الأدب في عهد الأسرة التاسعة عشرة

لقد اتخذ الأدب وجهة جديدة في عصر الدولة الحديثة على وجه عام غير التي كان يسير فيها قديمًا، فقد كانت مادة الأدب، إلى هذا الوقت، اللغة الفنية العالية في كل ألوانها كالقصص، والأمثال، والحكم، والتأملات، وقد كانت هذه اللغة تقترب من لغة المحادثة إذا تناولت وثائق حيوية، أو صورت قصصًا شعبية.

أما في العصر الحديث فقد احتجبت اللغة الفنية، ولم يعد أحد من الشعب يفهمها، أو يستسيغها، وقد كان أول ظهورها بشكل بارز في عهد «إخناتون»، فقد بدأ القوم يكتبون الشعر بلغة العامة، وقد أُلفت بهذه اللغة أنشودة الشمس التي تضم في طياتها منهاج الإصلاح الديني الذي تحدثنا عنه في الجزء السالف مليًّا (راجع الجزء الخامس)، ولقد استقر نظام الكتابة بلغة العامة، وكُتب له البقاء، وفي عهد الأسرة التاسعة عشرة ظهر أدب قوي مكتوب بتلك اللغة الجديدة التي أطلقنا عليها «المصرية الجديدة»، فكُتبت بها الرسائل، والقصص، والعلوم، وشعر غزلي، وديني، ودنيوي، وكذلك المكاتبات الحكومية عامة، وقد بقي للمدارس خطرها كذلك في عهد المصرية الحديثة، ولكن أساليبها دبت فيها الحياة بقدر ما ذاق المصريون من حلاوة الحياة في هذا العصر، إذ رأوا الدنيا بعين الرضى فتعشقوها، وشغفوا بها.

والأدب الحديث خلو من الأفكار العميقة، والبحوث الفلسفية إلى حد ما، وقد يسوق الله إلينا كشفًا جديدًا بغير هذا الرأي، فإن حال مصر في ذلك الوقت تدعو إلى نقيضه.

ولم تدُم سيطرة اللهجة المصرية الجديدة على الأدب طويلًا، فإن الأدباء حنُّوا إلى العهود الأولى كما يحن كتاب عصرنا إلى عهد الشعر الجاهلي، أو الشعر الأموي، فأخذوا يرصعون عباراتهم، وينتقون لها أصفى الألفاظ والأساليب، وقد زينوها بالألفاظ الأجنبية على سبيل التظرُّف، أو إظهارًا لتمكنهم من مادتهم، وكان أبرز مثال في هذا الباب هي المساجلة الأدبية التي يطلق عليها الآن اسم ورقة «أنسطاسي الأولى» (راجع كتاب الأدب المصري القديم ص٣٧٦). وتعد هذه الوثيقة من أروع ما كُتب في الأدب المصري في عهد الدولة الحديثة، وتدل شواهد الأحوال على أنها كتبت في النصف الأول من عهد الأسرة التاسعة عشرة، فقد وجدنا أن «رعمسيس الثاني» قد ذُكر فيها عدة مرات، وقد عثر على عدة «أستراكا»، وقطع من البردي كتب عليها أجزاء من هذه المناقشة، وتاريخها كلها لا يتخطى منتصف الأسرة العشرين، على أن مجرد الاقتباس منها في هذا العصر لدليل ناطق على انتشارها في مدارس عهد الرعامسة.

ومن يقرأ تاريخ الأدب في هذا العصر يسهل عليه أن يعرف السبب في شيوعها، فنلاحظ أولًا أن الموضوع الذي تدور حوله المناقشة هو حرفة الكاتب، وهو الهدف الذي كان يرمي إليه بخاصة كل تلميذ في عصر الرعامسة؛ إذ كانت تعد أعظم المهن وأشرفها، فالمناقشة التي نحن بصددها الآن تعد من جهة نوعًا من الكتابات التي كانت تفيض بها كتب هذا العصر لحث التلميذ على الجد في الوصول إلى حرفة الكتابة، ومن جهة أخرى تعد نموذجًا للأسلوب الحسن، ولتعليم الإملاء؛ لما ظهر فيها من غزارة المادة، وتنوع المفردات. يضاف إلى ذلك أن استعمال الألفاظ الأجنبية بكثرة، والتفاخر بالعلم، واستعراض أسماء البلاد الأجنبية غير المألوفة أحيانًا يتفق مع ما نعرفه عن ميول هذا العصر الأدبية. وأخيرًا نرى التهكم اللاذع منتشرًا في نواحي هذه الوثيقة، ويرجع منشؤه إلى حب الأجوبة المسكِتة عند المصري، وميله إلى التهكم. ونرى ذلك واضحًا في المحاورات القصيرة التي نجدها مدونة فوق المناظر المصورة على جدران المقابر، وفي الصور الملونة والتحف، وفي الصور الهزلية التي بقيت لنا من رسومهم، وكذلك الشأن في أدبهم.١ غير أننا لم نجد في كل هذه المصادر ما يشفي الغلة في باب التهكم، والنكت مثلما بدا في وثيقتنا هذه.

ولكن مما يؤسف له أن الوثيقة في صورتها التي وصلت إلينا لا يمكن ترجمتها ترجمة مرضية إلى أية لغة حديثة، حتى ولو كنا أكثر تمكنًا من مفرداتها مما وصلنا إليه الآن.

والوثيقة كما هي غامضة في كثير من جُملها؛ وذلك لجهلنا بكثير مما ترمي إليه الكلمات الحقيقية، وقد زاد الطين بلة؛ تعدد الفجوات التي في الورقة، والأغلاط التي في المتن نفسه.

ولكن على الرغم من كل هذا سيجد القارئ الشرقي في هذه المناقشة لذة لا يشعر بها القارئ الغربي الذي لا يمكنه أن يتذوق تمامًا ما فيها من النكات والمداعبات، فضلًا عن أنها تعرض أمامنا سلسلة صور هامة عن العالم المتمدين في هذا العصر، وبخاصة موضوع الرحلة في فلسطين، وإن بُولغ في تصويرها ووصفها.

وسنكتفي هنا بإعطاء ملخص لهذه الوثيقة التي وضعها «حوري»، أما خصمه فيدعى «أمنمؤبي»، وهذا ما اتفقت عليه كل النسخ التي وقعت تحت أيدينا.٢

كان الكاتب «حوري» من حملة الأقلام، وكان موظفًا في الإصطبلات الملكية، وقد كتب لصديقه «أمنمؤبي» كتابًا تمنى له الفلاح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

وقد رد عليه «أمنمؤبي» مظهرًا أسفه لهبوط مستوى كتابة صديقه مع عجز «أمنمؤبي» عن الانفراد بالرد عليه، واستعانته بكثير من المساعدين؛ وعندئذ قام «حوري» بدوره يصلى مساجله «أمنمؤبي» قوارص الكلم، ولاذع التهكم، مصرحًا بعجزه مرة ومكنيًا أخرى، متتبعًا ما عالجه «أمنمؤبي» من الأمور، ومظهرًا ما فيه من نقص؛ ولم يكن «أمنمؤبي» بالكاتب المتحفظ الذي يلتزم أدب التراسل والمساجلة، فإنه حذف السلام العادي من صدر رسالته، وعبر عن احتقاره لمقدرة «حوري»، وتمكنه من مادته، فما كان من هذا الأخير إلا أن تهكم عليه ما وسعه التهكم، وسرد أمثلة عدة لأناس وصلوا إلى أعلى المراتب مع ما فيهم من نقص عقلي وجسمي، وفي ذلك تعريض ﺑ «أمنمؤبي» الذي وصل إلى مرتبة سامية على غير كفاية رزقها. واندفع «حوري» يرد هجمات «أمنمؤبي» بقسوة لاذعة، وطلب أن يحكم بينهم الإله «أنوريس»، وتابع تحديه لزميله بأن ينفرد بحل مسألة حسابية تتناول بناء مطلع، أو نقل مسلة، أو إقامة تمثال ضخم، أو غزوة لبلد أجنبي، وما تتطلبه من المؤن والذخائر.

