مصر لن تموت

كيف تموت مصر وفيها نيلٌ طويل يجري متدفقًا شامخًا جبارًا، يتهادى كما تتهادى العروس الحلوة التي يشتهيها الرجال أينما سارت وتحركت.

كيف تموت مصر وفيها ألف مئذنةٍ منيرة كلها تزعق، وتقول: «الله أكبر .. الله أكبر».

كيف تموت مصر وفيها أكثر من خمسمائة كنيسة كلها ترتل وتسبح باسم الله العلي القدير.

كيف تموت مصر، وفيها أربعون مليون نسمة يمثلون قوةً خارقة من النفوس العالية والهمم المتوثِّبة، والآمال المتدفقة.

كيف تموت مصر وفيها زرعها ونخيلها وأشجارها ونباتها وثمارها، وكلها من أجود الأصناف وأرقاها وأحلاها وأبهرها متعة للناظرين.

كست الطبيعة وجه أرضك سندسًا
وحبت نسيمَك إذ تضوَّع طيبًا
بُسُطٌ تظللها الغصون فأينما
يممت خلت سرادقًا منصوبًا
وترى النخيل غصونه فيروزج
يحملن من صافي العقيق حبوبًا

كيف تموت مصر وفيها جامعات وآلاف المدارس التي يشرف عليها علماء وأدباء يهذبون ويعلمون ويرشدون وينصحون ويلقنون بإخلاص المتعبدين المتدينين الخائفين عقاب يوم الدين.

كيف تموت مصر وهي مهد الحضارات ومنبت العلوم والفنون ومصدر الخيرات والبركات، ومعلمة الأجيال، وهادية الأنام من المشرق والمغرب، وصاحبة التراث العريق الأصيل العظيم، الذي لم ينكره الأولون ولن ينكره القادمون.

ومصر كأمة لها تاريخٌ طويلٌ فريد كله كفاح وصراع مع جيوش الشر وجحافل الطغيان والبغي .. بل كله تضحية من أجل الأرض، وبقاء الأرض طاهرةً نقية غير ملوثة بأقدام المعتدين .. لا يمكن لمثل هذه الأمة العريقة التاريخ أن تموت أبدًا.

مصر الأهرامات لا تموت كما لم تمت الأهرام ولم تتقوَّض أو تقع، ولم تسقط أو يعتَوِرها الانهيار والدمار، لم تهرم ولم تتداعَ. إن مصر الأهرامات خالدة يستحيل أن تموت كما يموت النبت لو حرم الماء …

كأن أهرام مصر حائط نهضت
به يد الدهر لا بنيان فانينا
إيوانه الفخم من عليا مقاصره
يُفني الملوك ولا يُبقي الأواوينا
كأنها — تحت لألاء الضحى ذهبًا —
كنوز فرعون غطَّين الموازينا

ومصر المقطم هي مصر الجبل، هي مصر المكنونة .. أرض قد حفظها الله ووقاها وحماها، وأشمسها وخلاها .. وأقمرها وزكاها .. وجعلها أرض الأديان .. أرضه المباركة .. أرض الرسل والأنبياء .. أرضه المفضلة على الأرض .. بل المفضلة على كل أرضٍ موجودة على هذه الأرض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