الفردوس

وصلت الرسالة التي بَحرُها بالحِكَم مسجور،١ ومَن قرأها لا شك مأجور،٢ وغرقتُ في أمواج بدعها الزاخرة، وعجبتُ من اتساق عقودها الفاخرة، وفي قدرة ربنا — جلت عظمتُه — أن يجعل كل حرف منها شبح نور لا يمتزج بمقال الزور. ولعله — سبحانه — قد نَصَبَ لسطورها المُنجية من اللهب معاريجَ٣ من الفضة أو الذهب، تعرج بها الملائكة من الأرض إلى السماء، بدليل الآية: إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

وهذه الكلمة الطيبة كأنها المعنية بقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا.

وفي تلك السطور كَلِم كثير، كله عند البارئ — تَقدَّسَ — أثير،٤ وقد غُرس لمولاي الشيخ الجليل — إن شاء الله — بذلك الثناء شجرٌ في الجنة لذيذ اجتناء، كل شجرة منه تأخذ ما بين المشرق إلى المغرب بظل غاط،٥ والولدان المُخلَّدون في ظل تلك الشجر قيام وقعود، يقولون والله القادر على كل شيء عزيز: «نحن وهذه الشجر صلة من الله لعلي بن منصور، نخبأ له إلى نفخ الصور.» وتجرى في أصول ذلك الشجر أنهار تختلج٦ من ماء الحيوان، والكوثر يمدها في كل أوان، مَن شَرِب منها النغبة٧ فلا موت، قد أمن هنالك الفوت.٨ وسُعُد من اللبن مختلفات لا تُغير بأن تطول الأوقات، وجعافر٩ من الرحيق١٠ المختوم، كما قال علقمة:
تشفي الصداع ولا يؤذيه صالبها
ولا يخالط منها الرأس تدويم١١
ويَعمد إليها المغترِف بكؤوس من العسجد١٢ وأباريق خُلقت من الزبرجد، لو رآها أبو زيد لعَلِم أنه ما تشبَّب بخير وهزئ بقوله:
وأباريق مثل أعناق طير الـ
ـماء قد جيب فوقهن خنيف١٣
ولو نظر إليها علقمة لبرق١٤ وفرق١٥ وعلم أنه قد طرق،١٦ ما ابن عبدة١٧ وما فريقه؟ قد خسر وكسر إبريقه،١٨ نظرة إلى تلك الأباريق خير من بنت الكرمة العاجلية، ومن كل ريق ضمنته هذه الدار الخادعة. ولو بَصر بها عدي بن زيد، لشُغل عن المدام والصيد، واعتَرف بأن أباريق مدامه أمرٌ هين لا يَعدل بنابت من حمصيص١٩ أو ما حُقر من خرٍّ بصيص.٢٠ فأما الأقيشر السعدي فإنه قال ولعله سيندم:
أفنى تلادي٢١ وما جمعت من نشب٢٢
قرع القوازيز٢٣ أفواه الأباريق٢٤
ما هو وما شرابه؟ تقضت في الخائنة آرابه.٢٥

لو عاين تلك الأباريق لأيقن أنه فُتن بالغرور وسُر بغير مُوجِب للسرور. وكم على تلك الأنهار من آنية زبرجد وياقوت بين أصفر وأحمر وأزرق، يخال أن لمس أحرق، كما قال الصنوبري:

تخيله ساطعًا وهجُه
فتأبى الدنو إلى وهجه
وفي تلك الأنهار أوانٍ على هيئة الطير السابحة٢٦ والغانية عن الماء،٢٧ فمنها ما هو على صور الكراكي وأُخر تشاكل المكاكي، وعلى خلق طواويس وبط، فبعض في الجارية وبعض في الشط، ينبع من أفواهها شراب لو جرع منه جرعة الحكمي٢٨ لحكم بأنه الفوز، وشهد له كلُّ وصَّاف للخمر من محدث وعتيق أن أصناف الأشربة المنسوبة إلى الدار الفانية كخمر عانة وأذرعات وغزة وبيت راس، وما جُلب من بصرى وما اعتصر بصرخد أو أرض شام، وما تردد ذكره من كميت بابل وصريفين، وما عُمل من أجناس المسكرات وما وُلد من النخيل، إذا كانت تلك النطفة٢٩ ملكة لا تصلح أن تكون برعاياها مشتبكة.٣٠ ويعارض تلك المدامة أنهار من عسل مصفى ما كسبته النحل، ولكن قال له العزيز القادر: «كُن»، فكان.
واهًا لذلك عسلًا لو جعله الشارب المحرور غذاءه طول الأبد ما قُدر له عارض موم٣١ ولا لَبس ثوب المحموم، وذلك كله بدليل الآية: مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ٣٢ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ. فليت شعري عن النمر بن تولب العكلي، هل يقدر له أن يذوق ذلك الأرى٣٣ فيعلم أن شهد الفانية إذا قيس إليه وجد يشاكه٣٤ الشرى،٣٥ وهو لما وصف أم حصن ذكر حواري٣٦ بسمن وعسل مصفى، قال:
ألمَّ بصحبتي وهم هجوع
خيال طارق من أم حصن
لها ما تشتهي عسلًا مصفى
إذا شاءت وحواري بسمن
ولو خالط مَنٌّ٣٧ من عسل الجنان ما خلقه الله سبحانه في هذه الدار الخادعة كالصاب والمقر٣٨ لعُدَّ من اللذائذ!

•••

وإذا مَنَّ الله — تبارك اسمه — بورود تلك الأنهار، صاد فيها الوارد سمك حلاوة لم ير مثله، لو بصر به أحمد بن الحسين٣٩ لاحتقر الهدية التي أهديت إليه فقال فيها:
أقلُّ ما في أقلِّها سَمَكٌ
يلعب في بركة من العسل٤٠
فأما الأنهار الخمرية، فتلعب فيها أسماك هي على صور السمك بحرية ونهرية، فإذا مَد المؤمن يده إلى واحدة من ذلك السمك شَرِبَ مِن فيها عذبًا، لو وقعت الجرعة منه في البحر الذي لا يستطيع ماءه الشاربُ لحلَّت منه أسافل وغوارب.٤١

ندامى الفردوس

وكأني به — وقد استحق تلك الرتبة — وقد اصطفي له ندامى من أدباء الفردوس كأخي ثمالة٤٢ وأخي دوس٤٣ ويونس بن حبيب الضبي وابن مسعدة المجاشعي، فهم كما جاء في الكتاب العزيز: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِي * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِي. فصَدْرُ أحمد بن يحيى٤٤ هنالك قد غُسل من الحقد على محمد بن يزيد، فصارا يتصافيان ويتوافيان، وأبو بشر عمرو بن عثمان سيبويه قد رُحضتْ٤٥ سويداء قلبه من الضغن على علي بن حمزة الكسائي وأصحابه لما فعلوا به في مجلس البرامكة، وأبو عبيدة صافي الطوية لعبد الملك بن قريب:٤٦  وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، وهو معهم كما قال البكري:
نازَعَتْهم قضب الريحان مرتفقًا٤٧
وقهوة٤٨ مزة٤٩ راووقها٥٠ خضل٥١
لا يستفيقون منها وهي راهنة
إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجات له نطف٥٢
مقلص أسفل السربال معتمل٥٣
ومستجيب٥٤ لصوت الصنج٥٥ تسمعه
إذا ترجع٥٦ فيه القينة الفضل٥٧
وأبو عبيدة يذاكرهم بوقائع العرب ومقاتل الفرسان، والأصمعي ينشدهم ما أحسن قائله. وتهش نفوسهم للعب، فيقذفون تلك الآنية في أنهار الرحيق، ويصفقها٥٨ الماذيّ٥٩ أي تصفيق، وتقترع٦٠ تلك الآنية فيسمع لها أصوات تبعث٦١ بمثلها الأموات، فيقول الشيخ: آه لمصرع الأعشى ميمون! وددتُ أنه ما صدته قريش لما توجه إلى النبي ، ولو أنه أسلم لجاز أن يكون بيننا في هذا المجلس، فينشدنا غريب الأوزان مما نظم في دار الأحزان، ويحدثنا حديثه مع هوذة بن علي وعامر بن الطفيل ويزيد بن مُسْهِر وغيرهم ممن مدحه أو هجاه، وخافه أو رجاه.

