الفصل العشرون

المدونات الصوتية: الإنصات جيدًا

قبل بضع سنواتٍ كنت أخطط لقتل نفسي في مرآبي، أما الآن فإنني أفعل أفضل شيءٍ فعلته في حياتي في المرآب نفسه؛ بثُّ مدونة صوتية. هل تعرف ما المدونات الصوتية؟1
مارك مارون
لكوني مُشغِّل أسطواناتٍ سابق عبر الإذاعة (إذ كان يعمل في محطة دابليو أوه إكس واي @WOXY العزيزة التي أغلقت)، كنت دائمًا ضعيفًا حيال المدونات الصوتية (البودكاست). ظهرت المدونات الصوتية نتيجة قوى رَقْمَنَة الملفات الصوتية (ملفات إم بي ثري)، وتوزيع آر إس إس، وإطلاق أبل لأجهزة آي بود، ونشرت المحتوى الصوتي على نحو لم يسبق له مثيل، فبدلًا من الحاجة إلى الحصول على وظيفة في محطة إذاعية للوصول إلى الجماهير، يمكنك فعليًّا أن تسجِّل برنامجًا في مرآبك الخاص وتوزعه مجانًا على ملايين «المستمعين» عبر آي تيونز.

بطبيعة الحال، فإن المشكلة هنا هي نفسها التي تواجهها مع أي جماهير خاصة: يستغرق بناء «المستمعين» و«المشتركين» في المدونات الصوتية وقتًا طويلًا. إذا لم تستثمر الوقت (وأحيانًا المال) في هذا الجهد، فإنك قد أنشأت مدونة صوتية لا يسمعها أحد، وهذا لا قيمة له بالنسبة إلى شركتك.

قد يرى البعضُ المدونات الصوتية أثرًا قديمًا باليًا من ويب ١٫٠، ولكن القناة شهدت نهضة تامة في الآونة الأخيرة كما يتضح من نجاح الممثل الكوميدي مارك مارون (@MarcMaron) الذي تحوَّل إلى بث المدونات الصوتية. كان مارك — المحنَّك في الكوميديا الارتجالية — في إحدى فترات التوقف التي تتخلَّل عمله عندما أطلق مدونته الصوتية دابليو تي إف (@WTFpod) من مرآبه في سبتمبر ٢٠٠٩. لم تكن لديه خطة، ولكنه كان يرغب في فعل شيءٍ فحسب.2
وبعد أكثر من ٤٠٠ حلقة، تحوَّل هذا «الشيء» إلى لحظة فارِقة في حياة مارك المهنية. في الوقت الذي هُرِعَ فيه الآخرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، اختار مارك هذه الوسيلة — التدوين الصوتي — حيث يمكن أن يسطع فيها حسه الفكاهي ومهاراته في إجراء المقابلات وصداقاته مع المشاهير. وبينما زادَ جمهوره المخلص، زادت أيضًا فرصه المهنية، وبلغت ذروتها في برنامجه التليفزيوني الأول «مارون» على قناة آي إف سي (@IFC)، ونشر سيرته الذاتية «محاولة أن تكون عاديًّا» في ربيع عام ٢٠١٣.

ما أبهرني في نجاح مارك هو أنه قضى حياته المهنية كلَّها في السعي وراء الجماهير في نوادي الكوميديا وفي المهرجانات وفي الإذاعة والتليفزيون. ولكن لم يحظَ بأي من هذه الجماهير، حتى بدأ في بناء «المستمعين» و«المشتركين» في مدونته الصوتية؛ فعلى غرار جميع العاملين في مجال الكوميديا الارتجالية، كان مارك حقًّا رجل أعمال مغامرًا، والآن، وبفضل الإنترنت، فإنه يبني جماهير خاصة لا تختفي عندما ينزل عن المسرح.

لذا، لا تزال المدونات الصوتية قناة نشطة للغاية تستطيع من خلالها بناء جماهير خاصة. ويعتمد مدى ملاءمتها لك على:
  • قدرتك على إنتاج محتوًى صوتي قَيِّم عالي الجودة.

  • تنشره وفقًا لجدول زمني ثابت.

  • ويخدم احتياجات المستمعين.

  • الذين لديهم الوقت والرغبة في تحميله والاستماع إليه.

