نخبة من كتاب المختار في كشف الأسرار

القرد المسحور

«قال الجوبري»: رأيت بخراسان — ويُروى: بحرَّان — سنة (٦١٣ﻫ/١٢١٧م) رجلًا من بني ساسان أخذ قردًا وعلمه السلام على الناس والتسبيح والسواك والبكاء، ثم رأيت من هذا القرد من الناموس ما لا يقدر عليه أحد من الناس، فإذا كان يوم الجمعة جاء عبد هندي لطيف الملبوس حسن الشمائل إلى الجامع ومعه سجادة حسنة فيفرشها عند المحراب، فإذا كانت الساعة الرابعة جاء القرد بملبوس عظيم من ملابس الملوك وفي وسطه حياصة ذهب مرصعة بأنواع الجواهر، وقد طيبه بأنواع الطيب، وأركبه بغلةً بقماش فاخر وركابات محلاة بالذهب، ثم يمشي في خدمته ثلاثة عبيد هنود بأفخر ما يكون من الملبوس، الواحد يحمل وطاءه، والثاني تاسومتهَ — ويُروى: سرموزته — والثالث يمشي قدامه كالحاجب له. وهذا القرد لا يمر على أحد إلا سلم عليه طول الطريق.

فإذا وصل إلى باب الجامع نزل، فيقدمون له التاسومة — السرموزة — فيلبسها ثم يعضده العبد إلى أن يصل إلى الموضع الذي فيه السجادة، وهو مطرق بالهيبة والسكون، وكل من سأل عنه يقال له: هذا ابن الملك الفلاني من أكبر ملوك الهند وهو مسحور، ثم يفرش له العبد الوطاء فوق السجَّادة، ويحط له مسبحة وسواكًا، فيقلع القرد بيده منديلًا من وسطه من الحياصة ويضعه قدامه، ثم يتناول المسواك فيستاك به، ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يأخذ المسبحة ويسبح.

فإذا فعل ذلك قام العبد الكبير وسلم على الناس، وقال: يا أصحابنا، من أصبح معافًى فليشكر الله على ما أنعم عليه، واعلموا أن بني آدم هدف للبلايا، فمن ابتُلي فليصبر ومن عوفي فليشكر، واعلموا أن هذا القرد الذي ترونه بينكم لم يكن والله في زمانه أحسن منه شبابًا، وهو ابن الملك الفلاني صاحب الجزيرة الفلانية، فسبحان من سلب منه الحسن والملك، ومع ذلك فإنه لم يُرَ في الناس أرحم منه قلبًا ولا أروع منه، وإنما هذه الدنيا كثيرة المحن، فكان من القضاء المقدور أن أباه زوجه بابنة الملك الفلاني، فأقامت معه كذا وكذا سنةً، ثم نقلوا إليها أنه عشق غيرها، فهربت إلى بيت أهلها، ولما حصلت عند أمها سحرته أمها، فصار قردًا كما ترون. فلما علم والده بذلك أمر السحرة والأطباء والحكماء أن يردوه إلى صورته، فعجزوا عن ذلك فأمر بإخراجه من الإقليم لما لحقه من العار بين الملوك، وقد سألنا زوجته فيه غير مرة أن تعيده إلى حالته الأولى فامتنعت، وقالت إنها تركت عنده أثاثًا قيمته مائة ألف دينار، وحلفت لا ترده إلى صورته إلا بها، وقد درنا به البلاد، وتعصبت له الملوك والتجار، فجمعنا له تسعين ألف دينار وبقي عشرة آلاف دينار، فمن يساعده بشيء من ذلك ويعينه على ما قُضي عليه ويرحم هذا الذي عدم شبابه وملكه وأهله ووطنه؟ فإذا سمع القرد ذلك وضع المنديل على وجهه وبكى أمرَّ بكاء بدموع كالمطر، فترق له القلوب، وما من الحاضرين إلا ومن يردفه بشيء، فما يخرج من الجامع إلا بشيء كثير، وهم يدورون به البلاد على هذه الصفة، فاعلم ذلك.

