مصر أرض الأديان

من نعم الله على هذه الأرض التي أنتمي إليها، أن خصها الله القدير — من دون سائر الأراضي — بشرف الرسالات السماوية .. كان أول رسول تكلم الله معه وإليه، هو سيدنا موسى عليه السلام .. كلَّمه هناك في طور سيناء؛ ليكون إيذانًا ببداية عصر الرسل والأنبياء، ومهد الأديان والأخلاق والقيم السماوية الربانية.

وانتشرت اليهودية وشقَّ موسى عليه السلام البحر الأحمر ليهرب من أعدائه .. وجاء ذكر مصر في التوراة بدل المرة مرات ومرات، على أنها أرض السلام والأمان والاطمئنان للرسل ولغيرهم من بني الإنسان.

وقامت المسيحية وانتشرت ديانتها، وتعرَّض المسيح عليه السلام للخطر، فجاء الأمر الإلهي لأمه بأن تفرَّ به إلى أرض مصر للنجاة من اليهود الذين أزمعوا أن يقتلوه .. فقدمت السيدة العذراء مع ابنها إلى مصر لتحتمي بأرض الكنانة حيث دخلتها راكبة أتانًا، فارتاحت هناك في ناحية المطرية تحت النخلة التي باركها الله فأثمرت لتطعم الوليد رطبًا جنيًّا .. وللمرة الثانية يذكر الله سبحانه وتعالى اسم مصر عنوانًا للراحة والأمان والسلامة من الشرور والأخطار .. وللمرة الثانية يختار الله أرض مصر؛ لتكون ملاذًا لرسله من الأنبياء الصادقين؛ فموسى عليه السلام، أكل من تراب مصر، وشرب من نيل مصر .. وعيسى عليه السلام أكل من رطب مصر، وشرب من ماء النيل العذب .. فحلَّت عليهما البركة، وتمت لهما النجاة والسلامة لإتمام الرسالة.

وجاء الإسلام، ودخل مصر ليتربع على عرشها، ويستوي في قلبها، فيجعل له منها ركيزةً متينة بين خير الأقوام وأكرم خلق الله وأتقاهم وأكثرهم أصالة وعراقة وأشرفهم منبتًا ونجارًا .. جاء الإسلام ليستظل بأرض مصر، ويجد في واديها السمح ملاذًا ومأوًى وبيتًا ظليلًا دافئًا .. ومن مصر انطلق الإسلام وانتشر في ربوع العالم العربي كله، وأصبحت مصر للإسلام منارةً مشرقةً مشرفةً ساطعةً مبهرة بضياء الإيمان والطهارة .. ولم يعد يذكر الإسلام بدون ذكر مصر كمهدٍ قوي تربى في كنفه وبين ربوعه، ونشأ وترعرع بين أهله، ونما وازدهر وانطلق كالمارد القوي السامي الخلق المزوَّد بالتعاليم الدينية القويمة السمحاء الشمَّاء، التي أكسبت مصر على مر الأعوام مناعة وحصانة وأصالة يتحدث بها الركبان، وتفخر بها البلدان والأوطان .. فإذا بأرض مصر تخرج الأبطال الشجعان والعلماء في الأديان وفي كل مشاكل الإنسان .. وإذا بالأديان الثلاثة تحيا في ربوع مصر بالأحضان، وفي حب ووئام وحنان …

أيها العالم، إن أرض مصر هي حقيقة أرض الأديان، وهي أقوى من جميع البلدان في جمال الخِلْقَة والكيان، وفي الرفعة وحسن المكان، الكل عندها سواء وسِيَّان .. والعالم محب لها ولهان، مشتاق إلى شمسها المشرقة عطشان، بقدر ما هو إلى نيلها لهثان وظمآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