تمثل هذه المتطلبات ضرورةً أكبر في المدونات الصوتية عما في العديد من القنوات الأخرى التي ناقشناها؛ وهذا لأن المدونات الصوتية لا تُنشأ بضغطة زر، وإنما يستغرق إنتاج المدونة الصوتية وتوزيعها وقتًا ويتطلب موهبة ودهاءً تسويقيًّا. ومع ذلك، فإنها يمكن أن تساعدك في:
  • إعلام «العملاء الحاليين» و«العملاء الْمُحتمَلين» بالمحتوى عند الطلب.

  • تجهيز تدريب ميداني للموظفين.

  • الاستفادة من «المؤثرين» في مجالك من خلال المقابلات.

  • توصيل الخبرة التي تتمتع بها شركتك في اختصاص معين (القيادة الفكرية) إلى «الباحثين».

للتدوين الصوتي جاذبية خاصة في قطاعات التسويق بين الشركات نظرًا لطبيعته المتنقلة وتقديمه عند الطلب. ولقد رأيت هذا على نحو مباشر بفضل مشاركتي في الاستضافة على مدونة سوشيال بروس بودكاست الصوتية مع جاي باير (@JayBaer).3 بدأ جاي التدوينات الصوتية الأسبوعية عام ٢٠١٢ كوسيلة لتقديم «رُؤًى حقيقية من خبراء وسائل التواصل الاجتماعي الفعليين.» واكتشفَ أن المرءَ إذا كان ينوي بثَّ مدونة صوتية، فيتعيَّن عليه:
  • البحث عن قنوات توزيع متعددة ﻟ «المستمعين» و«المشتركين»؛ حيث إن آي تيونز لا يحتكر سوق المدونات الصوتية.

  • زيادة وصول المدونة الصوتية على المدى الطويل إلى «الباحثين» من خلال كتابة كل تدوينة صوتية وتحويلها إلى منشور على مدونة عادية.

  • استخدام المقابلات لبناء علاقات مع «الأشخاص المؤثرين» حيث إنهم يضخمون قيمة مدونتك الصوتية لدى جماهيرهم الخاصة (وسائل إعلام مكتسبة).

  • ترويج المدونة الصوتية لدى جميع جماهيرك الخاصة.

  • عرض الشيء نفسه على المشاركين في المدونة الصوتية (بمعنى أن يصبحوا «مُرَوِّجين»).

لذلك، إذا كنت تمتلك «صوتًا رائعًا» أو كنت تتمتع بالمهارات التي تؤهلك للعمل عبر محطات الإذاعة، فربما يستحق الأمر منك أن تضع التدوين الصوتي في اعتبارك. تأكَّد فحسب أن لديك جمهورًا مستهدفًا يتوفر لديه الوقت من ناحية (سائقين أو مسافرين أو أي أشخاص يتعيَّن عليهم الجلوس والانتظار)، وجهاز محمول للاستماع في ناحية أخرى (جهاز آي بود أو هاتفًا ذكيًّا أو ما شابه).

كل المدونات الصوتية موضع تقدير واحترام

وفقًا لمركز بيو للأبحاث، يعرف نحو ٤٦ بالمائة من البالغين في الولايات المتحدة ماهية التدوين الصوتي، و١٨ بالمائة يستمعون إلى أخبار المدونات الصوتية، في بعض الأحيان على الأقل.4 وفي ديسمبر ٢٠١٢، كان يوجد ٩١٧٠٠ مدونة صوتية؛ بزيادة حوالي ٣١ بالمائة عمَّا كان موجودًا في نهاية ٢٠٠٩.5 إذن، يأخذ الوعي بالمدونات الصوتية ومعرفتها منحنًى ثابتًا، وتبلغ نسبة المستمعين أقل من ٢٠ بالمائة، ويجري إنتاج مزيد من المدونات الصوتية كلَّ يوم.
تبدو المدونات الصوتية وكأنها قناة صعبة، أليس كذلك؟ حسنًا إنها كذلك، ولكن ربما تظل قناة رائعة بالنسبة إلى شركتك. تأمَّل فحسب ما تفعله الإذاعة الوطنية العامة (@NPR). فمن خلال الترويج والإنتاج المستمر للمحتوى الجيد، زاد إجمالي عدد التنزيلات الشهرية لمدونتها الصوتية في ٢٠١٢ إلى ٢٩٫٣ مليون عملية تنزيل، مرتفعًا بذلك عن ٢٨ مليون شهريًّا عام ٢٠١١ و٢٣٫٣ مليون عام ٢٠١٠.

