الفصل التاسع

كانت السيدة أوفيليا سانت كلير قد سافَرت من ولاية فيرمونت لتُدير شئون منزلِ ابن عمها؛ ذلك أن زوجته — التي هي والدة إيفا — كانت مُعاقة. إن أيًّا ممن يُسافرون في إقليم نيو إنجلاند سيَتذكَّر قريةً جميلة يقع بها منزلٌ ريفي كبير يُعتنى به كثيرًا، وكل شيء به نظيف وفي مكانه، ولكلِّ مهمةٍ وقتها المخصص لها ولا تعرف الفوضى له طريقًا. لقد تركَت السيدة أوفيليا منزلًا منظمًا كهذا وذَهبَت لتُشرِف على مائة عبدٍ زنجي يُحدِثون هرجًا ومرجًا؛ ما يُؤدي إلى إحداث فوضَى كبيرة في المنزل على وجه العموم. لكنَّ تلك المرأة الطويلة القامة التي تنتمي إلى إقليم نيو إنجلاند لم تشعُر بالإحباط حِيالَ ما رأت أنه واجبُها. بالإضافة إلى ذلك، كانت السيدة أوفيليا تُحب إيفا، وكانت تتُوق لأن تُعوِّضها عن حُب الأم الذي فقدَته تلك الطفلة من جهة والدتها الأنانية. كانت المَزرَعة إحدى أجمل وأكبر المزارع في ولاية لويزيانا. وكان المنزل الذي بُني على الطِّرازَين الفرنسي والاستعماري هو منزلًا قديمًا وجميلًا، وكان مَسرحًا للكثير من المرح خلال فصول الشتاء، وكان العبيد فيه سُعداءَ تحت إشراف السيدة أوجاتين سانت كلير التي اتسمَت إدارتُها للمنزل بأنها مُستهتِرة ومتراخية. لم تكن السيدة سانت كلير أبدًا متراخية أو مستهترة، ولكنها كانت كسولةً للغاية لتهتمَّ بإدارة شئون المنزل؛ لذلك بدأ عمل السيدة أوفيليا، وشَعرَت العمة دينا العجوز بالغضب حين قامت السيدة أوفيليا بجولتها الأُولى في المطبخ. كان المطبخ كبيرًا وأرضيته حجَرية، وبه مِدْفأةٌ كبيرة تمتد بطول أحد جوانبه. لم تَقُم العمة دينا من مكانها، بل ظلَّت جالسةً على الأرض تُدخِّن غَلْيونها القصير في صمت.

figure
السيدة أوفيليا.

شَرعَت السيدة أوفيليا بفتح مجموعةٍ من الأدراج وقالت: «ما الغرض من هذا الدرج؟»

قالت دينا: «إننا نضع به أيَّ شيء تقريبًا.» وهكذا كان الحال فعلًا؛ فمن بين الأشياء الكثيرة التي كان يحويها، أَخرجَت السيدة أوفيليا أحد مفارشِ المائدة الفاخرة، وكانت العمة دينا قد لَفَّت بها قطعة من اللحم النَّيِّئ.

«ما هذا يا دينا؟ لا ينبغي لك أن تُغلِّفي اللحم النَّيِّئ في أفضل المفارش التي تستخدمها سيدتُك أثناء تناوُل الطعام!»

«عُذرًا، سيدتي؛ كانت المناشف كلها مفقودة؛ لذا فعلتُ ذلك. وقد تركتُه لأغسله بعد ذلك؛ لهذا وضَعتُه في ذلك الدرج.»

figure
العمة دينا.

قالت السيدة أوفيليا في نفسها «انعدام كفاءة!» واستكملَت البحث بالدُّرج، حيث وجدَت مِبشَرة لجَوز الطِّيب واثنتَين أو ثلاثةً من ثمار جوز الطيب، كما وجدَت كتابًا للترانيم الميثوديَّة، ومناديلَ متَّسِخة من قطن المادراس، وأداوتٍ للغزل والحياكة، وورقةَ تبغ وغَلْيونًا، وبعضَ البسكويت، وطبقًا أو اثنَين من الأطباق الصينية المُذهَّبة بهما معجون عطريٌّ، وزوجًا أو اثنَين من الأحذية القديمة، وفوطةً معلَّقة بحِرص تحتوي على بصلٍ أبيضَ صغير، وعدةَ مناديلَ فاخرةٍ لمائدة الطعام، ومجموعةً من المناشف الخشِنة، وبعضَ خيوط الجدْلِ والرَّتْق، وعدةَ أوراقٍ مُهترِئة تتسرَّب منها في الدرج أعشابٌ حلوة.

