مصر الاشتراكية
الاشتراكية نظامٌ جديد تمارسه مصر بكفاءةٍ نادرة .. وهو نشاط يلائمها ويلائم ظروفها، ويوحد بين أفراد شعبها ويقرب ذات البين بينهم، ويقضي على التفرقة الطبقية، ويوزع العدالة الاجتماعية بالقسطاس، على كل بنيها وأولادها وأفراد شعبها.
جاءت الاشتراكية إلى مصر متأخرة .. وكانت تجربة ممارستها شاقةً متعبة .. كانت الهزة الاجتماعية أقوى من أن تتحملها أعصاب الطبقة القادرة المتمكنة من الأرض والعقار والمال .. فدخلت مصر الاشتراكية في معركةٍ ضارية مع هؤلاء المردة المتسلحين بالمال والثراء، والجاه والسلطان والألقاب.
قضت الاشتراكية أولًا على الملكية الباغية .. قضت على حكم فاروق الجائر؛ ذلك الملك الشاب الذي غرق في ملذاته الجسدية حتى أذنيه، ناسيًا أو متناسيًا الشعب المطحون، كأنما يلذ له رؤية الشعب يعافر وسماعه يئن ويتوجع ويشكون، ولا مجيب.
تصدَّت مصر الاشتراكية بعد ذلك إلى زبائنه فاروق وحاشيته وأعوانه وجماعات الباشوات والبكوات التي كانت تستعبد الفلاح والعامل، وتعاملهما أسوأ معاملة؛ فتمصُّ دماءهما وتتركهما يعانيان الفقر والجوع والمرض …
وجاءت مصر الاشتراكية فأباحت التعليم لجميع الناس، وجعلته بالمجان .. وفتحت أبواب الجامعة للكل على حدٍّ سواء، ونجحت في هذا الصدد، وزادت عدد الجامعات، وضاعفت عدد المدارس الثانوية والإعدادية والابتدائية ودُور الحضانة وروضة الأطفال .. فانتشر التعليم وصار كالماء والهواء بالنسبة للإنسان المصري.
وتحوَّلت مصر من بلدٍ زراعيٍّ بحت، إلى بلدٍ صناعي له وزنه وأهميته، وعنيت الاشتراكية المصرية بالصناعة فأقامت مئات المئات من المصانع، فراحت آلاتها تدور وتعمل دائبة، فصرنا نعتمد على أنفسنا في كثير من البضائع، وما عدنا نستوردها من الخارج بالعملات الصعبة .. وأمنت الاشتراكية حياة العامل، فلم يعد يُفصَل فصلًا تعسفيًّا، وصارت هناك قوانين تحمي الأيدي العاملة من ظلم وطغيان أصحاب المصانع والورش والمؤسسات الخاصة والعامة .. وراح العامل ينصرف إلى عمله آمنًا مطمئنًا على نفسه وعلى مستقبله ومستقبل حياته في ظل الاشتراكية العادلة.
واهتمت الاشتراكية بالطاعنين في السن، فجعلت المعاش حقًّا للجميع، وامتدت مظلة التأمينات الاجتماعية فشملت مختلف طبقات الشعب التي ما كان لها أن تحلم بمعاش لو أن الاشتراكية الاجتماعية لم تكن هي الحاكمة اليوم في صعيدَي مصر.
وفي ظل الاشتراكية تساوى أفراد الشعب وزالت الألقاب وذابت الفوارق .. وأصبح العمل أساس الكسب .. وغدا العمل هو الشرف .. فمن يعمل في أي مرفق من مرافق الحياة يكتسب احترام الجميع بغض النظر عن نوع العمل الذي يقوم به.
وحتى الخادم نال شرف العمل فأصبح يسمى «الشغال» أو «المساعد» .. فلا أحد في ظل الاشتراكية خدام لأحد ولا عبد لأحد، وهذه والحق يقال، بعض مظاهر مصر الاشتراكية.