حمى الله شعب مصر العظيم

على مرِّ السنين، وبإجماع الغازين والغاصبين، قال القائلون: إن شعب مصر شعبٌ كبيرٌ عظيمٌ جليل القدر .. خطير في بساطته، قوي بتواضعه، ذكي بفطرته، قادر بفرعونيته، صامد صمود جرانيته وتربته .. فهو كالطود الشامخ لا تؤثر فيه الزلازل، ولا تنال منه الكوارث .. إنه شعبٌ كبير جدًّا بصمته وإيمانه، وقوة احتماله وجلده، ووقوفه ثابتًا أمام عوادي الدهر والنازلات والمصائب .. وهو في هديره شعبٌ كبير أيضًا .. إذا زأر أرهب، وإذا ثار حطم، وإذا غضب كشر عن أنيابه وثار كالليث الهصور:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم

وإذا صرخ هذا الشعب العريق أزعج، وإذا تدفق فإنه لا يُبقي ولا يذر.

أما في حربه، فهو شعبٌ عتيٌّ مَريد في جبروته لا يخاف الموت ولا يرهب ظلمة القبر، ويتلقى الضربة بصدر من حديد، ويذود عن حماه، ويدافع عن عرضه وشرفه إلى آخر نقطة من دمه الزكي.

بضربٍ يذوق الموتَ من ذاق طعمه
وتدرك من نجَّى الفرارُ مثالبُه

إنه في حربه كالحراب المسنونة، يَقتل ولا يُقتَل، يفتك بالعدو ولا يُفتَك به .. يكرُّ ولا يفرُّ، يتقدم ولا يتأخر .. وليست حرب أكتوبر المجيدة ببعيدة؛ إذ كرَّ المصريون البواسل كالصاعقة فحطموا الجبال وأزالوا الحصون، فلم يعرف العدو من أين تنزل كل هذه الضربات والجنود الذين في عداد الجراد، حتى نزلت رئيسة وزراء إسرائيل من عليائها، وجأرت بأعلى صوتها تستغيث بأمريكا من ضربات هذا الشعب الأصيل المجيد وانقضاضه على جنودها كالسيل الجارف من كل حَدب وصَوب … وهذه شهادة من العدو بتفوق الجندي المصري على الجندي الذي قيل عنه إنه لا يقهر .. شعب مصر في الحرب شعبٌ جبارٌ مقدامٌ شديد البأس، لا يعرف الخوف أو اليأس .. يشرب الموت بالطاس والكأس، ويصيح قائلًا: لا بأس .. لا بأس .. هذا هو الجندي المصري من قديم الزمان وحديثه، وهذا هو شعب مصر العظيم العريق العتيد.

والشعب المصري كبير أيضًا في سلامه، إذا سلم قال: «السلام عليكم» .. وإذا رد السلام رده بأحسن منه، فقال: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته»، وهو يدرك تمامًا أن رد التحية فرض واجب؛ عملًا بالآية الكريمة: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا .. ويعلم أن مَنْ لا يرد التحية يكن مثل مَنْ يرفض حياة السلام والمحبة والوئام.

والشعب المصري مسالم بطبعه وطبيعته .. قد يتشاجر، ولكن الشجار ينتهي بالقبلات والأحضان، عاملًا بقول بعضهم «لا محبة إلا بعد عداوة» .. فالمحبة غاية وهدف، وهي أملٌ منشود، يتبعه في حياته صغيرًا وينشده كبيرًا .. وهو لا يؤمن بالعداء ويؤثر عليه السلام والأخوة .. وأكبر دليل على صدق ذلك، مبادرة السلام العالمية التي تقدم بها الرئيس المؤمن محمد أنور السادات، فهزَّت العالَم من أقصاه إلى أقصاه، وأثنت عليه من أجلها جميع دول الدنيا، وتحدثت عنها كافة صحف العالم، وعرفوا أن شعب مصر بحق شعب سلام ووئام، فحتى شعب العدو نفسه شهد بمحبتنا للسلام وقام يتظاهر ضد رئيس وزرائه، معترفًا بأصالة شعب مصر المسالم الذي يعرف حق الجار والجوار، والذي يضع نصب عينَيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى خيرًا بسابع جار .. هذا ما يؤمن به المصريون جميعًا «مسيحيين ومسلمين» .. حب الجار وحب الجوار وحب السلام بين الناس والأصدقاء، وبين الأقارب وبين أهل البيت الواحد وبين أبناء الوطن الواحد .. وهكذا نرى السلام والمحبة لدى المصريين دينًا وعقيدة يؤمنون بهما، ويعملون على استمرارهما في صدق وإخلاص.

وشعب مصر شعبٌ ممتاز، له طباع تميزه عن سائر شعوب الدنيا .. فهو يتصف بالشهامة والرجولة والمروءة، لا يعرف الخسة ولا النذالة ولا الجبن .. تزامله فتلقى منه كل ترحيب وترحاب، وتعامله فتجد منه أنبل معاملة، وتستشيره فيمنحك المشورة المجدية الصادقة، وتستنجد به فيسرع النهضة لنجدتك متطوعًا ومضحيًا لا يريد منك جزاءً ولا شكورًا .. وقد تطلب منه مالًا فيعطيكه دون سؤالٍ كثير .. إنه شعبٌ بسيط على السليقة، سريع الغضب لكن في حلم وسريع البديهة، ولكن في دهاء ومكر .. شعب يحب الفكاهة والدعابة؛ لأنه شعبٌ مرحٌ بشوش، يلقاك بنكتة، ويودعك بأخرى .. هو شعب مؤمن بالقدر والستر والأجر والعمل والعقاب والثواب .. هو شعب يضع كل اتكاله على الله، فيعمل بغير خوف، ولا يفزعه المستقبل، ولا تُخيفه الشيخوخة أو المرض؛ إذ يعلم أن كل شيء من عند الله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا .. كما يعلم أن الدواء والشفاء من عند الله أيضًا .. إذن، فلا خوف عليكِ يا مصر، مع مثل هذا الشعب المؤمن …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