نزهة ابن القارح

ثم إنه — أدام الله تمكينه — يخطر له حديث شيء كان يسمى النزهة في الدار الفانية، فيركب نجيبًا٦٢ من نجب الجنة خُلق من ياقوت ودُرٍّ، في سجسج٦٣ بَعُدَ عن الحر والقَرِّ، فيسير في الجنة على غير منهج ومعه شيء من طعام الخلود، فإذا رأى نجيبه يُمْلِعُ٦٤ بين كثبان العنبر رفع صوته متمثلًا بقول البكري:٦٥
ليت شعري متى تَخْبُ٦٦ بنا النا
قة بين العذيب فالصيبون٦٧
مُحْقِبا٦٨ زُكرة٦٩ وخبز رقاق
وحباقًا٧٠ وقطعة من نون٧١

حديث الأعشى

فيهتف هاتف: «أتشعر أيها العبد المغفور له لمن هذا الشعر؟»

فيقول الشيخ: «نعم، حدثنا أهل ثقتنا عن أهل ثقتهم، أن هذا الشعر لميمون بن قيس بن جندل.» فيقول الهاتف: «أنا ذلك الرجل، مَنَّ الله علي بعد ما صرتُ من جهنم على شفير، ويئست من المغفرة.» فيلتفت إليه الشيخ هشًّا بشًّا مرتاحًا، فإذا هو بشاب غُرانق٧٢ وقد صار عشاه حورًا وانحناء ظهره قوامًا، فيقول: «سحبَتْني الزبانية إلى سقر، فرأيت رجلًا في عرصات القيامة يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر، والناس يهتفون به من كل أوب:٧٣ «يا محمد، يا محمد، الشفاعة! الشفاعة! نمت بكذا ونمت بكذا.» فصرخت في أيدي الزبانية: «يا محمد أغثني، فإن لي بك حرمة.» فقال: «يا عليُّ بادِرْه فانظر ما حُرْمَتُه.» فجاء علي بن أبي طالب — صلوات الله عليه — وأنا أُعْتَل٧٤ كي ألقى في الدرك الأسفل من النار، فزَجَرهم عني وقال: «ما حُرمَتُك؟» فقلت: «أنا القائل:
ألا أيّهذا السائلي أين يممتَ
فإن لها في أهل يثرب موعدا
فآليت لا أرثي لها من كلالة
ولا من خفي حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخي عند باب بن هاشم
تُريحي وتلقي من فواضله ندى
أجدك٧٥ لم تسمع وصاة محمد
نبي الإله حين أوصى وأشهدا:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
وأبصرت بعد الموت مَنْ قد تزودا
ندمتَ على أن لا تكون كمثله
وأنك لم تُرْصَد٧٦ لما كان أرصدا٧٧
وقد كنت أومن بالله وبالحساب، وأصدق بالبعث وأنا في الجاهلية الجهلاء.» فذهب عليٌّ إلى النبي فقال: «يا رسول الله، هذا أعشى قيس، قد روى مدحه فيك، وشهد أنك نبي مرسل.» فقال: هلا جاء في الدار السابقة؟ فقال علي: قد جاء، ولكن صَدَّتْه قريش وحُبُّه للخمر. فشفع لي فأُدخلت الجنة على أن لا أشرب فيها خمرًا، فقرَّت عيناي بذلك، وإن لي منادح٧٨ في العسل وماء الحيوان، وكذلك من لم يتُب من الخمر في الدنيا لم يُسقها في الآخرة».

حديث زهير بن أبي سُلمى

وينظر الشيخ في رياض الجنة، فيرى قصرينِ مُنيفَين،٧٩ فيقول في نفسه: لأبْلُغنَّ هذين القصرين فأسأل لمَنْ هما، فإذا قرب منهما رأى على أحدهما مكتوبًا: (هذا القصر لزهير بن أبي سُلمى المزني)، وعلى الآخر: (هذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسدي)، فيعجب من ذلك ويقول: «هذان ماتا في الجاهلية، ولكن رحمة ربنا وسعت كل شيء، وسوف ألتمس لقاء هذين الرجلين فأسألهما بم غُفر لهما.» فيبتدئ بزهير فيجده شابًّا كالزهرة الجَنِيَّة، كأنه ما لبس جلباب هِرَم، ولا تأفف من البرم،٨٠ وكأنه لم يقل في الميمية:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولًا — لا أبا لك — يسأم

ولم يقل في الأخرى:

ألم ترني عمرت تسعين حجة
وعشرًا تباعًا عشتُها وثمانيا
فيقول: جير جير،٨١ أنت أبو كعب وبجير! فيقول: نعم. فيقول: بم غفر لك وقد كنت في زمان الفترة والناس هملٌ لا يحسن منهم العمل؟ فيقول: كانت نفسي من الباطل نفورًا، فصادقت ملكًا غفورًا، وكنت مؤمنًا بالله العظيم، ورأيت فيما يرى النائم حبلًا نزل من السماء فمَنْ تعلَّق به من سكان الأرض سَلِم، فعلمتُ أنه أمرٌ من أمر الله، فأوصيت بنيَّ وقلت لهم عند الموت: إنْ قام قائم يدعوكم إلى عبادة الله فأطيعوه، ولو أدركتُ محمدًا لكنت أول المؤمنين. وقلت في الميمية والسفه ضارب بالجران:٨٢
فلا تكتمن الله في نفوسكم
ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدَّخر
ليوم حساب أو يقدم فينقَم٨٣

فيقول: ألست القائل:

وقد أغدو على ثُبَة٨٤ كرام
نشاوى٨٥ واجدين لما تشاء
يجرون البرود وقد تمشَّتْ
حميا٨٦ الكأس فيها والغناء٨٧

أفأطلقت لك الخمر كغيرك من أصحاب الخلود، أم حرمتْ عليك مثلما حُرمت على أعشى قيس؟ فيقول زهير: «إن أخا قيس أدرك محمدًا، فوجبت عليه الحجة لأنه بُعث بتحريم الخمر وحظر ما قبح، وهلكت أنا والخمر كغيرها من الأشياء، يشربها أتباع الأنبياء، فلا حجة علي.» فيدعوه الشيخ إلى المنادمة، فيجده من ظراف الندماء، فيسأله عن أخبار القدماء.

حديث عبيد

ثم ينصرف إلى عبيد، فإذا هو قد أُعطي بقاء التأبيد،٨٨ فيقول: «السلام عليك يا أخا بني أسد.» فيقول: «وعليك السلام — وأهل الجنة أذكياء — لعلك تريد أن تسألني بم غفر لي؟» فيقول: «أجل، وإن في ذلك لعجبًا؟!» فيقول عبيد: «إني دخلت الهاوية وكنت قلت في أيام الحياة:
من يسأل الناس يحرموه
وسائِلُ الله لا يخيب

وسار هذا البيت في آفاق البلاد، فلم يزل ينشد ويخف عني العذاب حتى أُطلقت من القيود والأصفاد، ثم كرر إلى أن شملتني الرحمة ببركة هذا البيت، وإن ربنا لغفور رحيم.»

فإذا سمع الشيخ ما قال ذانك الرجلان طمع في سلامة كثير من أصناف الشعراء.

