الفصل السادس عشر

أكلت مينلي والتنين كثيرًا من الخوخ اللذيذ، وظلَّا سائرَين في الغابة لعدة أيام. في الليل حين ينام التنين، كانت مينلي تشتاق إلى أُمِّها وأبيها. كانت مينلي تقول لنفسها كلَّما فكَّرَت في القلق الذي يعتريهما حتمًا: «لكني أفعل ذلك لأجل تغيير قدرِنا؛ حتى لا يُضطرَّا لأن يَشقَيا في العمل بعد الآن. وعندما أعود، يُمكن لأبي أن يرتاح، ولن تُضطرَّ أُمي للتنهُّد مرةً أخرى. سيريان ذلك.» لكن القمر الوحيد لم يبدُ قَط أنه يُحدِّق بها بارتياح.

ذات يوم وصلت مينلي والتنين إلى مُسطَّح مائي. ومن بعيد، رأيا أن الغابة تستمر على الجانب الآخر منه. عندما أشارت البوصلة إلى الجانب الآخر من الماء، سبح التنين في الخليج الصغير حاملًا مينلي على ظهره.

سأل التنين: «ما المسافة المُتبقية حتى نصِل إلى الجبل اللامُتناهي؟»

قالت مينلي بتَروٍّ: «أخبرَتني السمكة أن عليَّ أن أتَّجه غربًا حتى أصل إلى مدينة ضوء القمر الساطع. وبمجرد وصولنا إلى هناك، من المُفترَض أن أبحث عن حارس المدينة.»

قال التنين: «حارس؟ من يكون؟»

قالت مينلي: «لستُ متأكدة. أعتقد أنه مَلِك المدينة. وما إن أجده، فمن المفترض أن أسأل عن الشيء المُستعار، وهو وفقًا لما قالته السمكة شيءٌ سأحتاجه لأصِل إلى الجبل اللامُتناهي.»

سأل التنين: «الشيء المستعار؟ ماذا يكون؟»

قالت مينلي: «لا أعرف. لم تُخبرني السمكة.»

«ألم تسأليها؟» كاد التنين أن يتوقَّف عن السباحة من دهشته.

قالت مينلي: «لم أرغب في تأخيرها. كانت في عجلةٍ من أمرها.»

هز التنين رأسه اعتراضًا، وفتح فمه ليقول شيئًا عندما سمع كلاهما صوتًا غريبًا بجانبهما في الماء.

قال الصوت: «العمَّة جين! العمَّة جين! هل هذا أنتِ؟ لقد عدتِ كما قلتِ!»

نظر التنين ومينلي في الماء، فرأيا سمكةً برتقالية كبيرة لها زعنفة سوداء تسبح إلى جوارهما. كانت تُشبه إلى حدٍّ كبير سمكة مينلي الذهبية، ولكنها أكبر حجمًا.

قالت مينلي للسمكة: «أعتقد أنكِ تَخلطين بيني وبين شخصٍ آخر.»

قالت السمكة: «لقد كنتُ أخاطب التنين، لكنك أيضًا لستِ العمَّة جين.»

نظر التنين إلى السمكة بابتسامةٍ ساخرة، وقال: «حسنًا، سيكون من المُستغرَب أن يكون أيٌّ منَّا أحدًا من أقربائك أيتها السمكة. لماذا اعتقدتِ أنني عمتك؟»

قالت السمكة: «لأن العمَّة جين لطالما قالت إنها ستعود لتُثبِتَ لنا أن بوابة التنين حقيقية.»

سألت مينلي: «ماذا تقصدين؟ بوابة التنين؟ ماذا تكون؟»

قصة بوَّابة التنين

مع أن أحدًا منَّا نحن الأسماك لم يرَ قَط بوابةَ التنين، فإننا جميعًا نعلم بشأنها. ربما روت لنا قصتَها الأمواجُ عندما كنا بَيضًا، أو همست لنا بها جذور أزهار اللوتس.

نعلم جميعًا أنه في مكانٍ ما في أحد أنهار الأرض يُوجَد شلَّال كبير عظيم، يبدو من عُلوِّه واتساعه كما لو أن ماءه يتدفَّق من شقٍّ في السماء. على قمة ذلك الشلال، بعيدًا عن الأنظار، تُوجَد بوابة التنين.

بوابة التنين هي مدخل إلى السماء. وهي قديمة، قديمة جدًّا حتى إنه يُحتمَل أن تكون أعمدتها الحجرية الرمادية قد تكوَّنت من الجبل الذي تستقرُّ عليها. وقد أبلى الزمن والرياح لوحات البوابة المتراصَّة وصقلتها، حتى كادت تنمحي من عليها النقوش القديمة لسُحُب السماء الخمسة الملوَّنة.

وفوق اللوحات تستقر أقواس من القرميد بلون السماء الضبابية. ويُزين حواف سطحها المكسو بالقرميد تسعُمائة وتسع وتسعون حليةً صغيرة على شكل تنِّين. شُكِّلت كلٌّ منها بعناية بأدقِّ التفاصيل، وبالرغم مما اعتراها من بِلًى لا تزال عيونها اللؤلئية السوداء تتألق بطاقةٍ غامضة. إذ إن هذه التنانين ليست مجرد زينة، إنما فيها يكمُن سِر بوابة التنين.