وعندئذ ادعى «أمنمؤبي» أنه يحمل لقب «ماهر»؛ فاتخذ «حوري» من هذا الادعاء مادة لإثبات عجز منافسه وجهله، فسرد على «أمنمؤبي» عددًا عظيمًا من بلدان شمال سوريا التي يجهلها، وصور له المتاعب التي سيتعرض لها في حياته بحمله هذا اللقب، ثم سأله ساخرًا من ضآلة معارفه عن بلاد «فينيقيا»، والبلاد التي إلى الجنوب منها، وبلاد أخرى كان يختلف «الماهر» إليها، ثم تصور «أمنمؤبي» في صورة خيالية يقاسي فيها تجاريب الحياة التي يسببها له هذا اللقب، فسيتعرَّض لاختراق أقاليم جبلية، ولمخاطر الحيوان المفترس، ولتحطيم عربته، ثم وصوله إلى «يافا»، وإصلاح العربة، وابتداء رحلة جديدة.

ولم يكتفِ بذلك «حوري»، بل واصل استجواب صديقه عن أسماء الأماكن التي تقع على الطريق العام الموصل إلى «غزة» فيتضح جهله كذلك بها.

وإلى هنا قد وصل «حوري» إلى هدفه من إظهار فوقه على مُناظره، ويأخذ في الإجهاز عليه بأن يقف منه موقف الناصح، فيسأله ألا يغضب، ويطلب إليه أن يستمع في هدوء حتى يتعلم، ويستطيع التحدث عن البلاد الأجنبية، ويقص حوادث السياحة.

هذا ما حدث بين الأديبين. ويؤسفنا أننا لم نصل أحيانًا إلى الكنه الحقيقي لبعض الأساليب؛ لأن لكل أمة في لغتها طريقتها الخاصة في التعريض والتلويح والتلميح والرمز والإشارة، وما إلى ذلك؛ مما يكسب الكلمات معنًى مجازيًّا قد يكون بينه وبين المعنى الحقيقي مراحل واسعة، وعلى أية حال فإن ما جاء في هذه الورقة يضع أمامنا صورة واضحة عن الميول الأدبية والعلمية في هذا العهد.

وبجانب أمثال هذه المساجلات التي تدل على العلم الغزير، والاطلاع الواسع كان هناك نوع آخر من الأدب هو القصص. والواقع أنه لم تصل إلينا الحياة العقلية في مصر سلسلة متصلة الحلقات حتى نتبعها من أولها إلى آخرها، ونسلط عليها أشعة البحث والدرس، ونخرج منها بنتيجة نقطع بها ونؤمن بصحتها، ولكنها وصلت إلينا وبها حلقات مفقودة، فلا نستطيع إلا درس ما وصل إلينا وبناء أحكامنا عليه. والمتتبع لتاريخ القصص في الأدب المصري لا يرى أمامه أي مثال للقصة في الدولة القديمة، ولا ما سبقها من العهود، وإن كانت ظواهر الأحوال وإشارات متون الأهرام تدلنا على أنه كانت هناك أساطير وأقاصيص عن الآلهة، ويرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ، ومن يدري؟! فلعل الأرض تبوح بسرها، وينشق جوفها عما نلتمسه الآن فلا نجده، إن لم تكن عوادي الزمن قد طغت عليه.

أما القَصص التي وصلت إلينا عن عهد الدولة الوسطى فإنه قصص ناضج يدل على أن هذا الفن بلغ في عهد هذه الدولة ذروته، وقد ضربنا منه الأمثال الكثيرة في الجزء الثالث من هذا المؤلف (راجع مصر القديمة ج٣).

وبعد عهد الدولة الوسطى وجدنا بعض الركود على ما يظهر في فن القصة، فلم نعثر حتى الآن في عهد الدولة الحديثة إلا على سلسلة من القصص بعضها تاريخي، وبعضها خرافي محض، ولكنها بسيطة في موضوعها، ويظهر أنها كانت تُعد لتُلقى في قصور الملوك للتسرية عنهم في أوقات الفراغ، وربما كان الغرض منها مجرد الدعاية، كما نرى في قصة الملك «خوفو» والسحرة (راجع كتاب الأدب ص٧٥)، أو لإظهار الحق في ثوب المنتصر على الباطل بسرد أعمال عظيمة خارقة للعادة قام بها الآلهة، وتنتهي بهذه النتيجة. وقد كتبت كلها باللغة المصرية الحديثة، أو اللغة العامة، وكانت اللغة المستعملة وقتئذ كما ذكرنا آنفًا.

فمن القصص التاريخية قصة الملك «أبوفيس»، والملك «سقنتر رع»، وقد أوردناه في الجزء الرابع من المؤلف (راجع مصر القديمة ج٤)، وكذلك قصة الاستيلاء على «يافا»؛ وتتضمن أن الملك «تحتمس الثالث» قاهر الأعداء يرسل قائده «تحوتي» ليستولي على «يافا» ذلك الثغر العظيم الواقع جنوب فلسطين، فيحاصر هذا القائد المدينة، وتمتنع عليه فيعجز عن اقتحامها؛ فيلجأ إلى الحيلة التي تشبه الحيلة التي استولى بها على طروادة، ويغري أمير المدينة بالخروج إليه لمحادثته، ولما تقابلا أكرمه، واحتفى به، وأدخل في روعه أنه سينضم بجنوده إليه، وأنه سيسلمه زوجه وأطفاله؛ وباشتراكه مع عصا «تحتمس الثالث» التي كانت تشبه عصا موسى تغلب على العدو، وفتح البلدة بعد خدعة حربية رائعة (راجع كتاب الأدب المصري القديم ص١٠٩–١١٢).

