الفصل التاسع

السَّاسة المصلحون

وعلى الجملة ينبغي أن يقال: إن هؤلاء المصلحين المعلمين قد عملوا غاية ما في الوسع للإصلاح والتنبيه وإقامة القدوة المثلى لمن تابعهم من المصلحين والمنبهين.

إلا أن الحقيقة الواقعة تستوجب علينا أن نقول: إن أعمال ثلاثة أو ثلاثين من المصلحين المعلمين لم تكن لتبلغ هذا المدى البعيد من حث العالم الإسلامي واستنهاضه لو لم يكن لهم سميع مجيب من جيشان الشعور بين المسلمين، وإن يكن جيشانًا مبهمًا يتخبط بين غواشي الظلم والظلام.

وفضل العقيدة هو الفضل الأكبر في إعداد النفوس للاستماع من المصلحين، والإيمان بوجوب التغيير، والاتجاه إلى وجهته القويمة، ومن ثم وجدت في الحكومات الفاسدة نفسها عوامل اليقظة والانتباه إلى التغيير أو الإصلاح، فوجد في إيران وزير كميرزا تقي خان يحاول أن يحد من سلطان الشاه ناصر الدين، ووجد في تركية رجال كأحمد مدحت يحاولون مثل هذا من السلطان عبد الحميد، ووجد في مصر رجال كمحمد شريف وأحمد رياض قبيل انفجار الثورة العرابية، ووجد في المغرب أمثال خير الدين، ولم يكن وجودهم مصادفة ولا فلتة من الفلتات العارضة؛ بل كان علامة من علامات الزمن لا بد لها من معقبات وآثار.

(١) المهديُّون

من أقوى الدلائل على عمق الأثر الذي تركته ضربات الاستعمار في أرجاء العالم الإسلامي هذه الظاهرة المتفقة التي تواترت في تلك الأرجاء، ولما ينقضِ على هجوم الاستعمار جيل واحد، خلاصة هذه الظاهرة: أن رد الفعل بعدها قد برز بكل نوع من أنواعه في تلك الأرجاء، فلم يكن في العالم الإسلامي كله بلد خلا كل الخلو من إحداها.

فكما توزع العالم الإسلامي دعوات المعلمين المصلحين كذلك توزع دعوات الساسة وأصحاب الطرق الصوفية ودعوات التجديد أو العودة إلى القديم الصحيح، وتخليصه من شوائب البدع والخرافات، ثم توزعته كذلك دعوات أخرى من نوع آخر، وهي دعوات المهديين الذين زعموا أنهم مبعوثون على موعد، وأنهم رسل الخلاص والنجاة، فظهر منهم من ظهر في الهند، وظهر منهم من ظهر في الرقعة الوسطى من أرض فارس، وظهر غيرهم في وادي النيل، ومن قبل رأينا أن هذه الأقطار هي التي أخرجت للعالم الإسلامي السيد أحمد خان والسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده المصري، وأخرجت كذلك رواد السياسة والوزراء.

ظاهرة تدل على قوة الأثر، وتدل كذلك على حياة البنية التي تستجيب لكل فعل برده الذي يناسبه في حينه، وليست البنية هنا إلا العقيدة التي هي مرجع تلك القوة وتلك المقاومة.

والمهديون نوع آخر من الدعاة، ولكنه نوع له محله وأوانه كيفما كان.

وأشهرهم في عصر الاستعمار ثلاثة: هم ميرزا علي الملقب بالباب، وقد ظهر في إيران، وميرزا غلام أحمد القادياني وقد ظهر في الهند، ومحمد أحمد عبد الله وقد ظهر في السودان.

والغالب — على اعتقاد المؤرخين — أن المهديين قوم خادعون يتعمدون الكذب في دعوتهم، ويسرون غير ما يعلنون من طلب الإصلاح والعناية بشئون الدين.

ولكن الكذب المحض في أمثال هذه الدعوات أمر غير معقول، والأقرب عندنا إلى المعقول في أمرهم، أنهم عاشوا في فترة انتظار متفق عليها، وأنهم نشئوا نشأة «صوفية» في أكثر الأجيال، فاشرأبت نفوسهم أن يكون الرجاء المنتظر على أيديهم، وربما ساورهم الظن أنهم مندوبون لتحقيق الرجاء، فأشفقوا أن ينكلوا عن هذه الندبة، وأقدموا خوف المخالفة، وأملًا في صدق الوعد مع العمل والجهاد، ثم طوتهم الشبكة المعقدة من هواجس ضمائرهم، ومما أحاط بهم من عقائد أتباعهم من ضرورات المواقف المتلاحقة التي لا يسهل الخلاص منها، فأسلموا أنفسهم للحوادث، واعتذروا لها بحسن المقصد وسلامة النية، أو كان منهم من يلج في المكابرة والمغالطة؛ لأنه لا يأمن التراجع ولا يقدر عليه، ومنهم من يخالطه الوسواس فيفعل أفعال المجانين.

