هواؤك يا مصر مُنى الأرواح
أينما يسافر المصري فلن يجد طقسًا بديعًا كطقس مصر .. ففي الخارج، في أوروبا مثلًا أو في الأمريكتين، يتعرض الطقس إلى بردٍ شديد، وثلوج ورعود وأمطار، بلا رابط ودون سابق إنذار .. فهي متوقَّعة في أي وقت وعلى مدار العام. ويكاد فصل الصيف في البلاد الأوروبية أن يكون فصلًا ضعيفًا هزيلًا، وقد تشتد فيه الحرارة فتفوق حرارة صيف مصر الجميل.
والطقس في البلاد العربية، إما أن يكون شديد الحرارة إلى درجةٍ قاتلة، وإما أن يكون طقسًا صحراويًّا قاتلًا، لا يجد المرء إزاءه إلا أن يتبرم أو يشكو!
أما أنتِ يا مصر، يا أم الدنيا، فلكِ طقسٌ غريبٌ جميلٌ نادر .. فشتاء مصر عظيم بمعنى الكلمة؛ برده معقول جدًّا ومحتمل .. قلَّما نشكو منه إلا إذا أخطأت الموازين السماوية وجلبت علينا بردًا ما كنا لنعرف كنهه إلا لخطأ تعرضت له الأرصاد الجوية، فنعاني قليلًا، وما كان لنا أن نعاني إذا لم يحدث ذلك الخطأ.
أما ربيعنا، فحدث عنه ولا حرج:
يبدأ ربيعنا أحيانًا في شهر مارس ولا ينتهي قبل شهر يوليو .. ربيعنا في طقسه أشبه بطقس الجنة الموعودة .. الشمس ناصعةٌ حلوةٌ حنونةٌ دافئة في رفق، جوادةٌ مبكرة .. لا تقسو أبدًا وإنما تظل على درجة واحدة فتكسب أجسامنا نشاطًا عجيبًا فتتحرر معه أجسادنا من الملبس الثقيل.
وتبدأ تباشير الطبيعة المزدهرة بألوانها البديعة تنتشر وتنبسط على صفحة الأرض .. فترى الورود والأزهار تضحك على الأغصان، وترى الأشجار وقد أورقت وأينعت واكتست حلةً خضراء جديدة ناضرة اللون والشكل معًا:
وصيف مصر إن اشتد لظاه قليلًا فإنما يرجع ذلك إلى خطأ في الأجواء العلوية .. أما فيما عدا هذه الأخطاء فصيف مصر من أحلى الأجواء .. تأتيك فيه النسائم حلوةً رقراقةً رطبة .. تلفحك فتنتشي .. أما جو المصايف وجوار الشطآن وبحذاء النيل الطويل، فقد أفاض في وصفه الشعراء والأدباء؛ إذ هو من أجمل الأجواء التي يجدها المرء على وجه البسيطة.
السلام .. تحت نافذة الإيمان: عدسة «ع. عيد».