الشعراء المعاصرون: أبو شادي١

«وإن صديقي — إن رأى الحق شرعتي — فليس يحابيني، ولا ينثني عني»

أبو شادي

لعل خير ما أفتتح به هذا الفصل هو قول صديقي الأستاذ الأديب الفنان سيد أفندي إبراهيم من مقال له:

وإذا كان للعدو أن يكتب عن عدوه وأن ينصفه — ما دام من طبعه الإنصاف — فلا ضير أن يكتب الصديق عن صديقه وأن ينصفه ما دام من طبعه الإنصاف.

هذه كلمة حق يجب أن أسجلها لصديقي سيد، وأن أستشهد بها حين أكتب عن صديقي أبي شادي، فسيقول بعض المتسكعين الفارغي القلب كعهدنا بهم: «صديق يقرظ صديقه ويجامله!»

ولا، وحرمة الحق والإنصاف، إن هو إلا صديق يسجل حسنات صديقه مغتبطًا بتسجيلها له، وما أدري أية غضاضة في ذلك؟!

وإذا كان الصديق لا ينصف صديقه — بعد أن رآه أهلًا للإنصاف — فمن ينصفه؟!

أينصفه عدوه الذي يرى كل حسنة من حسناته، ومفخرة من مفاخره سيئة يلومه عليها، وجريمة يندد بها؟! أينصفه حاسده وهو يرى في نجاحه أكبر نكبة تحيق به وتضيع آماله، ولا يرضى عنه إلا إذا تساوى معه في العجز والفشل؟!

إن العيب الذي يؤخذ على الصديق هو أن يغفل عن تنبيه صديقه إلى مواطن الضعف والزلل، وهو جدير — إذ يفعل ذلك — بأن يسجل له مغتبطًا المزايا الباهرة التي يراها فيه، وإنما يعاب على الصديق أن تغطي الصداقة على عيوب صديقه فلا يراها، وهو جدير أن يكون لصديقه مرآة صافية تريه محاسنه وعيوبه — على السواء — «فإن المرء لا يرى عيب نفسه» كما يقولون. بقيت ثمة ملاحظة لا أرى بدًّا من الإفضاء بها إلى القارئ؛ وهي أن الصداقة التي تجر إلى الإعجاب غير الإعجاب الذي يجر إلى الصداقة، وأنا ممن يعجبون بالرجل أولًا ثم يصاحبونه؛ فإعجابي بمزاياه الباهرة هو أساس صداقتي معه وليست صداقتي معه هي أساس إعجابي به، فإذا سجَّلت لصديقي شيئًا من ميزاته فإنما أسجل رأيي فيه الذي ارتأيته قبل أن أتخذه لي صديقًا وصاحبًا وأخًا، ثم لم أتحول عن هذا الرأي بعد مصاحبته. وهذه كلمة لا بد من الإفضاء بها إلى من يخلطون بين واجبات الصداقة وواجبات النقد الأدبي النزيه الذي يحترم الأصول الفنية.

وإنَّا لنسجل على أنفسنا التقصير والعقوق إذا لم نُشِد بعبقرية شاعر فذ وأديب متفنن ألمعي، لا لذنب إلا لأنه من معاصرينا، تاركين لأعقابنا الاعتراف له بحسناته في الوقت الذي لا ينفع أدبنا العصري هذا الاعتراف بعد أن عققنا أدبه وتغاضينا عن حسناته.

وإذا كان أدباؤنا الممتازون الذين حرموا نفوسهم كل لذات الحياة ومبهجاتها — في سبيل إنهاض الأدب، وخدمة اللغة والعلم والفن جميعًا — لا يجدون منا كلمة إنصاف، ولا يرون إلا جحودًا ونكرانًا للجميل، فما أجدرنا حينئذ بلقب غير هذا اللقب السامي — لقب الأديب — الذي يرى أول واجباته انتصار الأديب للأديب «وفرحة الأديب بالأديب!»، ويدين بقول أبي تمام:

أو نختلف يومًا يؤلف بيننا
أدب أقمناه مقام الوالد

وإني لأكون ساخرًا بنفسي وبالقراء معًا إذا حسبت أن إلمامةً موجزة كهذه تكفي لتحليل أبي شادي، والتنويه بفضله على العربية وعلى الأدب وعلى العلم وعلى الفن، وقد أبلى في كل هذه جميعًا بلاء حسنًا، وكان الرائد الجريء، وهذا ما يعترف له به النقاد قبل مريديه، وما ظنك برجل أيسر إنتاجه أكبر وأجدى مما أنتجه أي فرد من خصومه الزارين عليه المتظاهرين بتحقير جهده الفذ؟! ما بالك برجل يكون أيسر تآليفه عدة أوبرات يختط بها — في الشعر العربي — طريقًا واضحة ميسرة معبدة غير ملتوية ولا معوجة مما أكبره أعلام المستشرقين؟!

