الفصل الثاني عشر

المدوَّنات: مواقع إلكترونية باسم آخر

جمهورك هو قارئ واحد. لقد وجدتُ أنه في بعض الأحيان من المفيد أن ينتقي المرءُ شخصًا واحدًا — شخصًا حقيقيًّا يعرفه، أو شخصًا خياليًّا — ويكتب له.

جون ستاينبيك
إنَّ كلمة Blogs (مدونات) نفسها لا توحي بالثقة تمامًا، ولكنها اللفظة الاقترانية التي تحصل عليها من دمج كلمتَي (شبكة web) و(سجل log). (اللفظة الاقترانية هي كلمة تشكَّلت من خلال دمج كلمتين لتكوين كلمة واحدة تُستخدَم بدلًا منهما.) ولعلَّ الاسم هو ما أَبْعَدَ الشركات عن تبني المدونات في وقتٍ مبكر كوسيلة سريعة منخفضة التكلفة للنشر اللحظي على الإنترنت.
إذا كنت لا تدرك تمامًا ماهية المدوَّنة، فإليك تعريفها:
  • المدوَّنة هي نوعٌ من المواقع الإلكترونية.

  • لها نظام إدارة محتوى سهل الاستخدام.

  • يسمح لك هذا النظام بنشر «المنشورات» على الإنترنت على الفور.

  • ويعرضها من الأحدث إلى الأقدم.

كما يمكِّنُك برنامجُ المدوَّنة من إنشاء صفحاتٍ ثابتة ﻟ «مَنْ نحن؟» أو أيِّ محتوًى مهم آخر. وطريقة ترتيب المدوَّنة للمحتوى تجعلها جيدة للغاية مع محركات البحث وتمكِّن المستخدمين من التصفح من خلال علامات تبويب التاريخ أو الفئة أو المحتوى. وتتيح معظم برامج المدوَّنات أيضًا سهولة دمج عناصر واجهة المستخدم التي تتيح المشاركة الاجتماعية وتحليلات عدد الزيارات والدعاية.

كان من أوائل المهنيين الذين انتقلوا إلى ثورة التدوين — وعلى نحو غير مستغرب كثيرًا — الكتَّاب والصحفيين. في البداية، سَخِرَ الكثيرون من المدونين الأوائل بالقول إنهم ليسوا سوى «رجال يرتدون ملابس النوم يعيشون في الطابق السفلي في منزل والديهم.» ومع ذلك، ساعدت مجموعة متزايدة من المدونين المحترفين في ترسيخ أهمية القناة وقدرتها على البقاء.

أندرو سوليفان (@SullyDish) أحدُ هؤلاء المدونين الأوائل، الذي جعل مدونته «ذا ديلي دِش» (المسماة الآن «ذا دِش») واحدة من المدونات السياسية الأكثر قراءة والأكثر تقديرًا على شبكة الإنترنت. وبتأمُّل ما أثار حماسته في البداية حيال التدوين، قال أندرو:
كانت تجربتي البسيطة التي استطعت فيها بث كلماتي مباشرة للقُرَّاء بمنزلة نوع من التحرُّر الأدبي السار. وعلى عكس الجيل الحالي من الكُتَّاب، الذين لم يكتبوا على مدوَّنات قط، كنت أعرف عن كثبٍ ما يعنيه البديل. كنت محرِّرًا في مجلة أسبوعية مطبوعة — ذا نيو ريبابليك — لمدة خمس سنوات، وكتبتُ أعمدة ومقالات لا تعد ولا تحصى لمجموعة متنوعة من وسائل النشر التقليدية. وفي هذا كله، كثيرًا ما انزعجت — مثلما يحدث مع معظم الكُتَّاب — بسبب التأخير الذي لا نهاية له والمراجعات والسياسات المكتبية ومعارك التحرير والحذف في اللحظات الأخيرة بسبب المساحة التي تفرضها المنشورات المطبوعة. ومقارنةً بذلك، كان التدوين — حتى لجمهوره المكوَّن من مئاتٍ قليلة في أيامه الأولى — يحقق قدرًا من الحرية تنتشي له النفس حتى الثمالة.1

من المثير للاهتمام أنَّ معظم المسوقين ربما يتعاطفون مع آلام أندرو حيال النشر في بدايات القرن الحادي والعشرين؛ بسبب أن إبداعهم في كثير من الأحيان كان يُعَرْقَل عن طريق برامج حماية بوابات تكنولوجيا المعلومات التي تتولى حماية المواقع الإلكترونية للشركات مثل برنامج فورت نوكس. وهذا الصراع بين التسويق وتكنولوجيا المعلومات لا يزال محتدمًا وعلى أُشدِّه في بعض المؤسسات، لكنه كان واضحًا على نحو خاص في ذلك الوقت نظرًا لعدم وجود نُظم إدارة محتوًى سهلة الاستخدام للمواقع الإلكترونية. ونتيجةً لذلك، كانت المواقع في كثير من الأحيان مُبْتَذَلة ولا إنسانية، نادرًا ما تسمح لشخصية الشركة — والموظفين الأكثر تحمسًا فيها — بالتألق.