المكدي المحتال

«قال الجوبري»: ومن ذلك أني كنت في قونية من بلاد الروم سنة (٦١٦ﻫ/١٢٢٠م)، فمررت في بعض الشوارع، فرأيت إنسانًا عليه ثياب خلقة، وهو ملقًى على جنبه، ورأسه معصب بخرقة، وهو يئن أنين الضعيف، ويقول: من يقضي شهوتي برمانة؟ فلما نظرت إليه قلت: وعزة الله، من بني ساسان، ولا بد ما أُبصر ماذا ينتهي إليه أمره. فجلست قريبًا منه بحيث أراه ولا يراني، فصارت الدراهم تتساقط عليه مع القطع والفلوس والخبز وغيره، فلم يزل كذلك إلى وقت القائلة حتى خفت الناس عنه الرائح والجائي، فلما رأى ذلك التفت يمينًا وشمالًا فلم يَرَ أحدًا، فوثب مثل البعير المنشط إذا فُكَّ من عقاله، وجعل يخترق الأزقة والشوارع وأنا خلفه، إلى أن انتهى إلى زقاق غير نافذ أمام باب دار حسنة البنيان بمساطب وفانوس معلق، فرقي العتب وطرق الباب، ففُتح له وهمَّ بالعبور فأدركته وقلت: السلام عليك. فقال: وعليك السلام، من تكون؟ فقلت: ضيف. فقال: مرحبًا بالضيف. ثم أخذ بيدي وقال: خير مُقدم، ادخل. فدخلت قاعة واسعة فيها من البسط والفرش والمساند واللحف ما لا يوجد إلا عند الأكابر من أبناء الدنيا، فقال لي: اصعد. فصعدت على طراحة حسنة، وأما صاحبي فإنه رمى من رقبته مزودًا فيه مقدار عشرة أرطال خبز، وفيه دراهم وفلوس شيء كثير، ثم شد وسطه بفوطة تساوي دينارين، وخلع ذلك الخلق، فقدمت له الجارية ماء سخينًا وطشتًا ليتغسل، ثم لبس بدلة قماش فاخرة، وشم ماء ورد ممسَّكًا وتطيب، فرأيت له شعرًا طويلًا، وطلع فجلس إلى جانبي، وقال لي: والله هذا نهار مبارك برؤيتك. فقلت: بارك الله فيك وأعانك على ما أنت بصدده. ثم قال: يا حرير — وهو اسم جاريته — هاتي ما عندك برسم ضيفنا. فما أدري إلا والجارية قد أحضرت مائدة عليها أربع زبادي صيني، في كل واحدة لون فاخر طعام خاص وخبز خاص وبقل من جميع البقول، ثم أحضرت سكَّردانًا عليه حرِّيف ومالح وحامض، فصار يأكل ويلقمني ويؤانسني بالحديث، وأنا أعمل باليدين، إلى أن اكتفينا، وغسلنا أيدينا، فقال لي: إليك المعذرة، جئتنا على غير وعد، لكن الكريم يسامح. ثم تحدثنا ساعة، ونادى: يا حرير، هاتي لنا ما نتحلى به، فأحضرت أنواعًا من الحلوى لم تحصل إلا عند الأغنياء الكبار، فأكلنا منها حسب الكفاية.

هذا وأنا في غاية التعجب ثم قلت له: لو فتحت لك دكان بزلكان — ويُروى: بزاركان — لكان خيرًا لك من هذه الحرفة التي تعانيها، فتبسم ثم قال لي: كم يكون مكسب التاجر كل يوم لو كان رأس ماله خمسة آلاف دينار؟ قلت: لعله يكسب نصف دينار. فقال: أنا يقع لي كل يوم خمسة عشر درهمًا وأكثر وأقل فائدة بغير رأس مال، فماذا أصنع بالدكان؟! مع أن التاجر لا يخلو من الخسارة في بعض الأوقات، وعليه كُلَف، أما أنا فربح بلا خسارة. فقلت له: ماذا تصنع بالخبز الذي يصل لك كل يوم؟ قال: نُيَبِّسهُ ونعمله فتيتًا، فتجيء تجار أنطاكية يشترونه لسفر المراكب في البحر المالح، فيحصل لنا منه كل سنة مئونة أهل البيت وكسوتهم. فتعجبت من ذلك.

ثم قال لي بعد ذلك: وما تقول في الخمر؟ أتستعمل شيئًا منها؟ قلت: أرضى بها وبكل ما ينتهي إليها. فنادى الجارية بإحضار المدام، فأحضرت سفرته وآنيته وأحضرت شرابًا عتيقًا لم أشرب منه إلا عند الأكابر والرؤساء، فشربنا ثم قال: يا حرير، خلي أختكِ تنزل فتطيب عيشنا. فنزلت جارية من أحسن ما يكون من الجواري ومعها عود، فلعبت به ساعة ثم ألقته وأخذت الجنك، فضربت عليه ساعة، ولم تَزَلْ تبدِّل الملاهي حتى انتصف الليل، فلما أردنا النوم قال: وا لك يا فلانة، افرشي لسيدك في المخدع الفلاني، وأوقدي له قنديلًا، ثم أتتني بطشت ومنشفة فاغتسلت ثم نمت، ولم أزل نائمًا إلى بكرة النهار، فانتبهت، فإذا به قد دخل علي وقال لي: يا سيدي، الضيافة ثلاثة أيام، فلا تبرح من مكانك حتى أعود إليك، ثم قال للجارية: هاتي العدة. فأتته بذلك الخلق والمزود والعصابة فعصب رأسه، وخبأ شعره ولبس ذلك الخلق، ثم أتته بمخلاة فيها تراب، فجعل ينفض عليه حتى غبَّر وجهه وثيابه، ثم إنه ودعني وخرج.