ولو استطاع أحد خصومه أن ينظم واحدة من هذه الأوبرات العديدة — «كإحسان» و«الآلهة» و«أردشير» و«الزباء» و«بنت الصحراء» و«إخناتون» — لكانت بيضة الديك، ولملأ الدنيا بها فخرًا ومباهاة!

ثم يكون من آثاره تآليفه القيمة في علم النحالة (apiculture) التي خدم بها اللغة والعلم والاقتصاد الزراعي معًا، واشتهرت عالميًا، وكتاب «الطبيب والمعمل» — في زهاء ألف صفحة — يطوِّع فيه الألفاظ العربية تطويعًا لم يسبقه إليه غيره من أساطين فن الطب إلى الآن:
ردت لطافته وحدة ذهنه
وحش اللغات أوانسًا بخطابه
والنحل يجني المر من نور الربى
فيصير شهدًا في طريق رضابه
ثم يكون من آثاره ترجمته القوية الرائعة لشكسبير، وديوانه «الشفق الباكي» في أكثر من ألف صفحة جياشة بشتى العواطف والإحساسات، حافلة بالدراسات الأدبية القيمة، ونراه يثبت في كتبه آراء خصومه كما يثبت آراء المعجبين به على السواء، ويدعو إلى النقد الحر المستقل ويحترمه شاكرًا، وهي خلةٌ لم نكد نراها في سواه من أدباء هذا العصر الذين يحقدون على كل من خالف لهم رأيًا، أو أظهر فيهم عيبًا واحدًا!!!٢
تلك بعض حسنات أبي شادي الذي يمثل لنا أدب الثقافة العالية والحياة القوية، كما يمثل لنا روح العلم وحب البحث والاستقصاء، نسجلها بإيجاز حقائق ناطقة لا مجال للإسراف والغلو فيها، وهي حسنات يذكرها له الأدب وتاريخ اللغة وتاريخ النهضة العلمية معًا، ولقد كنا نحسب من المغالاة ما روي لنا عن أن الشعر كان أيسر أدوات ابن الرومي حتى رأينا إنتاج أبي شادي المتنوع علمًا وأدبًا، واختبرنا تفننه في ذلك؛ فآمنا بصدق تلك الرواية، واتخذنا من عبقرية أبي شادي المتعددة النواحي قرينة أو برهانًا على صحة نظيرتها عند ابن الرومي.
fig12
صورة فنية كاريكاتورية بديعة من رسم الاستاذ «فريدون» تمثل مناحى عبقرية «أبي شادي» الأدبية العلمية.

(١) شعره ورأيه في الشعر والشاعر

يرى «أبو شادي» أنه لا بد للشاعر المتعالي من رسالة سامية يؤديها، وأنه لا كمال للشعر في أن يكون ذاتيًّا “subjective” فقط، ولا في أن يكون موضوعيًّا “objective” فحسب، بل إن أكمل ما جمع بين الصورتين، وما توج برسالة فنية عالية للحياة والأحياء، والرسالة التي تزجيه نفسه وشاعريته إلى بثها هي رسالة التفاؤل الإنساني والاندماج الفلسفي في النوع اندماجًا يجعله يحس حقيقة بأنه خالد في نوعه، وأن الفرد — أو الحياة المحدودة — يضحي في سبيل تجميل النوع — أو الحياة المستمرة — فهو يرضى قريرًا بهذه التضحية في سبيل ما تنزع إليه الحياة من جمال وكمال،٣ وهو بهذا الشعور متصوف، وتتجلى روحه الصوفية — على أقوى ما تكون— في مناجاته الطبيعة بأناشيده التي تراها، وإن اختلفت أنغامها ومعانيها متجهة إلى قبلة واحدة.

وهو، وإن لم يغمط الشاعر الذاتي البحت، ولا الشاعر الموضوعي الصرف حقه بالنسبة إلى مدى قوته في الشاعرية، إلا أنه ينظر إلى المثل الأعلى من الشعر نظر المؤمن إلى رسالة قدسية، فهو لا يعتبره شعورًا عميقًا، وخيالًا ساميًا، وعاطفة حارة، وتعبيرًا فنيًّا فقط، بل يراه — مع كل هذا — نشيدًا لوحي سماوي يصعد بالإنسانية من حضيض البهيمية ويبوِّئها مكانتها الروحية الجديرة بها.

فإذا شئت أن تعرف روح هذا الشاعر ولبَّه فحسبك عبرته «إخناتون» — وهو أول من ألَّف رواية عنه وحاول إنصافه في أدبنا العربي، وتابعه شوقي بك في محاولته إنصاف كليوباترة، وإن كان الفرق بين الشخصيتين شاسعًا.

وفي ديوانه «الشفق الباكي» — فضلًا عن دواوينه السابقة — نماذج شتى لما يوصف بشعره الإنساني العالمي، وكذلك ترى في ديوانه الأخير «وحي العام»٤ بجزءيه لسنتي ١٩٢٨ و١٩٢٩م، وفي ملحمته الشعرية الفلسفية المشهورة «شوبنهاور والحياة» تعابير شتى من عقيدته هذه ومن تصوفه القوي، وإذا رجعت إلى شعره القديم وجدت نفس هذه الروح الإنسانية متمشية معه في نموه الفكري الوجداني منذ نيف وعشرين عامًا.