ونحسب أن الباب أشد هؤلاء ثقة بنفسه في البداية وأقلهم ثقة بها في النهاية، ولهذا كان أبعدهم عن العقيدة السوية في الإسلام.

الباب

وأول نشأة البابية في عصر الاستعمار شيخ يسمى الحاج كاظم الرشتي الجيلاني، ولد في أول القرن الثالث عشر للهجرة (سنة ١٢٠٥) وتتلمذ على يد الشيخ أحمد الإحساني الذي ولد في البحرين، وجال في بلاد فارس، وتلقى الدروس عن الفلاسفة والمتصوفة، ودان بمذهب الحلول مع تغليبه لمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

وقد أخذ كاظم الرشتي مبادئ الفلسفة والتصوف عن هذا الشيخ الذي تنسب إليه الفرقة «الشيخية» وتعلم من أستاذه أن المهدي المنتظر سابح في عالم الروح يوشك أن يظهر بالجسد خلافًا لاعتقاد الإمامية أنه محتجب بجسده إلى أن يحين يوم الفرج الموعود، وكان من تلاميذ الحاج كاظم فتى يسمى علي محمد، يتنسك وتعاوده حالات الوجوم والغيبوية، فتسمى باسم باب المهدي أو باب الدين، قال: إن المهدي إنما يأتي إلى الدنيا بعد اجتماع الخلق على كلمة تتوافق فيها عقائد الإسلام والمسيحية واليهودية والوثنية، وبث بين أصحابه عقيدة كعقيدة الحلول يزعم من آمن بها أن جسده يستنزل إليه الروح المتشبه به من الشهداء والقديسين، وسبقه أصحابه إلى دعواه فزعموا له أنه تلبس بروح الإمام علي — رضي الله عنه — فنادى من ثم بأنه هو المهدي الموعود، وأنه صاحب كتاب يسمى البيان، هو المشار إليه في القرآن بقوله تعالى: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآن * خَلَق َ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَان [الرحمن: ١–٤].

وتلا على الناس سورًا من هذا الوحي، فعابوا عليه أخطاءه النحوية، فتعلل لها بعلة توائم دعوته التي تحلل المؤمنين بها من قيود العقائد السالفة، وقال: إن الكلمات لمَّا علَّمها الله آدم عصت كعصيانه، فعاقبها الله وقيدها بقيود الإعراب، ثم أذن له أن يطلقها، فهي بعد اليوم في حل من تلك القيود!

وقال ميرزا عبد الحسين صاحب الكواكب الدرية في تاريخ ظهور البابية والبهائية: إن حضرة الباب وضع كتاب البيان، ورتبه على تسعة عشر واحدًا، وقسم كل واحد إلى تسعة عشر بابًا، والآن نقول: إن أبواب هذا الكاب تكون إذن من حيث الجملة والمجموع ثلاثمائة وواحدًا وستين بابًا، وهذا العدد ينطبق على مجموع أعداد حروف (كل شيء) إذا استخرجت بحساب الجمل، وقد خصص حضرته الواحد الأول لنفسه، والثمانية عشر واحدًا الباقية لكبار الصحابة لكل منهم واحدًا، ولما كان حاصل جمع أعداد حروف (ص) إذا استخرجت بحساب الجمل ثمانية عشر؛ لذلك سمي أصحابه المشار إليهم حروف (ص) ونسب انتشار الحركة الروحية ونفخ الحياة الإيمانية — التي برزت، وظهرت تحت ظل البيان — إلى تلكم الأصحاب، ولكن حضرته لم يكمل بقلم كتابة جميع هذه الأبواب، وإنما تمم كتابة آحاد ثمانية وتسعة أبواب من الواحد إلى التاسع فقط تاركًا كتابة البقية الباقية، ويتضح لكل من يطلع على كتاب البيان، ويتصفح ما كتبه الحضرة أن حضرته عهد بمهمة إتمام بقية الكتاب إلى حضرة بهاء الدين، وكذلك كل من طالع كتاب البيان، ودرسه بإمعان، وسبر غور مطالبه تبين له أن الكتاب لا يرمي إلى تشريع كامل مستقل بنفسه، ولا إلى أحكام قائمة على حدة دونت لتقوم باحتياجات أمة في دورة كاملة من دورات الزمن، وإنما يفهم منه أمران: الأمر الأول: حل نظريات اعتقادية إسلامية ومشكلات مهمة أصولية من مثل الرجعة والساعة والقيامة والحياة والموت والجنة، والنار ونحوها، وغير خافٍ أن هذه المواضيع من حيث التفسير والفهم كانت منذ القدم موضع مباحثات علماء الإسلام ومجادلاتهم، ومنشأ اختلافهم في الرأي.