إذا حدث أن تمكَّنت سمكة من السباحة إلى قمة الشلال والمرور عبر البوابة، فستتأجج في التنانين تلك الطاقة. ومع عبور السمكة، تدخل رُوحها إلى البوابة وتدبُّ في أحد تلك التماثيل، فتتحول السمكة إلى تنينٍ طائر!

ختمت السمكة قصتها قائلةً: «هكذا، فإن بوابة التنين تُحوِّل الأسماك إلى تنانين، وهي رغبةٌ دفينة في نفوس كثيرين منَّا. لا أحد يعرف مَن أول من روى القصة، أو ما إذا كانت مجرد قصة من الأساس. لكن العمَّة جين كانت مُصرَّة على اكتشاف ذلك. وقالت إنها ستبحث عنها في جميع أنهار الأرض، وإذا وجدتها فستعود إلى هنا في هيئة تنين؛ لتُثبت لنا حقيقة الأمر. لهذا السبب اعتقدتُ أنك قد تكون هي.»

سألت مينلي: «هل كانت عمَّتك تُشبهك؟ برتقالية اللون ولها زعنفة سوداء؟»

قالت السمكة: «نعم، ولكن أصغر منِّي حجمًا بكثير، هي بحجم عملةٍ نحاسية.»

قال التنين: «يبدو لي احتمال أن تتمكن سمكة بتلك الضآلة من السباحة لقمة شلال ضعيفًا جدًّا. وحتى لو وجدَت النهر الصحيح، فقد لا تتمكن من الوصول إلى البوابة.»

قالت السمكة: «إذا كانت البوابة موجودة بالفعل، فستجد العمَّة جين طريقة للوصول إليها. إنها حكيمة جدًّا. لو كنتَ تعرفها لفهمتَ ذلك.»

قالت مينلي بهدوء وهي تُفكر مليًّا في السمكة الذهبية التي أطلقت سراحها: «ربما أعرفها.» هل يمكن أن تكون سمكتها الذهبية، التي سبحت في جميع الأنهار باستثناء نهرٍ واحد، هي جين التي تبحث عن بوابة التنين؟

قالت السمكة للتنين مقاطعةً أفكار مينلي: «إذا لم تكن العمَّة جين، فلِمَ تجتاز النهر سباحة؟ لماذا لا تطير من فوقه؟»

ردَّت مينلي نيابةً عن التنين عندما لاحظَت انزعاجَه: «إنه لا يستطيع الطيران. نحن ذاهبان لمقابلة عجوز القمر لنسأله عن كيفية تغيير ذلك. ولكن علينا عبور النهر للوصول إلى مدينة ضوء القمر الساطع أولًا.»

قالت السمكة: «عجوز القمر؟ أتمنَّى لكما التوفيق! سيكون العثور عليه أصعب من العثور على بوابة التنين!»

نظرت مينلي والتنين بعضهما إلى بعض وهزَّا أكتافهما.

تابَعَت السمكة: «لكن مدينة ضوء القمر الساطع تقع هناك خلف الغابة مباشرةً. اسبحا إلى هذا الجانب وستَرَيانها من بعيد.»

وكما قالت السمكة، رأت مينلي والتنين المدينة. كانت مُكوَّنة من آلاف المنازل يُطوِّقها سورٌ عظيم، يُشبه ستارًا عملاقًا من الأحجار المختلفة ألوانها. وبعيدًا في المنتصف بين المباني، استقرَّ قصر يكاد يتوهَّج من روعة أعمدته الحمراء وقمَّته الذهبية، بدا كسفينةٍ بديعة تطفو فوق أمواج من القرميد المُقوَّس الحواف الذي يكسو أسطُح المنازل. حتى من مسافةٍ بعيدة، بدت المدينة مَهيبةً.

تابعت السمكة: «إذا كنتما ستتوقَّفان عند مدينة ضوء القمر الساطع، أعتقد أنه ربما يجب أن يتوارى التنِّين عن الأنظار. فقد يُصاب أهل مدينة ضوء القمر الساطع بالهلع لدى رؤية تنين حقيقي. إذ كانت آخِر مرة شُوهِد فيها تنين منذ حوالَي مائة عام، وقد دمَّر قصر والد الملك في إحدى مُدن الشرق. لذا قد لا يَستقبلونك بصدرٍ رحب.»

قالت مينلي: «أحسنتِ بإخباري ذلك. قد يكون من الأفضل أن أذهب إلى المدينة وحدي.»

وافق التنين قائلًا: «حسنًا، يُمكنني الاختباء عند أطراف الغابة وانتظارك.»

قالت السمكة: «إنهم يُغلِقون بوابة السور ليلًا؛ لذا إذا كنتِ بداخل المدينة أثناء الليل، فستُضطرِّين للمكوث حتى الصباح.»

قال التنين لمينلي: «لا تقلقي، سأنتظر.»

قالت السمكة: «حسنًا، لقد اقتربتما من الوصول إلى اليابسة؛ لذا سأودِّعكما. إذا قابلتُما تنينًا آخر، فحاوِلا أن تعرفا ما إذا كان هو عمَّتي جين أم لا. آمُل أن تنجحا في مقابلة عجور القمر. حظًّا طيبًا!»

راقبت مينلي والتنين السمكة تسبح بعيدًا. ثم واصلا طريقهما إلى اليابسة وإلى مدينة ضوء القمر الساطع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