•••

وأنت — إذ تقرأ شعره القومي السياسي — لا تقرأ شعرًا ديمقراطيًّا مثلما تقرأ شعرًا إنسانيًّا في روحه، ولا غرابة في ذلك ما دامت هذه هي النزعة الغالبة على الشاعر في جميع أدوار حياته وفي كل نواحي عيشته، مما يدل عليها تعلقه بمظاهر التعاون الأمي الفكري، واشتراكه فيما يستطيع الاشتراك فيه منها.

ولشعره القومي — إلى جانب إنسانيته — صبغة ديمقراطية سليمة تجدها في حدبه على الفلاحين، ألا ترى ذلك في قصيدته «كوخ الريف»؟٥ ثم ألا تراه أبلغ محبِّب حياةَ الريف للمصري في مثل قصيدته «في حضن الريف»٦ التي هي مثال لشعره القومي الكثير؟

فأنت ترى — في هذه القصيدة — صورًا من العواطف الحارة الجامعة بين حب الوطن وحب الطبيعة والتفنن في وصفها — وقلما تجد له قصيدة وجدانية لا تجمع بين فنون شتى من الشعر تمتزج امتزاجًا بنفسه المستوعبة لشتى الأطياف والألوان والأنغام.

وما دمنا قد أشرنا إلى شعره القومي — وطائفة صالحة منه موزعة بين دواوينه «مصريات» و«أنين ورنين» و«الشفق الباكي» و«وحي العام»؛ دع عنك مؤلفاته الشعرية الأخرى مثل «نكبة نافارين» و«مفخرة رشيد» … إلخ — فحري بنا أن نشير إلى قصيدته الوطنية الممتازة: «الفلاحة»٧ دون أن ننسى أنه صاحب البيت المشهور:
والشعب إن يغفل حقوق صغيره
صار الكبير به الصغير الضائعا!

ولما كانت للشاعر جولات شتى في فنون الشعر المتعددة فإني أكتفي بالإشارة إلى أهمها، أو على الأصح إلى ما يحضرني منها؛ فهو قد أعاد لنا الروح الفلسفي في الشعر، وبرهن — أيما برهان — على أن الشعر العالي يعتز بذلك، وأن الفلسفة لا تضر الشعر بل تخدمه وتغذيه، وليس الذنب عائدًا إليها إذا أدخلها بعض الأغرار في الشعر فأفسده بها، فإنما الذنب ذنب من يتناولها بغير بصيرة، ومن يخرجها به تقليدًا، لا عن شعور وإيمان صادق، وقد رأينا أبا العلاء والمتنبي مثلًا يمزجان الشعر بالفلسفة؛ فيبلغان ذروة الإجادة، ويضيء شعرهما بأسمى معاني الفلسفة. وشواهد «أبي شادي» في هذا الباب تكاد لا تحصى، وهو يرى أن النظرة الشعرية تستطيع أن تستوعب الفلسفة والعلم، بل وجديرة بأن تستوعب كل شيء، والعبرة باندماج الشاعر في موضوعه بدل أن يكون صانعًا وصافًا غريبًا عنه، ولعل هذا هو السر في إكباب أبي شادي على عمله العلمي بشغف كأنما هو ينظم شعرًا جميلًا، وله في «المكرسكوب» — المجهر — قصيدة فلسفية وجدانية فريدة في بابها.

figure
الينبوع
وبينما يروِّج غير واحد من أعلام أدبائنا للدعاية ضد المرأة، على اعتبار أنها نوع من الشر الضروري؛ يعدها أبو شادي ينبوع السعادة، ويضعها في أرفع منزلة لم تنلها من شاعر عربي من قبل، بل ولا من أحد من معاصريه، وتدور حولها — على الحقيقة — عبرته «الآلهة» في رمزي الجمال والحب، وبدافع سحرها نظم قصيدته البديعة «الينبوع» مستوحيًا — كما شاءت عواطفه الحارة وخياله الشعري — الصورة الفنية٨ التي رسمها النقاش الشهير إنجرز “ingrss”.
وقد تنوقلت هذه القصيدة وكثر الاقتباس منها؛ لجمال موسيقيتها ومعانيها، ولم يفت شوقي بك روحها وأخص معانيها حين نظم قصيدته اللامية «بمصرع كليوباترا». ولا جدال في أن نظرة أبي شادي إلى المرأة هي نظرة أفلاطونية روحية بريئة، ويتبع ذلك شعره الغزلي — وكله عفيف — ونظمه الغنائي الكثير، ولن تجد في شعره الغزلي — كيفما كان الموقف أو الموضوع أو المناسبة — شيئًا ينبو عنه الذوق المهذب، أو تستحي منه الفتاة، وكما أنه بطبيعته مبتكر في المعنى والخيال والموضوع، فهو كذلك شديد النزوع إلى الابتكار في المبنى؛ مثال ذلك: قصيدته الطريفة «المثال»٩ وهي تحفة من حسنات الشعر العصري الذي ما نزال نغفل دراسته في معاهدنا بكل أسف — ولا أستثني من ذلك الجامعة المصرية — منقطعين لعبادة القدماء والتغني بآثارهم، وفي هذه القصيدة ما يروعك، ويفتنك من الوصف الدقيق المشوق والنغم الشجي، في حين أن كل عقباه قبلة أفلاطونية و«شعر يطيب كوقع المثاني»!!

