المفاجأة!

حرص «أحمد» أن يبتعد بالقارب عن الشاطئ بسرعة، فلم يكن من المستبعد أن يطاردهم رجال «مانسيني» في قاربهم … وهكذا، أطلق للقارب العنان، مخلِّفًا وراءه أضواء «جواد يلوب» الخافتة …

انهمك الشياطين في تنظيف أنفسهم، وتضميد جراحهم التي خلَّفتها الرحلة المُرهقة داخل مَزارع القصب المتشابكة … والصراع مع العصابة …

وهبَّت ريح استوائية قويَّة لعبت بالقارب، ولكنه ظلَّ محافظًا على اتجاهه … وبعد نصف ساعة ازدادت سرعة الرياح … ثم أخذ المطر يهطل … وأسرع الجميع إلى بطن القارب … بينما ظل «أحمد» و«عثمان» عند عجلة القيادة وأمامهم خريطة للمنطقة …

ذهب «عثمان» إلى بطن القارب، وعاد بكوب من الشاي الساخن ﻟ «أحمد»، وجلسا يتحدثان.

قال «عثمان»: أعتقد أن عليك العودة قرب الشاطئ مرة أخرى … فهذه الرياح سوف تتحول إلى عاصفة بعد قليل … ومن الأفضل أن نكون قُرب الساحل!

أحمد: معك حق … ولكني أريد أن أقوم بدورة واسعة، ثم أتَّجه مباشرة إلى «سان فرنسيسكو» … إنها مدينة كبيرة، ومن الصعب العثور علينا فيها.

ولكن ما قال «عثمان» تحقق في دقائق؛ فقد اشتدت العاصفة، وأخذت الرياح الهوجاء تدير القارب في كل اتجاه … والأمواج العاتية ترفعه وتُخفضه … وأخذ الشياطين اﻟ «١٣» يقفون على أهبة الاستعداد، في حالة غرق القارب الذي ظل طافيًا رغم كل شيء …

أخذت العاصفة تشتد … وتدفقت المياه داخل القارب … وانهمك جميع الشياطين في نزحها.

كان صراعًا بينهم وبين المياه أيهما يغلب الآخر … واشترك في المعركة … المطر والرعد والبرق، وكل عناصر الطبيعة …

طلب «أحمد» من كل واحد أن يربط نفسه إلى القارب، بعد أن لاحظوا أن بعض الشياطين تكاد تقذف بهم الأمواج إلى المحيط، حيث لا يتمكن أحد من إنقاذهم …

ظلَّ الصراع مستمرًّا طول الليل بين الشياطين وعناصر الجو المُخيفة … حتى إذا أقبل الفجر هدأ كل شيء فجأة … وأوقف «أحمد» محرك القارب، وتركه متوقفًا … وانطرح نائمًا كبقية الشياطين.

عندما استيقظ الشياطين في منتصف النهار … كانت في انتظارهم مفاجأة كاملة … فتحوا أعينهم على رجال يحملون المسدسات والمدافع الرشاشة … ويبتسمون في هدوء … كانوا رجال «مانسيني»، ووقع الشياطين اﻟ «١٣» في أيديهم غنيمة باردة.

أحس «أحمد» بفداحة الخطأ الذي وقع فيه الشياطين، لقد أهملوا في الاحتياطات … وفي الحراسة … لقد كان معهم عذرهم؛ لأنهم قضوا ليلة رهيبة في مكافحة الرياح والأمواج … ولم يكن في طاقة أي واحد منهم أن يظل مستيقظًا دقيقة واحدة بعد الجهد الذي بذلوه.

ولعلَّ «أحمد» خفف اللوم على نفسه قليلًا عندما صعد إلى سطح القارب، وشاهد الغوَّاصة التي كانت تقف بجوار القارب … إنها غوَّاصة قادرة على أسرهم في أي وقت … بل وقتلهم ببساطة … ودُهش حقًّا كما دُهش بقية الشياطين؛ لأن «مانسيني» يملك غوَّاصة … ولكن الإجابة على ذلك جاءت فيما بعد.

نزل الشياطين إلى الغوَّاصة تحت تهديد السلاح … ووُضعوا في زنزانات، كل واحدة تتسع لأربعة منهم … ثم سمعوا هدير المحركات، وعرفوا أن الغوَّاصة تنزل مرة أخرى إلى جوف المحيط، كان «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» و«خالد» معًا في زنزانة واحدة … لم ينطقوا بكلمة واحدة … فقد كان الموقف أكبر من الكلمات … فلأول مرة في تاريخ الشياطين اﻟ «١٣» يقعون جميعًا في مصيدة واحدة … ومهما كانت الأسباب؛ فإن رقم «صفر» لن يغفر لهم ما حدث.

