ثانيًا: تسميته

اختلفت آراء القدماء حول تسمية هذا العلم، هل هو «علم الكلام» أو «علم التوحيد» أو «علم الذات والصفات» أو العلم الذي يدور حول «الله والرسول» كما هو واضح في الشهادتين، أو «علم أصول الدين» أو «علم العقائد» أو «الفقه الأكبر»؟ وقد كانت لكل تسميةٍ ظروفُها وبواعثها وربما أهدافها، لم ينتشر الاسمان الأخيران كثيرًا؛ «فالفقه الأكبر» كان تسمية القرن الثاني حتى قبل أن يبدأ العلم كبناء نظري وليس كمجرد نظريات متفرقة في بعض موضوعاته المتناثرة طبقًا للظروف والأحداث، و«علم العقائد» تسمية متأخرة متضمنة في «علم التوحيد»، أمَّا الأسماء الثلاثة الأولى فهي الأسماء الأكثر شيوعًا.

(١) علم الكلام

بلغت أهمية موضوع «الكلام» الإلهي درجة أنه أصبح الموضوع الأوَّل للعلم، ولكون صفة الكلام من أكثر الصفات المتنازَع عليها.١ والحقيقة أن اعتبار «الكلام» موضوعًا للعلم تجاوز عن موضوع العلم ذاته، فالكلام أحد موضوعات العلم وليس موضوعه الأوحد، ولا يمكن أخذ أحد أجزائه واعتباره موضوع العلم كله وهو التوحيد أو العقائد أو الدين، كما أن «الكلام» ذاته موضوع جزئي من موضوع أشمل وأعم وهو موضوع الصفات، فهو الصفة السادسة من صفات الذات السبع (العلم، القدرة، الحياة، السمع، البصر، الكلام، الإرادة)، أمَّا السؤال الذي من أجله تطايرت الرقاب وقُضيَ على الحريات، وقاسى المفكرون بسببه أشنع أنواع الاضطهاد وهو: هل الكلام قديم أم حادث؟ فإنه ينطبق على سائر الصفات. لم يحدث النزاع في الكلام فقط حتى يكون الكلام هو موضوع العلم بل حدث أيضًا في الصفات وفي الأفعال، بل وفي الإلهيات وفي السمعيات كلها بابي العلم الرئيسيين، كما وصل الخلاف إلى حد القتال وشق الأمة إلى فرق متنازعة متحاربة في موضوع الإمامة، آخر موضوع في السمعيات؛ فاعتبار «الكلام» موضوعًا للعلم ليس بأولى من اعتبار الموضوعات الأخرى من موضوعات العلم كذلك؛ فهي ليست أقل أهمية سواء من الناحية النظرية أو من الناحية العملية.٢
ويحتوي «الكلام» على التباس: هل هو صفة الله، قديمة أم حادثة، أم هو كلام الله الذي أوحى به إلى الرسول، وهو القرآن الكريم؟ والأول لا علم لنا به إلا من خلال الثاني، وبالتالي يكون الوحي من حيث هو كلام أي قرآن هو موضوع العلم كما هو الحال في العلوم الإسلامية الأخرى، خاصةً علوم القرآن والتفسير، أو حتى العلوم النقلية العقلية مثل علم أصول الفقه وعلوم الحكمة أو علوم التصوف أو العلوم الإنسانية مثل علوم اللغة والأدب، علم الكلام إذن هو علم «وضعي» يدرس ما هو كائن، وهو القرآن، كتاب محسوس وملموس، ويخرج من هذا الالتباس الأوَّل التباس ثانٍ، وهو أن هذا الكلام هل هو «كلام الله» باعتباره مصدر الوحي أو «كلام الإنسان» باعتباره متلقِّي الوحي وقارئه بصوته، فاهمه بعقله، مدركه بتجربته، محققه بإرادته؟ الكلام الأوَّل لا يمكن معرفته معرفة مباشرة إلا من خلال الكلام الثاني؛ وبالتالي يكون «كلام الإنسان» حديثًا عن «كلام الله» في عقله وقلبه وبلسانه وصوته، يكون حديثًا عن الله Discours sur Dieu وليس حديثًا من الله Discours de Dieu، وفي هذه الحالة يمكن للكلام باعتباره الوحي الموجود أمامنا المقروء بصوتنا، المتلو بلساننا، المكتوب بأيدينا، المرئي بأعيننا، المحفوظ في صدورنا، المفهوم بعقولنا والمؤثر في حياتنا، وليس الكلام كصفة لذات مشخصة بل كموضوع موجود بالفعل في وحي؛ أي في معطى تاريخي مدون وملموس، محدود ومتعين — يمكن لهذا الكلام أن يكون موضوعًا للعلم بل لعدة علوم منها: علم النقد التاريخي، وهو العلم الذي يدرس صحة الكلام في التاريخ، طرق ضبطه، ووسائل نقله، شفاهيًّا كما حدث في علم الحديث أو كتابةً كما حدث في علوم القرآن.٣ علم القراءات واللهجات، وهو العلم الذي يدرس كيفية قراءة القرآن وضمان عدم وقوع اللحن فيه، وهو ما قد يكون أولى مراحل التحريف عمدًا أو عن غير عمد.٤ علوم اللغة من أجل ضبط الكلام ومعرفة التركيب اللغوي لعبارات الوحي حتى يمكن فهم معناه؛ فاللغة أحد وسائل الفهم، وإليها تنضم علوم البلاغة للتعرُّف على النواحي الجمالية في أسلوب الوحي وتعبيراته، صوره وخيالاته.٥ علوم التفسير، وهي العلوم التي تحاول فهم النصوص والعثور على المعاني، إمَّا بالرجوع إلى اللغة أو إلى أسباب النزول أو إلى حوادث التاريخ أو إلى تاريخ الأديان والعقائد السابقة … إلخ؛ لذلك تكون التفسيرات لغوية أو أخلاقية أو فقهية أو فلسفية أو عقائدية أو صوفية أو تاريخية أو علمية أو أدبية أو اجتماعية، كل ذلك يتوقَّف على غاية المفسر ومنهجه واحتياجات عصره.