حديث عدي بن زيد

فيقول لعبيد: ألك علمٌ بعَدِي بن زيد العِبادي؟ فيقول: «هذا منزله قريبًا منك.» فيقف عليه فيقول: «كيف كانت سلامتك على الصراط؟» فيقول: «إني كنت على دين المسيح، ومن كان من أتباع الأنبياء قبل أن يُبعث محمد، فلا بأس عليه، وإنما التبعة على من سجد للأصنام.» فيقول الشيخ: «لقد هممت أن أسألك عن بيتك الذي استُشهد به سيبويه وهو قولك:

أرواح مودّع أم بكور
أنتَ فانظر لأي حال تصير
فإنه يزعم أن (أنتَ) يجوز أن تُرفع بفعل مُضمر يفسره قولك (فانظر)، وأنا أستبعد هذا المذهب ولا أظنك أردتَه؟» فيقول عدي بن زيد: «دعني من هذه الأباطيل! ولكني كنت في الدار الفانية صاحب قفص، فهل لك أن نركب فرسين من خيل الجنة فنبعثهما على صيرانها٨٩ وخيطان٩٠ نعامها وأسراب ظبائها وعانات٩١ حمرها، فإن للقنيص لذة.» فيقول الشيخ: «إنما أنا صاحب قلم ولم أكن صاحب خيل، وما يؤمني إذا ركبت طرفًا وأنا كما قال القائل:
لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا
فهُمْ ثقال على أكتافها عُنُف
أن يلحقني ما لحق صاحب المتجردة لمَّا حمل على اليحموم! ويجوز أن يقذفني السابح٩٢ على صخور زمرد فيكسر لي عضدًا أو ساقًا، فأصير ضحكة في أهل الجنان!» فيبتسم عدي ويقول: «ويحك! أما علمت أن الجنة لا يرهب لديها السقم ولا تنزل بسكتها النقم؟» فيركبان سابحين في خيل الجنة، مركب كل واحد منهما لو عدل بممالك العاجلة من أولها إلى آخرها لرجح بها وزاد في القيمة عليها، فإذا نظرا إلى صوار٩٣ ترتع في رياض الفردوس، صوب الشيخ الرمح لأخنس٩٤ ذيال،٩٥ فإذا لم يبق بين السنان وبينه إلا قيد ظفر، قال: «أمسك رحمك الله، فإني لست من وحش الجنة التي أنشأها الله سبحانه ولم تكن في الدار الزائلة، ولكني كنت أروض في بعض القفار فمر بي ركب مؤمنون قد كرى٩٦ زادهم، فصرعوني واستعانوا بي على السفر، فعوضني الله بأن أسكني في الخلود.» فيكف عنه الشيخ، ويعمد لعلج وحشي ما التلف عنده بمخشي، فإذا صار الخرص٩٧ منه بقدر أنملة قال: «أمسك يا عبد الله، فإن الله أنعم علي ورفع عني البؤس، وذلك أني صادني صائد بمخلب وكان إهابي٩٨ له كالسلب،٩٩ فباعه في بعض الأمصار، فاتخذ منه غرب١٠٠ شفى بمائه الكرب وتطهر بنزيعه١٠١ الصالحون، فشملتني بركة من أولئك فدخلت الجنة أُرزق فيها بغير حساب.» فيقول الشيخ: «فينبغي أن تتميزن، فما كان منكن دخل الفانية فما يجب أن يختلط بوحوش الجنة، فيقول ذلك الوحشي: «لقد نَصَحْتنا نُصْحَ الشفيق، وسوف نمتثل ما أمرتَ».

حديث الهذلي

وينصرف مولاي الشيخ وصاحبه عدي، فإذا هما برجل يحتلب ناقة في إناء من ذهب، فيقولان: مَنِ الرجل؟! فيقول: أبو ذؤيب الهذلي، فيقولان: «حييت وسعدت، أنحتلب مع أنها من لبن!» فيقول: لا بأس، إنما خطر لي ذلك مثلما خطر لكما القنص، وإني ذكرت قولي في الدهر الأول:

وإن حديثًا منك لو تعلمينه
جنى النحل في ألبان عوذ١٠٢ مطافل
مطافيل أبكار حديث نتاجها
تشاب بماء مثل ماء المفاصل١٠٣
فقيض الله بقدرته لي هذه الناقة مطفلًا، فقمت أحتلب على العادة وأريد أن أشوب ذلك بضرب١٠٤ نحل، فإذا امتلأ إناؤه من الرسل١٠٥ كوَّن البارئ — جلت عظمته — خلية من الجوهر رتع ثَوْلُها١٠٦ في الدهر، فاجتنى ذلك أبو ذؤيب ومزج حليبه، فيقول: ألا تشربان؟ فيجرعان من ذلك المحلب جرعًا لو فرقت على أهل سقر لفازوا بالخلد. فيقول عدي: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.

حديث النابغتين

ويمضي في نزهته تلك بشابين يتحادثان كل واحد منهما على باب قصر من دُرِّ، قد أعفي من البؤس والضر، فيُسلم عليهما ويقول: «من أنتما — رحمكما الله — وقد فعل؟» فيقولان: نحن النابغتان نابغة بني جعدة ونابغة بني ذبيان. فيقول — ثبت الله وطأته: «أما نابغة بني جعدة فقد استوجب ما هو فيه بالحنيفية،١٠٧ وأما أنت يا أبا أمامة فما أدري ما جهتك!» فيقول الذبياني: إني كنت مقرًّا بالله وحججت البيت في الجاهلية، ألم تسمع قولي:
فلا لعمر الذي قد زرته حججًا١٠٨
وما هريق١٠٩ على الأنصاب١١٠ من جسد١١١
والمؤمن العائذات١١٢ الطير تمسحها١١٣
ركبان مكة بين الغيل١١٤ والسند١١٥

وقولي:

حلفت فلم أترك لنفسك ربية
وهل يأثمن ذو أمة١١٦ وهو طائع
بمصطحبات من لصاف١١٧ وثَبْرة١١٨
يردن إلالا١١٩ سيرهن تدافع١٢٠

ولم أدرك النبي فتقوم الحجة عليَّ بخلافه، وإن الله تقدست أسماؤه يغفر ما عظم وقَّل.

فيقول: «يا أبا سوادة ويا أبا أمامة ويا أبا ليلى، اجعلوها ساعة منادمة، فإن من قول شيخنا العبادي:

أيها القلب تعلل بدَدَن١٢١
إن همي في سماع وأذن
وشراب خسرواني إذا
ذاقه الشيخ تَغَنَّى وارجحن١٢٢
فكيف لنا بأبي بصير؟» فلا تتم الكلمة إلا وأبو بصير قد خمسهم،١٢٣ فيُسبحون الله ويقدسونه ويحمدونه على أن جمع بينهم، ويتلو هذه الآية: وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ، فإذا أكلوا من طيبات الجنة وشربوا من شرابها الذي خزنه الله لعباده المتقين قال الشيخ: «يا أبا أمامة، إنك لخصيف١٢٤ الرأي لَبِيب، فكيف حسن بك لُبُّك أن تقول للنعمان بن المنذر:
زعم الهمام بأن فاها بارد
عذب إذا ما ذقته قلت ازدد
زعم الهمام — ولم أذقه — بأنه
يُشفَى ببرد لثاتها العطش الصدي١٢٥
ثم استمر بك القول حتى أنكره عليك خاصة وعامة»، فيقول النابغة بذكاء وفَهْم: «لقد ظلمني من عاب عليَّ! ولو أنصفني لعلم أنني احترزت أشد احتراز، وذلك أن النعمان كان مستهترًا١٢٦ بتلك المرأة، فأمرني أن أذكرها في شعري، فأدرت ذلك في خلدي، فقلت: «إن وصفتها وصفًا مطلقًا جاز أن يكون بغيرها معلقًا.» وخشيت أن أذكر اسمها في النظم فلا يكون ذلك موافقًا للملك؛ لأن الملوك يأنفون من تسمية نسائهم. فرأيت أن أسند الصفة إليه فأقول: (زعم الهمام)؛ إذ كنت لو تركت ذكره لظن السامع أن صفتي على المشاهدة، والأبيات التي جاءت بعدُ داخلة في وصف الهمام، فمن تأمل المعنى وجده غير مختل. وكيف ينشدون: وإذا نظرت رأيت أقمر مشرقًا وما بعده؟» فيقول الشيخ: «ينشد وإذا نظرت وإذا لمست وإذا طعنت وإذا نزعت على الخطاب.» فيقول النابغة: «قد يسوغ هذا، ولكن الأجود أن تجعلوه أخبارًا عن المتكلم؛ لأن قولي (زعم الهمام) يؤدي معنى قولنا قال الهمام، فهذا أسلم؛ إذ كان الملك إنما يحكي عن نفسه. وإذا جعلتموه على الخطاب قبح، وإن نسبتموه إلي فهو مندية، وإن نسبتموه إلى النعمان فهو ازراء وتَنَقُّص».
فيقول: «لله دَرُّك يا كوكب بني مُرة! ولقد صحف عليك أهل العلم من الرواة، وكيف لي بأبوي عمرو المازني والشيباني وأبي عبيدة وعبد الملك وغيرهم من النقلة، لأسألهم كيف يروون، وأنت شاهد، لتعلم أني غير المتخرص١٢٧ ولا الولاغ»،١٢٨ فلا يقر هذا القول في حذنة١٢٩ أبي أمامة إلا والرواة أجمعون قد أحضرهم الله القادر من غير مشقة نالتهم، ولا كلفة في ذلك أصابتهم، فيسلمون بلطف ورفق. فيقول: «من هذه الشخوص الفردوسية؟»

فيقولون: «نحن الرواة الذين شئت إحضارهم آنفًا.» فيقول: «لا إله إلا الله! كيف تروون قول النابغة في الدالية، وإذا نظرت وإذا لمست وإذا طعنت وإذا نزعت، أبفتح التاء أم بضمها؟» فيقولون: بفتحها. فيقول: «هذا شيخنا أبو أمامة يختار الضم ويُخبر أنه حكاه عن النعمان.» فيقولون: هو كما جاء في الكتاب الكريم: وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ.