مثال ذلك: أن جمهورًا فهموا من القيامة أنها حشر الموتى بأجسادهم الأولية بعد قيامهم من هذه الأجداث الترابية، وذهب آخرون إلى تفسيرها بظهور المهدي المنتظر، واحتشاد الناس تحت لواء أمره، ونيلهم الحياة الإيمانية من الإيمان به والإيقان بصدقه، والتخلق بالأخلاق الفاضلة الإلهية، وكذلك اختلفوا في معنى الرجعة: فذهبت قبائل إلى أنها عبارة عن رجعة الأئمة السابقين بأجسادهم، ولم تزل هذه القبائل تتصور ذلك إلى اليوم، وآخرون توصلوا إلى خرق حجب الظواهر وإماطة البراقع عن وجوه الحقائق والسرائر، واعتقدوا أن المغزى من الرجعة هو رجوع الآثار والصفات التي كانت كالمعنى الذي يفهم من قول القائل عند امتداح فتى بالشجاعة إن فلانًا رجعة رستم «وهو بطل الفرس المشهور».

وفي هذه النبذة ما يكفي للوقوف على نهج الباب في تأسيس قواعده وعقائده، وهي مزيج من أسرار التصوف والتنجيم، وتأويلات الباطنية، ومحاولات التوفيق بما هو أقرب إلى التلفيق.

أما فرائض البابية: فالصلاة عندهم ركعتان في الصباح، والكعبة عندهم مسجد في شيراز، ثم البيت الذي ولد فيه الباب بمدينة تبريز، والصوم شهر من آخر نزول الشمس ببرج الحوت؛ ليوافق عيد الفطر يوم النوروز أول الحمل، ويجوز الزواج من اثنتين ولا يجوز الطلاق، وشرب الخمر والتدخين محرمان، ولا حرج في شرب الشاي والقهوة، وهذه الأحكام تسري بعدد حروف «المستغاث» بحساب الجمل إلى نيف وألفي سنة، ثم يظهر بإذنه إمام آخر يعيد النظر في جملة تلك الأحكام.

ونقل الدكتور ميرزا محمد مهدي خان في كتابه مفتاح باب الأبواب أنه «كان من جملة دعاته امرأة فتية بارعة الجمال متوقدة الجنان فاضلة عالمة تسمى بأم سلمة١ من بنات أحد المجتهدين في العجم، وكانت متزوجة بمجتهد آخر، طلقت نفسها من زوجها على خلاف حكم شريعة الإسلام، وآمنت بذلك الرجل — أي الباب — عن غيب، وكانت تكاتبه ويكاتبها، فكان يخاطبها في مكاتباته بقرة العين فلقبت بذلك، ولما وقعت المحاربة بين البابيين وعساكر الدولة في مازندران جيشت جيشًا قادته مكشوفة الوجه، وسارت أمامه طالبة إعانتهم، وفي أثناء الطريق قامت في الناس خطيبة، وقالت: أيها الناس! إن أحكام الشريعة الأولى — أعني المحمدية — قد نسخت، وإن أحكام الشريعة الثانية لم تصل إلينا، فنحن الآن في زمن لا تكليف فيه بشيء … فوقع الهرج والمرج، وفعل كل الناس ما كان يشتهيه من القبائح، ثم قبض عليها، وألبست البرقع جبرًا، وحكم عليها بأن تحرق حية، ولكن الجلاد خنقها قبل أن تلعب النار بالحطب الذي أُعِدَّ لإحراقها.»

ويختلف في نسب الباب، ولكنه على الأشهر ينتمي إلى أب بزاز يسمى ميرزا رضا وأم تسمى خديجة، وكان مولده أول المحرم سنة ١٢٣٥ هجرية، ومات أبوه قبل فطامه، فرباه خاله ميرزا سيد علي التاجر، وعلمه الفارسية والعربية وإتقان الخط. أما أتباعه: فيزعمون أنه لم يتعلم، وإنما كان أميًّا يكتب بإلهام من الله، وقد شغل في صباه بالرياضات الصوفية، وتسخير روحانيات الكواكب، وقيل: إنه كان يصعد في بلدة أبو شهر إلى أعلا البيت عاري الرأس، ويمكث في الشمس في الهجيرة إلى العصر حيث تبلغ الحرارة درجة اثنتين وأربعين (سنتجراد) ثم تعتريه من جراء ذلك نوبات، ويعيد الكرة أيامًا على هذه الحال حتى أشفق خاله من عقبى هذه الرياضات الشاقة، فأرسله إلى كربلاء أملًا في شفائه على أيدي الأئمة والمجتهدين، ولكنه أمعن هنالك في رياضاته، وتراءت له الأشباح في خلواته، فكاشف أناسًا صدقوه؛ لأنهم كانوا على رقبة الإمام الموعود، ثم استفحل أمره، واجترأ أتباعه على نشر دعوته، وتهديد من يخالفهم في معتقده، وهبت الثورة باسمه في زنجان ومازندران وتبريز، وعرض أمره على العلماء، فتحرج بعضهم من الحكم بقتله؛ لعله أن يكون مخالطًا في عقله غير مسئول عن فعله، وأفتى غيرهم بوجوب القتل اتقاء للفتنة، فسجن ثم قتل (في سنة ١٨٥٠) وحدث عند إطلاق الرصاص عليه، في زعم البابيين، أنه ظل واقفًا؛ لأن الرصاص قد أصاب قيوده، ولم يصبه في مقتل، ولكن شهود الحادث من غير البابيين يقولون: إنه مات، وألقيت جثته في خندق فأكلتها السباع.