ولا عجب في ذلك حينما تدرك نزعة «الإيديالزم» المتسلطة عليه دائمًا، الموحية إليه بأن يقول:

مذهبي في جلالة الحسن أن لا
يغتدي نعمة تحب لتفسد
أكثر الحسن ما يُصان ليشقى
إنما الحسن ما يصان ليُعبد!
ويطول بنا الحديث إذا تكلمت عن شعره الوصفي واستنطاقه للحياة والجماد، بل لعالم رؤياه كله، فنكتفي بالإشارة إلى قصيدته «الرقيبان الصامتان»١٠ وإلى قصيدة المتأملة،١١ وكلتاهما من شعر التصوير الذي أخصب به الأدب العصري، كما ابتدع له فنونًا من الشعر المرسل، ومن الشعر الحر، وتصرف تصرفًا حكيمًا في أساليبه البيانية الجديدة وفي مناهجه اللغوية لفظًا وأسلوبًا، ولا تحسبنا في حاجة إلى الإشارة إلى شعره التاريخي، وإلى نظمه القصصي الموفق، فنماذجه كثيرة مشهورة، وقد جاءت برهانًا كافيًا على طواعية اللغة العربية ومواتاتها لمن يعرف أسرارها، ويتضلع منها، وتكون له شاعرية مطبوعة، وثقافة تزجيه إلى التعبير والابتكار، وشاعرنا — بطبيعة تكوينه العصبي وفرط حسيته وعواطفه — شاعر أصيل يرث الشاعرية أو الاستعداد الفني عن والده الخطيب المفوه، والكاتب الشاعر الكبير محمد أبي شادي بك من ناحية، وعن والدته الأديبة الشاعرة الرقيقة السيدة أمينة نجيب، وعن خاله المؤرخ القدير، والشاعر الناثر المتفنن مصطفى نجيب بك من ناحية أخرى. وهو برغم هذا التراث الأدبي تراه غير راضٍ عن نفسه، ولا يعني بالشعر الذاتي البحت إلا في مواقف الدفاع أمام تهجم الجامدين أو حسد المنافسين، إذا ما استحالت نزواتهم إلى تحامل مرذول، ولعل من الخير للأدب هذا الشعور المتأصل فيه؛ لأنه يدفعه إلى الإنتاج المتواصل طلبًا للكمال الفني، على العكس من القانعين الكسالى الفخورين بآثارهم الضئيلة؛ لأنهم لا يخدمون الأدب ولا يصلحون من ملكتهم بتكرارهم إنشاد شعرهم القديم في زهوٍ وغرور، ومن أحسن ما نختاره من شعره الذاتي “Subjective poetry” قصيدته في الدفاع عن نفسه أمام خصومه المتحاملين وحاسديه، وعنوانها «جوابي».١٢
وهذه القصيدة — التي ينظمها شاعر رومانطيقي — هي في جملتها كلاسيكية الصورة١٣ وهذا الذي يجيب خصومه بهذا الجواب المفحم لا يتردد عند الموازنة في الاعتراف بحسناتهم كأنما هي جزء من نفسه ما دامت قد نالت استحسانه، ويرفض فكرة الحفاوة به في «جمعية المصباح الخافت» قائلًا: إنه لا يستحق مثل هذه الحفاوة ولا التعريف به للأدباء الغربيين وهو لم يُسْدِ بعدُ للأدب العربي ما أسداه مثل توماس هاردي بتأليفه «العواهل» (Ihe Dynasts) إلى الأدب الإنجليزي بل إلى عالم الأدب والإنسانية، وهكذا يثبت «أبو شادي» إخلاصه الفني، وجدارة شعره بالعناية والدرس والإجلال.

وصفوة القول أنه ليس بالغنم القليل للأدب العصري أن يظهر فيه شاعر منجب خلاق يتدفق شاعرية ذو عقيدة قوية، وقد شمل شعره السخي المليء بأفانين الجمال وطُرف الأدب كل ما وقع تحت بصره، واهتزت له نفسه، وكل ما تاق له وجدانه وتخيلته روحه المتسامية؛ فتغنَّى بالطبيعة، والفضيلة، وبالخير، والإنسانية العالية كما تغنَّى بحب بلاده، وبزرعها، وضرعها، وبأزهارها، وشمسها ونيلها السعيد، كل ذلك في بيان عذب، وموسيقية ساحرة، وجدة رائعة لا أثر للتقليد فيها، مع غيرة صادقة على تراث أجداده، وفي مقدمته لغته العزيزة التي يرى في خدمتها المتواصلة وفي التقدم بها إكرامها، حينما يقنع الأدعياء الصاخبون بالوقوف بها، وباقتسام فضلات الموتى!!