ولم تزل الجارية تتفقدني بالشراب الطيب والطيبات من المآكل إلى وقت الظهر، فإذا به قد جاء وفعل كما فعل بالأمس، فأقمت عنده إلى يوم الجمعة، فقال للجارية: خذي سيدك إلى الحمام وقولي لفلان البلَّان: سيدي يسلم عليك ويقول لك: اخدم هذا الرجل. ثم قال لي: أريد منك أن لا تصلي اليوم إلا عند المنبر فإن لي في ذلك غرضًا، ثم تعود بعد الصلاة إلى ها هنا. ثم لبس آلته وخرج.

فقامت الجارية وأخذت بساطًا اقصرابيًّا (كذا) وطاسات نحاس وكُفتًا ومئزرًا ملطيًّا ومناشف رومية في نهاية الحسن، مبخَّرة مطبقة، وعبت آلة الحمام كما ينبغي، وراحت بها إلى الحمام، ثم عادت إليَّ وقالت لي: بسم الله، يا سيدي، أسرع فإن البلان في انتظارك. فقمت إلى الحمام وخلعت قماشي، ودخلت والبلان قدامي إلى المقصورة، فخدمني أحسن خدمة، ثم جاءني بالمناشف فتنشفت، وخرج خلفي بالطاسة، فصعدت وجلست، وصب الماء على رجلي، ثم جاءتني الجارية بقدح شراب فشربته، ورجعت إلى الدار والجارية قدامي، ثم جاءتني بمسلوق فأكلت.

فلما جاء وقت الصلاة قالت لي الجارية: بسم الله إلى الجامع. ثم حملت معي سجادتي، وخرجنا إلى الجامع، فبسطتُ سجادتي تحت المنبر كما قال لي صاحبي، وفي أثناء ذلك أذَّن المؤذن وخرج الخطيب ورقي المنبر، فلم أشعر إلا وصاحبي قد أقبل يخرق الصفوف، وهو بذلك الخلق، ثم صعد إلى الخطيب على المنبر وأخرج من عُبِّه كيسًا من الحرير الأطلس المعدني، فقال للخطيب: يا سيدي، أنا رجل فقير ولي عائلة، ووالله، لنا يومان ما أكلنا شيئًا وقد مضَّنا الفقر. فلما كان اليوم قالت لي العائلة: اليوم يوم الجمعة، قم إلى الجامع لعل الله يفتح لك بشيء فقد هلكنا من الجوع. فخرجت طالبًا الجامع وأنا في الشارع الفلاني وقد تضورت من الجوع إذ عثرت رجلي بهذا الكيس ولا أعلم ما فيه، فسولت لي نفسي أن آخذه وأرجع إلى منزلي فقلت: يا نفس، يا ملعونة، تريدين أن تجرِّئيني على أكل الحرام، والله لا وافقتك في ذلك أبدًا ولو مت جوعًا، وما عند الله خير وأبقى، وقد حملته إليك فافعل به ما ترى.

ثم دفع الكيس للخطيب ففتحه، وإذا فيه حلي تساوي خمسمائة دينار، فتعجب الخطيب من أمانته مع ما هو فيه من الفقر والحاجة، ثم أشار إلى الناس وقال: يا قوم، هل يكون في الوجود مثل هذا في دينه وأمانته وعفته مع فقره! فكيف يكون لو كان غنيًّا غير محتاج، فوالله مثل هذا لا يصلح أن يكون فقيرًا بين ظهور المسلمين، فالواجب على كل مسلم إعانته وبره، فليعطه كل واحد منكم شيئًا، وأغنوا فقره، كلٌّ على قدره، فصارت الدراهم وقطع الذهب تنهال عليه من كل جهة إلى أن قدرت أنه حصل له مائتا دينار. هذا وأنا ألومه في نفسي وأقول: قد حصل له شيء يساوي ألف دينار فباعه بهذا القدر!

فلما انقضت الصلاة ونحن في السنَّة سمعت الضجة قد قامت في الجامع، فنظرتُ وإذا بامرأة عجوز، وهي تصيح وتقول: يا مسلمون، والله ما أملك قوتي في هذا اليوم، وقد ضاع لي حلي حملته من ناس إلى ناس فوقع مني. فبلغني أنه وصل إلى الخطيب، وأنا مستجيرة بالله — تعالى — وبه، فجعل الناس يقولون لها: طيبي خاطرك، فقد رده الله إليك. ولم تزل تخترق الصفوف حتى وصلت إلى الخطيب، فخرَّت مغشيًّا عليها، ثم أفاقت فقالت: يا مولاي، العفو لا تؤاخذني، وارحمني لله — تعالى. فقال لها الخطيب: على مهلك، ما الذي عُدم منك؟ فقالت: كيس صفته كذا، وشرابته كذا، وفيه كيت وكيت من الحلي، وكذا قطعة بلخش، وأسورة كذا، وخواتم كذا. ولم تَزَلْ تعدد الأعيان التي ضمنه بحضور الملأ وقدام جماعة من العدول، وكلما ذكرت شيئًا أخرجه الخطيب، إلى أن وصفت جميع ما فيه، وصح ما قالت، فسلم إليها الكيس، فأخذته وانصرفت، والخلق يدعون لصاحبي ويتعجبون من دينه وأمانته.