وكان الباب قد أوصى قبل اعتقاله باتباع خليفته ميرزا يحيى الذي نعته بصبح أزل، فانتقل صبح أزل إلى بغداد، ومعه أخوه ميرزا حسين علي الملقب بالبهاء، ثم اختلفا، فانقسمت الطائفة إلى فرقتين تعرف إحداهما باسم الأزلية، وتعرف الأخرى باسم البهائية، ونشط كلاهما للدعوة في البلاد الإسلامية وغيرها، ولم يبق من أتباعهما في العصر الحاضر غير القليل.

مهدي السودان

أشرنا فيما تقدم إلى علامات كثيرة من علامات التوقع والاستعداد في العالم الإسلامي عند أواسط القرن التاسع عشر بعد اصطدام الشرق بغزوات الاستعمار، ونضيف إلى هذه العلامات علامة أخرى في هذا الصدد نلمحها في التجاوب السريع بين بلدان المسلمين لكل خبر من أخبار الدعوات والحركات العامة، وبخاصة ما كان من أخبار الثورة والتغيير، فلم يكد داعية البابية يلقى مصرعه حتى تسامع بهذا المصير مسلمو الهند وإفريقية الشرقية والوسطى على التخصيص، وهي قديمة الصلة ببلاد إيران، لا تنقطع عنها أخبارها من صدر الإسلام، وقد ترجع هذه الصلة إلى حقبة طويلة قبل البعثة المحمدية.

ولو كان الباب قد انتصر في معاركه مع جند الحكومة الإيرانية لكان هذا الانتظار خليقًا أن يوصد الطريق على من يطمحون إلى ادعاء المهدية بعده، ولكن خذلانه على نقيض ذلك قد فتح الطريق في الهند وإفريقية ومواطن شتى لمن يطمحون إلى نصيب يكون خيرًا من نصيبه، ويؤمنون في سريرتهم بصلاحهم وصلاح أوقاتهم للقيام بالرسالة المهدية.

وكان أقوى من تصدى للقيام بالرسالة المهدية بعد الباب: «محمد أحمد» الذي اشتهر باسم المهدي السوداني، ويلفت النظر في هذا المقام أن دعوته الأولى كانت باسم الإمام الثاني عشر الذي يترقبه الشيعة الإماميون، وقد نشأ بين أهل الطريق، وقرأ أشراط الساعة في كتب محيي الدين بن عربي، واطلع على قول ابن حجر والسيوطي: إن من هذه العلامات خروج صاحب السودان، ولم يكن في السودان يومئذ من يشك في اقتراب الساعة؛ لسوء الحال، وشيوع الفساد، واجتراء المفسدين على الجهر بمنكراتهم حتى اجترأ بعضهم على زفاف الغلمان بدلًا من النساء، فلما انهزمت الدعوة المهدية في إيران تهيأت الأذهان في البلدان الأخرى لقبول دعوة غيرها يكتب لها النجاح، ووافق ذلك سخطًا عامًّا بين كبار الزعماء الذين كانوا يتجرون بالنخاسة وبين العامة الذين أرهقتهم الضرائب وبين التجار الذين كسدت مرافقهم؛ لاضطراب المواصلات، وتتابع المنازعات بين مصر والسودان والحبشة، فتهيأت العقول للإصغاء إلى دعاة الإصلاح أو دعاة التغيير كيف كان.

وينتسب المهدي إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويقال: إن أجداده الأقربين أقاموا بإقليم المنيا زمنًا بعد مقامهم إلى جوار الفسطاط، ثم انتقل بعضهم إلى بلاد النوبة، ثم استقروا في دنقلة، ثم انتقل أبوه عبد الله إلى الخرطوم فعمل فيها بصناعة السفن، وتوفي بقرية كررى إلى جوار أم درمان.

وقد ولد له ابنه محمد من زوجته آمنة (سنة ١٨٤٥) وفي مكان مولده خلاف، إلا أنه على القول الأشهر قد ولد بجزيرة لبب، ومات أبوه وأمه وهو صغير.