بعد ساعة تقريبًا فُتح الباب ودخل أحد الرجال المسلحين … وطلب منهم التوجه معه لمقابلة «مانسيني» …

كانت مفاجأة أن «مانسيني» نفسه في الغوَّاصة … وساروا في دهليز ضيق مُضاء، حتى وصلوا إلى مقدمة الغوَّاصة، حيث شاهدوا قاعة القيادة المستديرة … وفي طرفها باب فتحه الرجل ودخلوا …

ووجدوا «مانسيني» أمامهم مباشرة … كان جالسًا إلى مكتب صغير، وقد وضع قدميه فوق المكتب، بينما يضع يديه خلف رأسه وبدا مُرهَقًا … ولكنه كان يبتسم، وقال على الفور: لقد أرسلت في طلبكم لأن لي حديثًا معكم يهمكم قدر ما يهمني!

لم يرد أحد من الشياطين، فمضى يقول: لقد قاتلتم ببسالة وأنا معجب بكم … ولكنكم شُبَّان صغار … وما يهمني حقًّا هو القيادة التي تتولى توجيهكم … إنني أعلم أنكم تنتمون إلى منظمة عربية لمقاومة الجريمة … وفي ملفات سادة العالم معلومات كثيرة، ولكن تنقصها الدقة … فما هي هذه المنظمة؟ ومن هو الرجل الذي يقودها؟

رد «أحمد» بسرعة، على غير المتوقع، قائلًا: إن محاولتك معرفة المنظمة التي ننتمي إليها ليست المحاولة الأولى … إن مئات قبلك قد حاولوا، ولكن لا أظن أن أي شخص سيصل إلى شيء!

قال «مانسيني» بحدَّة: إنك أكثر ثقة بنفسك مما توقعت … لا بد أن تعرف أن هناك وسائل كثيرة لانتزاع المعلومات منكم … فإذا لم تتحدث أنت … فسيتحدث غيرك!

أحمد: إنني أتحدث باسمي، واسم جميع زملائي!

مانسيني: إن عندنا من وسائل الإرغام ما لا تتصورها!

أحمد: لك أن تُجرب جميع الوسائل التي تراها … وسوف ترى!

مانسيني: إن هذه الغوَّاصة هي معمل أبحاث … وقد حصلنا على تصريح بها على هذا الأساس. لقد تصورتم أنكم قضيتم على مقر سادة العالم في عش النسر … وذلك وهم كبير … إن «عش النسر» تحت الأرض … وما تم تدميره فوق الأرض ليس شيئًا مهمًّا … إنه مجرد «ديكور» للمقر الكامل تحت الأرض حيث توجد ثلاث غوَّاصات من هذا النوع … وفي هذه الغوَّاصة التي ستأخذنا الآن إلى المقر الخفي توجد جميع الوسائل العلمية التي عرفها العالم، والتي لم يعرفها، في مجال التعذيب، وانتزاع الاعترافات …

أحمد: عليك أن تُجرِّب … وعلينا أن نحتمل!

مانسيني: إن في إمكاني أيضًا أن أُسلِّمكم إلى العدالة … فقد قمتم باختطافي دون سبب … وحجزي دون سبب … وفي إمكان رجال الشرطة أن يُحقِّقوا معكم لانتزاع الاعتراف … وستواجهون أحكامًا بالسجن مددًا طويلة!

كان هذا التهديد صحيحًا … فهذا الرجل في نظر القانون مواطن أمريكي شريف … ولا أحد يعرف أنه يقود أعتى منظمة إجرامية في العالم … واختطافه واحتجازه جريمتان أمام القانون.

نهض «مانسيني» واقفًا، ثم ضغط على مفتاح أمامه، فانفتح باب حديدي ثقيل … خلفه، كانت نافذة من الزجاج السميك … وشاهد الشياطين منظرًا لا يُنسى … كانت الغوَّاصة تُطلق ضوءًا قويًّا يبدِّد ظلام المحيط … واستطاعوا أن يشاهدوا الكائنات البحرية على مختلف أنواعها، وهي تسير في هدوء بين الصخور والشُّعب الضخمة …

قال «مانسيني»: في استطاعتي أن أُطلِقَكم الآن إلى أعماق البحر حيث تفترسكم أسماك القرش المتوحشة، ولكني سأمنحكم فرصة أخرى.

خرج الشياطين من غرفة «مانسيني»، وهم يُدركون أنه يمكن فعلًا أن يَقضي عليهم في دقائق … وأن الإبقاء عليهم ليس إلا للحصول على اعترافاتهم …

دخلوا إلى زنزانتهم الحديدية … وجاء أحد الحراس لهم بالطعام … ولكنهم جميعًا نظروا إلى الحارس في دهشة شديدة … لقد كان صورة طبق الأصل من «عثمان» … كأنهما توءمان وُلدا معًا لا يختلفان في أي شيء … وكانت مفاجأة تستحق التفكير …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