تعتبر الإذاعة الوطنية العامة شبكة إذاعية، ولكن نمو «مستمعيها» يشير إلى حقيقة أن جماهير المدونات الصوتية لا يزالون موجودين إذا أنتجتْ محتوًى ذا قيمة وروَّجتْ له. والسؤال الذي يجب أن تجيب عنه هو ما إذا كان لدى شركتك الوقت والموهبة والالتزام اللازمة لإنشاء مدونة صوتية يريدها الناسُ ويستهلكونها أم لا.

لمحة عن المدونات الصوتية
الظهور الأول شَهِدَ عام ٢٠٠٣ أول ترخيص بثٍّ يعتمد على التلقيم لملفات إم بي ثري، ولكن لم يُصَغْ مصطلح «التدوين الصوتي» حتى عام ٢٠٠٤.*
الجماهير الخاصة «المستمعون» و«المشتركون». ويمكن للمدونات الصوتية نفسها أن تُحَفِّز نمو جماهير «الباحثين» و«الْمُرَوِّجِين» و«المنتسِبين»، بعددٍ كبير من الطرق.
الجهد المطلوب متوسط إلى عالٍ اعتمادًا على حجم إنتاج المحتوى.
الجهة المالِكة للبيانات تمتلك خدمات تقديم المدونات الصوتية (مثل آي تيونز) معلومات المستمعين وبيانات الاستماع. وربما تُتاح لأصحاب المدونات الصوتية مستويات وصول متفاوتة إلى تلك المعلومات وفقًا لمُقدِّم الخدمة. ومع ذلك، يسمح لك تضمين مُشغِّل ملفات التدوين الصوتي بتتبع نشاط الاستماع عبر مقدِّم خدمة التحليلات.
المستخدمون على مستوى العالم من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تحديد عدد أصحاب المدونات الصوتية والمستمعين في كل أنحاء العالم. ويكفي أن نقول إن المدونات الصوتية تحظى بمدى الوصول الْمُحتمَل نفسه مثل أي موقع إلكتروني؛ وهو الوصول إلى جميع مستخدمي الإنترنت وأي منهم على حِدَة.
المهارات المطلوبة موهبة الإلقاء الإذاعي وإنتاج المحتوى وتسجيل الملفات الصوتية وتحرير الملفات الصوتية ومهارة التحميل أو كتابة النصوص البرمجية لأغراض النشر على الإنترنت.
حُرَّاس البوابة الإعلامية لا يوجد حُرَّاس للبوابة الإعلامية في حالة التدوينات الصوتية المستضافَة على مدوناتٍ أو مواقع إلكترونية. إذا جرى بثُّها، فإن شبكات التوزيع تكون بمنزلة حُرَّاس البوابة الإعلامية (على سبيل المثال، أبل آي تيونز أو Stitcher.com).
نقاط القوة توزيع فوري في كل أنحاء العالم للمحتوى الصوتي.
يسمح لك المحتوى الصوتي المُسجَّل في حلقاتٍ بالتواصل مع «المستمِعين» بطريقة ذات طابع شخصي وبشري أكبر من طريقة تواصل المحتوى المكتوب وحده.
يمكن تحميلها واستهلاكها من قِبل «المُستمِع» خارج نطاق الإنترنت.
يستطيع جمهور «الباحثين» الوصول إليها عن طريق محركات بحث مخصَّصة مثل جوجل وكذلك عبر شبكات التوزيع مثل آي تيونز.
توفر صلة أكبر من الأُلفة مع مُنتِج المحتوى عمَّا توفره الكلمات المكتوبة.
التحديات يتطلب الاستماع إلى محتوًى صوتي التزامًا أكبر من قراءة المحتوى نفسه.
كما هي الحال مع المدونات المكتوبة، تتطلب أفضل المدونات الصوتية التزامًا بإنتاج المحتوى على أساسٍ منتظم. وأولئك الذين لا يمتلكون هذا التركيز سيواجهون صعوباتٍ فيما يخص زيادة عدد «المشتركين» وفرص الظهور في نتائج البحث.
Stephanie Ciccarelli, “History of Podcasting,” Voices.com, accessed August 6, 2013, http://www.voices.com/resources/articles/podcasting/history-of-podcasting.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