ودرج الطفل الصغير في موطن يكثر فيه أبناء الطريق، وهو يطيل التفكير في يتمه، وفي المشابهة بينه وبين النبي عليه السلام باسمه واسم أبيه وأمه، فمال إلى النسك والعبادة، وحفظ القرآن ودرس الفقه وطرفًا من التاريخ، وأخذ نفسه بالرياضة الصارمة؛ فاجتنب الملاهي، وحرم على نفسه ما يستباح من غشيان مجامع الطرب والغناء، وكانت صرامته هذه مثار الخلاف بينه وبين أستاذه الشيخ محمد الشريف أحد مشايخ الطريقة السمانية؛ لأنه سمح لتلاميذه ومريديه بالغناء والرقص في الاحتقال بختان أبنائه، فأنكر عليهم محمد أحمد هذه المجانة، وغضب عليه أستاذه ففارقه، ولاذ بشيخ آخر من شيوخ الطريق بجزيرة أبا إلى أن استقل بالمشيخة، وناهز الأربعين، ووافق ذلك لقاءه للشيخ عبد الله التعايشي من المشتغلين بالتنجيم، فطابق ما عنده من علامات الحروف والحساب على ظهور المهدي، وتبادلا التشجيع والتعاون على بث الدعوة باسم المهدي الموعود ووزيره «صاحب الخرطوم» كما جاء في بعض النبوءات.

وبعد وقائع بينه وبين جنود الحكومة تم له الظفر بالحملة المعروفة باسم حملة هكس، وهي حملة لم يكن لها نظام، ولا مدد من الذخيرة والمال، بل كان جنودها يجمعون جزافًا من المجندين المرفوضين في القرعة العسكرية، وكانت الحكومة البريطانية تعوق مصر عن إرسال المال اللازم والعدة الضرورية لتسيير الحملة إلى كردفان، فلم تستطع أن ترسل لقائدها غير أربعين ألف جنيه من المائة والعشرين ألفًا التي طلبها، وأبرق اللورد جرانفيل من لندن إلى القاهرة في السابع من شهر مايو سنة ١٨٨٣ يعلن «أن حكومة جلالة الملكة غير مسئولة بحال من الأحوال عن حملة السودان التي تولتها الحكومة المصرية بأمرها، ولا هي مسئولة عن تعيين القائد هكس أو أعماله»، ونشب الخلاف بين قادة الحملة؛ لقلة وسائل النقل، وصعوبة التخلف في وقت واحد بعد أن تسامع أهل السودان جميعًا بتأهب الحكومة لتجريد حملتها منذ عدة شهور، واستبد هكس برأيه في اختيار الطريق مع ندرة الماء، وارتياب الخبراء بأمانة الأدلاء. فوقع الجيش في كمين بعد كمين، ثم فوجئ بضعفي عدده من الدراويش، وهو على غاية الجهد من العطش والجوع والتعب، فلم يفلت منه غير آحاد معدودين، وكان عدد الدراويش أكثر من عشرين ألفًا قتل منهم بضع مئات، وبلغ القتلى من الحملة المصرية نحو عشرة آلاف.

كانت هذه الكارثة ذريعة لإكراه الحكومة المصرية على إخلاء السودان، فانحصرت القوة التي رفضت الإخلاء بقيادة جوردن في مدينة الخرطوم، ثم انقطع عنها المدد تنفيذًا لسياسة الإخلاء، وتمهيدًا لإعادة فتح السودان باسم جديد، فاضطرت المدينة بعد اليأس من النجدة إلى التسليم.

وقد تقدم أن القوم عاشوا ردحًا من الزمن يترقبون ظهور المهدي المنتظر، ويتخيلون أنهم يلمسون حولهم أشراط الساعة من عموم الفساد وسوء الحال وغلبة الكفر على الإيمان، وقد شهدوا انتصار صاحبهم على الجيوش التي حسبوها من قبل قوة لا تغلب، فكان هذا حسبهم من دليل على صدق دعواه، ومن بقي من دهمائهم منكرًا لهذه الدعوى، فإنما كان ينكرها؛ لأنه يأتم بإمامة لا تقبلها ولا تقول في علامات المهدية بقولها، ومنهم أتباع الميرغنية والسنوسية والتجانية، وبعضهم كان يستمع إلى فتاوى العلماء خارج السودان بإنكار هذه المهدية.

ويبدو أن صاحب الدعوة قد توطدت في نفسه الثقة برسالته ممن عاينه حوله من دلائل الإيمان به، وانتظار الفلاح على يده، فأكثر من كتابة الكتب إلى الأمراء والملوك يدعوهم إلى تصديقه، وينذرهم عاقبة الكفر به، وأشفق أن يلتقي أتباعه خارج السودان بمن يشككهم فيه؛ فحظر الخروج، وحرم الذهاب إلى الحج، وأقنعهم بكفاية الحج إلى مقامه، ومن أمثلة كتبه التي كان ينشر بها رسالته قوله في منشور عام: «أخبرني سيد الوجود بأن الله جعل لي على المهدية علامة، وهي الخال على خدي الأيمن، وكذلك جعل لي علامة أخرى تخرج راية من نور، وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل عليه السلام فيثبت الله بها أصحابي وينزل الرعب في قلوب أعدائي، فلا يلقاني أحد بعداوة إلا خذله الله، هذا وقد أخبرني سيد الوجود بأن من شك في هديتك فقد كفر بالله ورسوله كررها ثلاث مرات، وجميع ما أخبرتكم به من خلافتي على المهدية فقد أخبرني به سيد الوجود يقظة في حالة الصحة، وأنا خالٍ من الموانع الشرعية لا بنوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون، بل متصف بصفات العقل أقفو أثر رسول الله بالأمر فيما أمر به والنهي عما نهى عنه، وليكن في معلومكم أني من نسل رسول الله ، فأبي حَسَنِيٌّ من جهة أبيه وأمه، وأمي كذلك من جهة أمها، وأبوها عباسي، والعلم لله إن لي نسبة إلى الحسين.»

