مصر بدر البدور
كلنا نحب البدر وهو يتلألأ في الفضاء يملأ الدنيا بأشعته الفضية، يمشي الهوينى متهاديًا متدللًا .. ومهما يصغر البدر فيبدو هلالًا أو تربيعًا أو أحدب أو اختفى في المحاق كما عودنا أن يختفي، فالبدر بدرٌ محبوبٌ مرغوب، يُفتقد في الليلة الظلماء ويبدو جميلًا إذا بدا فيمتع الناظرين.
ومصر هي البدر في علاه .. في خيلائه .. في مرتقاه عبر سمائه .. مصر متألقة كالبدر أضواؤها قويةٌ شاملة تضم الأجواء والأرجاء، والأموات والأحياء .. مصر في استدارتها صورةٌ مصغرة للأرض المستديرة .. ﻓ «مصر» الأرض هي مصدر البدر .. مصدر الإشعاع والإلهام والتوجيه والتعليم .. والحصاد والفكر والاجتهاد.
وكما يتغزل الشعراء في جمال البدر منذ أقدم العصور، فإن الشعراء لم ينسوا «مصر»، بل اختصوها بأروع الأشعار وأقوى القصائد .. وقالوا عنها أحلى كلام .. ووصفوها بأرقى المعاني وأجل الصفات وأسماها وأرفعها.
كلنا في وصف القمر شعراء، ولكننا في وصف مصر نخرج عن دائرة الشعراء إلى دائرة البلغاء العلماء العاشقين المدلهين الأوفياء .. إلى دائرة الأقوياء الأجلاء الأشداء الشهداء.
وكفى «مصر» فخرًا أن بدرها لا يغيب عنها أبدًا .. فسماء مصر مرتعه الفسيح .. يجري فيها ما طاب له أن يجري، ويسبح خلالها ما طاب له أن يسبح .. ويلهو فيها ما طاب له أن يلهو .. وبدر مصر أحلى بدر وأكمل بدر وألمع بدر وأقمر بدر تتميز به مصر ويحقُّ لها أن تفخر به وتزهو.
بدر مصر هو بدر البدور، في فلكه يلف ويدور .. وفي قلبها يزأر ويجور .. وفي دمائها يثور ويفور .. أما في ذكرها فموجود في الكفور والقصور .. ومع كل خطوة أو عبور، وفي كل فرح وسرور وانشراح وحبور.
فيا بدر البدور، يا أصفى من البلور .. يا مصر الشعور .. يا مصر العبور .. يا أم الكفور، ونبع السرور .. يا فيض الحبور .. يا قلب النمور والليث الهصور .. يا عدوة الشرور، وللغزاة مقبرة، بل قبور .. يا حلوة بنور .. يا مصر يا بدر البدور .. قلبي لك يلف ويدور ويدور.