خاتمة

وبالكلام على عقيدة أبي نواس تنتهي هذه الرسالة، وهي كما يرى القارئ من عنوانها ومحور بحثها مقصورة على الدراسة النفسية لا ترمي إلى ترجمته أو نقد أدبه وشعره ولا تمس وقائع الترجمة أو شواهد الأدب والشعر إلا لما فيها من الإبانة عن طبيعته والإعانة على تفسيرها واستطلاع كوامنها.

ومن الخير أن تقال كلمة الخير في كل ترجمة.

وهي لا تكون خيرًا إلا أن تكون صدقًا.

وكلمة الخير التي تقال صدقًا في الشاعر أن الآفة عنده إنما هي آفة الضعف والشعور المغلوب وليست آفة الشر والأذى. فلم يعرف عنه أنه سعى إلى إيقاع الأذى بأحد أو إنه سر بوقوعه فيه، وعرف عنه على خلاف ذلك أنه كان يسعى إلى المساعدة والمؤاساة ما اقتدر عليهما، فلما أشفق جماعة الشعراء الخاملين من الوفود على الخصيب بمصر وأبو نواس وافد عليه، طيب خواطرهم واستعطف الخصيب عليهم، ولم يطلب جائزته إلا بعد الاطمئنان على جوائزهم، ولما غضب الرشيد على الشاعر ابن مناذر وأمر بلطمه وإقصائه لحرمنه جوائز الصلات في حياته قصد إليه أبو نواس وترك بين يديه بدرة من المال لعله لم يكن يملك غيرها في تلك الآونة.

ولئن كان حبه مشوبًا بشهواته لقد كان لمحاسن الدنيا حب مطبوع في وجدانه وذوقه، وكان له في تلك المحاسن وصف يكسو الحياة زينة ويصقل ما اخشوشن من شدائدها وأكدارها على نفوس الأحياء.

وبعد فهل زادت عيوب أبي نواس مقدار الرذيلة في الدنيا؟ إن المقدار ليختلف هنا مع المقدرين، ولكنهم لا يختلفون فيما زاده من ثروة النفس والبيان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