قالت السيدة أوفيليا بنَبرةٍ تُوحي بأنها فقَدَت صبرها: «أين تحتفظين بثمار جوز الطيب يا دينا؟»

«في أيِّ مكان سيدتي؛ هناك بعضها في ذلك الإبريق المكسور هناك، كما يُوجَد بعضها في تلك الخِزانة.»

قالت السيدة أوفيليا وهي ترفَع بيدِها بعضَ ثمار جوز الطِّيب: «وبعضها هنا في المبشرة.»

قالت دينا: «أجل، لقد وضعتُها فيها هذا الصباح؛ فأُحب أن أُحافِظ على الأشياء في مُتناوَل يدي.»

قالت السيدة أوفيليا وهي تُمسِك بالأطباق التي تحتوي على المعجون العِطْري: «وماذا يكون هذا؟»

«أه، إنه زيتٌ لشعري، لقد وضَعْتُه هنا ليكون في مُتناوَل يدي.»

«أتَستخدِمين أفضل الأطباق المذهَّبة الخاصة بسيدتكِ في هذا؟»

«أوه، لقد فَعلتُ ذلك لأنني كنتُ على عَجَلة من أمري، كنت سأُنظِّف الأطباق اليوم.»

«وهاكِ اثنَين من مناديل الطاولة من النوع الفاخر.»

«لقد وضعتُهما هناك لأغسلَهما في يومٍ ما.»

«أهناك مكانٌ تَستخدمِينه هنا لغَسلِ الأشياء؟»

«في الواقع، أَحضَر السيد سانت كلير ذلك الصندوق وقال بأنه يُمكِن استخدامه لذلك، لكنني أُحب أن أصنَع عليه عجين البسكويت، وأحيانًا أضَع عليه الأشياء، ثم إن رفع الغِطاء ليس سهلًا.»

«لماذا لا تصنعين عجين البسكويت على طاولة العجين هناك؟»

«أوه، سيدتي، تلك الطاولة تَعُجُّ بالأطباق وبأشياءَ أخرى، وليس هناك مِساحةٌ كافية لذلك، مستحيل.»

«لكن ينبغي عليكِ أن تَغسلي الأطباق وتَضعيها في أماكنها.»

قالت دينا بنَبرةٍ عالية وكأنَّ غضبها بدأ يزداد، فغَطَّى على احترامها لسيدتها: «أغسل الأطباق! أريد أن أعرف ما تعرفه السيدات عن العمل! متى سيتناول سيدي غَداءَه إذا كنتُ سأقضي وقتي كلَّه في غَسْل الأطباق ووضعها في مكانها؟ لم تُخبرني السيدة ماري بهذا أبدًا.»

«َحسنًا، وهذا البصل.»

قالت دينا: «أوه، أجل! ها هم، لم أكن أَتذكَّر مكانَهم. كنتُ أَحتفِظ بهذا البصل بالذات من أجل طبَق الحساءِ الخاص بكِ. لقد نَسيتُ تمامًا أنني وضَعتُه في تلك الفوطة القديمة.»

ثم أمسَكَت السيدة أوفيليا بالأوراق المُهترِئة التي تحتوي على الأعشاب الحُلوة.

قالت دينا بنَبرةٍ حازمة: «أرجوكِ سيِّدتي لا تَلمَسيها. أُحِب أن أحتفظ بالأشياء في الأماكن التي أعرف أنني تركتُها بها؛ حتى يتَسنَّى لي مَعرفة مكانها.»

«لكنكِ لا ترغبين بهذه الأوراقِ المهترئة.»

قالت دينا: «إنني أَستخدِم هذه الثقوب الموجودة في الوَرَق في رَشِّ الأعشابِ فيكونُ الأَمْر أكثر سهولة.»

figure
توبسي.