ثم إني جئت إلى الدار كما أوصاني، فوجدته جالسًا يزن ما تحصل له، وإذا به مقدار ما قدرته في خاطري، فلما دخلت وجلست قال لي: هل رأيت ما فعلت اليوم؟ قلت: نعم، وأنا ألومك على ذلك. قال: لمَ؟ قلت: لأنه كان قد حصل لك شيء يساوي خمسمائة دينار فبدلته بهذا القدر. فقال: هل تعرف الكيس والمرأة التي أخذته؟ قلت: إذا أبصرتهما عرفتهما. فقال: يا حرير، خلي العجوز تجيء بالكيس. فنزلت والكيس في يدها. فقال: هذا الكيس، وهذه العجوز حماتي، والحلي لابنتها، وأنا الذي سيَّرتها بهذه الحيلة، فلو أقمت طول النهار كم كان يحصل لي؟ فلما أن وعيت ذلك تعجبتُ منه كل العجب، ثم انصرفت من عنده، وأنا ألعن صنعة المحتالين ومكايدهم.

الدمشقي المغفل

(قال): ومن ذلك أني رأيتُ بمدينة دمشق رجلًا نصرانيًّا يُعرف بابن ميسرة صائغًا، فبينما هو يومًا في الدكان إذ أتى إليه رجل وناوله سبيكة فضة مقدارها ثلاثمائة درهم وقال له: ادفع هذه السبيكة للدلالين ليبيعوها لي. فقال الصائغ: على الحِمى تبيع؟ قال: وعلى الروباص. فأعطاها لمنادٍ فباعها المائة بمائة وعشرة. هذا وقد أقعده الصائغ على الدكان إلى جانبه، فلما قبض الثمن دفع للمنادي أجرةً وافرة، ثم رمى بخمسة دراهم وقال للصائغ: أرسل أحد صبيانك؛ ليشتري لنا شيئًا نتملح به. وحلف بالحرم إنه لا بد أن يفعل ذلك. فأرسل من اشترى، وأكلوا، ثم جلسا ساعة يتحدثان، ثم قام ونزل من الدكان وقد وضع تحت نطع الصائغ عشرة دراهم.

ثم إنه عاد بعد مدة، وصعد فجلس على دكان الصائغ ففرح به وتحدثا ساعة، ثم أطلع سبيكة أكبر من الأولى، فدفعها للمنادي، فجاءت المائة بمائة وخمسة عشر، فالتفت إلى الصائغ وقال له: إن كان لك بها حاجة فخذها وزنًا بوزن. فأخذها ثم عمل كالمرة الأولى فمنعه عن ذلك وقال: يا فلان، أيش تخاف علي؟ هذه المائة تقوم عليَّ بدرهم أو درهم ونصف فما عسى أن يروح منها؟ فلما سمع الصائغ عظُم الشيخ في نفسه. ثم انصرف وغاب أيامًا، ثم جاء ولم يصحب معه سبيكة، فسلم وصعد وجلسا يتحدثان، وصار كلما مر شيء من الحلوى أو من المآكل قال: حط، زِنْ. فيشتري ويأكل هو والصائغ وكل من في الدكان والجيران، وأقام أيامًا يتردد، ولم يصحب معه شيئًا من السبائك، فسأله الصائغ عن سبب تأخير السبائك، فقال: والله، كنت قد عملت إكسيرًا ففرغ. فلما سمع الصائغ ارتبط ثم تحدث معه ساعة، فقال له الصائغ: أشتهي أن تأكل معي في بيتي خبزًا وملحًا لتجبر قلبي. فقال: أنا ما أريد أن أكلفك. فأقسم عليه، فقال: إن كان لا بد منه فهذه عشرون درهمًا، اعمل لنا بها شيئًا نأكله، والتزم بالحرام إنه لا بد من ذلك. ثم تواعدا إلى يوم معلوم.