فيقول الشيخ: مضى الكلام في هذا يا أبا أمامة، فأنشدنا كلمتك التي أولها:

ألما على الممطورة١٣٠ المتأبدة١٣١
أقامت بها في المربع١٣٢ المتجردة١٣٣
مضمخة بالمسك مخضوبة الشوى١٣٤
بدر وياقوت لها متقلدة
كأن ثناياها — وما ذقت — طعمها
مجاجة١٣٥ نحل في كميت١٣٦ مبردة
ليقرر بها النعمان عينا، فإنها
له نعمة في كل يوم مجددة١٣٧
فيقول أبو أمامة: ما أذكر أني سلكت هذا القريّ قط. فيقول مولاي الشيخ: «إن ذلك لعجب! فمن الذي تطوع فنسبها إليك؟» فيقول: «إنها لم تنسب إلي على سبيل التطوع، ولكن على معنى الغلط والتوهم، ولعلها لرجل من بني ثعلبة بن سعد.» فيقول نابغة بني جعدة: «صحبني شاب في الجاهلية ونحن نريد الحيرة، فأنشدني هذه القصيدة لنفسه، وذكر أنه ابن ثعلبة، وصادف قدومه شكاة١٣٨ من النعمان، فلم يصل بها إليه.» فيقول نابغة بني ذبيان: «ما أجدر ذلك أن يكون».

مجلس غناء

ويمر رف١٣٩ من إوز الجنة فلا يلبث أن ينزل على تلك الروضة ويقف وقوف منتظر لأمر، ومن شأن طير الجنة أن يتكلم، فيقول: «ما شأنكن؟» فيقلن: «ألهمنا أن نسقط في هذه الروضة فنُغنِّي لمن فيها من شرب.» فيقول: «على بركة الله القدير»، فينتفضن فيصرن جواري كواعب، يرفلن١٤٠ في وشي١٤١ الجنة، وبأيديهن المزاهر١٤٢ وأنواع ما يلتمس به الملاهي، فيعجب وحق له العجب، وليس ذلك ببديع من قدرة الله جلت عظمته. فيقول لإحداهن على سبيل الامتحان: «اعملي قول أبي أمامة، وهو هذا القاعد:
أمن آل مية رائح١٤٣ أو مغتدي١٤٤
عجلان ذا زاد وغير مزوَّد
ثقيلًا أول.» فتصنعه فتجيء به مطربًا، وفي أعضاء السامع متسربًا، ولو نُحت صنم من أحجار ثم سمع ذلك الصوت لرقص. فيقول: «هلم خفيف الثقل الأول.» فتنبعث فيه بنغم لو سمعه الغريض١٤٥ لأقرأن ما ترنم به مريض، فإذا أجادته، قال: عليك بالثقيل الثاني. فتأنى به، فإذا رأى ذلك قال: «سبحان الله، كلما كشفت القدرة بدت لها عجائب، فصيري إلى خفيف الثقل الثاني فإنك لمجيدة محسنة. ثم يقترح عليها الرمل وخفيفه وأخاه الهزج، فإذا تيقن لها حذاقةً، وعرف منها بالعود لياقةً، هلل وكبَّر وأطال حمد ربه واعتبر وقال: «ويحك، ألم تكرني الساعة إوزة طائرة؟ فمن أين لك هذا العلم؟ لو نشأت بين معبد وابن سريج، لما هجت السامع بهذا الهيج! فكيف نقضت بله الإوز؟ فتقول: «وما الذي رأيت من قدرة بارئك! أنك على سِيف١٤٦ بحر لا يدرك له عبر،١٤٧ سبحان من يُحيي العظام وهي رميم».

حديث لبيد

فبينما هم كذلك إذ مر شاب في يده مِحجن١٤٨ ياقوت، فيُسلِّم عليهم فيقولون: «من أنت؟» فيقول: «أنا لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كليب.» فيقول: «أكرمت أكرمت، لو قلت لبيد وسكتَّ، لشهرت باسمك، فما بالك في مغفرة ربك؟!» فيقول: «أنا بحمد الله في عيش قَصُرَ أن يصفه الواصفون، لا هرام ولا برم».
فيقول الشيخ: «تبارك الملك القدوس، ومن لا تدرك يقينه الحدوس،١٤٩ كأنك لم تقل في الدار الفانية.
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وسؤال هذا الناس كيف لبيد

ولم تَفُهْ بقولك:

فمتى أهلك فلا أحفله١٥٠
بَجلي١٥١ الآن من العيش بَجل
من حياة قد مللنا طولها
وجدير طول عيش أن يمل١٥٢

فأنشدنا ميميتك المعلقة.» فيقول: «هيهات! إني تركت الشعر في الدار الخادعة، ولن أعود إليه في الدار الآخرة وقد عُوِّضت ما هو خير وأبر».

فيقول: أخبرني عن قولك:

ترَّاكُ أمكنة إذا لم أرضها
أو يرتبط بعض النفوس حمامُها

هل أردت ببعض معنى كل؟ فيقول لبيد: «كلا، إنما أردت نفسي، وهذا كما تقول للرجل: إذا ذهب مالك أعطاك بعض الناس مالًا. وأنت تعني نفسك في الحقيقة، وظاهر الكلام واقع على كل إنسان، وعلى كل فرقة تكون بعضًا للناس».

فيقول: «أخبرني عن قولك: أو يرتبط؛ هل مقصدك إذا لم أرضها أو لم يرتبط، أم غرضك أترك المنازل أو يرتبط فيكون يرتبط كالمحمول على قولك تراك أمكنة؟» فيقول لبيد: «الوجه الأول أردتُ».

•••

ويخطر له غناء القيان بالفسطاط ومدينة السلام، ويذكر ترجيعهن بميمية المخبَّل السعدي، فتندفع تلك الجواري التي نقلتهن القدرة من خلق الطير إلى خلق الحور، تلحن قول المخبل السعدي:

ذكر الرباب وذكرها سقم
وصبا، وليس لمن صبا عزم
وإذا ألم خيالها طرفت
عيني فماء شؤونها١٥٣ سجم١٥٤
كاللؤلؤ المسجور١٥٥ توبع في
سلك النظام فخانه النظم١٥٦
فلا يمر حرف ولا حركة إلا ويوقع مسرة لو عدلت بمسرات أهل العاجلة منذ خلق الله آدم إلى أن طوى ذريته، لكانت الزائدة على ذلك زيادة اللج المتموج على دمعة الطفل، والهضب١٥٧ الشامخ على الهباءة،١٥٨ ويقول لندمائه: «ألا تسمعون قول السعدي:
وتقول عاذلتي وليس لها
بغد ولا ما بعده علم:
«إن الثراء هو الخلود وإن
المرء يكرُب١٥٩ يومه العدم»
ولئن بنيت لي المشقّر١٦٠ في
عنقاء١٦١ تقصر دونها العصم١٦٢
لتنقبن عني المنية أن
الله ليس كحكمه حكم»١٦٣
فيقول: «إنه المسكين قال هذه الأبيات وبنو آدم في دار المحن والبلاء والوالدة تخاف المنية على الولد، والفقر يرهب ويتقى والمال يطلب ويستبقى. ﻓ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ.١٦٤ فتبارك الله القدوس، نَقَلَ هؤلاء المُسمِعات١٦٥ من زي ربات الأجنحة١٦٦ إلى زي ربات الأكفال المُترجِّحة،١٦٧ ثم ألهَمَهنَّ بالحكمة حِفْظَ أشعار لم تَمْرُرْ قبلُ بمسامعهنَّ، فجئنَ بها مُتْقَنة محمولة على الطرائق مُلحَّنة! ولقد كانت الجارية في الدار العاجلة إذا تُفرِّست فيها النجابة وأُحضِرت لها الملحنة لتلقي إليها ما تعرف من ثقيل وخفيف، تقيم معها الشهر والشهرين قبل أن تُلقن بيتًا من الغزل أو بيتين، ثم تعطى المئة أو المئتين، فسبحان القادر!»