«لكنك ترَين أن الأَعشابَ تَتناثَر في كل مكان.»

قالت دينا بينما توجَّهَت نحو الدرج على مضَض: «أوه، أجل! إذا كانت سيدتي ستَعبَث بالأشياء فستتناثر الأعشاب بكل تأكيد. لقد بعثَرتِ الكثير منها بالفعل بهذه الطريقة. إذا ما صعِدَت سيدتي للدور العُلوي حتى يأتي الوقت الذي أُرتِّب فيه الأشياء، فسيكون كل شيء في مكانه، لكنني لا أستطيع فعل شيء حين تكون إحدى السيدات هنا؛ حيث يُشكِّلنَ لي عائقًا. يا سام، لا تُعطِي الطفلة تلك السكرية! سأُحطِّم رأسكِ. أستأذن منكِ!»

«إنني أطوفُ بالمطبخ لكي أضع كل شيءٍ في مكانه ولمرةٍ واحدة يا دينا! وأتوقَّع منكِ أن تُحافظي على كل شيء في مكانه.» وبدأَت السيدة أوفيليا العمل، بينما نظَرت إليها توبسي وهي تبتسم.

كانت توبسي هي إحدى أَطرفِ أبناء عِرْقها وأكثرهم سوادًا، وحين اشتراها السيد سانت كلير — جُزئيًّا بسبب شعوره بالشفقة تجاهها — من أسيادها القُساة وقدَّمها إلى السيدة أوفيليا، شَعَرت تلك المرأة الصالحة بأنها مشدوهةٌ حتى كادت تَفقد الكلام. كانت الفتاة ترتدي جوالًا من أجولة القهوة، وكان شعرها مُضفَّرًا بأذيالٍ صغيرة بَرزَت من رأسها وكأنها سِنان الرماح، وكان وجهها المليء بالتجاعيد غريبَ الشكل وكئيبًا وكأنه وجهُ بومة، عدا تِلكما العينَين المتلألئتَين اللَّعوبتَين. أما نظراتها وأسلوبها فكان بهما شيءٌ مخيف، وابتسم السيد سانت كلير حين رأى نظرةَ الرعب على وجه ابنة عمه حين رأَت الطفلة وقال:

«توبسي، هذه هي سيدتُكِ الجديدة. فهل ستكونين فتاةً مطيعة؟»

قالت توبسي بينما لمعَت عيناها الماكرتان: «أجل سيدي.»

قالت السيدة أوفيليا: «والآن يا أوجستين، ما فائدة إحضار هذه الطفلة إلى هنا؟ المنزل يعُجُّ بالأطفال السود الآن، ولا يُمكنني أن أطَأ بقدَمي في المطبخ من دون أن أَتعثَّر بأحدهم. إنهم في كل مكان؛ على السلم ويكادون يكونون في السقف. ماذا سأفعل بتلك الفتاة؟»

قال سانت كلير: «أعتقد أنني سآمُر بأن تَغتسِل تلك الفتاةُ أولًا، وسيزولُ عنها بعضُ هذا السواد. ثم سأُرسل في طلب زيٍّ كامل لها، وقد لاحظتُ نقصًا في تكوينها. بعد ذلك، حسنًا، كنتِ دومًا ما تُريدين أن تُعلِّمي طفلةً زَنْجية كيف تعيش الحياة بالطريقة الصحيحة، فإليكِ الخامة. يُمكنك أن تُحاولي معها، أيها المرأة القوية من نيو إنجلاند. وسأَترقَّب النتيجة.»

شَعرَت السيدة أوفيليا أنه كان يُثير غَيظها، لكنها ذَهبَت إلى المطبخ مع توبسي، وحين اغتَسلَت الفتاة السوداء بيدَي العمة دينا القويتَين، تَمَّ قَصُّ شعرها بالمقص وارتدَت الفتاة ملابسَ لائقة لأول مرة في حياتها، وبدأَت السيدة أوفيليا في سؤالها.