ولم يطل بقاء محمد أحمد بعد سقوط الخرطوم، فأصابته حمى التيفوس، وتوفي صيف سنة ١٨٨٥، وكانت آخر كلماته: «… إن النبي اختار الخليفة عبد الله الصديق خليفة لي، وهو مني وأنا منه، فأطيعوه ما أطعتموني، أستغفر الله.»

القادياني

كان من أسباب ذيوع الأخبار عن مهدي السودان في البلاد الآسيوية، ولا سيما الهند والصين، أنه هزم القائدين هكس وجوردون، وكان أولهما من قواد الجيش الإنجليزي الذين اشتركوا في قمع الثورة الهندية سنة ١٨٥٧، وثانيهما من الضباط الدوليين الذين اشتركوا في تدريب الجيش الصيني على النظام الحديث، وقمع الثورة على حكومة بكين.

فلما قتل هكس وجوردون في حروبهما مع مهدي السودان طارت الأنباء بوقائعه إلى كل مكان، وخشيت الحكومة البريطانية عاقبة الإيمان به، ولما تهدأ عقابيل الثورة في الهند، فكان هذا على الأرجح باعثًا من بواعث عطفها على الحركة القاديانية الهندية عسى أن يكون الإيمان بصاحبها ميرزا غلام أحمد صارفًا للقوم عن تصديق المهدي السوداني، ومعززًا للعقائد الحديثة التي كان يبثها بين أتباعه، وقوامها إسقاط فريضة الجهاد بالسيف، وإيجاب الجهاد بالإقناع والبرهان.

وقد كان مولد ميرزا غلام أحمد سنة ١٨٣٩ بقرية قاديان من أسرة عريقة آلت بها الحال إلى الخمول والفاقة بعد الثروة، فتعلم في مكتب القرية، وعمل في وظيفة حكومية صغيرة، وشب وهو يسمع الأقاويل عن كرامات أبيه، ومنها أنه كان يعرف المولود من أبنائه قبل أن يولد ويسميه باسمه، وقد سمى أبناءه جميعًا بأسماء النبي وألقاب الأمراء، فمنهم سلطان أحمد ومحمود وبشير أحمد وولي الله ومبارك أحمد، وبنت تسمى بعدة أسماء من أسماء نساء آل البيت.

نشأ الغلام منقبضًا عن الناس جانحًا إلى العزلة، ومطالعة الأسفار القديمة من كتب الشيعة والسنة وكتب الأديان الأخرى، وقد لقي في سياحته من أنبأه بموافقة أحواله وأحوال زمنه لعلامات المهدي المنتظر، وجعل من هذه العلامات: خسوف القمر وكسوف الشمس، وانتشار الوباء وخروجه من المشرق، وسبق الدعاة الكذابين لدعوته، ولم يقصر علاماته على الكتب الإسلامية؛ بل ذكر منها ما جاء في الإصحاح الحادي والأربعين من سفر أشعيا، وفي «الجاماسبي» من كتب المجوس، فلما حدث الخسوف والكسوف في شهر رمضان (سنة ١٨٩٤ ميلادية) كانت هذه الآية عنده وعند أتباعه برهانًا من الله على أنه هو صاحب الزمان الموعود.

وقد زعم أنه المسيح المنتظر، وألف كتابًا سماه: «البراهين الأحمدية على حقيقة كتاب الله القرآن والنبوة المحمدية» وفسر ظهر المسحاء الذين يظهرون بعد الإسلام بأنهم هم الأولياء ورثة الأنبياء، وقال إنه محدث، ولم يثبت أنه ادعى النبوة إنما دعواه — على قول الأكثرين من أتباعه — إنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، وقد جاء في باب إزالة الأوهام: «لا أدعي النبوة وما أنا إلا محدث»، وقال في منشور أبريل سنة ١٨٩٧: «لعنة الله على كل من ادعى النبوة بعد محمد».