فلما كان ذلك اليوم، جاء الرجل إلى الدكان فوجد ابن الصائغ ينتظره فأخذه وتوجه به إلى الدار، فلما استقر بهما الجلوس قدم الصائغ شيئًا فأكلاه، ثم أحضر حلوى فتحليا، ثم جلسا يتحدثان، فقال الصائغ: لِمَ لا تعمل الإكسير؟ فقال: يا ولدي، إن عندي الساعة ما أنفقه فلست أنا محتاجًا إلى عمله. ثم لم أجد في هذه البلدة مكانًا ولا صاحبًا أركن إليه، وأنا وحدي لا أقدر أن أدبر شيئًا. فقال له الصائغ: يا سيدي هذه القاعة ملكي، وما لي فيها أهل، وإنما هي برسم صاحب أو صديق، فأخليها لك، وأنا أخدمك وابني يكون في الدكان، ومهما احتجت إليه أنا أحضره لك. فقال: «أما الإكسير فما نصرف عليه أكثر من عشرة دراهم، وإذا صار الإكسير نعمل منه قناطير إلا أنه يريد تعبًا كثيرًا وطول روح، وأنا اليوم ما لي همة للعمل، وعندي ما أنفقه عشرين سنة.» وصار يمتنع وصاحب البيت يسأله ويتضرع إليه ويحلف عليه أن يبيت عنده تلك الليلة، ولم يزل ملحًّا عليه حتى رضي وتقرر الحال معه، ثم تحالفا على وفاء العهد، وزاد الصائغ أنه يقنع من الإكسير باليسير، فقال له الشيخ: بل إنما أقنع منه بمثقال، وخذ أنت الباقي. ففرح الصائغ بكلامه، وطمع أن يتعلم الإكسير، ثم توافقا على يوم معلوم وتفرقا.

ولما كان اليوم الموعود، اشترى الشيخ الحوائج، ولم يكلف الصائغ بشيء، فلما سحق من الحوائج ما يمكن سحقه منها ونقع ما يُنقع، قال للصائغ: أتريد أن تعمل إكسير ذهب أو فضة؟ قال: من هذا شيئًا ومن هذا شيئًا. فقال: اقسم هذه الحوائج نصفين، ثم هات ما أمكنك من الفضة والذهب حتى ننقعهما في الماء أسبوعًا ثم نسقي بهما هذه الأدوية. فأحضر له الصائغ ستمائة دينار ذهبًا وألفًا وخمسمائة درهم فضة، ووضع ذلك بين يديه، فصرَّ ذلك في صرتين ووضعهما في إنائين وسكب عليهما ماءً، ثم أقاموا سبعة أيام يخدمون تلك الحوائج، ثم قال للنصراني: اطلع إلى جبل المزة، اجمع لنا من الحصا الذي يُعرف ببزاق القمر مقدار رطل واحد، فقام الصائغ وتوجه إلى الجبل، وعمد الرجل إلى الصرتين، فأخذ ما كان فيهما ووضع في إحداهما فلوسًا ونحاسًا وفي الأخرى رصاصًا، فلما جاء الصائغ بالذي طُلِبَ منه قال له: هذا يريد يتكلس في أتون الزجاج ليلة كاملة ثم يُخدم نصفه بماء الذهب ونصفه بماء الفضة، فإذا تكلس اقسمه ثم اخدمه، وخرج لصلاة الجمعة فاستقبل الدرب ولم يطلع له خبر.

فأقام الصائغ ينتظره مدة ولم يفتح صرة الذهب ولا الفضة، فقال له ابنه: لا يكون أخذ الذهب والفضة وراح. فقال الصائغ: ما أجهلك وحق المسيح، إنه يقدر أن يجمع خزائن أموال فكيف هو محتاج إلى ذهبنا! فقال له ابنه: كن عاقلًا وافتقد الذهب وخلِّ عنك الطمع. فلم يفعل، وقال: أنت قصدك أن تفسد علينا الشغل. فعاوده ابنه في ذلك فلم يفعل، فقام ابنه خفية وفتح صرة الذهب فوجدها فلوسًا وكذلك الفضة رصاصًا، فلطما الرءوس حتى ذهبت منهما النفوس. فانظر إلى هذا الدهاء والمكر.

العجمي والملك العادل نور الدين

ومن أعظم ما وقفتُ عليه، وأظرف ما جرى للسلطان الملك العادل نور الدين بن زنكي — رحمه الله — وهو حديث يصلح أن يُكْتَبَ بماء الذهب، وذلك أن بعض الأعاجم جاء إلى دمشق، فأخذ ألف دينار مصرية فبردها برادةً ناعمة، ثم أخذ دق الفحم وأضاف إليه عقاقير مجمعة، وطحن الجميع وعجنه بغراء السمك، ثم جعله بنادق وجففها تجفيفًا ناعمًا، ثم لبس دلقًا وتزيَّا بزي الفقراء، وجعل تلك البنادق في مخلاة، ثم أتى إلى بعض العطارين فقال له: أتشتري مني هذا؟ فقال له العطار: ولأي شيء ينفع هذا؟، قال: ينفع من السموم القاتلة، ويدخل بجميع الأدوية التي تنفع للأخلاط، وله نفع عظيم غير هذا، ولولا أني قد أدركني الحج وما أقدر على حمله ما بعته، فإنه يساوي الذهب وزنًا بوزن عند من يعرفه، فقال العطار: وبكم هو؟ فقال: بعشرة دراهم. فاتفقا على خمسة دراهم، فأخذ العجمي الدراهم، وجعل العطار الطبرمك١ الخراساني في علبة عتيقة. فانظر إلى هذا الرجل ما أجسره؛ باع ألف دينار بخمسة دراهم، لقد قالوا في المثل: من خاطر بنفيس ظفر بنفيس.

