الفصل الأول

الْقُنْدُسُ بادي يَشْرَعُ فِي الْعَمَلِ

أَعْمَلُ أَعْمَلُ طُولَ اللَّيْلِ،
حِينَ تَسْطَعُ النُّجُومُ،
أَعْمَلُ أَعْمَلُ طُولَ النَّهَارِ،
وَلَا وَقْتَ لِلَّهْوِ.

أَلَّفَ الْقُنْدُسُ بادي تِلْكَ الْأَبْيَاتَ الْقَصِيرَةَ بَيْنَمَا كَانَ يَعْمَلُ بِكَدٍّ عَلَى بِنَاءِ السَّدِّ الَّذِي كَانَ سَيَصْنَعُ الْبِرْكَةَ الَّتِي تَاقَ إِلَيْهَا فِي جَوْفِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. طَبْعًا لَمْ يَكُنْ مُحِقًّا تَمَامًا فِيمَا قَالَهُ عَنِ الْعَمَلِ طَوَالَ اللَّيْلِ وَطَوَالَ النَّهَارِ. كَمَا تَعْلَمُونَ، لَا أَحَدَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ؛ فَلَا بُدَّ لِلْجَمِيعِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالنَّوْمِ. وَكُلُّنَا لَا بُدَّ أَنْ نَلْهُوَ قَلِيلًا حَتَّى نَكُونَ فِي أَحْسَنِ حَالٍ؛ لِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا أَنَّ بادي كَانَ يَعْمَلُ طَوَالَ النَّهَارِ بَعْدَ عَمَلِهِ طَوَالَ اللَّيْلِ. وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ بادي لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ وَقْتٌ لِلَّهْوِ؛ فَقَدْ كَانَ أَمَامَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ حَظِيَ بِفُرْصَةٍ لِلَّهْوِ أَثْنَاءَ الصَّيْفِ الطَّوِيلِ، وَالْآنَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلشِّتَاءِ الْبَارِدِ الطَّوِيلِ.

وَلَا أَحَدَ مِنَ الصِّغَارِ الْمُجْتَهِدِينَ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ، يُمْكِنُ أَنْ يُضَاهِيَ الْقُنْدُسَ بادي، وَلَا حَتَّى ابْنُ عَمِّهِ فَأْرُ الْمِسْكِ جيري. فَالسِّنْجَابُ جاك السَّعِيدُ وَالسِّنْجَابُ الْبَرِّيُّ الْمُخَطَّطُ يُخَزِّنَانِ الطَّعَامَ مِنْ أَجْلِ الشُّهُورِ الْبَارِدَةِ الطَّوِيلَةِ الْعَاصِفَةِ بِالرِّيَاحِ الشَّمَالِيَّةِ وَالصَّقِيعِ، وَيَبْنِي فَأْرُ الْمِسْكِ بَيْتًا جَمِيلًا يَجِدُ فِيهِ الدِّفْءَ وَالرَّاحَةَ، وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُسَاوِي شَيْئًا مُقَارَنَةً بِعَمَلِ الْقُنْدُسِ بادي.

فَكَمَا قُلْتُ مِنْ قَبْلُ، كَانَ بادي قَدْ حَظِيَ بِفَتْرَةِ لَهْوٍ طَوِيلَةٍ أَثْنَاءَ الصَّيْفِ. وَكَانَ يَذْرَعُ الْجَدْوَلَ الضَّاحِكَ جِيئَةً وَذَهَابًا، وَيَتَتَبَّعُ مَجْرَاهُ حَتَّى مَنْبَعِهِ. وَطَوَالَ الْوَقْتِ يُفَكِّرُ وَيَتَفَحَّصُ الْمَكَانَ؛ لِكَيْ يَتَأَكَّدَ مِنْ رَغْبَتِهِ فِي الْبَقَاءِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْ تَوَفُّرِ الطَّعَامِ الَّذِي يَسْتَسِيغُهُ. ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَأَكَّدَ أَيْضًا مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ صُنْعِ بِرْكَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ حَيْثُ يَنْبُتُ ذَاكَ الطَّعَامُ تَحْدِيدًا. وَأَخِيرًا، عَلَيْهِ التَّأَكُّدُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا صَنَعَ الْبِرْكَةَ وَبَنَى بَيْتًا فِعْلًا، فَسَيَجِدُ فِيهِ قَدْرًا كَبِيرًا مِنَ الْأَمَانِ. وَكُلُّ ذَلِكَ قَامَ بِهِ أَثْنَاءَ اللَّهْوِ. وَالْآنَ بَاتَ مُسْتَعِدًّا لِبَدْءِ الْعَمَلِ، وَعِنْدَمَا يَشْرَعُ بادي فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّهُ يَعْكُفُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ؛ فَهُوَ يَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّبِيلُ الْوَحِيدُ إِلَى النَّجَاحِ، وَكُلُّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مُحِقٌّ.