مشاجرة الجعدي والأعشى

ويقول نابغة بني جعدة وهو جالس يستمع: «يا أبا بصير، أهذه الرباب التي ذكرها السعديُّ هي ربابك التي ذكرتها في قولك:

بعاصي العواذل طلق اليدين
يعطي الجزيل ويرخي الإزارا
فما نطق الديك حتى ملأ
تُ كوب الرباب له فاستدارا
إذا انكبَّ أزهرُ١٦٨ بين السقا
ة تراموا به غَرَبًا أو نضارا١٦٩
فيقول أبو بصير:١٧٠ «قد طال عمرك يا أبا ليلى، وأحسبك أصابك الفند،١٧١ فبقيت على فندك١٧٢ إلى اليوم! أما علمت أن اللواتي يسمَّين بالرباب أكثر من أن يُحصين؟ أفتظن أن الرباب هذه هي التي ذكرها القائل:
ما بال قومك يا ربابُ
خُزْرا١٧٣ كأنهم غضاب
غاروا عليك وكيف ذا
ك ودونك الخرق١٧٤ اليباب١٧٥
أو التي ذكرها امرؤ القيس في قوله:
وجارتها أم الرباب بمأسل

فيقول نابغة بن جَعدة: «أتكلمني بمثل هذا الكلام يا خليع بني ضبيعة، وقد متَّ كافرًا وأقررت على نفسك بالفاحشة، وأنا لقيت النبي فأنشدته كلمتي التي أقول فيها:

بلغنا السماء مجدُنا وسناؤنا١٧٦
وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرًا١٧٧

فقال لي: «إلى أين يا أبا ليلى؟» فقلت: «إلى الجنة بك يا رسول الله.» فقال: «لا يفضض الله فاك».

أغرَّكَ أن عَدَّكَ بعض الجهال رابع الشعراء الأربعة، وكذب مفضلك، وإني لأَطْوَلُ منك نَفَسًا، وأكثر تصرُّفًا، ولقد بلغت بعدد البيوت ما لم يبلغه أحد من العرب قبلي، وأنت لاهٍ بعفارتك١٧٨ تفتري على كرائم قومك، وإن صدقت فخزيًا لك ولمقارك».١٧٩
فيغضب أبو بصير فيقول: «أتقول هذا وإن بيتًا مما بنيت لَيعدل بمئة من بنائك؟ وإن أسهبت في منطقك فإن المسهب كحاطب الليل، وإني لفي الجُرثومة١٨٠ من ربيعة الفرس، وهل جعدة إلا رائدة ظليم١٨١ نفور؟ أتعيرني مدح الملوك يا جاهل، ولو قدرت على ذلك لهجرت إليه أهلك وولدك؟ ولكنك خلقت جبانًا، لا تدلج١٨٢ في الظلماء الداجية ولا تهجّر١٨٣ في الوديقة١٨٤ الصاخدة».١٨٥

فيقول الجعدي: «اسكت يا ضُل بن ضُل، فأُقسم أن دخولك الجنة من المنكرات، ولكنَّ الأقضية جرتْ كما شاء الله، لَحَقُّك أن تكون في الدرك الأسفل من النار، ولقد صَلِي بها مَن هو خير منك، ولو جاز الغلط على رب العزة لقلتُ إنه غلط بك! ألستَ القائل:

فدخلتُ إذ نام الرقيبُ
فبتُّ دون ثيابها
حتى إذا ما استرسلت
للنوم بعد لِعابها١٨٦
قسمتُها نصفين
كل مسوّد١٨٧ يرمي بها١٨٨
فثنيت جيد غريرة١٨٩
ولمست بطن حِقابها١٩٠
كالحقة١٩١ الصفراء صا
ك١٩٢ عبيرها١٩٣ بملابها١٩٤
وإذا لها تامورة١٩٥
مرفوعة لشرابها١٩٦
واستقللتَ ببني جعدة وليوم من أيامهم يرجح بمساعي قومك، وزعمتَني جبانًا وكذبتَ، لأنا أشجع منك ومن أبيك، وأصْبَر على إدلاج المظلمة ذات الأريز،١٩٧ وأشد إدلاجًا في الهاجرة أم الصخدان.»١٩٨ ويثبُ نابغةُ بني جعدة على أبي بصير فيضربه بكوز من ذهب.
فيقول الشيخ — أصلح الله به: لا عربدة١٩٩ في الجنان، إنما يُعرف ذلك بين السفلة والهجاج،٢٠٠ وإنك يا أبا ليلى لمتترع،٢٠١ ولولا أن في الكتاب الكريم: لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ لَظَنَنَّاك أصابك نزف في عقلك. ويريد أن يُصلح بين الندماء فيقول: «يجب أن يُحذر من مَلَكٍ يعبر، فيرى هذا المجلس فيرفع حديثه إلى الجبار الأعظم، فلا يَجرُّ ذلك إلا إلى ما تكرهانِ، واستغنى ربنا أن تُرفع الأخبار إليه، ولكن جرى ذلك مجرى الحَفَظة في الدار العاجلة. أما علمتما أن آدم خرج من الجنة بذنب حقير! فغير آمن من ولد أن يقدر له مثل ذلك، فسألتك بالله يا أبا بصير: هل يهجس لك تمني المدام!» فيقول: «كلا والله، إنها عندي كمثل المقر لا يخطر ذكرها بالخلد، فالحمد لله الذي سقاني عنها٢٠٢ السُّلوانة».٢٠٣
فيقول: «يا أبا ليلى، إن الله — جلَّت قدرتُه — مَنَّ علينا بهؤلاء الحور العين اللواتي حولهن عن خلق٢٠٤ الإوز، فاختر لنفسك واحدة منهن، فلتذهب معك إلى منزلك تلاحنك أرق اللحان وتُسمعك ضروب الألحان.» فيقول لبيد بن ربيعة: «إن أخذ أبو ليلى قينة وأخذ غيره مثلها، أليس ينتشر خبرها في الجنة، فلا يؤمن أن يسمى فاعلو ذلك أزواج الإوز.» فتضرب الجماعة عن اقتسام أولئك القيام.

ويفترق أهل ذلك المجلس بعد أن أقاموا فيه كعمر الدنيا أضعافًا كثيرة.

عُوران قيس

فبينما هو يطوف في رياض الجنة لقيه خمسة نفر على خمسة أينق فيقول: «ما رأيت أحسن من عيونكم في أهل الجنان، فمن أنتم خلَّد الله عليكم النعيم؟» فيقولون: «نحن عوران٢٠٥ قيس، تميم بن مقبل العجلاني، وعمرو بن أحمد الباهلي، والشماخ معقل بن ضرار، وراعي الإبل عبيد بن الحصين النميري، وحميد بن ثور الهلالي».
فيقول للشماخ بن ضرار: «لقد كان في نفسي أشياء من قصيدتك التي على الزاي وكلمتك التي على الجيم، فأنشدنيهما لا زلت مخلدًا كريمًا.» فيقول: «لقد شغلني عنهما النعيم الدائم، فما أذكر منهما بيتًا واحدًا.» فيقول لفرط حبه الأدب: «لقد غفلت أيها المؤمن وأضعت! أما علمت أن كلمتيك أنفع لك من ابنتيك؟ ذكرت بهما في المواطن وشهرت عند راكب السفر والقاطن. وإن القصيدة من قصائد النابغة لأنفع له من ابنته عقرب، ولعل تلك شانته وما زانته، وأصابها في الجاهلية سباء٢٠٦ وما وفر لأجلها الحِباء،٢٠٧ وإن شئت أن أنشدك قصيدتيك فإن ذلك ليس بمتعذر علي.» فيقول: «أنشدني، ضفت عليك نعمة الله» فينشده:
عفا من سليمى بطن قوّ فعالز
فذات الغضا فالمشرفات النواشز٢٠٨
فيجده بها غير عليم، ويسأله عن أشياء منها فيصادفه بها غير بصير، فيقول: «شغلتني لذائذ الخلود عن تعهُّد هذه المنكرات: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ إنما كنت أسِقُ٢٠٩ هذه الأمور وأنا آمل أن أُفقر٢١٠ بها ناقة أو أُعطى كيل عيالي سنة، وأنا الآن في تفضُّل الله أغترف في مرافد المسجد من أنهار اللبن، فتارة ألبان الإبل، وتارة ألبان البقر، وإن شئت لبن الضأن فإنه كثير جم، وكذلك لبن المعيز، ولقد أراني في دار الشقوة أجهد أخلاف شياه لجبات٢١١ لا يمتلئ منهن القعب.»٢١٢ فيقول الشيخ: «فأين عمرو بن أحمر؟» فيقول عمرو: «ها أنا ذا.» فيقول: «أنشدني قولك:
بان الشباب وأخلف العَمر
وتغير الإخوان والدهر

