جولة في مدارس اليمن

لما كان عطوفة الأمير شكيب قد تناول بحث المعارف في بلاد اليمن بصورة مجملة، ولما كان ناشر هذا الكتاب ومنشئ الجزيرة قد قام برحلة إلى تلك البلاد وطاف في مدارس صنعاء؛ فقد رأينا — إتمامًا للبحث — أن نضيف إلى محاضرة الأمير ما نشره منشئ الجزيرة عن جولته في مدارس اليمن:

إن الذين يقولون بأن المدارس مفقودة في بلاد اليمن، يهرفون بما لا يعرفون؛ إذ يبلغ عدد المدارس في تلك الجهات نحو ٢٠٠ مدرسة بين مدارس صغيرة وكتاتيب، وكلها مرتبطة رأسًا بالحكومة، وبعضها مؤلف من ثلاثة صفوف وبعضها من أربعة.

نعم؛ إن هذه المدارس لم تبلغ مستوى المدارس الحديثة في هذه البلاد بسبب فقدان الأساتذة الأكفاء، ولكن حركة بسيطة تقوم بها حكومة جلالة الإمام لا بد من أن تؤدي إلى تكوين نهضة ثقافية واسعة النطاق.

وفوق ذلك فإن في صنعاء عدة مدارس كبرى، أذكر منها: المدرسة الحربية، ودار المعلمين، ومدرسة الأيتام، والمدرسة الزراعية، ومدارس الصناعة، ومدرسة الإصلاح، والكلية العلمية.

والطلاب في جميع مدارس اليمن لا ينفقون على الدراسة، بل إن أكثرهم يأكل وينام ويلبس على حساب الحكومة، وهذه مأثرة خالدة نسجلها لجلالة الإمام.

وقد التمست من سمو وزير المعارف أن يسمح لي بزيارة مدارس صنعاء، فأذن لي بذلك، وأرفقني بالشيخ يحيى النهاري وكيل مديرية المعارف، وهو شاب يماني ذكي ونشيط.

مدرسة الأيتام

وقد بدأنا أولًا بزيارة مدرسة الأيتام التي تُعتبَر من أرقى مدارس اليمن، وهي مؤلفة من سبعة صفوف، ستة منها ابتدائية، وواحدة ثانوي، وجلالة الإمام ينفق على هذه المدرسة من جيبه الخاص ويدخل في باب النفقات: الطعام واللباس والنوم وغير ذلك. ويبلغ عدد طلابهما ٣٠٠ طالب أكثرهم من الأيتام.

وقد استقبلنا مديرها الشيخ محمد تقي، وأخذ يطوف بنا على غرف التدريس، وقد فحصت بعض الطلاب وألقيت عليهم عدة أسئلة في التجويد والعلوم الدينية والحساب والجغرافيا والتاريخ والقواعد العربية، فوجدتهم — رغم رداءة طرق التدريس المتبعة عندهم — على جانب عظيم من الذكاء وحسن الاستعداد لتلقف أنواع العلوم.

بيد أنني أرى من واجبي إرضاءً لضميري وتنبيهًا لحكومة جلالة الإمام أن أدوِّن فيما يلي الملحوظات الآتية:
  • (١)

    إن الطلاب يحفظون دروسهم عن ظهر قلب دون أن يتدبروا معاني ما يحفظون.

  • (٢)

    بعض التلاميذ كانوا يجلسون على الأرض لعدم وجود مقاعد كافية.

  • (٣)

    يظهر أن العهد التركي ترك في المدارس بعض الاصطلاحات غير العربية، وقد رأيتها متداولة ومستعملة في المدرسة؛ نحو: يوقلمة «تفقد»، نوبتجي «مناوب»، فايدوس «فرصة». وقد نبهتُ مدير المدرسة إلى الكلمات العربية التي تقابل تلك المصطلحات الأعجمية فوعد باستعمالها.

  • (٤)

    لعل من أغرب ما شهدت في هذه المدرسة أن بعض التلاميذ كانوا مُقيَّدين بالسلاسل من أرجلهم، ولما استفسرت عن ذلك قيل إنهم يفرون كثيرًا، فلم يجدوا وسيلة لمنعهم من الفرار إلا عن طريق الأغلال! …

  • (٥)

    الطلاب كلهم يرتدون الألبسة العربية اليمانية، وهذا أمر لا نعترض عليه، ولكن لاحظت أن الطلاب عند أداء بعض التمارين الرياضية، ولا سيما عند استعمال المتوازيين والحلقات وغيرها يجدون صعوبة ومشقة، فحبذا لو يُعَد لهم لباس خاص مؤلف من سروال وقميص خصيصًا للألعاب الرياضية.

ومما أدهشني وأثلج صدري أن التلاميذ استقبلوني بالأناشيد الوطنية المعروفة في بلادنا، ولا سيما نشيد صليل الظبي وصرير القلم … إلخ.

وقد شعرت بقوة حناجرهم وعذوبة أصواتهم مع عدم انطباقها على القواعد الموسيقية الحديثة.

