مصر التي في خاطري

مصر التي في خاطري حلوةٌ جميلة يعزُّها الجميع، ويكرمها بنوها وغيرهم من محبِّيها العالمين بفضلها والعارفين بقدرها.

مصر التي في خاطري، هي مصر التي أخاطبها وتخاطبني، وأناجيها وتناجيني، وأسامرها وتسامرني.

مصر التي في خاطري، أراها في كل صباح مشرقةً لامعة، بيضاء ناصعة .. جمالها في شمسها وضوئها ونورها وصباحها الطويل الجميل، وهوائها النقي العليل.

مصر التي في خاطري ذات ريفٍ باسمٍ جميل هو نزهة للنفوس والعيون، وخير للبلاد وأهلها .. أرضه خضراءُ ناضرة، وهواؤه نقي صحي .. هو ريف ولا كل الأرياف .. تغنى بجماله الشعراء والأدباء.

عشقوا الجمال الزائف المجلوبا
وعشقت فيك جمالك الموهوبا
كست الطبيعة وجه أرضك سندسًا
وحبت نسيمك إذ تضوَّع طيبا

ريف مصر التي في خاطري يهب ساكنيه صحة وقوة ونشاطًا طبيعيًّا دون حاجة إلى رياضة تزيل عنهم الخمول والكسل، فعملهم كله رياضة، وبساطتهم كلها شفاء وعلاج، وقوة وعافية.

سر في الحقول ترى الرياضة عندهم
فنًّا وخطًّا عندنا مكتوبا
ما ضر أهل الريف ألا يحفلوا
بالطب أو لا يعرفوا المكروبا
ضمنت سلامتَهم سهولةُ عيشهم
وصفا هواؤهمو فكان طبيبا

مصر التي في خاطري فتاة أحبها من أعماق قلبي، بل ومن أعماق أعماق فؤادي، ومن جناني وكبدي .. أضمها إلى صدري ليل نهار، وأشتهيها ولا أشتهي غيرها، فهي دمي وروحي وعقلي وقلبي وكياني وكل مستقبلي.

مصر التي في خاطري ليست على خاطر أحد، ولا أحد يؤمن بها كإيماني بها، ولا يفديها كما أفديها أنا، ولا يحميها بمثل حمايتي لها، ولا يموت من أجلها كما أودُّ أن أموت من أجلها.

مصر التي في خاطري سلاح أحمله وأعتزُّ به .. لا أفرط فيه ولا أسلمه أو أتركه أو أدعه يفلت من يدي، فهو حماي ودرعي، وسندي وترسي .. هو قوتي في ضعفي واستكانتي.

مصر التي في خاطري هي بيتي الذي آوي إليه وأحتمي به، وأنام في هدأته، وأرتاح بين جدرانه بعد تعبي وكفاحي، وأودُّ أن أموت فيه وأُدفن داخله؛ لفرط حبي إياه، ومحبتي الصادقة له.

مصر التي في خاطري سفينةٌ ضخمة من عابرات المحيطات، لا تنال منها الأمواج ولا تؤثر فيها الزوابع والعواصف والأعاصير .. لا تحطمها اللجج الهادرة والمتكالبة السادرة .. بل تسير في طريقها عالية الرأس مرفوعة الجبين تشق عباب اليم في ثقة وإيمان وتمضي إلى هدفها بعزيمة واطمئنان.

مصر التي في خاطري جبلٌ شاهق وطودٌ شامخ أحتمي في ظلاله، وآوي إلى كهوفه وأحنائه، وداخل التواءاته وانحناءاته .. في سفحه لفحات أشتهيها وأرتضيها وأنعم بها، وأرقى إلى ذؤاباته أتقرب فيها إلى الله وأتعبد في خالقي العظيم وخالق الكون والبرايا، وأقترب من عرشه المكين؛ لتهدأ نفسي وترتاح وتستكين.

مصر التي في خاطري قلعةٌ حصينةٌ أمينة على بنيها تحميهم من الأسود الضارية، والذئاب العاوية، والكلاب الطامعة، وتلقنهم الأخلاق والأدب والمثل العليا، وتثقفهم بالعلوم والآداب وثمار الفكر .. هي قلعة للدفاع عن الجسوم والأبدان، والعقول والأذهان … وعن بغي الإنسان في كل مكان وفي كل عصر وأوان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