فقد اختلف الناس في تفسير (العَمر) بالفتح، فقيل إنك أردت البقاء، وقيل إنك أردت الواحد من عمور الأسنان وهو اللحم الذي بينها.» فيقول عمرو متمثلًا:

«خذا وجه هرشي٢١٣ أَوْقِفاها، فإنه
كلا جانبي هرشي لهن طريق

ولم تترك فيَّ أهوال القيامة غبرا للإنشاد، أما سمعت الآية: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ؟

وقد شهدت الموقف، فالعجب لك إذا بقي معك شيء من روايتك.» فيقول له الشيخ: «إني كنت أخلص الدعاء في أعقاب الصلوات قبل أن أنتقل من تلك الدار، أن يمنعني الله بأدبي في الدنيا والآخرة. فأجابني إلى ما سألت وهو الحميد المجيد.» ثم يذكر له أشياء من شعره، فيجده عن الجواب مستعجمًا.

حكاية تميم بن أُبي

فيقول أيكم تميم بن أُبي؟ فيقول رجل منهم: ها أنا ذا. فيقول: أخبرني عن قولك:

يا دار سلمي خلاء لا أكلفها
إلا المرانة حتى تسأم الدنيا
ما أردت بالمرانة؟ فقد قيل: إنك أردت اسم امرأة، وقيل: هي اسم أمَة، وقيل: العادة. فيقول تميم: «والله ما دخلت من باب الفردوس ومعي كلمة من الشعر ولا الرجز، وذلك أني حُوسبت حسابًا شديدًا. وقيل لي: كنت فيمن قاتل علي بن أبي طالب، وانبرى إلى النجاشي الحارثي، فما أفلت من اللهب حتى سفعني٢١٤ سفعات، وإن حفظك لمبقي عليك كأنك لم تشهد أهوال الحساب. ومنادي الحشر يقول: «أين فلان ابن فلان.» والشوس٢١٥ الجبابرة من الموك تجذبهم الزبانية إلى الجحيم، والنسوة ذوات التيجان يصرن بألسنة من الوَقود، فتأخذ في فروعهن وأجسادهن، فيصحن: هل من فداء، هل من عُذر يقام، والشباب من أولاد الأكاسرة يتضاغون٢١٦ في سلال النار ويقولون: «نحن أصحاب الكنوز، نحن أرباب الفانية، ولقد كانت لنا إلى الناس صنائع وأياد، فلا فادي ولا معين. فهتف داع من قِبَل العرش: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ لقد جاءتكم الرسل في زمان بعد زمان، وبذلت لكم ما وكد من الإيمان، وقيل لكم في الكتاب: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ. فكنتم في لذات الساخرة٢١٧ واغلين،٢١٨ وعن أعمال الآخرة متشاغلين. فالآن ظهر النبأ؛ لا ظلم اليوم إن الله قد حكم بين العباد».

