رأي تولستوي في الحجاب والزواج وما بينهما

قال الفيلسوف في الطلاق والحجاب: إن السبب في مسألة الطلاق التي تشغل الآن الرأي العام في أوروبا هو التمدن الذي لم يقتبس الإنسان منه سوى الحمق والخلاعة، هذا هو السبب الحقيقي في ازدياد الطلاق نموًّا كل يوم، فلا يمضي على زواج امرأة برجل ردح من الزمن حتى تقول له: حاذر أن أتركك وأمضي إلى حال سبيلي، سرى ذلك من الربوع العالية في المدن إلى أكواخ الفلاحين، فالفلاحة لأقل شيء تقول لزوجها: خذ قمصانك وسراويلك؛ لأني تاركة لك، وذاهبة مع حبيبي يوسف الذي يفوقك حسنًا وبهاءً.

هذا لأن المرأة خلعت ثياب الحشمة واحترام الزوج، وخرجت من دائرة الخضوع له، تلك الواجبات التي ينبغي أن تبقى عليها حتى انقضاء الأجل.

على الرجل أن يكد ويشتغل، وما على المرأة إلا أن تقيم في البيت؛ لأنها زوجة، أو بعبارة أخرى إناء لطيف سريع الانثلام والانكسار.

على الرجل أن يراقب سلوك امرأته ولا يطلق لها العنان؛ بل يحجبها في البيت، والبيت دائرة حرية واسعة للمرأة، ثم ختم هذه السطور بمثل روسي؛ وها هو:

لا تركن إلى الفرس في الغيط، واركن للمرأة في البيت.

وقال عن الحب والزواج: إن دوام الحب بين الزوجين من رابع المستحيلات، إنه قد يكون حب؛ ولكن إلى وقت قصير جدًّا، ثم لا يدوم إلا في الروايات فقط، وأما بين الناس فعديم الاستقرار في قلبين معًا، وكل رجل — متزوجًا كان أو غير متزوج — إذا اجتازت به غادة فتانة فأكثر ما يكون منه أن يوجه إليها التفاتة، وقد يبذل بعضهم كل مرتخص وغال بعد ذلك في سبيل الوصول إليها، والمرأة من هذا القبيل كالرجل؛ فإنها تجتهد للاتصال بأكثر من واحد دائمًا، وما دام يمكنها هذا الاتصال فهي نائلة أربها لا محالة.

إذا قلنا: إنه يمكن للمرأة أن تحب زوجها طول الحياة فما مثلنا في ذلك إلا مثل من يوقد شمعة وهو يعتقد أنها تدوم مضيئة طوال الدهر.

إن الزواج أصبح في عصرنا هذا بيننا محض خداع، ولكنه لا يزال يوجد عند أولئك الذين يرون فيه سرًّا من أسرار الدين؛ كالمسلمين، والصينيين، والهنود، أما نحن فلا نرى فيه غير تلك المقارنة الحيوانية.

الزوجان يخدعان الناس بأنهما يعيشان معًا في ارتباط عائلي حقيقي بالزواج، يظهر كذلك أمرهما في الخارج لكل من رآهما، وأنهما سيبقيان في تمام الوفاق ما دامت الحياة، والحقيقة أنهما يعيشان على قاعدة تعدد الزوجات، ولكن من الجانبين وبهذا التكافؤ قد يتفقان زمنًا، وعلى الأكثر إن كليهما في الشهر الثاني يهدد صاحبه بالطلاق، وقبلما يتمكنان من وسائله، وعن ذلك تصدر الأفكار الخبيثة الجهنمية التي ينجم عنها إطلاق الرصاص انتحارًا أو قتلًا أو دس السم وما أشبه.

وقال في الفساد المنتشر بين الناس: وتفسد أخلاق الشاب في المدرسة؛ لأن جميع رفاقه فسدة الأخلاق يصحبونه معهم إلى أندية الرجس فيفقد طهارته وعفته من حيث لا يدري، إن في فعله هذا ما يخالف الآداب والفضيلة، تفسد أخلاق الشاب من أول نشأته؛ لأنه لا يسمع من مرشديه أن الفسوق محرم، بل بالعكس يسمع أن صحة الجسم تستلزم بعض الشيء، وجميع المحيطين به يقولون: إن الوقوع شيء طبيعي قانوني مفيد للصحة، وفاكهة الشباب الحلوة، لهذا كله لا يدرك الشاب أنه سائر في طريق الضلال، بل يقطع الطريق الطبيعية التي يسير فيها كل صحبه وأفراد الوسط الذي يعيش فيه، فيبدأ بالفحشاء كما يبتدئ بشرب المسكر والتدخين.