أتاحَ ظهور منصات التدوين مثل بلوجر (@Blogger) وَوورد برس (@WordPress) لهذه الأصوات الخبيرة المتحمسة في الشركات الإمكانية لتكثيف أفكارهم ونشرها بطرق يتصلون فيها شخصيًّا بالمستهلكين. وكانت شركة ماكروميديا (التي اشترتها لاحقًا أدوبي) إحدى أُوليات الشركات التي تَبَنَّت هذا النهج، حيث استخدمت مدوَّنتها لتوفير منتدًى ﻟ «مديري المجموعة» لمناقشة المنتجات الجديدة مع المطوِّرين وعرض الميزات الجديدة والإجابة عن الأسئلة. وساعد استقلال المدونة عن موقع Macromedia.com في جعلها تبدو أكثر استقلالية وأقل ارتباطًا بالشركة وأكثر إنسانية بكثير.2

وكان الجمهور الأساسي الذي تخدمه المدونة في ذلك الحين وحتى الآن هو «الباحثون»؛ الأشخاص الذين يبحثون عن معلوماتٍ عن شركتك ومنتجاتك وخدماتك. ولكن، كما سيخبرك أي شخص مدوِّن، فإن الاعتماد فقط على توجيه الزيارات من محركات البحث للحفاظ على مدونتك يُمَثِّل فشلًا محقَّقًا؛ حيث إن ذكرى موقعك تتلاشى وتتغيَّر خوارزميات الترتيب لدى جوجل.

أُنشِئَت المدونات «للباحثين» المتحمسين على المدى الطويل ليصبحوا «مشتركين» عبر البريد الإلكتروني وخدمة آر إس إس، فبدلًا من الاضطرار إلى الاعتماد على «الباحثين» في تذكر زيارة مدونتك، يمكنك دفع «المشتركين» إلى هناك من خلال إشعاراتٍ آلية بالمنشورات الجديدة. وتخدم الآن قنوات التواصل الاجتماعي الغرضَ نفسه، فتُحَوِّل «الباحثين» إلى «مُرَوِّجين» من خلال النقر على زر «إعجاب» أو «مشاركة» أو «تعليق» أو «تغريد» أو «تثبيت» أو «جوجل بلَس» أو «ستامبل». ويمكن للمدونات أيضًا بناء جمهور مباشر من «المعجبين» و«المتابعين». وفي الواقع، بينما أكتب هذا، تمتلك مدونة «ذا دِش» لأندرو سوليفان ٩٧٣٧٩ «متابعًا» على تويتر و٢٠٩١١ «معجبًا» على فيسبوك، وكلاهما جماهير خاصة من «المنتسبين» يستطيع أندرو دفعهم إلى إعادة زيارة مدونته من خلال تحديثٍ سريع للحالة أو تغريدة في توقيتٍ جيد.

تمبلر: تطبيق المدونات الاجتماعية الهجين الذي يساوي مليار دولار

إنَّ تمبلر خدمةٌ يصعب تحديد ماهيتها؛ فهو تطبيق مدونات سحابي، وشبكة اجتماعية تتيح لك التواصل والتفاعل مع مستخدمي تِمبلر الآخرين. كما أن ياهو استحوذت عليه في مايو ٢٠١٣ مقابل ١٫١ مليار دولار تقريبًا.

كان تمبلر هدفَ استحواذٍ جذابًا في أوائل عام ٢٠١٣ لأن مستخدميه أنشئوا أكثر من ١١٢٫٤ مليون مدونة و٥٢ مليار منشور، في حين قضوا أكثر من ٢٤ مليار دقيقة شهريًّا على الموقع.3 ويمكن أن يكون تمبلر إضافة جذَّابة إلى استراتيجية «تنمية جماهيرك الخاصة» إذا كنت تبحث عن شيءٍ يقدم مزيجًا من الأفضل: من المدوَّنات ووسائل التواصل الاجتماعي، فكما يشير تمبلر نفسه:

يمكِّنُك تمبلر من مشاركة أي شيءٍ دون جهد. انشر نصوصًا، وصورًا، واقتباساتٍ، وروابط، وموسيقى، ومقاطع فيديو من متصفحك، أو مجلد الصور، أو كمبيوتر مكتبي، أو من البريد الإلكتروني أو من أي مكان يتصادف وجودك فيه.

قدَّم تمبلر التدوين في عصر الأجهزة المحمولة من خلال تطوير تطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية سهلة الاستخدام التي تمكِّنك من التدوين من أي مكان، وعن طريق السماح للزملاء المسجَّلين على تمبلر بمتابعة بعضهم بعضًا. وهذا، جنبًا إلى جنب مع القدرة على نشر محتوى تمبلر على قنواتٍ أخرى (عبر فيسبوك وتويتر وقنوات المشاركة الأخرى) وسحب محتوًى إلى تمبلر من قنواتٍ أخرى (مثل تويتر وإنستجرام)، حرَّر المبدعين للتدوين وترويج مدوناتهم بأي شكل من الأشكال يرونه مناسبًا.