فلما انفصل من عند العطار جاء إلى منزله، ولبس أحسن ما يكون من ملابس الوزراء والملوك، وجعل خلفه مملوكًا، واكترى دارًا حسنة تصلح للوزراء، وصار يخرج إلى الجامع، ويتعرف بالأكابر من أهل البلد، ويعمل السماعات ويصرف جملةً في كل ليلة، ويدعي الوصول في علم الصناعة — أي الكيميا — وأنه يقدر يعمل في يوم واحد جملةً من المال.

وشاع ذلك عنه في دمشق، فسأله الكبراء أن يعمل عندهم فامتنع، وقال: «ما أنا محتاج إلى أحد؛ فإني في يوم واحد أعمل بمقدار نعمة من يريد أن أعمل عنده، فإن كان لأجل مُلك أو بستان فأنا أقدر أشتري عشرة بساتين ومثلها دورًا، وإن كان لأجل جاه فأنا ما أعمل شيئًا عليَّ دركُهُ فإن الذي أعمله ما فيه غش ولا زغل حتى أطلب فيه جاه أحد، هذه صنعة إلهية، وقد آليت على نفسي أن لا أعمل بها إلا لملك بعد أن يعاهدني أنه لا ينفق منه شيئًا إلا في سبيل الله، فإن حصل هذا الشرط عملت، وإلا فلا سبيل لعمل شيء على غير هذا الوجه.»

فلما سمع الوزير ذلك قال: والله، هذه سعادة للمسلمين وللسلطان، والآن هذه البلاد كلها للفرنج إلى بانياس، وكل يوم تصل الغارات إلى ديارنا — ويُروى: إلى داريَّا — فإذا عمل شيئًا نفتح به البلاد فهذه نعمة عظيمة. ثم قال للرجل: أُعرِّف السلطان بالأمر؟ قال: نعم، لكني أريد أن لا تجمع بيني وبينه إلا بعد أن تستوثق منه باليمين، فقال: نعم.

ثم ركب الوزير من الغد إلى الخدمة فخلا بالسلطان، وعرفه بأمر العجمي، فقال: والله، إن لي أيامًا أفكر في شيء يكون فيه قَلع هؤلاء الملاعين من هذه البلاد، ثم رسم للوزير بإحضاره في غاية الكرامة، فأحضر له بغلة خاصة، ثم دخل على السلطان وقبَّل الأرض لدى الحضرة الشريفة، فأجلسه السلطان وأكرمه وحادثه، ثم قال له: أصحيح ما قال الوزير عنك؟ فقال: نعم يا مولانا السلطان، لكن على الشرط الذي تقرر مع الوزير. فقال السلطان: قبلنا بالشرط. ثم قال العجمي: يا مولانا، إن جميع من يدَّعون الصناعة كذابون دكاكون، وأنا شرطي معكم أني لا أمس شيئًا بيدي بل أكون بعيدًا وأقول: افعلوا كذا وكذا، ومولانا السلطان يفعل بيده أو يأمر من يفعل بحضوره. فقال السلطان: رضينا أيضًا بهذا الشرط.

فأخذ العجمي ورقةً، وكتب فيها أسماء الحوائج، وذكر أجزاء من عقاقير شتى، ثم قال: ومن الطبرمك الخراساني مائة مثقال. ثم دفع الورقة إلى استدار السلطان، فقال السلطان للوزير: أحضر هذه الحوائج. فأحضر الوزير جميع الحوائج وعجز عن الطبرمك الخراساني فلم يجده، فقال: إنه ما يوجد إلا في البيمارستان. فقال السلطان: اطلبوه من البيمارستان والحكماء. فطلبوه فلم يجدوه، فقال السلطان للعجمي: أليس شيء يغني عن الطبرمك؟ قال: لا، ولكن ما أظن أن دمشق تخلو من هذا العقار، والذي أراه أن مولانا يرسم للمحتسب أن يركب في الغد والمملوك في خدمته ومعنا شاهدان من العدول وندور على دكاكين العطارين الذين بالمدينة فنفتشها دكانًا دكانًا، فلعلنا نجد عند أحد شيئًا منه. فقال: الوزير: رأي مليح حسن. وكان المحتسب يقال له القائد، فأرسلوا إلى القائد أن يفعل ذلك.