ومن القصص الخرافية التي نسمع أمثالها تُحكى للأطفال في بيوتنا حتى الآن قصة الأمير المسحور، وتتلخص في أن ملكًا اشتاق أن ينجب ذكرًا بعد أن حُرم ذلك دهرًا طويلًا، فأعطاه الإله ما يتمناه، ولكن قدر على هذا المولود أن يلقى حتفه على يد تمساح، أو حية، أو كلب، وعرف والده ذلك فأفرده في بيت بناه له في الصحراء حتى شب، فرأى في الطريق كلبًا يتبع صاحبه، ولم يكن له عهدًا بسحنة الكلاب، فسأل عنه، ثم طلب واحدًا من جنسه، فأمر له والده بجرو صغير حتى يأمن عليه من ناحية، ولا يغضبه من ناحية أخرى. كبر الطفل فاشتاق إلى الحرية، وطلب الخروج إلى أرض الله الواسعة، فأجيب إلى طلبه. سافر الطفل وأبعد في سفره حتى وصل إلى رئيس بلاد «نهرين»، وكانت له ابنة جميلة جعل صداقها استطاعة المرء أن يقفز إلى شرفة بيتها التي ترتفع عن الأرض ستة وخمسين ذراعًا، فلم يستطع أحد من أولاد رؤساء «سوريا» ذلك، واستطاعه ذلك الشاب الوافد من مصر، فتزوج من البنت بعد لأي وامتناع من جانب والدها، وأحبته وأخلصت له، وسهرت على راحته، وحفظت حياته من الحية مرة، ومن التمساح أخرى، ولكن على ما يظهر انتهى أجله بإحدى الطرق التي كانت مقدورة له من قبل، وإن كان في ذلك شك؛ لأن نهاية البردية كانت مهشمة، ولم تحدثنا عن النهاية على وجه التأكيد.

ومن القصص الخرافية الذائعة الصيت في الأدب المصري قصة الأخوين؛ لأنها تشبه قصصًا كثيرة أخرى حُكيت في الزمن الحديث، وهي بلا شك أكثر دلالة على أصلها المصري من مثيلاتها التي رُويت لنا من عهد الفراعنة، وهي قطعة من الشعر القصصي العام، ترجع إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة، وتحلِّق بوقائعها الخيالية في عالم الخرافات، وقد نقلها الكاتب «أنانا» تلميذ كاتب الخزانة الملكية «كاجبو»، وقد ظن البعض أن قصة يوسف — عليه السلام — مشتقة منها، غير أن ذلك مجرد ظن وتوافق خواطر على ما يظهر.

وتتلخص القصة فيما يأتي: يضم بيت واحد أخوين مخلصين، كبيرهما متزوج ويسمى «أنوب»، وصغيرهما أعزب، ويسمى «باتا»، وكان ساعد أخيه الأكبر في فلح الأرض وزراعتها، وتربية أنعامها. وفي يوم كانا يزرعان في الحقل فاحتاجا إلى بعض البذر، وذهب الأخ الصغير إلى البيت ليحضره، وكانت زوج أخيه الكبير تمشط شعرها، فما رأته يحمل قدرًا كبيرًا من البذر على ساعديه حتى راقها جماله، وأعجبت بقوته؛ فراودته عن نفسه، وغلقت الأبواب، وقالت: هيت لك. قال: معاذ الله، إن أخي الكبير رب نعمتي، وقد أحسن مثواي، فلا أخونه في زوجته، فأضمرت المرأة في نفسها الكيد لهذا الفتى الذي فوت عليها ما كانت تريد من اللذة والمتاع. وقابلت زوجها في المساء متمارضة متباكية متظاهرة بالألم، وادَّعت أن أخاه الصغير راودها عن نفسها، وما جزاء من يفعل ذلك إلا القتل أو عذاب أليم. فصمم الأخ الأكبر على قتله عندما يعود بالماشية، واختبأ وراء الباب لهذه الغاية، وما أن قرب الصغير من البيت حتى أخبرته بقرة من التي كان يسوقها بما دُبر له، ففر «باتا»، وتبعه «أنوب» بسلاحه، ولكن إله الشمس حجز بينهما بخلق بحيرة مملوءة بالتماسيح، فعجز «أنوب» عن اللحاق به، وجرت بينهما محادثة برأ فيها «باتا» نفسه، وجب عضو التناسل منه، وأبان عزمه على الرحيل إلى وادي الأرز، وأنه سيضع قلبه على زهرة في أعلى إحدى أشجاره، وعين له علامة إذا حدثت كانت دليلًا على وفاته. وعلى الأخ الأكبر حينئذ أن يذهب إلى وادي الأرز، ويبحث عن قلبه، ويضعه في الماء؛ فتعود إلى «باتا» الحياة ثانية، وينتقم لنفسه من القاتل.

وبعد هذه المحاورة رجع «أنوب» إلى قريته فقتل زوجته انتقامًا لأخيه. أما «باتا» فقد سعى إلى وادي الأرز، ولما رأته الآلهة وحيدًا في هذا الوادي أشفقت عليه وجعلوا الإله «خنوم» يسوي له زوجة، وقد خالفته هذه الزوجة فخرجت إلى البحر على الرغم من تحذيره لها من هذا العمل، فأراد البحر أن يختطفها، ولكن «باتا» أنقذها منه، وكل ما استطاع البحر أن يأخذه خصلة من شعرها طفت على وجهه حتى وصلت إلى مصر، وهناك فاح شذاها، وانتشر رياها؛ فشغف الفرعون بصاحبتها، وأرسل إلى وادي الأرز في طلبها، فحضرت زوجة «باتا» مع الرسول وصارت خطيبة الفرعون، ولما كانت تخاف بأس زوجها أغرت الفرعون بقطع شجرة الأرز التي تحمل قلبه، فسقط قلبه بسقوطها ومات. وعندئذ حدثت العلامة التي كان قد ذكرها لأخيه ليعلم بها أمر موته — وهو فوران إبريق من الجعة — فسعى في الحال «أنوب» إلى وادي الأرز لينقذ قلب أخيه، وبعد سنين وجده في صورة فاكهة، فأعاده إلى الحياة بوضعه في الماء، ثم صير «باتا» نفسه ثورًا، وحمل أخاه إلى مصر، وأفصح لزوجه عن شخصيته، فأغرت الفرعون بذبحه؛ فتطايرت منه نقطتان من الدم نبتتا بعد شجرتين من الأثل سكن فيهما «باتا»، وأسرَّ إلى زوجته بأمره، فأغرت الفرعون بقطع الشجرتين، وصنع أثاث لها منهما ففعل، وفي أثناء صنع الأثاث تطايرت شظيتان من الخشب دخلتا في فم الزوجة فحملت وأنجبت صبيًّا صار وليًّا للعرش، وعند وفاة الملك نُصب هذا الصبي خلفًا له ملكًا على البلاد، ولم يكن ذلك الصبي إلا «باتا» نفسه، فانتقم لنفسه من زوجته الخائنة بقتلها.