الأمرُ المجهول للغاية حيال تمبلر هو كيف سيكون رد فعل مستخدميه تجاه جهود ياهو! للتربُّح من الخدمة. إذا تقبَّلوا ذلك، فربما يتحوَّل تمبلر إلى بيئة متكاملة لبناء «الباحثين» و«الْمُرَوِّجِين» و«المنتسبين» عن طريق الدعاية المجانية والمدفوعة على حدٍّ سواء. أما إذا لم يتقبلوا ذلك، فيمكن أن يصبح تمبلر شبيهًا بموقع GeoCities، الذي استحوذت عليه ياهو! مقابل ٣٫٥٧ مليارات دولار عام ١٩٩٩، ثم أغلقته عام ٢٠٠٩.4 والوقت وحده كفيلٌ لأن يخبرنا بما ستئول إليه الأمور.

إذا كان لديك أو لدى زملائك أو لدى المديرين التنفيذيين أيُّ مخاوف حيال «الطريقة الصحيحة للتدوين»، فاطمئن إلى أنه لا توجد طريقة بعينها صحيحة. ألقِ نظرة سريعة فحسب على هذه المدونات وسترى أنها مختلفة كلَّ الاختلاف:

السلع الاستهلاكية

القطاع المالي

قطاع الأغذية

القطاع الصناعي

قطاع النشر

القطاع العقاري

قطاع البيع بالتجزئة

قطاع البرمجيات

قطاع السفر

يمكن أن تكون المدونات طريقة رائعة لبناء «الباحثين»، و«الْمُرَوِّجِين»، و«المنتسبين» عبر المحتوى الذي تصنعه وتتحكَّم فيه. ولكن احذر؛ فهي تتطلب التزامًا؛ فعدم امتلاك مدونة على الإطلاق أفضل من امتلاك مدونة لم تُحدَّث منذ سنوات؛ فقد يتسبَّب هذا في صَدِّ «الباحثين» عن المعلومات الحالية خشية تقادمها.

لمحة عن المدونات
أول ظهور يُنسَب إلى جاستن هول (@jah) إنشاءُ أولِ مدونة (Links.net) عام ١٩٩٣، ومع ذلك، لم يُصَغْ مسمَّى web log حتى عام ١٩٩٧ أو يُختصَر إلى blog إلا عام ١٩٩٩.
الجماهير الخاصة «الباحثون» وكذلك «الْمُرَوِّجِون» و«المنتسبون». وسيلة فعَّالة للغاية في بناء «المشتركين» و«المعجبين» و«المتابعين».
الجهد المطلوب متوسط إلى كبير اعتمادًا على حجم إنتاج المحتوى.
الجهة المالِكة للبيانات أنت مَنْ تملك كلَّ المحتوى الذي تنشره على مدونتك ما لم ينص برنامج الخدمة على خلاف ذلك.
خدمات التدوين بلوجر (مملوكة لجوجل)، وكومبينديوم، ولايف جورنال، وتايب باد، وتمبلر (مملوكة لياهو!)، وويبلي، وَوورد برِس، وغيرها.
المستخدمون في أنحاء العالم من الصعب — إنْ لم يكن مستحيلًا — تحديد عدد المدوِّنين وقُرَّاء المدونات. ويكفي أن نقول إن المدونات تحظى بمدى الوصول المُحتمَل نفسه الذي يحظى به أيُّ موقع إلكتروني؛ أي لجميع مستخدمي الإنترنت.
المهارات المطلوبة أساسيات كتابة النصوص البرمجية والكتابة والتصميم وتحسين محركات البحث.
حُرَّاس البوابة الإعلامية محركات البحث (جوجل في المقام الأول).
نقاط القوة توفر المدونات توزيعًا لحظيًّا في كل أنحاء العالم لأي محتوًى، بما في ذلك النصوص والصور ومقاطع الصوت والفيديو.
برامج المدوَّنات سهلة الاستخدام تجعل من الممكن لأي شخص — سواء كان تقنيًّا أم لا — أن يُنشئ مدونة.
البنية الخطية للمنشورات (الأحدث إلى الأقل حداثة مع ظهور عنوان المنشور والوسوم والروابط) تجعل المحتوى ملائمًا للغاية لمحركات البحث.
من السهل دمج نماذج الاشتراك في رسائل البريد الإلكتروني وخدمات آر إس إس فضلًا عن عناصر واجهة الاستخدام في وسائل التواصل الاجتماعي لتمكين الإعجاب والتغريد والمشاركة.
التحديات في حين يمكن لأي شخص إنشاء مدونة، فلا يوجد كثيرون ينشرون تدويناتٍ بالوتيرة والجودة اللازمتين لتنمية جمهور «الباحثين».
في حالة عدم تنمية جمهور من «المنتسبين» في مدونتك (خاصةً مشتركي البريد الإلكتروني وخدمة آر إس إس)، فإن مدونتك تعتمد على أهواء واهتمامات «الباحثين» القادمين إليها مباشرةً ومن محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