هوامش

(١) مملوء.
(٢) مثاب.
(٣) جمع معراج، وهو السُّلم أو المصعد، بكسر الميم وفتحها.
(٤) مأثور – مختار – مصطفى – محبوب.
(٥) ظليل.
(٦) تنتزع – تحرك – تطير.
(٧) الجرعة.
(٨) الخيبة، الفشل، ضياع الفرصة.
(٩) جمع جعفر، وهو النهر الكبير.
(١٠) الرحيق هو أطيب وأفضل أنواع الخمر.
(١١) إكثار.
(١٢) الذهب.
(١٣) ثوب أبيض غليظ من الكتان.
(١٤) تحير – دهش.
(١٥) اشتد فزعه.
(١٦) ضعف عقله.
(١٧) كنية علقمة الفحل.
(١٨) يشير بذلك إلى قوله:
كأن إبريقهم ظبي برابية
مجلل بسبا الكتان مفدوم
(١٩) بقلة رملية حامضة.
(٢٠) هنة في الرمل لها بصيص كأنها عين الجراد، أو نبات له حب يتخذ منه طعام، والغرض هنا التحقير.
(٢١) قديمي.
(٢٢) مال.
(٢٣) جمع قازوزة وهي قدح الشرب.
(٢٤) أذهب ثروتي قديمها وحديثها أدماني معاقرة الخمر.
(٢٥) جمع أرب.
(٢٦) المائية.
(٢٧) البرية.
(٢٨) هو أبو نواس.
(٢٩) الماء القليل، وقيل: هي الماء الصافي قَلَّ أو كثر، والمقصود هنا المعنى الأول.
(٣٠) متصلة بها أو منسوبة إليها.
(٣١) مرض شديد الوطأة والخطر.
(٣٢) آجن، أي: متغير الطعم واللون.
(٣٣) العسل.
(٣٤) يشابه.
(٣٥) الحنظل.
(٣٦) خبزًا.
(٣٧) المن هو كل طل ينزل من السماء على شجر أو حجر، ويحلو وينعقد عسلًا ويجف جفاف الصمغ.
(٣٨) المر – الصبر – الحامض.
(٣٩) هو أحمد بن الحسين المتنبي الشاعر المعروف.
(٤٠) هذا البيت من قصيدة للمتنبي ارتجلها في صباه حين أهدى إليه عبيد الله بن خلكان هدية فيها سمك من سكر ولوز في عسل، وأولها:
قد شغل الناس كثرة الأمل
وأنت بالمكرمات في شغل
ومنها:
هدية ما رأيت مهديها
ألا رأيت العباد في رجل
أقل ما في أقلها سمك
يسبح في بركة من العسل
(٤١) الغارب: هو الكاهل أو ما بين السنام إلى العنق، والمقصود به هنا سطح البحر.
(٤٢) أخو ثمالة: هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد صاحب كتاب الكامل، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
سألنا عن ثمالة كل حي
فقال القائلون: ومن ثمالة؟
فقلت: محمد بن يزيد منهم
فقالوا: الآن نزدهم جهالة!
(٤٣) أخو دوس: هو أبو بكر محمد بن دريد.
(٤٤) أحمد بن يحيى: هو المشهور بتغلب النحوي اللغوي، وكان بينه وبين المبرد منافاة.
(٤٥) غسلت.
(٤٦) هو الأصمعي.
(٤٧) متلطفًا – مترفقًا، وقيل المرتفق هو المتكئ على المرفق.
(٤٨) خمرًا.
(٤٩) لذيدة الطعم – فيها مزازة.
(٥٠) إناؤها، وقيل الراووق هو ما يخرج من ثقب الدن.
(٥١) مبتل – ند يترشف نداه – دائم الندى.
(٥٢) جمع نطفة وهي الماء الصافي قل أو كثر – وهي ماء الرجل، ومعناها هنا أنه مشرق الوجه جميل الطلعة لكثرة ماء وجهه.
(٥٣) مدرب.
(٥٤) قيل هو العود، شبه صوته بصوت الصنج دعاه فأجابه.
(٥٥) نوع معروف من آلات الطرب.
(٥٦) صرف من شدة إلى لين.
(٥٧) هي المتفضلة في ثوب واحد، أي المتوشحة به مخالِفة بين أطراف ثوبيه على عاتقها — وقيل هي التي عليها ثوب بلا درع أو التي تحت درعها أزار.
(٥٨) صفق الشراب: نقله من إناء إلى إناء.
(٥٩) العسل الأبيض.
(٦٠) يصك بعضها بعضًا.
(٦١) تحيا بعد الموت.
(٦٢) جملًا كريمًا.
(٦٣) معتدل لا حر فيه ولا برد.
(٦٤) يسير سيرًا سريعًا وخفيفًا.
(٦٥) هو الأعشى.
(٦٦) نوع من سير الإبل.
(٦٧) العذيب والصيبون: مكانان ببلاد العرب.
(٦٨) واضعًا في حقيبتي.
(٦٩) زقًّا صغيرًا للخمر.
(٧٠) جرزة البقل.
(٧١) النون السمك، ومعنى الأبيات: أنه يُبدي شوقه الشديد إلى ركوب ناقته مسرعة به في رحلتها نحو العذيب والصيبون، وقد وضع في حقيبته زق خمر صغيرًا وخبز رقاق وحزمة من القت وقطعة من السمك، وهذا هو كل زاده الشهي في تلك الرحلة الجميلة التي يتوق إليها.
(٧٢) جميل.
(٧٣) الأوب الطريق، ومن كل أوب: أي من كل طريق أو من كل جهة.
(٧٤) أجر بعنف.
(٧٥) أجدك — بفتح الجيم وكسرها، أي: أبجد منك هذا، وهو منصوب على نزع الخافض.
(٧٦) أرصد الرقيب: أي نصبه على الطريق.
(٧٧) معنى الأبيات: أيها السالي أين تذهب بي ناقتي، إنها ذاهبة إلى يثرب، إلى محمد بن عبد الله، وقد أقسمت لا أريحها ولا أشفق عليها مهما عانت من الإنضاء والتعب حتى تبلع أعتاب هذا النبي الكريم، فإذا انتهت إلى بابه رأت من كرمه وفواضله ما ينسيها كل ما لقيته من الجهد والنصب، ألم يبلغك بربك ما أوصى به هذا النبي لتدرك السبب الذي حفزني إلى لقائه، لقد حث على التزود من التقى والعمل بما أتى به من التشريع السامي، وبين مآل المتهاونين في تنفيذ تلك الوصايا الحكيمة ومقدار ما يلحق المفرطين من الندم الشديد حين يرون ما يزف من الخير في الدار الآخرة إلى من أطاعه وعمل بنصائحه في الدار الأولى.
(٧٨) جمع مندوحة: أي سعة أو غنية.
(٧٩) عاليين.
(٨٠) البرم: من لا يلعب الميسر لبخله، وكان ذلك من المثالب عند العرب.
(٨١) نعم نعم.
(٨٢) الجران: مقدم عنق الناقة والضرب بالجران كناية عن الإقامة.
(٨٣) اتركوا الرياء فلا فائدة منه، ولا تخفوا ما تضمرون، فإن الله عليم بذات الصدور، ومجاز كل إنسان بما يضمره عاجلًا أو آجلًا.
(٨٤) جماعة.
(٨٥) سكارى.
(٨٦) حميا الكأس: سورتها وشدتها، أو أسكارها وأخذها بالرأس.
(٨٧) معنى البيتين: ويا رب مجلس أنس غدوت إليه فنعمت فيه بمنادمة إخوان كرام صفا بهم وقتنا، واكتمل بجمعهم أنسنا، ولم ينقصنا شيء من مجلبات السرور، وقد تمكنت سورة الخمر من رءوس هؤلاء الندامى فمشوا مترنحين يختالون في أبرادهم.
(٨٨) الخلود.
(٨٩) الصيران جمع صيار، وهي لغة في صوار، والصوار بالضم (ويكسر): القطيع من بقر الوحش.
(٩٠) جماعات النعام.
(٩١) العان: القطيع من حمر الوحش.
(٩٢) الحصان الذي إذا جرى صار كأنه يسبح.
(٩٣) جماعة بقر الوحش.
(٩٤) الحمار الوحشي.
(٩٥) طويل الذيل.
(٩٦) نقص.
(٩٧) السنان أو الرمح القصير.
(٩٨) جلدي.
(٩٩) ما يسلبه الرجل من قرنه.
(١٠٠) الغرب: الدلو العظيمة.
(١٠١) ما يُنتزع من الماء.
(١٠٢) جمع عائذ، وهي القريبة العهد بالنتاج.
(١٠٣) ماء المفاصل: هو الماء بين جبلين من رمل ورضراض، وهو من أصفى أنواع المياه وأعذبها، ومعنى البيتين أن لأحاديثك الجميلة لذة عظيمة أجدها في نفسي، وعذوبة لا يماثلها إلا عذوبة الشهد امتزج بأشهى ألبان الإبل.
(١٠٤) الضرب هو العسل الأبيض.
(١٠٥) اللبن.
(١٠٦) النول جماعة النحل.
(١٠٧) بالإسلام.
(١٠٨) سنين.
(١٠٩) أريق أو صب.
(١١٠) هي الحجارة التي كانوا يذبحون عليها القرابين حول الكعبة، ومفردها: نصب، وهو ما ينصب للعبادة.
(١١١) دم.
(١١٢) الحديثات النتاج.
(١١٣) تتبعها وتمر أيديها عليها بلطف.
(١١٤) الشجر الكثير الملتف.
(١١٥) ما قابلك من الجبل وعلا من السفح، والغيل السند هنا موضعان، وخلاصة معنى البيتين أنه يقسم بالله الذي حج إلى بيته مرارًا، ويقسم بما أريق على حجارة الكعبة المقدسة من دماء القرابين وبمن أمن طيور تلك الناحية التي يلاطفها ركبان مكة بين الغيل والسند، ليثبت للنعمان أنه صادق فيما يقول.
(١١٦) دين.
(١١٧) لصاف موضع من منازل بني تميم.
(١١٨) الأرض السهلة.
(١١٩) هزالًا.