وهذه القصة كانت تعد فذة في بابها؛ لأنها من الأساطير الدينية القليلة التي وصلت إلينا، والواقع أن كل مشتغل باللغة المصرية القديمة يدرك أن القصص الخرافية التي ينحصر أبطالها في محيط الآلهة وحدهم قليلة أو نادرة. ومن أهم القصص التي كُشف عنها حديثًا؛ قصة المخاصمة بين «حور وست»، ولها علاقة بقصة «مأساة أوزير»، ومصدر الأخيرة الذي لا يشفي غلة ما ورد عنها في كتاب «ديدور الصقلي»، و«بلوتارخ» من مشهوري كتَّاب اليونان لولا ما دُس فيها من العناصر الدخيلة التي شوهتها. وإذن فليس لنا مرجع لهذه القصة إلا النتف اليسيرة المبعثرة في المتون المصرية، وبخاصة الدينية منها، والسحرية التي تبدو كالشعرات البيض في الفرس الأشهب، وهي مع ذلك لا تخلو من تناقض واضطراب، وقد بقيت المصادر الإغريقية هي السند الوحيد لدينا إلى أن كُشف عن القصة في بردية من عصر الرعامسة. وتتلخص فيما يأتي: اشتد النزاع بين الأخوين «أوزير» و«ست» على عرش مصر، فاغتال «ست» «أوزير»، ولكن الحياة دبت ثانية في جسمه بفضل أخته «إزيس»، فترك دنيا الغدر وما فيها، وهبط يحكم في العالم السفلي بعد أن نزل عن عرش مصر لابنه «حور». ولقد كان من الطبعي أن يبدأ النزاع من جديد بين «ست» و«حور» على العرش مرة ثانية؛ فتشاحنا وتخاصما إلى محكمة الآلهة التي كان يرأسها الإله «رع». وكان «حور» يعتز في عراكه بعدالة قضيته، وبإرثه الشرعي، وبمساعدة «إزيس». وكان «ست» يعتد بقوته وجبروته، ومعاضدة الإله «رع» له، ومن ثم كانت الأحكام الأوَّلية في هذه القضية في جانبه خشية بأسه، وفرارًا من أذاه، حتى إذا ضاقت الحلقة وتضافرت الأدلة كلها عليه بعد تهديد «أوزير» ﻟ «رع» ومجلسه، ولم يجد القضاة من الآلهة فرجة ينفذون منها إلى مناصرته، أصدروا حكمهم في جانب الحق، فآل مُلك مصر إلى وارثه الشرعي «حور بن أوزير» (راجع كتاب الأدب المصري القديم عن درس هذه القصة ومتنها جزء أول ص١٢٧–١٦٠).

ولا بد أن يكون القاص لقصتنا هذه قد أراد أن تكون غذاء للعامة، فانحدر بأسلوبها إلى مستواهم كما يفعل قاصُّو القرى الآن في مجالس الفلاحين، وقصتنا من ناحية أخرى لها أهمية خاصة غير التي كسبتها من موضوعها، وأبطالها، وممثليها، وهي أنها صورت لنا حياة البلاط الفرعوني، وسياسته في العهد الإقطاعي، ولكن بصورة مقنعة (راجع كتاب الأدب ص١٣٧ إلخ).

والواقع أن قصة المخاصمة بين «حور» و«ست» تعد ملحمة أدبية إذا ما قرنت بالملاحم الأخرى في أدب العالم؛ إذ في هذه القصة قد امتزجت الخرافة والحقيقة وانصهرتا معًا، وصُبتا في قالب واحد؛ فنبت فيه شخصية كل من المزيجين فظهرا في صورة واحدة لا تتميز فيها إحداهما؛ إذ بينما نجد الحوادث فيها تجري على يد الآلهة وحدهم نرى ظل هذه الحوادث نفسها ينطبق على حادث تاريخي معين وقع في مصر في وقت معين، فإذا أبدلنا بالإله «رع»، ومن مثل معه من الآلهة في هذه القصة — ملكًا جاء في بداية الأسرة الثانية عشرة، ومعه حكام الإقطاع — رأينا أن هذه الرواية التي مثل الملك وحكام الإقطاع فصولها تنطبق تمام الانطباق على أختها التي كان «رع» وأتباعه من الآلهة أبطالها ونجومها.

(١) الشعر الغزلي

وفي عهد الدولة الحديثة ظهر أمامنا لأول مرة حتى الآن شعر غزلي، وتدل البحوث في الأدب العالمي قديمه وحديثه على أن أغاني الحب لم تحتل مكانتها في الأدب الراقي إلا بعد فترة طويلة من الزمن في حياة الأمم، ويرجع ذلك إلى ضرورة انقضاء آماد تتطور فيها مشاعر الأمة، وتتربى في أثنائها عواطفها، ومن ثم تأخذ في أسباب التعبير عن وجدانها، متأثرة ببيئة الشاعر، وبوحيه الذي يعيش فيه. ففي بلاد اليونان — مثلًا — نشاهد وفرة في إنتاج الشعر الذي يخرج عن دائرة الغزل، وذلك قبل أن يكون لها إنتاج في الشعر الغنائي المعبر عن العواطف والوجدان، ويدل ما لدينا على أن الشعر الغزلي كان معروفًا في مصر منذ الدولة الحديثة على الأقل، ولا نزاع في أنه كان موجودًا قبل هذا العصر بزمن بعيد، ولكن كان لزامًا على علماء اللغة المصرية القديمة، والباحثين في الأدب المصري أن ينفقوا أكثر من قرن زمني ليثبتوا للعالم الحديث أن التحنيط لم يكن هو الموضوع الفذ الذي شغل بال المصري القديم مدة حياته. ومع أنه قد ظهر لنا أن المصريين القدامى كانوا أهل فرح ومرح، وكانوا مولعين باللعب والتمتع بكل نواحي الحياة وبالموسيقا، فإن الأثر الذي نقرؤه في أذهان كثير من أهل زماننا عن المصريين أنهم كانوا جامدين متزمتين، وقد ساعد على رواج هذه الفكرة ما نراه من الجمود الظاهر في كثير من تماثيلهم وصورهم، وفي الأساليب الجامدة التي جروا عليها فلم تتغير بتغير العصور، والواقع أن اتخاذ الفن وأسلوب الكلام أساسًا للحكم على الأمم القديمة مقياس ناقص؛ لأن المرونة في الفن، وفي التعبير هي آخر شيء يرقى عند الأمم؛ ولذلك لا يتخذ ذلك مقياسًا لقوة الأمم في عهودها المختلفة، فمن الواجب إذن أن نُعرض عن تلك الفنون الجامدة الفينة بعد الفينة، ونقف أمام أشخاص أحياء لنتلمس فيهم حقيقة رقيهم وعواطفهم. ولا أدل على ذلك مما لدينا من الأغاني المصرية التي حُفظت لنا في الأوراق البردية، وبخاصة مجموعة «شستر بيتي» التي عثر عليها حديثًا، وتعد أحسن نموذج في هذا الموضوع وصل إلينا سليمًا في جملته مفهومًا من هذا العصر الذي نحن بصدده، وقد وصل إلينا قبل ذلك مجاميع من الأغاني الغزلية يرجع عهد أقدمها إلى الأسرة الثامنة عشرة، غير أن معظمها مهشم، ومحشو بالأغلاط (راجع كتاب الأدب المصري ج٢ ١٥٤ إلخ)، ومع ذلك فإنا نجد فيها العواطف الإنسانية ممثلة بقوة وحرارة.

والظاهر أن الأغاني الغرامية التي يرجع عهدها إلى الدولة الحديثة التي حفظت لنا على استراكا «متحف القاهرة» رقم ٢٥٢١٨ وفي ورقة «تورين» ٧٩–٨٢، وفي ورقة «هاريس» رقم ٥٠٠، وكذلك في ورقة «شستر بيتي» المحفوظة «بالمتحف البريطاني» من الصعب أن نفصل كنه إنشائها، فالغزل الذي نقرؤه على استراكا القاهرة، وكذلك ما جاء في ورقة «هاريس» رقم ٥٠٠ الغرض منه أن يوقظ الشعور، ويلفت النظر بالحقائق، ويري الإنسان ما لم يكن في الحسبان. وسلسلة المقطوعات في هذه الأغاني الغزلية ليس بينها روابط تربطها إلا صبغتها الغرامية، وكذلك تتغير النغمة من الرقة إلى الشدة، ومن المداعبة إلى حرقة الشوق وحرارته. والمجموعة الثالثة من ورقة «هاريس» رقم ٥٠٠ تعدد طائفة من الأشعار ليس لها روابط داخلية تربط بعضها ببعض إلا بكلمات ثورية تربط بداية كل مقطوعة بأزهار حديقة، أو طاقة أزهار من المفروض أن منشدها كان ينظر إليها الواحدة تلو الأخرى. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن هذا المنظر يذكرنا بما يحدث الآن عندما تناجي إحدى المغنيات الأزهار واحدة بعد الأخرى وهي تقطفها، كما نشاهد الآن في قصة «فاطمة» على الشاشة البيضاء.