سألَتها قائلة: «كم عُمركِ يا توبسي؟»

أجابتها الفتاة بابتسامةٍ أظهرَت صفَّين من الأسنان اللامعة: «لا أعرف سيدتي.»

«لا تعرفين؟ ألم يُخبرك أحد بذلك من قبلُ؟ مَن كانت أمكِ؟»

«لم أحظَ بأمٍّ قَط.»

حدَّقَت بها السيدة أوفيليا في دهشة واستنكار: «لم يكن لك أمٌّ قط؟ ماذا تعنين؟ أين وُلدتِ؟»

«لم أُولَد.»

«توبسي، أنا لا ألعب معكِ. أُريدك أن تقولي لي أين وُلِدتِ ومن هما أبواك. والآن أجيبي بسرعة.»

«لم أُولَد، ولم يكن لي أبٌ أو أم. لقد ربَّاني سِمسارٌ ليبيعَني مع الكثير من الأطفال الزنوج الآخرين. وقد ربَّتني العمة سو العجوز.»

كانت الفتاة صادقةً حقًّا، أما جين وهي الخادمة المسئولة عن غرف النوم فقد أضافت:

«أجل يا سيدتي، كل هذا صحيح. السماسرة يشترونهم وهم صِغار ويُربُّونهم من أجل بَيْعهم.»

«وكم عشتِ مع سيدكِ وسيدتكِ يا توبسي؟»

قالت توبسي: «لا أعرف سيدتي.» ثم في لحظةٍ كانت الفتاة على الأرض تسير على يدَيها بينما قدماها مرفوعتان في الهواء، وذلك قبل أن تصيح بها سيدتُها المذهولة والمذعورة:

«قفي يا توبسي، أيتها الطفلة البائسة وقولي لي: من هما أبواكِ؟»

«ليس لي أم، ليس لي والدان. لقد كِبِرتُ هكذا، ولم يَلِدني أحدٌ على حَدِّ علمي.»

شعرَت السيدة أوفيليا أنها لم تكن تُحرز الكثير من التقدُّم.

فسألَتها: «أتعرفين كيف تَحيكين؟»

«لا يا سيدتي. لا أعرف كيف أَحيكُ.»

«ماذا كنتِ تفعلين لسيدكِ وسيدتكِ؟»

«لا شيء.»

«هل كانوا طيبين معكِ؟»

«أجل، كانوا يتركونني حُرة ثلاث أو أربع مراتٍ في اليوم ليَجعلوني صالحة، لكنني لست صالحة بعد.»

ولمعَت عينا توبسي السوداوان اللعوبتان بينما صاحت بنَبرةٍ صاخبة:

«أوه، أرى مُذنبًا بائسًا، أجل أنا مُذنبٌ بائس؛

أوه، أرى مذنبًا بائسًا،

ولا يُمكنني أن أحصُل على طعام الغَداء،

أجل لا يُمكنني.»

figure
تسير على يدَيها، وساقاها السوداوان مرفوعتان في الهواء.

سايَرَت توبسي إيقاع الأغنية مع حركاتها وهي تُصفِّق بيدَيها وقدمَيها وتصطكُّ ركبتاها بطريقةٍ غريبة وغير ممكنة، وظلَّت تدُور في المكان وتُصفِّق بيدها ثم تَشَقلَبَت فجأةً في أرجاء الغرفة ووقفت وهي تُغنِّي بنَبرةٍ ختامية عالية، وكأنها صوتُ صفيرِ مُحركٍ بخاري.

ارتَجفَت السيدة أوفيليا المسكينة حين فكَّرت في أنها تملك تلك الطفلة القردة، ومن المتوقع منها أن تجعل منها طفلةً تلتزم بتعاليم المسيحية، وكان صوتُها في غاية الضعف حين قالت:

«اصعدي معي إلى غرفتي يا توبسي.»

«هل ستَضربينني؟ هل أُحضر لك عصًا حتى تضربيني بها؟»

صاحت السيدة في عصبيةٍ قائلة: «لا، لا. لن أضربكِ. لا أُريد أن أفعل ذلك أبدًا. إنما سأُعلمكِ كيف تُرتبين سريري.»

نظرَت إليها توبسي من زاوية عينها في شيءٍ من الشكِّ والريبة ثم قالت:

«حَسنًا.»