فدراسة «أبي شادي» الشاعر تجمع في الواقع بين دراسة شاعرية قوية متأججة وشخصية إنسانية ممتازة، وكلتاهما ثائرة الطبع برغم تفاؤلها، واسعة الأفق، عالمية الروح، وإن انتسبت أصلًا إلى هذا الوطن وأخلصت له الحب.

(٢) الجمال الساحر١٤

حُسْن هذا الخد إن قيس به
كل حسن كان عنه قاصرا
كم شموس قد خبت أضواؤها
حين لاح الخد نورًا باهرا
فجمال الوجه الأخلاق وقد
سطعا للناس صبحًا سافرا
منطق حلو، وحسن رائع
جمعا هذا الجمال الساحرا

هوامش

(١) فصل مختار من كتاب للمؤلف بهذا العنوان لم يطبع بعد.
(٢) مما هو جدير بالتنبيه إليه أن من لا يقدِّرون هذا الشاعر المبتكر الملهم — عن تعجُّل أو سوء فهم منهم — لا يكلفون أنفسهم قليلًا من التأمل الذهني، وينسون أن كل جديد يحتاج إلى أن تألفه النفس قبل أن ينال التقدير الوافي، وهذا بخاصة في الفنون كالموسيقى، والشعر، وعندي أن الشاعر الخلاق المطبوع؛ لا يعنيه تقدير الناس إياه بقدر ما يعنيه أن يسمع الملأ صوته كيما يؤدي رسالته الروحية الفنية، فلا غرابة إذا كان «أبو شادي» لا يعتبر الشهرة إلا منبرًا عاليًا فقط، وما أجمل من ترديد أبياته عن «الإلهام» في هذه المناسبة؛ إذ كأنها لسان حاله أمام المتحاملين الجامدين وهو بهذه الأبيات يستنطق رسم المصور الفنان فراجونارد (Fragonard) قال:
وتلفت الراني إلي إلهامه
كتلفت الإلهام نحو الراني
فتلاقيا في عالم متمنع
إلا على المتأمل الفنان!
كم راعني من وجهه نظراته
للغيب والأحلام في إيمان
وجبينه المتألق الموحي بما
يوحي كتاب الفن في العنوان
لم أدرِ أيهما الأجل: أرأسه
يستقبل الإعصار دون توان
وقد انثنى في عزمة غلابة
متجهمًا، متبسمًا، في آن
أم مصدر الوحي العظيم وإن يكن
ما غاب عن حس وعن حسبان!
فكلاهما — لولا أخيه — لما غدا
مثلًا لدين عز أو ديان
لولا التجاوب ما تتوج خالق
بصنيعه، بل ما تطاول فان!
فإذا الألوهة في ابن آدم أشرقت
وإذا جمال الله في الإنسان!
ومتى نظرت إلى نوافذ لبه
نطقت بمغلق سره العينان
مسك اليراعة مسكة الخلاق في
حزم، وفي علم، وفي إمكان
والطرس يرتقب البيان كشأننا
في قبسنا منه صنوف معاني!
ما كان غير الفن معجز حاكم
في هذه الدنيا وآية باني!
figure
الإلهام
(٣) انظر قصيدته المعنونة «تشاؤمي» في الجزء الأول من «وحي العام» ص٤٦، وهي التي يستهلها بقوله:
تشائمت حتى قد وجدت تشاؤمي
تفاؤل من ينأى عن العَرَض الفاني
(٤) أليس هو القائل في «وحي العام» ج١ ص٧٩:
إن كان للوطن العزيز رعايتي
فلدولة الإنسان عهد ولائي
لا كان إيماني بمصر إذا نفى
حبي لها بري بدين إخائي
وطني كنفسي، فالغلو بحبه
— إن طاش — مثل الأثرة العمياء
والموطن الأسمى بدنيا ملؤها
عطف، وإخلاص، وكره عداء
لن يبلغ الإنسان أكرم مجده
حتى يعيش لنده كفداء
(٥) انظر ديوانه «الشفق الباكي» ص١٠٧٩، إذ يقول:
في مقبل الأعوام حين تراه
مثل الجمال المستعز ثراه
ومسنة الجميز تلثم سطحه
ومن النظافة والنظام حلاه
والماء موفور لديه موزع
في حسن هندسة تزيد غناه
والبائس الفلاح غير سميه
فات السوائم، واستطال رجاه
يحيا حياة الآدمي منعمًا
وبنوه أعوان له أشباه
فهنالك اذكرني برحمة ذاكر
حبي لمن أحياه ثم رعاه
إني أعيش كمجرم في بيئة
قتلته ثم أبت عليَّ رثاه!
(قتلته: أي الفلاح.)
(٦) انظر «الشفق الباكي» ص٩٢٦؛ إذ نراه واصفًا يومًا في «قطور» موطن أسرته، وفي هذه القصيدة يقول:
القرية السمراء نقط طينها
اللقلق المتأمل المبرور
وتلوح أحراج النخيل كأنها
جند ترد الدهر حين يجور!
لم ترضَ غير الصفو يسكن قربها
فالهم عن جيراتها محسور!
لا بدع إن عبق الهواء بسكره
وتلا أهازيج المنى العصفور!
فمشيت بين فواتن مبثوثة
والفاتن الغاوي بها مسحور!
ملء الحصى مثل النبات ومائه
والنور فاض من الإله شعور
وحسدت سائمة يلطف عيشها
هذا الجمال الشائق المعمور
وغبطت مأسورًا لساقية بكت
والماء يضحك حولها ويدور
فجلست في ظل النخيل بقربها
أصغي، فيسرف بثها الموفور
والغرس يشكرها بهزة رأسه
والبشر في لمحاته منظور!
حتى إذا سكنت تمايل لوفها
وأتى يئز حياله الزنبور
والنحل تنشد شعرها فتجيبها
برحيقها الصافي الشهي زهور
والجدجد الفرحان يقصد حجره
متهاديًا يبدو عليه غرور!
وأكاد أنشق في التراب ألوهة
وكأنني «غندي» أو «تاجور»!
لم لا، وأنفاسي بأنفاس الهوى
تسري وهذا الكون منه سطور؟
والريف مرآة «الطبيعة» عندما
تُجلى، فينشر سحرها المستور
والريف مرآة «الطبيعة» عندما
تجلى، فينشر سحرها المستور
ما أطيب الحالي الأصيل برقة
يهفو لها المكلوم والموتور
يأتي النسيم به كأشفاق المنى
أو كالحبيب يعود وهو غفور!
وأنا السعيد بما أرى وأحسه
وكأنما هو شعري المنثور
حتى أفاجأ بالغروب كأنه
توديع من قدست وهو نفور!
وسمعت عن بعد رواية «شاعر»
ونشيده متموج مشكور
فأتم لي حلمًا كأحلام الصبي
فاضت عليه صبابة وسرور
وأظل أذكره عيانًا كلما
أحسست أني البائس المأسور
(اللقلق “Stork”: طائر مصري مفيد ينقي الأرض من الحشرات الضارة بالمزروعات.)
(٧) انظر «وحي العام» ج١ ص٢٩، وفيها يقول:
سيري خلال القطن بين تبسم
ما القطن إلا من تبسم فيك!
ودعي الذي يدعوك ربة مصره
يجني ابتسام الحب دون شريك
إني أبايع بالسيادة من لها
في مجد وادي النيل مجد مليك!
ربت له همم الرجال وأطلعت
أملًا كوعد للصباح وشيك
وكأن رفق الشمس لفظة ثغرها
فيحول في طمي يعز سبيك!