وأنا أعرف أمهات كثيرات يعتنين بأمر أولادهن في هذا الطريق؛ رعاية لصحتهم، بقي على الشاب أمر واحد يخشى عاقبته من ارتكاب الموبقات، وهو العدوى من المرض المشهور، غير أن الحكومة التي تهتم بصحة رعاياها لم تدع مجالًا للخوف؛ فإنها بهمة فائقة تعتني اعتناءً تامًّا بالمواخر، والأطباء كهنة أصنام العلم، يراقبون المومسات لقاء أجور يتقاضونها، وهم من جهة أخرى يفتون للشباب بضرورة الاجتماع ولو مرة في الشهر؛ مراعاة لقانون الصحة.

فهم على ذلك يرتبون سير الفحش ترتيبًا مدققًا ويضبطون دوائره ضبطًا «محكمًا».

ليت الحكومة التي تهتم اهتمامًا عظيمًا بإزالة الزهري معالجةً تستعمل جزءًا من مائة من ذلك الاهتمام من إزالة المومسات؛ فيصبح إذ ذاك في خبر كان.

وقال في حفلات الرقص الساهرة: يجري بيننا وتحت نظرنا من الأمور السافلة ما لا طاقة لذي ناموس وشرف على احتماله، يزورنا رجل لا نجهل من سيرته شيئًا؛ فنستقبله أحسن استقبال، وعندما يدخل قاعة الضيوف يجالس أختي أو ابنتي أو قرينتي؛ حيث يتركني وشأني، أو أتركه وشأنه، وربما أعرف من سلوكه وتصرفاته ما أعرف، فكان يلزم — والحالة هذه — أن أتقدم إليه عند قدومه، وأتنحى به جانبًا، وأقول له هامسًا: إني يا صاح أعرف أحوالك، وأين تصرف لياليك، ومع من، فليس لك عندنا مكان؛ لأن فتياتنا طاهرات.

كذا كان ينبغي أن يفعل كل واحد منا، ولكنا نجري على العكس مما تقدم، فإذا اجتمعنا مع هذا الرجل في ليلة راقصة؛ كان له أن يرقص مع أختي أو ابنتي؛ ويعانقها ويخاصرها، نراه بأعيننا، ونشاهد حركاتهما معًا؛ غدوًّا أو رواحًا، وميلًا واهتزازًا، ولا تشمئز منه نفوسنا؛ بل نتساءل إذا كان حرًّا لنسعى في تزويجه بإحدى بناتنا، ولو كان أثر المرض باديًا عليه.

ثم قال عن الأزياء، وحالة الطبقة العالية من نساء أوروبا: إننا لو أمعنا النظر في معيشة نساء الطبقات العليا كما هي من قلة الحياء والخلاعة لا نجد ثَمَّ فرقًا بين البيت الذي يضمهن، ونادي مومسات مختلط.

ولكن الناس لا يوافقونني على كلامي هذا، فأنا إذًا أقيم لهم برهانًا حسيًّا:

هم يقولون إن نساء هيئتنا الاجتماعية يعشن بحالة تخالف معيشة المومسات، وأنا أخالفهم في ذلك وأقول: إذا كانت النساء تختلف في حالة المعيشة الداخلية، فمن الحقائق المقررة أن ما يكون خارجًا منهن أثر المعيشة في الداخل، وهذه يلزم أن تخالف معيشة المومسات من كل وجه، ولكن أنا لا أرى فرقًا كبيرًا بين معيشة الفريقين في الخارج، قابلوا أيها الناس بين المومسات وبين نساء الطبقة العليا تجدوهن متفقات في الهيئات والأزياء والروائح العطرية وإعراء السواعد والمناكب والصدور، ووضع الوسادة خلف الظهر أينما جلسن وأينما ركبن، وفي اقتناء أنفس الجواهر والحجارة الكريمة اللماعة، وفي المراقص والغناء.

وكما أن المومسات يستعملن كل الوسائط الفعالة لغواية الشبان وجذبهم واستمالة النفوس حتى يصبو لهن كل راءٍ، كذلك نساء الطبقات العالية يفعلن في وسطهن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