ومدار الرسالة القاديانية كلها على التوفيق بين الأديان، وتدعيم السلام بين الأمم، وفي كلام القادياني ما يشبه القول بالحلول فهو يتلبس بروح السيد المسيح وروح كرشنا رب الخير عند البراهمة، كما يتلبس بأرواح غيرهم من الصالحين، وقد توفي سنة ١٩٠٨، فانقسم أتباعه إلى فريقين: فريق يسمى: الأحمدية، وهم الذين يؤمنون بإمامته ولا يؤمنون بنبوته، وفريق يسمى: القاديانية، وهم القائلون بنبوته وحجتهم التي يقابلون بها عقيدة الإسلام في ختام النبوة بعد البعثة المحمدية أن «خاتم» التي وردت في القرآن الكريم إنما وردت بفتح التاء بمعنى الزينة … وينكرون قراءة ورش بكسر التاء متشبثين بقراءة حفص عن طريق عاصم، ولكن الفرقة الأخرى تورد من كلامه ما يبطل دعوى النبوة على غير معنى المجاز، وتستشهد بآخر كلامه في حقيقة الوحي، ونصه بالعربية: «وما عنى الله من نبوتي إلا كثرة المكالمة والمخاطبة، ولعنة الله على كل من أراد فوق ذلك، أو حسب نفسه شيئًا، أو أخرج عنقه من الربقة النبوية، وأن رسولنا خاتم النبيين، وعليه انقطعت سلسلة المرسلين، فليس من حق أحد أن يدعي النبوة بعد رسولنا المصطفى على الطريقة المستقلة، وما بقى بعده إلا كثرة المكالمة، وهو بشرط الاتباع لا بغير متابعة.»

ويبدو أن الفرقة القاديانية كانت أقرب الفرقتين إلى هوى الدولة البريطانية؛ لأنها لم تكن تعارض الحكومة، ولم تتورع عن اشتراط الطاعة لها على من يدخلون في زمرتها، وقد كتب أحدهم في كتاب فارسي باسم «تحفة شاه زاده ويلز» يقول فيه وهو يدعو ولي العهد إلى الإسلام: «إن هذه التحفة تقدم إليك من الجماعة التي صبرت على مصائب شتى ثلاثين سنة أو أكثر على أيدي أعدائها وذويها من جراء ولائها لجدتك الموقرة الملكة فكتوريا، ثم جدك العظيم الإمبراطور السابق إدوارد السابع، ثم والدك الجليل الإمبراطور الحالي، ولم تكن قط طالبة مكافأة حكومية، وما زال منهج هذه الجماعة من يوم تأسيسها أن تطيع الحكومة القائمة، وتنكب عن جميع أنواع الفتنة والفساد، وأن مؤسسها عليه السلام كان وضع شرطًا من شروط المبايعة التي لا تسمح لأحد أن ينضم إليها إلا على عهد العمل بها، وهو أن تطاع الحكومة القائمة.»

ويعتذر أصحاب هذه السياسة برعاية الضرورة والتوسل بسلطان الدولة إلى تيسير الدعوة، ولكنها قوبلت بالنقد الشديد من أتباع القادياني أنفسهم بعد نشاط نهضة الاستقلال، وقيام الدعاة إلى نصرة الخلافة، وكان لهذا الانقسام السياسي أثره الأكبر في تفرق أتباع الطائفة إلى أكثر من فرقتين، على كونهم جميعًا لا يزيدون على مائة ألف أو نحوها، ولهم مع هذا التفرق إيمان وثيق بصدق دعوتهم، ودأب عظيم على نشرها في العالم بمختلف اللغات.

(٢) تعقيب

أولئك المهديون الثلاثة أنماط متقاربة للدعوة المهدية في عصر الاستعمار، يتشابهون أو يختلفون على حسب ما أحاط بهم في بلادهم من دواعي الاستعمار وموانعه، وعلى حسب المذهب الذي توارثوه من أسلافهم، والتربية التي هيأت أفكارهم وعقائدهم، فهم أبناء ماضيهم وحاضرهم في مواضع الشبه بينهم ومواضع الخلاف، ولا يلوح لهم في الوقت الحاضر مستقبل يرتبط بمستقبل الإسلام غير ما انتهوا إليه.

ونحن كلما أمعنا في استقصاء سيرتهم، وما تأثروا به من أحوال زمانهم، بدا لنا أن التاريخ يظلمهم إذا وصفهم بالدجل المتعمد، وفرغ منهم على هذه الصفة، فإنهم على الأغلب الأعم من ظواهرهم مسوقون إلى دعوتهم على الرغم منهم، وربما انساقوا إليها وهم مؤمنون بها، ثم دار بهم دولاب الحوادث دورته التي لا فكاك منها، فاستعصى عليهم الفكاك من وثاقه، وأصبح الرجوع عن الدعوة بعد ذلك أخطر عليهم وعلى أتباعهم من المضي فيها.

يفيض العصر الذي ينشئون فيه بحوافز الترقب والأمل واليقين بالتغيير الذي لا محيص منه، وقد تكون عوامل هذا التغيير موصوفة لديهم بارزة لهم في الصورة التي يتخيلونها كما تبرز صور السحاب لمن يحاول أن يرتق فتوقها على مثال مرسوم.