•••

يا وحي «بنتاؤور» لم تزل العلى
كالفن في أيام «منف» تليك!
ما زلت لابسة الحداد كسيفة
فلتنزعيه، فنحن نستوحيك!
أنت المؤلهة العزيزة بيننا
وإن احتملت متاعبًا لذويك
سيري متوجة بتاج محبة
للنفع والإصلاح جنب أخيك
وإذا تناساك الذين تخاذلوا
جاهدت إشفاقًا على ناسيك
إلى آخر هذه القصيدة المصرية الممتعة.
(٨) فهو يقول لنا فيها «وحي العام» ج١ ص٤١:
بلغ التخيل منك غاية سؤله
وكذا الحقيقة في الخيال تضوع
هل كان للدنيا سواك رجاؤها
أو كان غير جمالك الينبوع؟!
بنت «الطبيعة» أنت آية فنها
فعلى روائك فنها المطبوع
تعبت ملايين القرون فأبدعت
ووفت فكان سناؤك المتبوع
قسمًا به لولاك ما حفز النهى
داعٍ، ولا صحب النبوغ سطوع
لولاك أعلنت العواطف يتمها
وقضى على لب الحياة الجوع
منك استمد الملهمون وأثمروا
فالأصل أنت وما عداه فروع
فإذا اعتززت فإن عصرك سيد
وإذا أهنت فعزه ممنوع!
ووقفت عارية فكنت أمينة
للحسن حين عدوه المصنوع
في حافة النبع المرحب مثلما
بالبدر رحب ماؤه المسموع
وعرضت في فتن انثنائك ما اشتهت
عين وما سفكت لديه دموع
وقلبت جرتك العزيزة فارتوى
من مائها الينبوع فهو زروع
أودعته غرسًا لظلك مثلما
أودعته ألقًا يظل يروع
والنرجس النامي بقربك مفعمٌ
عبقًا، كذلك لحظه مرفوع
وأرى الجدار قد استحال مباءة
للوحي، واستولى عليه خشوع
والناميات حياله من خضرة
هي للمحبة نضرة وذيوع
والماء — وهو يسيل بين أنامل
لك — كالحظوظ يفوتها المفجوع
وأرى يمينك فوق رأسك وحدها
كالتاج زينه سني وولوع
وعرفت أنك أنت نور أو شذًا
متجسم، مستأسر، مجموع
هذا هو الينبوع، لا النبع الذي
أسديته روحًا لديك يضوع!
(٩) وإلى القارئ هذه القصيدة:
أنت في وفاء الجمال النبيل
تحيي العليل بلحظ كحيل
وثغر جميل
وعطف الخليلة نحو الخليل
برغم الزمان