ومجموعة أناشيد «تورين» تجعل كل شجرة من أشجار الخميلة تتحدث بنفسها. ونشاهد من جهة أخرى الروابط التي تربط مجموعة مقطوعات ورقة «هاريس» الثانية رقم ٥٠٠ تظهر بعض الشيء؛ حيث نجد على الأقل أن المقطوعات الأولى تُنسب إلى عذراء واحدة قد هزها الشوق ونار الحب. وأخيرًا نجد أن مقطوعات قصيدة الشعر العظيمة التي نقرؤها في ورقة «شستر بيتي» الأولى — وهي التي تغنَّى بها العاشق تارة، ومحبوبته تارة أخرى — تؤلف قصة شعرية غنائية متصلة الحلقات، تسودها فكرة واحدة متماسكة تنتهي إلى غرض.

ولكن كل هذه المجاميع من المقطوعات الغزلية قد طُبعت بطابع مشترك، وهي أنها تعد قصيرة لتُقرأ مرة واحدة دون أن تتعب صوت ملقيها، أو التفات المستمعين؛ ولذلك يخيل إلي أنه من المحتمل جدًّا أنها تمثل مباهج أعياد، فكان كل منها صالحًا لوسط خاص في مناسبات خاصة. ولا نزاع في أن المتفرغين للملاهي من ممثلين ومحدثين ومفتنين الذين يُدعون لإقامة الحفلات السارَّة كان لديهم قائمة بالمناهج التي كانوا يعرضونها، ومن الممكن أن بعض هذه المقطوعات الشعرية كانت لها منزلة عظيمة خاصة حتى إنها عُدت ضمن قطع الأدب.

والواقع أن أنشودة الأناشيد تذكرنا كثيرًا بالأشعار المصرية الغرامية؛ إذ نجد كثيرًا من الموضوعات، وبعض التعابير متشابهة في كلتيهما، ولا غرابة في أن نجد هذا التشابه عندما نذكر على وجه خاص السيطرة الطويلة الأمد، سياسية كانت أو ثقافية، التي كانت لمصر على «فلسطين»، هذا إلى التأثير الذي نلحظه في معالم كثيرة، وأكثرها ما نشاهده في كتاب الأمثال ونصائح «أمنمؤبي» (راجع كتاب الأدب المصري القديم جزء أول ص٢٧١–٢٨٠). ومن الجائز إذن أن ما اقترحناه عن أنشودة الأناشيد والشعر الغزلي المصري لا يبعد عن الصواب، ويعزز ذلك أن قطع أنشودة الأناشيد لا يوجد بينها روابط تربطها؛ إذ إنها مناهج أعياد مختلفة، وهي أحفال زواج، أو أفراح أخرى، ويحتمل أن أكثرها كان يكرر مثل ما كان يحدث في مصر لمجرد تمضية «يوم سعيد» يجتمع فيه الخلان في بيت واحد منهم،٣ ونضع أمام القارئ بعض ما جاء في ورقة «شستر بيتي»؛ ليرى مقدار ما وصل إليه المصري من الحس المرهف، والعاطفة الملهبة؛ فنجد العاشق يصف لنا أولًا محبوبته، فاستمع إليه:
أول كلام النديم العظيم
إنها فريدة — أخت منقطعة القرين
أرشق بني الإنسان
تأمل، إنها كالزهراء عندما تطلع
في باكورة سنة سعيدة
ضياؤها فائق، وبشرتها وضاءة
وإنها تفتن بلحظ عينيها
والسحر في حديث شفتيها
لا تنبس بكلمة فضول
فرعاء العنق، ناعمة الثدي
شعرها أسود لامع
وذراعاها تفوق الذهب طلاوة
وأصابعها كأنها زهر البشنين
عظيمة العجز، نحيلة الخصر (هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة)
لها ساقان تفوقان ما فيها من جمال آخر
رشيقة الحركة عندما تتبختر على الأرض
لقد أخذت بلبي في قبلتها
تجعل أعناق كل الرجال
تنثني لتشاهدها
سعيد من يقبلها
فإنه يكون على رأس الشباب القويِّ
ويشاهدها الإنسان ذاهبة إلى الخارج
كأترابها، ولكنها وحيدتهنَّ.

ثم ترد عليه العذراء، فاستمع إليها وهي تناجيه:

إن المحبوب يهيج قلبي بصوته
وقد جعل المرض يتملك مني
وإنه جار بيت والدتي
ومع ذلك ليس في استطاعتي أن أذهب إليه
وجميل يا والدتي أن تهاجميني في ذلك
قائلة: أقصري عن التفكير في ذلك
تأمل! فإن قلبي يتوجع عندما يتحدث لي عنه
وحبه قد أسرني
الأم: تأملي إنه مجنون مجنون
البنت: ولكني مثله
وإنه لا يعرف مقدار شغفي بتقبيله
وإلا لكان في استطاعته أن يرسل لوالدتي
آه يا حبيبي، إن مصيرى إليك
وقد قضت بذلك إلهة النساء الذهبية «حتحور»
تعال إلي حتى أشاهد جمالك
وسيفرح بك الناس عامة
وسيُسرون بك يأيها المحبوب.

وهكذا تستمر هذه المساجلة الغرامية في سبع مقطوعات (راجع كتاب الأدب الجزء الأول ص١٧٣ إلخ).

وقد ذكرنا بعض مدائح هذا العصر في سياق التاريخ، ويجد القارئ كثيرًا منها في كتاب الأدب (الجزء الأول ص١٩٠ إلخ).

وعلى وجه عام نجد أن الأدب في هذا العصر قد طُبع بطابع جديد من حيث الأحاسيس الإنسانية والشعور بالمسئولية الخلقية؛ ولذلك ظهر نوع جديد من النصائح يربط الحياة الدنيا بالآخرة، وما فيها من عقاب وثواب، ونخص بالذكر منها نصائح «آني».

(٢) نصائح «آني»

يفتتح هذا الحكيم كتابه معددًا لابنه ما تحمله نصائحه من فوائد، وما سيعود عليه منها لو اتبعها فيقول: «إنى مخبرك بكل فاضل، وبما يجب أن تعيه في لبك، فاعمل به، وبذلك تكون محمودًا، ويبتعد عنك كل شر … وسيقال عنك — إذا اتبعت ما أقول: «إنه على خلق عظيم»، ولن يقال: «إنه قد أتلف، وإنه بليد»، وإذا تقبلت كلماتي فإن كل شر سيبتعد عنك.»