يَسْتَطِيعُ الْقُنْدُسُ بادي أَنْ يَرَى فِي اللَّيْلِ مِثْلَ الثَّعْلَبِ ريدي وَالْأَرْنَبِ بيتر وَالرَّاكُونِ بوبي تَمَامًا، وَهُوَ يُفَضِّلُ اللَّيْلَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وَقْتٍ يَشْعُرُ فِيهِ بِالْأَمَانِ. وَلَكِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرَى فِي النَّهَارِ أَيْضًا. وَعِنْدَمَا يَشْعُرُ بِالْأَمَانِ التَّامِّ وَبِأَنَّ أَحَدًا لَا يُرَاقِبُهُ، يَعْمَلُ نَهَارًا أَيْضًا. قَطْعًا كَانَ أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَمَلُهُ هُوَ بِنَاءَ سَدٍّ فَوْقَ الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ حَتَّى يَصْنَعَ الْبِرْكَةَ الَّتِي كَانَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا. فَاخْتَارَ بُقْعَةً مَفْتُوحَةً مُنْخَفِضَةً فِي جَوْفِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، نَمَا حَوْلَهَا الْكَثِيرُ مِنْ أَشْجَارِ الْحَوْرِ الرَّجْرَاجِ الصَّغِيرَةِ، الَّتِي يُمَثِّلُ لِحَاؤُهَا طَعَامَهُ الْمُفَضَّلَ. وَكَانَ الْجَدْوَلُ الضَّاحِكُ يَخْتَرِقُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ الْمَفْتُوحَةَ فِي مُنْتَصَفِهَا. وَعِنْدَ الْحَافَةِ السُّفْلِيَّةِ وَجَدَ الْمَكَانَ الْأَمْثَلَ لِبِنَاءِ السَّدِّ. فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَكُونَ بَالِغَ الطُّولِ، وَعِنْدَمَا يَنْتَهِي مِنْهُ وَيَعْتَرِضُ طَرِيقَ الْمِيَاهِ فِي الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ، فَلَنْ يَكُونَ أَمَامَهَا سِوَى أَنْ تَتَدَفَّقَ إِلَى الْبُقْعَةِ الْمُنْخَفِضَةِ وَتَصْنَعَ بِرْكَةً هُنَاكَ. فَبَرِقَتْ عَيْنَا بادي عِنْدَمَا وَقَعَتَا عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَرَّرَ الْبَقَاءَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

وَالْآنَ بَعْدَ أَنْ صَارَ مُسْتَعِدًّا لِلشُّرُوعِ فِي بِنَاءِ السَّدِّ، اتَّجَهَ نَحْوَ أَعْلَى الْجَدْوَلِ الضَّاحِكِ، حَيْثُ تَنْمُو أَشْجَارُ جَارِ الْمَاءِ وَأَشْجَارُ الصَّفْصَافِ، وَهُنَاكَ بَدَأَ عَمَلَهُ؛ فَرَاحَ يُقَطِّعُ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الْأَشْجَارِ بِأَسْنَانِهِ الْأَمَامِيَّةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي رُزِقَ بِهَا لِهَذَا الْغَرَضِ تَحْدِيدًا. وَبَيْنَمَا كَانَ يَعْمَلُ، شَعَرَ بادي بِالسَّعَادَةِ؛ فَالْمَرْءُ لَا يَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ حَقِيقِيَّةٍ دُونَ عَمَلٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