•••

ولكنها أقسمت أن تدوم
كزهر كتوم لعطر نؤوم
فطال الوجوم
وعادت تبدد هذي الغيوم
بنور الأماني

•••

دعتني لأعلن عن سر فني
بشعر التغني وحلو التمني
وما نم عني
من الحب في كل نظم أغن
كشعر «ابن هاني»

•••

وشجعها من هواي ابتسامي
ونجوى غرامي — فزادت هيامي
بعذب الكلام
وجادت برأي كنفح المدام
لصبٍّ يعاني

•••

دعتني لأرسمها في نظيمي
بروح وسيم — ولفظ سليم
ووصف كريم
وقالت: «سأجعل هذا نديمي
وآي افتتاني!»

•••

فهزت فؤادي بلحن جديد
ومعنى فريد — لقلبي العميد
فكان السعيد
وقلت لها: «يا إلهي الوحيد
وأشهى جناني

•••

أينصف حسنك وحي الخيال افتناني
وأنت «المثال» وأنت الجلال
وأنت الجمال؟
ألا فانزعي الثوب قبل الدلال
فيحيا افتناني!

•••

فأزعجها من غرامي سؤالي
كأني المغالي — برسم الجمال
العزيز المنال
أليس المصور في مثل حالي
بصيد المعاني؟!

