مصر عروس الشرق
جميع أيام مصر أفراح وليالٍ ملاح .. فمصر في الليل متلألئة الأنوار، ساطعة الأضواء .. تغالب الشمس نورًا وقوة وتزيد القمر الفضي لمعانًا وبريقًا.
مصر عروس الشرق، منارةٌ هادية تشعُّ منها أنوار الحضارة المتقدمة السابقة لعصرها وأوانها.
ولكل عروسٍ جميلة، عيون مصر جميلة تعشقها العيون من أول نظرة، وتشتهيها النفوس من أول وهلة .. ولمصر شعرٌ طويل في سواد الليل الداجي، ولها جبينٌ ناصعٌ وضَّاء في بياض النهار الصبوح، وخدودٌ فاتنة في حمرة الورد الندى …
مصر كعروسٍ بتول خطَّابها كثيرون وعشاقها عديدون وأحباؤها متهافتون .. الكل يطلب يدها ويخطب ودها، ويفديها بروحه وكبده وفؤاده، ويبذل في سبيل القرب منها كل غالٍ ورخيصٍ.
ومصر العروس مشتهى كل عريس من أهلها ومن الأغراب عنها .. أتاها القريب فأحبها وعشق خيراتها، وتمسَّك بها وتشبَّث بتلابيبها، ولم يترك أحضانها إلا بعد عذابٍ طويل عاناه من أجلها .. وعاناه أصحاب مصر من أجل حبها وودها.
ومصر كعروسٍ طاهرةٍ متدينة لا تسمع أذناها إلا كلام الله الهادي المنبعث من مآذنها وكنائسها ومعابدها، ومن أفواه أشياخها وقسسها وأحبارها.
ومصر العروس لا ترتوي إلا بالماء القراح العذب كالشراب الحلو، والذي يفيض في نهرها وينساب في مجراه الطويل المتدفق على الدوام، لا يجدب ولا يجف .. هذا الماء أو الشراب يكسب وجنتَيها جمالًا ونهدَيها بروزًا، وفخذيها بضاضة وملاسة ونعومة، وقدميها حلاوة في الشكل، ونعومة في المداس، ومياسة في القد ورشاقة في القوام.
يحلف الشرق كله بحياة عروسه المفضلة المبجلة «مصر» .. وهو لا يراها إلا هدفًا كبيرًا، ومعلمًا مرموقًا يهديه ويقوِّمه ويعلمه ويرسم له الطريق .. فإذا تكلمت سمع الشرق كله، وإن رفضت رفض الشرق عامته، فهي للشرق عروس وعين بل عيون، وهي له عقل بل عقول.