فلما كان الغد ركب الوزير والعجمي والقائد والعدول، وسبروا الدكاكين دكانًا دكانًا حتى انتهوا إلى دكان العطار الذي باعه العجمي الطبرمك، فجعل صاحب الدكان يقدم لهم برنية بعد برنية حتى أتاهم بالبرنية التي فيها الدكة التي باعها من العجمي وسماه بالطبرمك الخراساني، فلما رآها العجمي تهلل وجهه بالفرح، واشتراها منه بشيء يسير، ثم قال العجمي: اختموا على هذه البرنية بختمكم، وابعثوا بها إلى السلطان. ثم جاءوا إلى السلطان، فقال الأعجمي: أريد من الآلات كذا وكذا. فأحضر له جميع ما أراد من الآلات، ثم جلس السلطان وحده في صفَّة، وجلس العجمي ناحية ثم قال: يا مولانا السلطان، زِنْ من العقار الفلاني كذا وكذا، ومن الشيء الفلاني كذا. ثم قال: ومن الطبرمك مائة مثقال. ولا زال يقول افعلوا كذا واصنعوا كذا مدة أيام إلى أن قال للسلطان: إن الإكسير قد انتهى شغله، فأحضروا لنا بودقة وفحمًا ومنفاخًا. فأحضروا له ذلك، ثم قال للسلطان: حط بيدك هذه الحوائج، فأخذ السلطان يعبي في البودقة من ذلك الدواء، وصار العجمي ينفخ النار إلى أن دار الذهب، فقال للسلطان: اقلب على بركة الله — تعالى. فقلب، فنزلت سبيكة ذهب مصري لا يكون أحسن منها شيء، ولا زال يقلب سبيكةً بعد سبيكة حتى فرغ الدواء، ثم اعتبروا ذلك فوجدوه ألف دينار، ففرح السلطان بذلك فرحًا شديدًا، وأكرم العجمي إكرامًا زائدًا.

ثم قال السلطان: أما تعمل لنا من هذا شيئًا آخر؟ فقال: السمع والطاعة، أحضر لي من هذه العقاقير، وأنا أعمل ما أراد مولانا السلطان. فطلبوا الطبرمك فلم يجدوه، فسأل السلطان عنه العجمي فقال: «إنه نبات ينبت بأراضي خراسان — ويُروى أنه معدن في الجبل في مغارة — وهو رخيص الثمن جدًّا، فإذا رسم مولانا السلطان أن يُحمل له ألف حمل وُجد ذلك، وأنا دخلت إليها وحملتُ من ذلك شيئًا كثيرًا، وعندي في داري نحو قنطار.» فلما سمع السلطان قال: والله ما نجد من يروح يحضر لنا من هذا العقار أخبر منك، وإن تعذر تحصيل ذلك من منابته ومظانه حضرت لنا الذي عندك، وأنا أكتب معك إلى سلطان خراسان بمساعدتك، ومنع من يتعرض إليك. فتمنع العجمي، وقال: إن رأى مولانا السلطان أن يبعث غيري فليفعل؛ فإن نفسي قد طابت في دمشق وفي خدمة الحضرة الشريفة. فقال: لا بد من رواحك فإن لك في ذلك أجرًا عظيمًا. ولم يزل يسأله حتى أنعم بالسفر، فجهزه بستين حمل قماش منها شرَب — أي كتان — عمل تنيس ودمياط، ومنها عمل الإسكندرية، وغير ذلك، وأعطاه خيمًا ومطبخًا وفراشين ونفقة إلى بغداد، وأوصاه إذا وصل إليها أن يبيع ما معه ويتسفر إلى العجم، وكتب معه كتبًا إلى سائر البلاد بالكرامة والخدمة، وراح في نهاية ما يكون من التعظيم، وخرج معه السلطان وجميع أرباب الدولة فودعوه، وسافر وقد ظفر بالإكسير الأعظم، ولم يطلع من بعدها له خبر. فانظر إلى مكر هؤلاء القوم، وكيف يتوصلون إلى أخذ أموال الناس بالحيل. أبعدنا الله وإياكم عنهم وعن هذه الأفعال، وأجارنا الله وإياكم من الفتن والأحوال.