والخلاصة، فإن هذه المدرسة — رغم النقائص الموجودة فيها والمرجو تداركها حالًا — تُعتبَر من أعظم المؤسسات التعليمية في بلاد اليمن.

مدرسة الصنائع

ثم توجهنا بعد ذلك إلى مدرسة الصنائع، وزرنا بعض فروعها وأقسامها، ولا سيما معامل النسيج والصابون والسجاد. ويتولى إدارة شئون هذه المدرسة شاب مصري منتدب من قبل الحكومة المصرية اسمه عبد القادر علام، وقد أطلعني على خلاصة الأعمال التي قام بها والخطوات التي خطتها هذه المؤسسة الصناعية في مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، ثم أراني الآلات والمكنات التي أُحضِرت حديثًا، وأكد لي أنه لو وجهت الحكومة العناية الكافية إلى تقاريره لاستطاع أن يؤمن عن طريق صنائع الطلاب فقط جميع حاجات اليمن من المنسوجات.

ثم زرنا معمل الصابون، وكان ينتج في اليوم الواحد ما لا يقل عن أربعة آلاف قطعة صابون، ويدير أعمال هذا المعمل رجل فلسطيني أصله من عكا، وقد سألت عن الزيت الذي يُصنَع منه هذا الصابون، فقيل لي إنه يُستخرَج من نبات غريب يظهر في اليمن، ويشبه الخروع في تأثيره.

ثم زرنا بعد ذلك معمل السجاد، وأُعجِبت بمصنوعات الطلاب من السجاد النفيس والأبسطة الجميلة.

المدرسة العلمية الكبرى

والمدرسة العلمية تُعتبَر أرقى المعاهد العلمية في اليمن، وهي تؤهل طلابها وخريجيها بعد نوال الإجازة: (١) لتولي أعمال القضاء. (٢) القيام بشئون التدريس في مدارس الحكومة. (٣) الاندماج في وظائف الحكومة الكبرى.

وعلمت أن أكثر العمال في الأقضية والنواحي متخرجون من هذه المدرسة. والطلاب فيها يأكلون وينامون ويلبسون على حساب الحكومة، وقد زرت غرف نومهم وقاعات التدريس والمطبخ الذي يُعَد الطعام، فألفيتها كلها على أتم ما يكون بالنسبة لهذه البلاد.

وهذه المدرسة تدرس مختلف العلوم الدينية والعربية، فهي تُعتبَر كالأزهر في مصر، ويبلغ عدد طلابها المائتين، وقد اختبرت بعضهم فوجدتهم متفهمين تمامًا لما يُلقَى عليهم من الدروس ومتبحرين في الشئون الدينية.

أما الدروس التي يتلقونها في هذه المدرسة، فهي: القرآن الحكيم، أصول الفقه، مصطلح الحديث، الحديث، علم الفرائض، تفسير القرآن، التصوف — ويسمونه علم الباطن — النحو والصرف، التوحيد، المعاني والبيان، المنطق، الإنشاء، المحفوظات، الأدب العربي، التاريخ الإسلامي، تاريخ الأئمة، تاريخ اليمن، الحساب، علم الأوقات والفلك.

والكتب التي يُعتمَد عليها في التدريس أكثرها من وضع علماء الزيدية، وبعضها مطبوع والبعض الآخر مخطوط، وهذه أهم الكتب التي يدرسها الطلاب في هذه المدرسة: التجويد «شرح الجزري»، مفتاح الفائض في علم الفرائض، متن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار مع الشرح، ألفية ابن مالك وشرحها لابن عقيل، متن الأساس في علم الكلام، تفسير الزمخشري، متن الغاية في أصول الفقه، متن التلخيص، ملحة الأعراب.

ويبلغ عدد الأساتذة في هذه المدرسة ١٥ أستاذًا، أذكر منهم حضرات:
  • الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي — مدير المدرسة.

  • السيد أحمد بن علي الكحلاني — رئيس المدرسين.

  • السيد حسين بن محمد الكبسي.

  • السيد أحمد بن عبد الله الكبسي.

  • الشيخ الجمالي علي بن محمد فضة.

  • الشيخ حسين بن يحيى الواسعي.

  • السيد عبد العزيز بن علي بن إبراهيم.

  • السيد علي بن محمد الشهيد.

  • الشيخ محمد بن علي الشرفي.

  • الشيخ علي بن هلال التبب.

  • الحاج لطفي الفسيل.

  • السيد عبد القادر بن عبد الله.

  • الفقيه محمد مداعس.

  • القاضي يحيى الآنسي.

  • وحفاظ القرآن: السيد علي الطائفي، والفقيه حسين الغيثي، والفقيه علي الحيمي.

ملحوظة: ألقاب العلماء في اليمن: القاضي لمن تولى القضاء، أو كان والده قاضيًا، والسيد لمن ينتسب لسيدنا علي، والفقيه والشيخ لسائر العلماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