صَعِدا معًا إلى حُجرة السيدة أوفيليا، وليس بمقدور أحدٍ أن يتخيَّل كمَّ التضحية التي بذَلَتها السيدة العنيدة القادمة من فيرمونت حين سَمحَت لتلك الفتاة الجامحة الصغيرة بلَمس سريرها.

قالت بنَبرةٍ لطيفة: «والآن يا توبسي، انظري، هذه هي حافَة الملاءة، وهذا هو الجانب الصحيح، وهذا هو الجانب الخطأ. هل ستتذكرين؟»

قالت توبسي وهي تَتنهَّد: «أجل سيدتي.»

«حَسنًا، الآن ينبغي أن تجعلي الملاءة التحتية تحت السنادة، دُسِّيها تحت المرتبة، بلطف ورَويَّة، أترين؟»

«أجل سيدتي. أرى.»

«لكن ينبغي أن تفعلي هكذا بالملاءة العليا، بثبات وروية، وتدُسِّيها من الأسفل ناحية الأقدام، وبذا تكون الحافة الضيقة عند الطرَف السفلي. أترين؟»

قالت توبسي: «أجل سيدتي. أجل، أرى.» بينما خَطفَت شريطة شعر وزوجًا من القُفَّازات من طاولة الملابس، وخبَّأتهم في كمها حين كانت السيدة أوفيليا تُدير ظهرها لها.

«أنت فتاةٌ ذكية ولطيفة. أوه، سأصنع منك خادمةً ماهرة، أنا واثقة من ذلك! والآن اسحبي كل الملاءات وأعيدي فَرْشها مرةً أخرى كما أخبرتكِ.»

فَعلَت توبسي ما أمرتها به السيدة فأرضاها ذلك؛ كانت تُمهِّد الملاءة بيدِها، وتُعدِّل من شكل التجاعيد بها، وتَتصَرف بأسلوب حسنٍ للغاية حتى إن سيدتها شَعرَت بالسرور تجاهها. لكن لمَحَت السيدة أوفيليا فجأة طرف الشريطة وهو يَتدلَّى من كُم توبسي، فأمسَكَت بها من كَتفِها في لحظة.

«ما هذا أيتها الفتاة الملعونة الخبيثة؟ أنت تسرقين.»

سَحبَت السيدة أوفيليا الشريطة من كُم توبسي، لكن توبسي نظرت إلى الشريطة في ذهول وقالت:

«يا إلهي، كيف أتت شريطة السيدة فيلي في كُمِّي؟ هذا أغربُ شيءٍ رأيتُه في حياتي.»

«توبسي، لا تكذبي، أنتِ تعرفين أنكِ سرقتِ تلك الشريطة.»

«من؟ أنا؟ لا يا سيدتي، لم أسرقها قَط. لم أرها قَطُّ في حياتي حتى هذه اللحظة.»

قالت السيدة أوفيليا: «توبسي!» وهي تَهزُّها بقوة حتى وقع القُفَّاز من الكُمِّ الآخر على الأرض، فلم تستطع أن تتكلم، لكن توبسي ابتَسمَت ابتسامة عريضة.

figure
«ما هذا أيتها الفتاة الملعونة الخبيثة؟ أنت تسرقين.»

قالت توبسي: «لقد سرقتُ تلك القفازات. لكنني لو كنتُ قد سَرقتُ تلك الشريطة أدعو الرب أن يُميتَني.»

جلَسَت السيدة أوفيليا ونظَرت إلى الفتاة بنظرةٍ صارمة من فوق نظارتها وقالت:

«توبسي، أخبريني بكل شيء ولن أَضرِبكِ إذا ما أخبرتِني الحقيقة. ما الذي أخَذتِه أيضًا؟»

«حسنًا، لقد أخذتُ عِقدَ السيدة إيفا الأحمرَ الذي ترتديه حول رقبتها، وأخذتُ أقراطَ روزا التي تُصلصِل في أذنَيها، و…»

«توبسي، أيتها الفتاة الشقية، اذهَبي وأحضِري تلك الأشياء وكلَّ شيءٍ آخر سرَقتِه، وأحضريها إلى هنا.»

