مصر .. مصر .. مصر
نعم، مصر .. وإلا فلا .. مصر أولًا .. ومصر ثانيًا .. ومصر ثالثًا .. وأخيرًا .. وكل غير مصري، فمصر ليست وطنًا له، ولا أمًّا ولا أبًا ولا أخًا ولا عمًّا ولا خالًا.
نعم .. أنا فخور بأنني مصري من نبت الصعيد، وأخي في الوطن فخور بأنه مصري من نبت الوجه البحري .. نحن شخصٌ واحد، نشرب من نيلٍ واحد، ونمتُّ إلى وطنٍ واحد اسمه مصر .. ومصر هي المصير، مصيري ومصيره .. نسير إليها بخطًى وئيدةٍ ثابتة .. ونعيش لها بجوارحنا ومشاعرنا .. ومن أجلها نعمل ونتكاتف ونتحابُّ ونتعاون .. نحن لا نفكر في أنفسنا بقدر ما نفكر في مصر .. هذا البلد الآمن الأمين الزاخر بالحب والدفء والطمأنينة والرخاء والإخاء.
نعم، هي مصر أولًا؛ لأنها خير الأوطان في الشدة والأمان .. تؤويك وتحميك وتؤازرك، وتحلُّ لك مشاكلك.
نعم، وهي مصر ثانيًا؛ لأنني لن أجد وطنًا خيرًا منها يعطيني ولا يأخذ مني، يجود عليَّ ولا يريد مني جزاءً ولا شكورًا .. يظللني بسمائه الصافية، ويدفِّيني شتاءً بشمسه الساطعة الحانية، بلا مقابل، وبكل سخاء.
وهي مصر ثالثًا، وأخيرًا؛ لأنني لن أرتضي لنفسي أرضًا أحسن من هذه الأرض لأُدفن فيها وأنعم بتربتها، وألتحف بترابها، وأنام هادئًا مستريحًا مستكينًا، عالمًا بأنني سأحظى بأعظم راحة لجسدي الفاني .. وأن تكون لسعادتي حدود يوم أن يختلط تراب جسدي بترابها، وينصهر جسمي في بوتقتها، فأصبح حفنة من ترابها الغالي وأديمها الثمين، الذي لا يعرف الجدب، ولا يكفُّ عن الإنبات والإخصاب .. ليت تراب جسدي يتحول إلى وردة فوق صدرها، فيقطفني طفل ليشمني، أو عذراء تتجمل بي، أو شابٌّ وسيم كي يهديني إلى محبوبته في صباحٍ نديٍّ، أو في مساءٍ طريٍّ، فتأخذني من بين يديه وتُقبِّلني وتضمُّني إلى صدرها، وتظل ممسكة بي لا تريد التفريط فيَّ؛ لأنني هدية من حبيبها وحبيب قلبها، وهي لا تدري في هذه اللحظة أنها تمسك بقطعة من قلب مصر، وحفنة من تراب مصر، انصهرت وتحولت إلى وردةٍ حمراء في يد عذراء.