وبين هذه الهواجس والقلاقل تنو النفوس القلقة المتشوفة، فيتفق حتمًا لزامًا أن يكون منها من يتعلق بالغيوب، ويروض عقله على استصلاح خفاياها، وتطول مناجاته لنفسه وتساؤله عن واجبه، فيخطر له أنه مندوب لأمر جسام يروقه أن يصبح أهلًا له، ويخيفه أن يكون هو المقصود به، ثم ينكل عنه خوفًا من تبعاته وأهواله، وكلما طالت به المناجاة والتساؤل تمكن الخاطر منه، وتلمس الخلاص من شكوكه بالمزيد من الرياضة والاستعداد، عسى أن يلهمه الغيب سبيل الرشاد، ويجلو له حقيقة الأمر الذي هو في ريب منه، وإذا احتجبت عنه آيات الإلهام فترة فليس بالعجيب في هذه الحالة بين الأمل والخوف أن يذكر فترات الحيرة التي مرت بالرسل الكرام، ويحسبها من ضروب الامتحان والتمحيص في انتظار الموعد الموقوت، وقد يصادفه بين هواجس هذه الحيرة من ينفضها عنه ببارقة رجاء وكلمة تشجيع، فيتشبث بها ويستصعب إهمالها، وما أسرع النفس إلى التشبث بأمثال هذه العلالة في أمثال هذه المآزق والأزمات.

ثم يخطو الخطوة الأولى فلا يعدم من يخطوها معه ويسبقه إلى ما بعدها، ثم تدفعه المصادفات تارة وتصده تارة حتى يتوسط الطريق، وتنسد وراءه شيئًا فشيئًا منافذ الرجوع، إن فكر في الرجوع، ولن يلبث بعد ذلك أن يعلق بدولاب الحوادث فتوحي إليه أمرها بحكم الضرورة قبل أن يوحي إليها، فإن خامره شك فلعله يحسب في هذه المرحلة أن المصلحة في التقدم أكبر وأضمن من المصلحة في التراجع والنكوص، ويزعم لضميره أنه إنما يريد الخير، ولا يحاسبه الله إلا بما نواه.

على أن العبرة من هذه الحركات جميعًا أن ضجتها أعظم جدًّا من جدواها، وأنها تجشم الأمم كثيرًا ولا تنفعها ببعض ما تتجشم من أهوالها ومتاعبها، وتنجلي الغاشية وقد حبطت الحركة في أول أغراضها، وأضافت نحلة جديدة إلى النحل التي أرادت أن تمحوها وتدمجها في كيانها، وقد تنشعب الحركة شعبًا شتى بين أتباعها ومريديها، وهي لم تتحرك أول الأمر إلا على أمل التوفيق بين النحل التي تنازعت ضمائر الناس قبلها.

ولو وضعت كل هذه الدعوات في الميزان لرجحت عليها جميعًا دعوة التعليم والتقويم، وهي أقلها ضجة وأطولها أمدًا وأبقاها ثمرة، ففي كل ما أجملناه من الدعوات ونهضات الإصلاح لم ينتفع الإسلام بمنفعة محققة أثبت وأعظم من منفعة التعليم على هدي العقيدة النيرة والخلق المكين، ولم يخدم الإسلام أحد في العصر الحديث كما خدمه المعلمون من طراز أحمد خان وجمال الدين ومحمد عبده، ويشبههم في النفع بين أهل البادية دعاة السلوك الحسن والاستقامة من أصحاب الطرق المخلصين.

وخير خدمة للإسلام تجلت لنا في ضوء تجاربه من مطلع القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين هي الخدمة التي تكفل للمسلم أن يؤمن بعقيدته، ولا يتخلف عن عصره في علومه ومعارفه ومقتضيات أعماله، أو هي خدمة التوفيق بين الدين وعلوم التقدم، وغاية ما نلاحظ على أساليب التوفيق أننا لا نستصوب التعجل بتفسير الكتاب على الوجوه التي تتراءى لأول وهلة من نظريات العلم وفروض العلماء المحدثين؛ لأن النظريات تتبدل وشواهد الواقع تتراءى في كل حقبة على غير صورتها في الحقبة التي تسبقها أو التي تليها، ومثال ذلك تفسير السماوات السبع بالسيارات السبع في المنظومة الشمسية، وقد ينكشف كما انكشف فعلًا بعد سنوات أن السيارات والنجيمات عشر، ولا حصر للشهب الصغار التي تشرق وتغرب في هذا المدار.

وعبرة الدعوات جميعًا منذ أواسط القرن التاسع عشر أنها تنحصر في كلمتين قال بهما رائد الهند وإمام مصر، وهما: العلم والإيمان.

١  قال الدكتور في التعليق على هذا: إن الصحيح أن اسمها زرين تاج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