ثم يتلو هذه النصيحة الأولى عدة نصائح أخرى في الحذق في الكلام وقلته، وعدم التفاخر بالقوة، غير أنها كلها قد استعصى علينا فهمها، إلى أن نصل إلى نصح حكيمنا لابنه في أن يتخذ لنفسه زوجة، وهو لا يزال في ريعان الشباب ليكون له خلف صالح يسعد بهم، ويربيهم في حياته، فيقول:

اتخذ لنفسك زوجة، وأنت لا تزال شابًّا لتنجب لك ولدًا، ويجب أن تنتجه لك، وأنت لا تزال صغير السن، ويجب أن تعيش لتراه قد صار رجلًا (؟)، فما أسعد الرجل الكثير النسل؛ فهو يُحترم بسبب أولاده.

وبعد أن تكلم لابنه عن تأسيس الأسرة أراد أن يذكره بجانب ذلك بتقوى الله، وأداء ما عليه من الواجبات نحوه فيقول:

احتفل بعيد إلهك، وإن الله يغضب على من يستخف به، واجعل شهودًا يقفون عند قربانك التي تقرِّبها لله؛ فإنه لأحسن شيء لمن يؤديه؟ وإن الغناء والرقص والبخور لمتعلقة بخدمته (؟)، أمَّا تقبله الاحترام فمن حقوقه، فقدمها للإله حتى تعظم اسمه.

وجاء في القرآن الكريم: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ.

ينتقل بنا بعد ذلك «آني» إلى تعليم ابنه المعاملات الاجتماعية، فيعلمه أولًا أدب الزيارة، فلا يدخل بيتًا إلا بعد استئذان، وعندما يدخل يغض طرفه عن كل عيب، ولا يتكلم عن شيء رآه معيبًا في زيارته، فيقول:

لا تدخلنَّ بيت غيرك … ولا تمعنن في النظر إلى الشيء المنتَقد في بيته؛ إذ يمكن لعينك أن تراه، ولكن الزم الصمت، ولا تتحدثن عنه لآخر في الخارج؛ حتى لا تصبح جريمة كبرى تستحق الإعدام عندما تُسمع (؟).

وبهذه المناسبة يحذره الزنا، ويذكره بأن المرأة لغز ملتوٍ فلا ينخدع بإغرائها، وبأن ارتكاب الفاحشة يعاقب عليه بالقتل أمام القانون، فيقول:

خذ حذرك من المرأة الأجنبية، تلك التي ليست معروفة في بلدتها، ولا تغمزن لها بعينك، ولا تبغ معها (؟)؛ فهي ماء عميق لا يعرف الرجال التواءاته (تياراته). والمرأة البعيدة عن زوجها تقول لك كل يوم: «إنى جميلة»؛ ولذلك عندما تكون بعيدة عن أعين الرقباء تقف أمامك لتوقعك في حبائلها … وإن ذلك «الزنا» لجرم عظيم يستحق الإعدام عندما يرتكبه الإنسان، ثم يعلم بذلك الملأ؛ لأن الإنسان يسهل عليه بعد ارتكاب تلك الخطيئة أن يرتكب كل ذنب.

يتحدث بعد هذا «آني» في فقرة صغيرة عن سمعة الرجل أمام القضاء بعد أن تكلم عن سمعته أمام الناس بالنسبة للمرأة فيقول:

لا تدخلنَّ وتخرجنَّ في قاعة العدل (المحكمة) حتى لا يفوح اسمك — من كثرة القضايا، ولا تتكلمن كثيرًا، وكن صامتًا لتكون سعيدًا، ولا تكن ثرثارًا.

ويطالعنا بعد ذلك بتعليم ابنه معنى التقوى الحقيقية نحو الله، ثم نحو أبويه، فيقول:

إن بيت الله يمقت الهرج، فصلِّ بقلب محب، ولا تجهر بصلاتك، وبذلك ستقضي كل حوائجك، وسيسمع الله ما تقول، ويتقبل قربانك.

هذا عن الإله، أما عن الأبوين فيقول:

قرِّب الماء لأبيك وأمك اللذين يسكنان في وادي الصحراء (الجبانة) … ولا تنسَ أن تؤدي هذا حتى يعمل لك ابنك بالمثل.

ثم نرى «آني» يحض ابنه على الابتعاد عن المسكرات، شارحًا له في صورة حية ناطقة ما يبدو على السكير من سوء الحال، فيقول:

لا تلزمن نفسك — من باب الفخر — بأنك تستطيع أن تشرب إبريقًا من الجعة، فإنك بعد ذلك تتكلم ويخرج من فيك قول لا معنى له، وإذا سقطت وكُسرت ساقك فلن تجد أحدًا يمد إليك ليساعدك، أما إخوانك في الشراب فيقفون قائلين: «أبعدوا هذا الأحمق»، وإذا حضر إنسان ليبحث عنك ليستجوبك وجدك طريح الثرى، ومثلك في هذا كالطفل الصغير.

ثم يذكره بعد هذا بألا يتردد على البيوتات المريبة، فيقول:

لا تخرج من بيتك إلى بيت لا تعرفه (؟)، واجعل كل بيت تحبه معروفًا؛ حتى لا يرتاب أحد في سلوكك.

وبعد أن تكلم عن كل هذه الأشياء الفاضلة التي يجب على ابنه أن يرعاها في الحياة، انتقل إلى تذكيره بالموت، وأنه يجب عليه أن يعد لنفسه قبرًا ليُثوى فيه. وهذا أمر كان يهتم به كل مصري قديم طوال حياته؛ إذ كان إعداد القبر في المنزلة الأولى، فيقول:

أعد لنفسك مأوًى جميلًا في وادي الصحراء، وهي الحفرة التي ستواري جثمانك، فاصنعه أمام عينيك في مشاغلك … مثل السلف العظام الراقدين في مدافنهم (؟)، وإن الذي يبني القبر لنفسه لن يقابل باللوم على ذلك، وإنه لجميل أن تعد لنفسك كذلك على هذا النحو قبرًا، وسيأتي إليك الرسول (الموت)، وسينصب نفسه أمامك فلا تقولن: «إنى لا زلت صغيرًا جدًّا لتختطفني»؛ لأنك لا تعرف حتفك، والموت يأتي، ويختطف الطفل الذي لا يزال يرضع ثدي أمه، كما يختطف الرجل عندما يصبح مسنًّا.