•••

وعادت إلى البشر — بشر الحبيب
بجسم رطيب فلاح الأديب
وراح الأريب
فقبلت «فينوس» شعرًا يطيب
كوقع المثاني!
(أغن: رشيق.)
(١٠) وصف الشاعر في هذه القصيدة وقفة الأسد وأنثاه على قمة جبل يرقبان:
وقفا على الجبل المنيف وأرسلا
شرر العيون الكاشفات وهادا
وقفا وقد ربط الوداد كليهما
ربطًا يضاعفه السكون ودادا
فنشاهد الأسد المهوب مراقبًا
مثل القضاء يراقب الآبادا!
وبقربه أنثاه تنظر مثلما
تبع الوجود إلهه منقادا!
مرأى به الضدان من عطف ومن
روع وقد نستملح الأضدادا
وقفا وقوف الفن في ظل وفي
نور فلاقى الفن فيه مرادا
هذا يصد وذاك يجذب حينما
تلقى الخيال مصورًا إيجادا
والنور يعبث بالمشاعر ساخرًا
كالسحر بدل بالحياة جمادا
أرنو إلى النقش الدقيق معبرًا
وأحيل أصباغ الحياة مدادا
وأكاد أخشى رغم حسي لفتة
من ذلك الأسد الذي يتفادى
وأعد في حلمي سكوتهما المدى
كرمًا، وقد يلفى البخيل جوادا!
(يتفادى: يتحامى وينزوي.)
figure
الرقيبان الصامتان.
(١١) هذه القصيدة التصويرية في ذاتها تبيان جميل لمنزلة المرأة عنده، وهي تفيض سلاسة، وعذوبة، وموسيقية بديعة، كما أن دقة التصوير تتجسم فيها، شأنه في جميع شعره الوصفي الذي إخال أنه يتأثر بطبيعة مهنته الفنية، وبذهنه المتأمل الحساس، وإذا طالبتني بذكر مفتاح شاعرية أبي شادي قلت لك في غير تردد: «الطبيعة والمرأة والإنسانية»، وكأنها وحدة لديه لا تتجزأ، والخطاب لإحداها خطاب لمجموعها، وهكذا تفسر بيته:
وإنما المرأة الدنيا بما جمعت
إذا تسامت وصانت حسنها الغالي
وإليك قصيدته الشائقة في «المتأملة»:
عزفت عن المزمار واستغنت بما
لاقت من الأنغام ملء تأمل
في عزلة بحمى «الطبيعة» مثلما
تحمي خشوع الراهب المتبتل
وأبت سوى النور الثمين دثارها
والنور منها يستعز ويجتلي
والسرو تنميه حرارة قربها
مثل الحشائش في العزيز من الحلي
ويكلل الرأس النبات بنضرة
منها كأن النبت شبه مكلل
وترى الصخور تكاد تنبت تحتها
والجزع — إذ لمسته — كالمتهلل
وترى البعيد من التلال قريبة
في الحس ترمق حسنها في مأمل
والماء مندفقًا هنالك صاخبًا
حتى ترى فيرى بحلو تسلسل
وتظل بين تأمل وتأمل …
فيمَ التأمل وهي أعذب منهل؟!
(عزفت عن المزمار: أي أعرضت عنه.)
(١٢) انظر وحي العام «ج ١ ص٥٥»، وفي هذه القصيدة يقول:
عددتم ثباتي في يقيني ضلة
أصبتم، فخلوني إذن ثابتًا وحدي
لعمري ما باليت يومًا بجمعكم
خصيمًا كأني شامخًا لست بالفرد!
ولكنما باليت عمري بمبدئي
ففي مبدئي عرضي وأكرم ما عندي
وأوذيت حتى قد تمتعت بالأذى
وبالحسد المشقي وبالألم المردي!
ولم أكترث بالغامطين وحربهم
وإن أنا أدبت المنافق عن عمد
سبيلي قويم لا ضلال بنهجه
وما كان رجمي ما يثبط من قصدي
فإن كان لي في جرأتي وصراحتي
وفي تضحياتي ما حملتم من النقد
وإن كان حبي للحقيقة سبة
وما حبها إلا التعالي بلا حد
وإن كان سبقي وابتكاري زلة
ولم أر كالتجديد أقرب للجد
فلا خير لي في مدحكم بسلاسل
فإن مديح العبد أصلح للعبد!
وأهلًا بطعني حين أمضي مسددًا
خطاي وأقضي بعد سد على سد!
وما خدم الأحرار مثل خصومهم
ولا خدم الإبداع مثل ذوي الحقد!
وحسبي أن منتج من حشاشتي
مآثر نفسي للمآثر من بعدي
ولست أحاكي من شكوا في قبورهم
ولا أنا مثل القرد يفتن بالقرد!
أسير مسير النجم والرجم حوله
وهيهات ينبو عن مدار وعن وعد!
وما فقده إلا اندماجًا بصنوه
وهل كان فقد النجم نوعًا من الفقد؟
ولي مذهبي لا أستطيع خيانة
له أو عزوفًا عن رجائي أو ودي
وما ضرني أن تجهلوا ما أردته
وأن تنكروا أو تبخسوا ما به مجدي
فحسبي أني طابع نهضة بدت
بطابعي الفنان في المثل والضد
يسير بها شعري الطليق محررًا
وإن كان بعض الناس ينعم بالقيد!
وآبى مصف الناس في غير نشوة
من الزهو لكن في نبو عن الغمد
فإما أشق الكون طوعًا لمهجتي
وإما أشق اللحد في موت معتد!
(١٣) مثال آخر لشعره الكلاسيكي الديباجة في جملته، الرومانطيقي النزعة، قصيدته الغزلية البديعة «عينان»، وهي — ككل غزله — مرآة صافية لحب نبيل صادق لا أثر للتصنع فيه، ولا يلوثه شيء من غزل المذكور القبيح الذي ما يزال للأسف شائعًا إلى الآن في الشعر العربي، وإليك أبياتها الرقيقة الجذابة:
عينان فيما توحيان تمثلت
شتى الحظوظ وعزة الخلاق
غنى الإله بما تبسم من هوى
بهما عن الإعجاز والإغراق
وكأنه سبحانه في حبه
لطف السذاجة في سنا الأحداق
قد صاغ حسنهما نموذج عشقه
فآذاه قدوة دولة العشاق!
سحر الألوهة هذه النظرات في
جذب وفي بأس وفي إشفاق
عمر شقيت به فداؤهما لما
لاقيت في شغفي وسوف ألاقي
لم لا يكون هو الفداء ومنهما
عمر يجدده جميل تلاق؟!
وأحس أني كالمؤمر ناعمًا
بالقرب حين أئن في استرقاقي
وأذوق من هذا النعاس حلاوة
وكأنما أحظى بلذة راق
وأكاد من نهمي برغم تمتعي
أشكو من الأقدار والأرزاق!
والنور للطل الرفيق وفاؤه
كالنبع للأزهار والأوراق
أستلهم الأحلام مما ضنتا
إلا على الفنان والمشتاق
كل البدائع — إن هما رنتا — استوت
في القبس واستجدت مدى الإنفاق
وأخص بالعطف الأحب لأنني
أدري بآيات الجمال الباقي
حولت أنفاسي نظيم عبادة
وحييت أنشد ما أباح الساقي
حتى غدوت كأن عيشي كله
شعر، وما عيشي سوى أشواقي
(فإذا هو: وقد شاع هذا التركيب في لغة العصر، وكذلك نظيره «فاذاك».)
(الراقي: الساحر.)
figure
عينان
(١٤) أبيات فارسية طلب إلى المؤلف نظمها بعد أن ترجمت له إلى العربية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