الفكرة القديمة هي أن الذي يميز الأنواع بعضها من بعض هو ما يتصف به كل نوع من صفات جوهرية تحدده، فإذا ما عرفنا عن نوع ما صفاته الجوهرية — أعني إذا ما عَرَّفناه بتحديد جنسه وفصله — فقد أحطنا به علمًا، فيكفي — مثلًا — أن يقال عن الإنسان إنه حيوان ناطق، وعن الحصان إنه حيوان صاهل وهكذا، لنلمَّ بماهية الإنسان أو بماهية الحصان، وذلك هو العلم بطبائع الأشياء؛ لكن هذه الصفات على إطلاقها وبغير تكميم بمقدار معين يستطاع قياسه لم تعد تكفي من وجهة نظر المنهج العلمي الذي استُحدث في القرن السابع عشر؛ فالصفة الواحدة يمكن تحليلها إلى عناصر بسيطة يُضْبَط قياسها، وبذلك تتفاوت هذه الصفة الواحدة درجات تتسلسل زيادة أو نقصًا؛ فلا يكفي أن يقال عن الشيء إنه ذو «حياة» وإنه ذو «فكر»، لأن الحياة بدورها صفة تنحلُّ إلى بسائط وإلى تفاعلات، وكذلك الفكر بدوره صفة يحاول علماء النفس تحليلها إلى عواملها البسيطة؛ تمامًا كما نحلل «الحركة» أو «الحرارة» أو «الصوت» أو «الضوء» أو «الثقل» — كل هذه صفات كانت تُقبل في العبارات العلمية على علَّاتها وبغير تحليل ولا تقدير لكميتها، لكننا اليوم لا نقبلها هكذا في أي سياق علمي، بل نضع مكانها مقادير عددية تحددها تحديدًا رياضيًّا، فنفهمها فهمًا أصح وأدق وأكمل وأقدر على الإمساك بزمام الطبيعة على النحو الذي يتيح لنا أن نوجد أية ظاهرة شئنا في أي وقت نريد.
كان المنهج العلمي الذي اصطنعه جاليليو في بحوثه — إذن — ثورة على المنهج الأرسطي في كثير من نواحيه، وسنجد فرصة أوسع فيما يلي من فصول الكتاب لنفيض القول في طبيعة القانون العلمي من وجهة نظرنا اليوم، وذلك بعد أن نستعرض في الفصل الآتي موقف بيكن الذي جاء مِل في القرن التاسع عشر استمرارًا له، وموقف ديكارت الذي أراد أن يخضع العلوم الطبيعية لنفس المنهج الذي تسير عليه العلوم الرياضية.
(راجع Joseph, H. W. B., An Intr. to Logic، ص٣٧٩).