يأتي بعد هذه الفقرة فقرة طويلة بعض الشيء ينصح فيها «آني» ابنه بأن يكون يقظًا في المعاملات الاجتماعية، غير أن معظمها غير مفهوم لنا تمامًا:

تأمل! إني أقص عليك أشياء أخرى طريفة يجب عليك أن تعيها في لبك، فأدها؛ وستكون بذلك سعيدًا، وسيبتعد عنك كل سوء …

ثم يشير على ابنه بعد هذه المقدمة بأن يتخير صديقه بعد التجربة على ألا ينزل إلى طبقة العبيد، ويأخذ منهم صديقًا، فيقول:

ابتعد عن الرجل المعادي، ولا تتخذنه خدنًا لك، بل اصطفِ لنفسك صديقًا مستقيمًا عادلًا، وعندما ترى ما فعله (؟) … ولا تتخذن لنفسك صديقًا كان عبدًا لآخر سيئ السمعة … فإذا اقتفى أثره إنسان ليقبض عليه، وليأخذ من كان في بيته — أي العبد — صرت تعسًا، وتقول: ما العمل؟

وينصح بعد ذلك «آني» ابنه بألا يغتر بالمال، وأنه ليس مصدر سعادة، وألا يعتمد على مال غيره، ولا يبني قصورًا على ما سيرثه من مال جده، فيقول:

يبني الإنسان بيتًا لنفسه، وَهَبْ أن قطعة أرض صارت ملكًا لك، وقد حوطت بسياج من النبات المزهر أمام حقلك الخصب، وغرست فيها شجرة الجميز … وأنك قد ملأت يدك بكل الأزهار التي تتصورها العين، ولكن مع كل هذه الأشياء قد يكون الإنسان شقيًّا … لا تتكلن على مال إنسان آخر، واحذر أن تفعل هذا، ولا تعتمدنَّ على متاع الآخر … ولا تقولنَّ: «إن والد أمي له بيت» … لأنه إذا جاءت القسمة مع إخوتك فإن نصيبك لا يكون إلا مخزنًا، «وإذا أراد الله أن يولد لك طفل …»

ثم يحض حكيمنا ابنه على احترام غيره فيقول:

لا تقعدنَّ إذا كان غيرك أكبر سنًّا واقفًا، أو آخر يشتغل في مهنة معك زمنًا أقدم منك.

وينتقل بنا «آني» إلى موضوع المعرفة، ومكانتها في المجتمع، والكاتب وسمو حرفته، فيقول:

إذا كنت ماهرًا في الكتابة فإن الناس أجمع يفعلون كل ما تقوله؛ إذن خصص نفسك للكتب، وضعها في لُبك، وبذلك يكون كل ما تقوله ممتازًا، كل وظيفة يُعيَّن فيها الكاتب فإنه لا بد يستشير فيها الكتب؛ وبذلك يلازمه النجاح، فليس هناك ولد لملاحظة الخزانة، ولا وارث لملاحظة الحصن … الوظائف لا أولاد لها … وفي هذه الحالة يحصل عليها الأكفاء الذين تعلموا كثيرًا.

ثم يعود «آني» إلى تحذير ابنه ليكون محترسًا في كلامه؛ خوفًا من الخطل في القول، ويعلمه أن جوفه يتسع لحفظ كل ما يريد أن ينطق به لسانه، فيقول: «لا تفضينَّ بما في قلبك إلى … رجل … فإن كلمة خاطئة خرجت من فيك إذا أعادها من سمعها جعلتُ لك أعداء، وإن الإنسان ينزل به الخراب من جراء لسانه. وإن بطن الإنسان أوسع من مخزن الغلال؛ فهو مفعم بكل أنواع الأجوبة، وعليك أن تنتخب خير الكلام، وتتحدث به، واجعل القبيح سجينًا في بطنك، وفي الحق ستكون دائمًا معي، وستجيب من يضرني بقول الكذب، ومع ذلك فإن الله يحكم في صالح الحق، وعندئذ سيأتي عقابه، ويلحق به (يظهر أن المؤلف يشير إلى عدو قد ألحق به ضررًا. وقد ذكر في الجزء المفقود من نصائحه في أول الكتاب).» وبعد ذلك يعود مرة ثانية إلى العلاقة التي يجب أن تكون بينه وبين ربه، فيحثه على تقديم القربان، وعلى ألا يغتال حقوقه، ولا يسأل عن صورة ربه، ولا يمشي الخيلاء في موكبه؛ مما يذكرنا بقوله — عز وجل: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، وإن الله هو الذي يجعل من يشاء عظيمًا، ثم يشير من طرف خفي إلى أن الله واحد ممثل في الشمس، وأما الآلهة الذين على الأرض فهم صور مختلفة له فيقول:

قدم قربانًا لآلهتك، واحفظ نفسك من التعدي على حقوقه، ولا تسأل عن صورته، ولا تمشِ الخيلاء حينما يخرج في موكبه (أي الإله)، ولا تتزاحم على حمله في الموكب … ودع عينك تعرف قيمته، واحترم اسمه؛ لأنه هو الذي يعطي القوة ملايين المخلوقات، وسيقصر العظمة على من يجعله هو عظيمًا، إن إله هذه الأرض هو الشمس التي في الأفق، ولكن صورته على الأرض، فليقرِّب إليها البخور كل يوم.

وبعد أن عرَّف حكيمنا ابنه كيف يعامل ربه انتقل به إلى معاملة الوالدة، وما لها من فضل عليه في حمله وتربيته؛ مما يذكرنا بقول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، فيقول: «ضاعف مقدار الخبز الذي تعطيه والدتك، واحملها كما حملتك، ولقد كان عبؤها ثقيلًا في حملك، ولا تتركه لي قط أبدًا، وحينما ولدتك حملتك كذلك ثانية بعد شهور حملك حول رقبتها، وقد أعطتك ثدييها ثلاث سنوات، ولم تشمئز من برازك، ولم تكن متبرمة ولم تقل «ماذا أفعل أنا»، ولقد ألحقتك بالمدرسة عندما تعلمت الكتابة، وقد وقفت هناك يومًا (خارج المدرسة) … بالخبز والجعة من بيتها، وحينما تصبح شابًّا وتتخذ لنفسك زوجة، وتستقر في بيتك اجعل نصب عينيك كيف وضعتك أمك، وكيف ربتك بكل الوسائل، فليتها لا تضرك بألا ترفع أكف الضراعة إلى الله، وليته لا يسمع عويلها.»٤ ثم عرج بعد ذلك الحكيم ناصحًا لابنه أن يكون شفيقًا على الناس كذلك، وألا يثق بالثروة؛ لأنها كمجرى الماء لا يبقى على حال، فمن يكون غنيًّا اليوم قد يصبح فقيرًا في الغد، فيقول: «لا تأكلنَّ الخبز إذا كان هناك آخر يتألم من عدمه دون أن تمد يدك إليه بالخبز، فواحد غني وواحد فقير … ومن كان غنيًّا في السنين الخوالي قد أصبح هذا العام سائسًا، ولا تكن شرهًا فيما يختص بملء بطنك. وإن مجرى الماء الذي كان يجري فيه الماء في السنة الماضية قد يتحول هذا العام إلى مكان آخر، وقد أصبحت البحار العظيمة أماكن جافة، وأصبحت الشواطئ هوات (أي بحارًا) …»
ثم يعود «آني» ثانية إلى التحدث عن الزيارة وآدابها، فيقول لابنه:
لا تذهبن إلى بيت إنسان بحرِّية، بل ادخله فقط عندما يؤذن٥ لك، وحينما يقول هو لك (أي رب البيت) أهلًا بك بفمه … (وتأتي بعد ذلك جملة مبهمة) أعطه الإله، وأعطه يومًا ثانيًا للإله والغد مثل اليوم، وسترى ما يفعله الإله إذا لطخ اسم الذي لطخك.

ويحتمل أن هذا الكلام يشير هنا إلى إنسان قد ارتكب خطيئة، وسيتولى الله عقابه عليها.