(١٢٠) المعنى أن يقسم للنعمان ليزيل ما علق بنفسه من الريبة ويمحو منها الأثر السيئ الذي خلفته وشايات أعدائه، ويؤكد له أنه بار في قسمه وأنه غير حانث في يمينه.
(١٢١) الددن أو الدد: اللهو أو اللعب.
(١٢٢) اهتز وتمايل، والمعنى: الْهُ أيها القلب وانْسَ همومك؛ فإنك مولَع بسماع الغناء ومعاقرة ذلك الشراب الخسرواني الذي ينسي الشيخ — حين يشربه — وقار شيخوخته فيتمايل من النشوة راقصًا مغنيًا.
(١٢٣) صار خامسهم.
(١٢٤) سديد أو محكم.
(١٢٥) الشديد الظمأ، والمعنى: أن الملك النعمان حكى لنا أن رضاب زوجه المتجردة لذيذ المجتنى حلو الطعم، كلما ارتشفته ازددت هيامًا به واندفاعًا إلى رشفه، فإذا تذوقته وقد أجهدك العطش زال ظمؤك وثلج صدرك، ذلك هو ما يحكيه لنا المليك أرويه عنه وإن كنت لم أذقه.
(١٢٦) متفانيًا في حبها.
(١٢٧) الكاذب.
(١٢٨) الكثير الولوغ من ولغ الكلب في الإناء، وهي هنا بمعنى الرجل الذي لا حياء فيه.
(١٢٩) أذن.
(١٣٠) الأرض التي أصابها مطر.
(١٣١) التي سكنها الوحوش.
(١٣٢) محل الإقامة في الربيع.
(١٣٣) اسم امرأة.
(١٣٤) الأطراف، ومخضوبة الشوى: أي ملونة أطرافها بالحناء.
(١٣٥) ريق.
(١٣٦) خمر.
(١٣٧) عرجا على تلك الأرض التي جادها الغيث بسقياه؛ حيث تقيم المتجردة زوج النعمان التي ينعم بحسنها الدائم التجدد كل يوم والتي تضمخت بالمسك، وخضبت أطرافها بالحناء، وتلقدت الدر، وماثل طعم ريقها — وإن كنت لم أذقه — شهدًا ممزوجًا بخمر بارد.
وهذه أبيات تبدو عليها مسحة التكلف والبعد عن الأسلوب الجاهلي لمن ينظر إليها بأدنى تأمل، ونرجح أنها من مختلقات الرواة — وما أكثرها — وهي عندنا تقليد غير متقن لدالية النابغة التي وصف فيها المتجردة زوج النعمان، وقد وردت في هذا الكتاب.
(١٣٨) توعكا.
(١٣٩) سرب.
(١٤٠) يتخايلن أو يتبخترن.
(١٤١) حرير.
(١٤٢) جمع مزهر، وهو نوع من آلات الطرب.
(١٤٣) عائد وقت المساء.
(١٤٤) ذاهب وقت الغداة، أي الضحى.
(١٤٥) المغني الحاذق، وهو هنا اسم مغن معروف.
(١٤٦) السِّيف بكسر السين: الشاطئ.
(١٤٧) العبر الساحل الآخر.
(١٤٨) العصى المنعطفة الرأس كالصولجان.
(١٤٩) الظنون.
(١٥٠) أحفل به.
(١٥١) بجلي من العيش: أي حسبي ما عشته.
(١٥٢) خلاصة معنى البيتين هو: متى واتاني أجلي لم أكترث له، فقد انفضت لباناتي من الدنيا، وحسبي هذا الزمن الطويل الذي عشته متبرمًا بهذه الحياة المملة المسئمة.
(١٥٣) الشؤون مجاري الدموع.
(١٥٤) مسكوب – سائل.
(١٥٥) المنظوم.
(١٥٦) تذكر الرباب فأشجاه ذكرها، وحن إليها فخارت قواه ووهن عزمه، وألمَّ به خيالها فسحتْ عيناه بالدموع كما انفرط عقد من اللؤلؤ المنظوم فتساقط متتابعًا.
(١٥٧) الهضب المرتفع من الأرض، أو الجبل المنبسط، أو كل جبل خلق من صخرة واحدة.
(١٥٨) الهباءة: القطعة من الهباء، وهو الغبار يشبه الدخان ويرى منبثًّا في ضوء الشمس.
(١٥٩) من باب نَصَر، يشق عليه أو يحزنه ومعناها هنا يكدر أو ينغص عليه يومه.
(١٦٠) مكان ببلاد العرب.
(١٦١) سامقة شديدة العلو، وهي صفة لموصوف محذوف هو كلمة قنة.
(١٦٢) جمع أعصم وهو الوعل.
(١٦٣) معنى الأبيات: تلحاني عاذلتي على كرمي؛ لأنها ترى في الغني كل معاني الراحة والخلود، وترى أن الإنسان إذا صفرت يده من المال اسودَّ عيشه وارتبك أمره. وهذا لعمري رأي مأفون دفعها إليه قصر نظرها وجهلها بالغد، ولو أنها رشدت لعلمت أن كل ما في الدنيا من زخرف وزينة عبث وضلال، وأن الموت سيختم هذه الحياة الخادعة فلا تصده عنا قنة سابقة نلوذ بها في كتف جبل شاهق ولا تفلتنا من قضاء الله حيلة، وإذن فما قيمة المال ندخره ونبخل به؟ ومن لعاذلتي أن تدرك هذه الحقيقة فتعذرني وتكف عن لومي.
(١٦٤) شدة التعب والإعياء.
(١٦٥) المغنيات.
(١٦٦) الطيور.
(١٦٧) النساء.
(١٦٨) الأزهر إبريق الخمر، قال عنترة:
ولقد شربت من المدامة بعد ما
ركد الهواجر بالمشوق المعلم
بزجاجة صفراء ذات أسرة
قرنت بأزهر في الشمال مفدم
أي: شربت الخمر بعد أن سكن قيظ الهواجر الشديد، بالقدح المجلو المنقوش بزجاجة صفراء مخططة قرنتها بإبريق مسدود الرأس بالفدام.
(١٦٩) الغرب الفضة أو القدح أو الجام الفضي والنضار الذهب. ومعنى الأبيات أنه حل بساحة كريم ينفق المال غير مصيخ لعذل اللائمات ويمشي متبخترًا، وأنه نادمه وقت السحر فما أذَّن ديك الصباح حتى دارت الكؤوس وكان الندامى لفرط سرورهم بالخمر لا يكاد يوضع إبريق مدامة حتى يتراموا به متهافتين على الشراب.
(١٧٠) كنية الأعشى.
(١٧١) الخرف أفن الرأي.
(١٧٢) ضلالك.
(١٧٣) الخزر ضيق العين.
(١٧٤) الأرض الواسعة تنخرق فيها الرياح.
(١٧٥) اليباب الخراب حيث لا يقيم أحد، ومعنى البيتين: «ما الذي أسخط قومك فضاقت أعينهم من الغضب، والنظر الشزر، أيغارون عليك من الأعداء والمغيرين وبينك وبين الناس تلك الصحراء الواسعة التي لا يسكنها إنسان، وهي وحدها كفيلة بحمايتك منهم».
(١٧٦) رفعتنا.
(١٧٧) مكانًا نصعد إليه.
(١٧٨) العفارة: الخبث والنكر، وهي أيضًا تلقيح النخل وإصلاحه. والمقصود هنا المعنى الأول، أي أنك كنت لاهيًا بأضاليلك وأعمالك الشيطانية الخبيثة.
(١٧٩) مواطنك.
(١٨٠) الصميم.
(١٨١) ذكر النعام.
(١٨٢) لا تسير ليلًا.
(١٨٣) لا تسير في الهاجرة.
(١٨٤) شدة الحر في الهاجرة.
(١٨٥) الشديدة القيظ.
(١٨٦) لعبها.
(١٨٧) سيد.
(١٨٨) يحرزها أو يظن به الظنون من أجلها.
(١٨٩) جميلة.
(١٩٠) وسطها.
(١٩١) الحقة: وعاء من خشب أو عاج.
(١٩٢) امتزج – اختلط – لصق.
(١٩٣) العبير: أخلاط من الطيب.
(١٩٤) الملاب: نوع من العطر أو الطيب، قيل هو الزعفران.
(١٩٥) التامورة: الوعاء فيه الخمر أو الإبريق أو الدن.
(١٩٦) معنى الأبيات: تحينتُ غفلة الرقيب فخلت عليها، وما زلت بها حتى استسلمت للنوم بعد أن أخذتْ حظَّها من اللعب، فطويتها تحتي كما يفعل كل سيد جليل القدر بخليلته التي حامت حوله الظنون من أجلها، ونعمتُ بضمها وعناقها، ومتعتُ نفسي بلمس بطنها وخاصرتها، فكأنما لمست حقًّا من العاج امتزج بطيبة زعفرانه، ثم حضر إبريق الخمر ورفع متهيئًا للشراب.
(١٩٧) الصقيع أو البرد الشديد.
(١٩٨) الصخدان: اليوم الشديد الحر.
(١٩٩) العربدة الإيذاء وسوء الخلق.
(٢٠٠) الحمقى.
(٢٠١) نزوع إلى الشر أو مسرع إلى ما لا ينبغي أو شرير.
(٢٠٢) بدلني منها.
(٢٠٣) العسل.
(٢٠٤) فطرة.
(٢٠٥) جمع أعور.
(٢٠٦) أسر.
(٢٠٧) العطاء.
(٢٠٨) بطن فو وعالز وذات الغضا: أسماء أماكن ببلاد العرب، والمشرفات النواشز: الجبال الشديدة الارتفاع. ومعنى البيت أن كل تلك الأماكن التي ذكرها قد أقفرت من سليمي بعد بيتها.
(٢٠٩) أجمع.
(٢١٠) أعطي أو أمنح.
(٢١١) قليلة اللبن.
(٢١٢) القدح الغليظ الضخم.
(٢١٣) هرشي ثنية في طريق مكة قريبة منها. ومعنى البيت: خذا وجه الصواب، فإن كلا التأويلين صحيح.
(٢١٤) لطمني.
(٢١٥) الشجعان الجريئون على القتال.
(٢١٦) يتضورون أو يصيحون صياح الضعفاء المستخذين.
(٢١٧) الدنيا.
(٢١٨) ممعنين ومسرعين أي منغمسين في لذائذها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