ما أحلى شمسك يا مصر!

ما أعظم نعم الله علينا! فهي لا تحصى ولا نألوها شكرانًا، وتزداد علينا في كل يوم وكل ليلة تظاهرًا .. ومن أجلِّ هذه النعم أن جعل الشمس لنا علامةً واضحة تنظم حياتنا، وترتب لنا أوقات عملنا وراحتنا .. وطالما هناك شمس فهناك صحة وعمل، وكدٌّ وكفاح ونضال هذا مدلول أول، لا ننعم به وحدنا، ولكن تنعم به معنا دول الأرض قاطبة.

ومن أفضل نعم الله التي تفضَّل بها على أرض مصر بالذات، أن حباها بشمسٍ مشرقة، شمسٍ ساطعة تنتشر ظاهرة فوق ربوعها في كل يوم من أيام السنة بلا استثناء، بينما هناك بلاد لا ترى الشمس إلا لمامًا، وتتوق وتتحرَّق شوقًا إلى أن ترى شمس مصر ولو ساعةً واحدة في كل عام؛ إذ لو طلعت شمسها لبدت ضعيفةً واهنةً مسكينة، كأنما هي لا ترغب في أن تظهر لهم لينعموا بدفئها ونورها وأشعتها الذهبية وقرصها الوهاج الملتهب …

وهناك من البلاد ما تشتدُّ فيها حرارة الشمس إلى درجة تجعلها كانونًا ملتهبًا، تهدد الصحة وتثبط الهمة، وتجلب الكسل والنعاس والوهن.

بيد أن مصر من دون بلاد الله جميعًا، خصَّها سبحانه وتعالى بشمس من أجلِّ الشموس.

تظهر فيها الشمس من غير عجب
كأنها في الأفق قرص من ذهب

لذلك اشتهرت مصر في جميع بلاد العالم بشمسها حتى أطلقوا عليها اسم «أرض الشمس المشرقة»، فقرص شمسها حنون بلا قيود، يدفئك شتاءً وينير يومك ساطعًا صيفًا دون أن يوهن من عزمتك أو ينال من صحتك وقوتك، ولا يفتك بجسدك أو يقضي على حياتك …

شمسك يا مصر من أعظم الشموس جلالًا ورفعةً ورواءً، وقيمةً ورونقًا وبهاءً .. إنها الشمس الوحيدة التي بوسعك أن تضع عينك فيها وتثبتها دون أن تصاب بأذى .. إنها شمسٌ مشمسة خلقت علاجًا للأبدان، وشفاءً من الأمراض، وعنوانًا لليقظة والعمل والكدح اللذيذ.

شمس مصر لا تغيب أبدًا، فهي دائمًا هناك تبتسم لشعب مصر .. تدعوهم في الصباح إلى العمل الشريف، وتناديهم عند الليل إلى الراحة والاستجمام، وهي طَوال النهار رحيمةٌ شفيقة، لا تعرف القسوة الضارية، ولا تحارب إنسانًا في رزقه، ولا تعوقه عن السعي الكريم وراء لقمة العيش الحلال.

شمس مصر تحب مصر كل الحب، وتحب أهل مصر من أجل مصر .. فهي لهم في الشتاء وطيس معتدل الحرارة، تقيهم لفحات البرد إن اشتدت وقست .. هي جنةٌ فيحاء، إن لجأ إليها عاشقوها فزاروها في أسوان والأقصر، استقبلتهم هناك بدفءٍ لا مثيل له في الوجود، كأنها تقول للعالم: إنني أجد متعةً كبرى في أن أحيل صعيد مصر إلى مشتًى عالمي وإلى مزار يؤمُّه الناس من كل الأجناس ومن جميع أنحاء المعمورة، لا ليروا الآثار فحسب، بل وليروا الشمس في ملكوتها السماوي الجبار، وفي أبهى صورها وأكرمها وأحسنها وأحبها إلى القلوب.

وجو مصر معتدلٌ جميلٌ دائم النور، رحيم الحرارة صيفًا وشتاءً:

لحرها وبردها مقدار
لم يكتنف حدهما الإكثار
نهارها من أجمل النهار
في غاية الإشراق والإبدار

ففي الصيف تنتقل الشمس إلى المصيف لتخلق لنا منه جنةً أخرى لا يمكن أن ننعم بها لولا وجود الشمس وظهورها سافرةً واضحةً ساطعة، فهي خالقة هذا النعيم المقيم، وهذه الجنة المكنونة .. وهذا فضلٌ عظيم من عند الله صاحب النعم والآلاء، أن جعل عين الشمس الأولى .. عين الصباح، ترتفع فوق ربوعك يا مصر، في حنان ودفء ووفاء وأمان يجعلنا من أسعد شعوب الأرض طُرًّا. نحن سعداء فعلًا بشمس مصر، وإن مصر لأرضُ الشمس الأولى في هذا الكون الفسيح .. وإننا لنعتزُّ بهذه الشمس اعتزازنا بهذه الأرض الخيرة .. وما خيرها إلا بفضل شمسها الساطعة على مدار العام في كل عام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