وينصح بعد ذلك «آني» ابنه بأن يتجنب الشغب، فيقول:

لا تدخلنَّ في زحام إذا رأيت أنهم مستعدون للضرب … حتى لا تُلام في المحكمة أمام القضاء بعد تأدية الشهادة (؟)، ابتعد عن أهل الشر …

ثم ينصح ابنه بعد أن أصبح رب بيت أن يكون حكيمًا في سلوكه مع زوجه؛ حتى يبتعد عن كل شجار، أو خلاف، فيقول:

لا تمثل دور الرئيس مع زوجك في بيتها إذا كنت تعرف أنها ماهرة في عملها، ولا تقولنَّ لها: أين هي، أحضريها لنا إذا كانت قد وضعتها في مكانها الملائم، واجعل عينك تلاحظ في صمت حتى يمكنك أن تعرف أعمالها الحسنة، وأنها لسعيدة إذا كانت يدك معها … وبذلك يتجنب الرجل تحريك الشجار في بيته.

ثم يذكر «آني» في الوقت نفسه ابنه بأن يحذر النساء الأجانب فيقول:

لا تذهبن وراء امرأة حتى لا تتمكن من سلب لبك.

ولم يفُت «آني» أن يضع لابنه الخطط في معاملة الرئيس حتى يكون سعيدًا معه، فيقول:

لا تجيبن رئيسًا في حال غضبه، بل ابتعد من أمامه، واذكر حلو الكلام حينما ينطق بمرِّه لأي إنسان، واعمل على تهدئة قلبه؛ فإن الأجوبة الشديدة تحمل غضبًا — تؤدي إلى ضربك، وبذلك تنهار قواك. وإن الغضب يصوِّب نفسه نحو أعمالك فلا تنغصن نفسك على أن الرئيس سيلتفت ويثني عليك بسرعة بعد فوات ساعته المخيفة (ساعة غضبه)، وإذا كانت كلماتك مهدئة للقلب، فإن القلب يميل لاستيعابها، وجد في أن تكون صامتًا، واخضع لما يفعل.

وبعد أن رسم له الطريقة الرشيدة في معاملة رئيسه لم يفُته أن يلفت نظره إلى أن يكون على وفاق مع رجال الشرطة، فيقول:
اتخذ من شرطة شارعك صديقًا، ولا تجعلنه يثور عليك، وأعطه من طرائف بيتك حينما يكون منها في بيتك (في أيام العيد)، ولا تتغاض عنه وقت صلاته، بل قل له: «المديح لك.»٦
يتلو ذلك قطعة غير مفهومة، ثم محادثة هي خاتمة الكتاب، وبعد أن فرغ «آني» من إلقاء نصائحه على ابنه أجابه ابنه بأنه يتمنى أن يكون مثله، ولكن شتان ما بينه وبين والده الذي كان صاحب همة عالية، ومطامح سامية، وأنه ربما يتعذر عليه أن يصر إلى ما وصل إليه «آني» فيقول:
آه، يا ليتنى مثلك … حتى أعمل حسب تعاليمك، وحتى يرقى الابن إلى مرتبة والده … إنك رجل صاحب مطامح عالية، فكل كلماتك مختارة، وإن الوالد الذي يتصور خبثًا في نفسه يقول … في الكتب … إن كلماتك مريحة لقلبي، ولبي يميل إلى استيعابها، وإن قلبي لفرح، ولكن لا تجعلن نصحك يتجاوز الحد في غزارته … إن الولد لا يعمل حسب التعاليم التي ثقفته حتى لو كانت كل الكتب على لسانه.٧
غير أن الوالد لما سمع هذا الجواب من ابنه أخذ القلق يساوره، وأخذ يضرب له الأمثلة الطريفة في الطاعة، ويحثه على اتباع ما ألقاه عليه من النصائح، فيقول «آني» مجاوبًا ابنه «خنسوحتب»:

ولا تثقنَّ في هذه الأشياء (؟) الخطرة، وتجنب أن تعود إلى الشكوى؛ فإن قلبي لا يصغي إليها، فإن الثور المحارب الذي قتل ما في الحظيرة من ثيران لا يمكنه أن يغادر الحلقة؛ إذ يجب عليه أن يأخذ أوامره من سائقه، وكذلك الأسد المفترس يخفف من ثورته، ويمر بكابة على الحمار، والجواد يخضع لنيره … والكلب يصغي للكلام، ويتبع سيده، والحيوان «كيري» يحمل … إناء الذي لم تتحمله والدته، والأوزة تحط على البركة الباردة حينما تُصاد، وبذلك تنتفض في الشرك (حزنا)، والعبيد قد تعلموا الكلام المصري، وكذلك السوريون، وكل الأجانب، وقد تكلمت كذلك عن كل الحِرف التي يمكن أن تسمع عنها، وأعرف ما يجب أن يفعل.

أما الجواب الذي أجاب به «خنسوحتب» أباه فمُبهم، ومن المحتمل أنه يشير إلى الحقيقة القائلة: بأن كل الناس لا قيمة لهم. فيقول:

إن هناك جمًّا غفيرًا من الأدنياء، وليس هناك فرد يعرف تعليمه، وإذا وجدت إنسانًا حازمًا فإن الأكثرية أغبياء.

(ومن المحتمل إذن أن يعاهد والده على الطاعة) فيقول:

كل كلماتك ممتازة … وإني أعطيك المواثيق بأن أضعها على طريقتك التي رسمتها.

وعلى ذلك يجيب الكاتب «آني» على ما قاله ابنه ببعض أمثال حكيمة لا تزال تأخذ بالألباب، وتستهوي النفوس؛ لأنها تنفذ إلى الأعماق فيقول:
أدِر ظهرك لتلك الكلمات الكثيرة التي ينبو عنها السمع، فإن العصا المعوجة الملقاة في الحقل، والمعرضة للضِّح والفيء يحضرها الصانع، ويجعلها مستقيمة، ويصنع فيها سوطًا للشريف، ولكن قطعة الخشب المستقيمة هي التي يُصنع منها لوحًا للكتابة. آه، أيها القلب الذي لا يمكنه أن يتبصر في العواقب، هل كانت آراؤك في أن تعطي المواثيق أو أن تفشل؟٨
١  راجع: Pap. Bibl. Nat. 198, 2 Spiegelberg Correspondence du. Temps des. Rois Pretres p. 68–74.
٢  يجد القارئ ترجمة كاملة لهذه الوثيقة في كتاب الأدب المصري القديم الجزء الأول ص٣٨٧ إلخ.
٣  راجع Chronique. D’Egypte No. 45-46 Avril 1948. P. 22 والأدب المصري القديم الجزء الأول ص١٥٤ إلخ.
٤  في هذه النصيحة إشارة لما تلاقيه الأم من ألم الغيرة عندما يتزوج ابنها، وتلك سنة طبيعية تجدها في كل زمان ومكان.
٥  قد جاء في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا الآية.
٦  وهذا ما يقابل عند المسلمين قول الإنسان «حرمًا».
٧  ومعنى هذه الفقرة أن الولد يقول لوالده لا تغال في طلباتك، وإلا فعلى الرغم من أني أعي حكمتك في فمي، فلن يتسنى لي أن أعمل على حسب ما جاء فيها.
٨  ويقصد الكاتب أن الانسان يمكنه أن يثقف كل إنسان وإن كانت النتيجة تختلف، وبقي أن نعرف هل الحكيم يفضل السوط الجميل أو اللوح؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