ومن أظرف ما في هذه القصة، أنه كان بمدينة دمشق رجل يكتب أسماء المغفلين والمُحارَفين، فسمع بهذه القضية وعلم باطنها، فلما تحققها كتب على رأس جريدته: «نور الدين محمود بن زنكي رأس المُحارَفين.» فشاع ذلك في دمشق، ولم يعلم أحد باطن الأمر إلا أنهم يقولون إن فلانًا كتب عن السلطان كيت وكيت، فاتصل خبره بالسلطان فقال: وما حمله على أن يكتب اسمي مع المغفلين؟! هاتوه. فنزلت الجنادرة وقالوا له: كلم مولانا السلطان. فأخذ الجريدة في كمه ومشى معهم، فلما وقف قدام السلطان قال له: أنت فلان؟ قال: نعم. قال: وأنت تكتب أسماء المحارَفين؟ قال: نعم. قال: وكتبتني في جريدتك؟ قال: نعم وهذا اسمك. ثم أخرج الجريدة فأراه اسمه فيها، فقال السلطان: وما الذي رأيت من حِرافي حتى كتبتني؟ فقال: كيف لا أكتبك وقد جاء رجل نصاب، غشك ودك عليك ألف دينار أخذ بها أموال المسلمين، وراح ليجيء لك بالطبرمك؛ فهل يكون حراف أبلغ من ذلك. فلما سمع السلطان كلامه قال له: كأنَّا به وقد جاء ومعه الطبرمك فيعمل منه أموالًا لا تُحْصَى. فقال: يا مولانا السلطان، إن جاء محوتُ اسمك وكتبت اسمه. فضحك السلطان ورسم له بنفقة وراح، فكان كلما أفلس أخذ الجريدة ووقف على باب القلعة، فإذا ركب السلطان فتح الجريدة، فيقول: ما جاء العجمي وهذا اسم مولانا السلطان. فيضحك السلطان ويرسم له بشيء، فيأخذه ويروح، وأقام على ذلك مدة حياة السلطان، وما جاء الطبرمك!

قصة الصيرفي الهندي المحتال

ومن أعجب ما جرى لي في البلاد الهندية، أني رأيت هناك رجلًا صيرفيًّا يُدْعَى عفيف الدين، كان عليه من الحشمة أمر عظيم، وجميع التجار ترد عليه، وتودعه أموالها وتستدين منه، فترقبت حركاته وسكناته، فرأيت أنه صنع شيئًا لم يُسبق إليه، وذلك أنه اتخذ خاتمًا بفص عليه نقش، فداومت الجلوس عنده، وأطلت النظر إلى ذلك الخاتم، فرأيته إذا قبض الذهب من التاجر جعل فص الخاتم من وراء لسان الميزان من جهة الصنج، وإذا دفع إلى التاجر ذهبه حول الخاتم إلى قدام اللسان، واللسان يلعب لعبًا زائدًا كلما قرب الخاتم إليه، فعلمت أن في الخاتم شيئًا من الدك، ولم أزل أذكر ذلك وأتعجب منه وأفكر فيه، فلم يظهر لي وجه الحق، حتى كان يوم من الأيام وأنا عنده إذ تطاير شيء من فص الخاتم، فنظرته فإذا هو من حجر المغناطيس، فقلت: هذا دك لم يُسبق إليه. فإن الصيرفي كان إذا قبض الذهب أدار الخاتم إلى ناحية الصنج؛ فيأخذ لسان الميزان إليه ويمنعه من الزوال بمقدار ما يحب من جذب الحجر، فيكون في الوزنة زيادة مثقال وأكثر، فلما علمتُ ذلك خلوتُ بالرجل وقلت له: «والله قد درت البلاد وكشفتُ أسرار الناس فلم أجد أحدًا سبقك إلى هذا يا عفيف الدين، ولكن بئس العفيف أنت.» فلما علم أني كشفت سره خجل وخاف، وقال لي: سيدي، الحر من ستر عيوب الناس، ومن شيم الكرام كتمان السر، وإن لهذا الخاتم في يدي منذ خمس وعشرين سنة وما علم سره غيرك، فها هو مني هبة إليك. فقلت: لا أُطلع عليه أحدًا في هذا الإقليم. وتمثلت بقول الحريري (في مقامته السمرقندية): «فنزَّلته منزلة الفُضَيل، وسدلتُ الذيل على مخازي الليل.» فعند ذلك تهلل وجهه فرحًا، ومال إلى صندوق فأخرج منه صرةً، وقال لي: يا سيدي، أشتهي أن تقبل مني هذه النفقة تستعين بها في هذا الوقت، وقسم بالله أن لا بد من ذلك، فأخذتها على وجه الهدية. ولما رجعتُ إلى منزلي فحصتُ الصرة فإذا فيها خمسون مثقالًا — ويُروى: خمسون دينارًا مسعوديًّا — وصرت أتردد إليه، وبقيت عنده أعز من أصحابه، وعرَّفني بكبار البلد، فصرتُ كواحد منهم.

١  الطبرمك: ويقال الطرمك لعظمة فارسية، لنبات، وقيل لمعدن وهمي كان يزعم أصحاب الكيميا القديمة أنه يدخل في استحضار الإكسير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