الخيمة

لا نذكُر متى نصَبَ الخيمة، وفرَدَ السجَّادة أمامها.

اجتذبتْنا ملامحه الساكنة، وعيناه الساجيتان، وأداؤه للصلوات في مواعيدها، والتَّمْتَمات التي تتحرَّك بها شفتاه، كأنَّه يدعو أو يبتهل. أهملنا الهمسات المتسائلة عن المكان الذي قدِمَ منه، وما إذا كان له أقاربُ في مدينتنا، أم أنَّه أتى من مدينةٍ بعيدة لا نعرفها.

تلكَّأتْ خطواتنا، ونحن نتابع تنقُّله بين الخيمة، والسجَّادة، وبئر المياه، والسَّير المتأمِّل في الخَلاء المحيط.

سأل، وأجاب عن أسئلة، وأخَذَ، وأعطى. ألِفَ الكثيرون الجلوسَ في ضيافته. امتدَّت أحاديثه. تحدَّث عن زُرقة السماء، وسطوع الشمس، وضوء القمر، والنجوم، والزرع، والنخيل، والطير، وقصائد الشعراء، والأغنيات، والمواويل، والحكايات القديمة، وليالي السَّمر. وتحدَّث عن الصداقة، والمَحبَّة، والسلام الذي يجب أن نحيا في ظلِّه.

لمَّا حذرناه من الثأر الذي نعدُّ له: ربما امتدَّت المعارك إلى الخيمة والسجَّادة؛ قال في ابتسامةٍ طيِّبة إنَّ اختياره للمكان؛ حتى ننسى الثأر. السلام هو ما ينبغي أن نعدَّ له أنفُسنا. نصَحَ بأن ننشغل بزراعاتنا، ونصَحَ الرُّعاة أن يستبدلوا العِصيَّ بالبنادق.

•••

ذات صباح، هبط الأعداء من أعلى الجبل. قتلوا، وسبوا، وهدموا البيوت والأكواخ، ودمَّروا المزروعات، واستولوا على الماشية.

ونحن نفرُّ بأنفُسنا من المطاردة القاسية. اتَّجهتْ نظراتنا — بعفويَّة — ناحية الخيمة.

كان الموضع خاليًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