«أرجوكِ سيدة فيلي، لا يُمكنني أن أَفعلَ ذلك، مستحيل.»

«أحضِريها في الحال! هيا!»

«لقد أحرقتُها جميعًا أيتها السيدة فيلي.»

«أحرقتِها! ماذا أفعل بك؟ لماذا فعلتِ ذلك؟»

«لأنني شِرِّيرةٌ وفاسدة. أجل، أنا شِرِّيرةٌ كبيرة. كما أنني أفعل الكثير من الأشياء السيئة. لماذا لا تضربينني سيدة فيلي؟»

في تلك اللحظةِ دَخلَت إيفا في براءة وهي ترتدي حول رقَبتِها العِقد نفسه الذي تحدَّثَت عنه توبسي.

قالت السيدة أوفيليا: «إيفا، كيف حصَلتِ على ذلك العقد؟»

قالت إيفا: «حصَلتُ عليه؟ لقد كنت أرتديه طَوالَ اليوم؟»

«هل كنتِ تَرتدينَه بالأمس؟»

«أجل، وتعرفين ما المُضحِك في الأمر يا عمتي، أنني كنتُ أرتديه طَوالَ الليل. لقد نَسِيتُ أن أَخلعَه حين ذهبتُ للنوم.»

بدَت السيدة أوفيليا مذهولةً تمامًا، وزادت دهشتها حين دَخلَت روزا إلى الحجرة وهي تُمسك بسَلَّةٍ من الملاءات المكوية بينما كان القرطُ يَهتَز في أذنها!

قالت السيدة أوفيليا في يأس: «لا أعرف ما الذي أصنعه بمثل هذه الفتاة! لماذا أخبرتِني أنكِ أخذتِ هذه الأشياء يا توبسي؟»

قالت توبسي وهي تفركُ عينَيها: «لقد قلتِ يا سيدتي إنني لا بد أن أعترف، ولم أستطع أن أُفكِّر في أشياء أخرى.»

قالت السيدة أوفيليا: «لكنني بالطبع لم أكن أريدكِ أن تعترفي بأشياءَ لم تفعليها. ما قُلتِه كان كذبًا كالكذبة التي قُلتِها قبل قليل.»

قالت توبسي بدهشة بريئة: «حقًّا؟»

قالت روزا وهي تنظر بسخطٍ إلى توبسي: «هذه الفتاة لا تعرف الصدق أبدًا. لو كنتُ مكان سيدي سانت كلير لضربتُها؛ كنت أُعاقبها عقابًا شديدًا!»

قالت إيفا بنَبرةٍ آمرةٍ مُهيمنةٍ كانت تتحلَّى بها في بعض الأحيان: «لا يا روزا، لا ينبغي أن تتحدَّثي بهذه الطريقة؛ لا أُطيق سماعَ ما تقولين.»

«سيدتي إيفا! أنتِ طيبة للغاية، ولا تعرفين كيف تتعاملين مع الزُّنوج. صدِّقيني، ليس هناك حلٌّ سوى ضربهم.»

قالت إيفا فيما بَرِقَت عيناها وتَغيَّر لون وَجْنتَيها: «روزا! اصمتي! لا تنطقي بكلمةٍ أخرى من هذا القبيل!»

ارتَعدَت روزا خَوفًا.

ووقفَت إيفا تنظُر إلى توبسي.

«توبسي أيتها الفتاة المسكينة، لماذا تسرقين؟ سنهتمُّ بك كثيرًا. أنا واثقةٌ أنني أُفضِّل أن أعطيَكِ أشيائي على أن تسرقيها.»

كانت تلك الكلمات هي أول شيءٍ طيب تَسمَعه الفتاة في حياتها؛ فتأثَّر قلب توبسي الفظُّ بتلك النبرة الصادقة الحُلوة وبأسلوب إيفا، فلَمعَت في عينَيها الحادةِ المستديرة المتلألئة شيءٌ وكأنه دَمْعة؛ لكن تَبِع ذلك ضحكةٌ قصيرة؛ ذلك أن الفتاة لم تُصدِّق ما سَمِعَته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