٦ وإذا كان القدماء قد قاموا قدر طاقتهم وطبقًا لظروفهم بجعل «الكلام» موضوعًا للعلوم القديمة المرتبطة باللغة، فإننا قد نكون أقدرَ على جعله موضوعًا للعلوم الإنسانية الحديثة، فباستطاعة علم النفس البحث عن الأسس النفسية التي يقوم عليها الكلام، صياغةً أو فهمًا أو تأثيرًا في سلوك الأفراد والجماعات، ويمكن لعلم الاجتماع البحث عن الأسس الاجتماعية التي عليها قام «علم الكلام» ومعرفة الظروف الاجتماعية التي كانت وراء نشأته كما هو معروف في «علم اجتماع المعرفة»،٧ ويمكن لعلم السياسة البحث عن نشأة علم الكلام في ظروف سياسية خاصة، واستعمال الوحي لإفراز إمَّا تراث للسلطة أو تراث للمعارضة كما هو واضح في أدبيات الفرق، ومدى استمرار ذلك حتى الآن في علاقة السلطة بالمعارضة واعتماد كل منهما، خاصةً السلطة، على الموروث العقائدي القديم، وقد يجد كثير من المشاكل الكلامية حلوله في مثل هذه العلوم الإنسانية، فهي موضوعات إنسانية، دراستها في العلوم الإنسانية وبمناهجها، وليست موضوعات «لاهوتية» مقدسة تنبع من مصدر قبلي وهو النص الديني أو ترتبط بذات مشخصة خارج الزمان والمكان، وقد يكون تاريخ «الإلهيات» وتاريخ التفسير مرآة تعكس الإنسانية عليه ظروف كل عصر تمر به أو مشجبًا تعلِّق عليه آمالها واحتياجاتها وطموحاتها التي تحقَّقت أو التي لم تتحقق؛ فهي جزء من «تاريخ الأفكار»، وتاريخ الأفكار جزء من التاريخ الاجتماعي.٨
وقد يعني «الكلام» المنهج وليس الموضوع، منهج التفكير أو منهج الحوار أو منهج التأثير أو أسلوب التعبير، فعلم الكلام عند القدماء يورِّث القدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات وإلزام الخصوم، فالكلام بالنسبة للدين كالمنطق بالنسبة إلى الفلسفة.٩ وذلك قد يكون صحيحًا، فالكلام منطق الدين، وفي هذه الحالة تكون تسمية «علم أصول الدين» أفضل لأنها تشير إلى البحث عن أصول العقائد؛ أي الأسس النظرية التي تقوم عليها، ويبقى «علم الكلام» تاريخًا لعلم أصول الدين، أي اجتهادات الأصوليين في إيجاد صياغات عصرية للعقائد تعبِّر عن احتياجات كل عصر؛ فإذا كان «علم الكلام» هو تاريخ العقائد، فإن «علم أصول الدين» يكون هو الجانب النظري فيه، إذا كان الأوَّل أقرب إلى الوقائع يكون الثاني أقرب إلى الماهيات، وقد تشتق التسمية خاصةً من منهج الحوار، فالعلم «يتحقق بالمباحثة وإدارة الكلام، وغيره يتحقَّق بالتأمُّل ومطالعة الكتب»، صحيح أن المنهج الغالب على العلم هو الحوار والمناقشة، ولكن مادة الحوار مستقاة من الكتب، سواء القرآن أو كتب المنطق والفلسفة، وكتب الحكماء الأولين بالإضافة إلى المنبهات الخارجية من الوقائع الاجتماعية وحوادث التاريخ، كما أن الحوار أحد مظاهر الفكر وليس كل نشاطاته؛ إذ تسبقه التجربة الحية، وصياغاتها الفكرية، ويتلوه التأثير على السامعين ومحاولات فهمه، وقد تكون التسمية من شدَّة منهج الحوار، فأصبح علم الكلام «أكثر العلوم خلافًا ونزاعًا، فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين والرد عليهم»، وفي هذه الحالة يتحوَّل الحوار إلى نقاش، والنقاش إلى خلاف، وهو صحيح أيضًا إلا أن الحوار أيضًا أحد مظاهر نشاط أعم وهو الفكر الحي الذي يقوم على تجارب وتفسير نصوص، وتحركه بواعث وأهداف ومصالح، كما قد ترجع التسمية إلى قوة الأدلة حتى صار «هو الكلام دون ما عداه من العلوم كما يُقال للأقوى من الكلامين هو الكلام»، وهذا غير صحيح لأن معظم أدلته ضعيفةٌ يسهل الرد عليه ومناقضتها بأدلة أقوى منها، وبالتالي فهو علم «لا يقنع الذكي، ولا ينتفع به البليد»، ما أسهل نقد أدلة المتكلمين، بعضها بالبعض الآخر حتى تتكافأ الأدلة حتى لقد أصبح من السهل إثبات الشيء ونقيضه من متكلم واحد أو من متكلمين مختلفين طبقًا للمزاج أو للمهارة أو للمصلحة، وقد ترجع التسمية إلى اعتماد الأدلة العقلية على الأدلة السمعية وتأثيرها في القلب وقدرتها على الإقناع الحسي التخييلي، فسُمِّيَ بالكلام المشتق من «الكَلْم» وهو الجرح، وهذا صحيح فقط في حالة توافر الإيمان، وافتراض الإيمان سلفًا بموضوع البرهان، ولكنه غير صحيح مع البرهان العقلي الخالص الذي لا يبدأ بالإيمان بل بالعقل وحده والذي لا يعتمد على الحس والتخييل بل على الحجَّة والدليل، وقد تكون التسمية لأنه «أول ما يجب من العلوم التي إنما تتعلم وتتعلم بالكلام، ثم خص به ولم يطلق على غيره تمييزًا»، والحقيقة أن كل العلوم تتعلَّق بالكلام موضوعًا وحوارًا وتعبيرًا، ولا يوجد دافع خاص على التخصيص، بل إن علوم اللغة قد تكون أولى بالتسمية لأنها هي التي أخذت الكلام موضوعًا لها، وقد تكون التسمية «لأن عنوان مباحثه كان قولهم الكلام في كذا وكذا …» والحقيقة أن هذا هو أسلوب القدماء في تبويب الفصول، سواء في علم الكلام أو في غيره من العلوم، كما أنها عادةً لا يتبعها كل مصنِّفي العلم.١٠ وأخيرًا يصعب قبول هذه التسمية، «علم الكلام»، في حياتنا المعاصرة نظرًا لسيادة الكلام على مستوى الشعوب والقيادات، بل وربما التاريخ المعاصر كله، وهي «العنتريات التي ما قتلت ذبابة»، حروب الإذاعات، وصحف المعارضة، ورفع الشعارات، والواقع كما هو لم يتغير قيد أنملة حتى ليؤرخ لحياتنا المعاصرة بتاريخ الخطب السياسية والبيانات الحزبية والبرامج السياسية باستثناء بعض مظاهر المقاومة للمحتل في الأرض، مقاومة بطولية، كشهادات في التاريخ، وكقدوة فعلية للجماهير والنظم، وكبلورة ممكنة لنضال أوسع، وكمؤشر حاضر على أن عشرات البيانات عن حقوق الإنسان والتصريحات عن استنكار الضمير العالمي، وإعلانات لجان التحقيق لن تمنع طفلًا أو امرأةً أو شيخًا من أن يموت ذبحًا، وما زلنا منذ فجر النهضة الحديثة نصرخ: «ما أكثر القول وأقل العمل».١١ ونتهكم على شعوب الكلام، وثقافات اللغة، ومعلقات العصر الحديث على أستار القدس!

(٢) علم أصول الدين

وتُشير هذه التسمية الثانية إلى أن مهمة العلم هو البحث عن «أصول الدين»، وهي عند القدماء أصول عقلية يتم الحصول عليها عن طريق تأسيس العقائد في العقل، أصل الدين في العقائد، وأصل العقائد في العقل، والعقل عند القدماء أيضًا يشمل كل شيء؛ الحس والعقل، الحدس والاستدلال، الاستنباط والاستقراء، المعرفة العقلية والمعرفة التجريبية، المعارف النقلية وشهادات التاريخ.١٢
لذلك يُقرن «علم أصول الدين» بعلم آخر هو «علم أصول الفقه»، والعنصر المشترك بينهما هو «الأصل»، وبلغتنا المعاصرة التأصيل، وهو البحث عن الأسس النظرية التي يقوم عليها العلم، وفي نفس الوقت تكون هذه الأسس هي بناء الواقع ذاته وإلا كانت مجرد افتراضات نظرية لا أساس لها في العقل أو في الواقع، التأصيل هو البحث عن المبادئ الأولى للعلم Axiomatique وهي في نفس الوقت القوانين التي تتحكم في بناء العلم، والعلاقة بين العلمين عند القدماء، علاقة أصول النظر بأصول العمل؛ فأصول النظر موضوع «علم أصول الدين»، في حين أن أصول العمل موضوع «علم أصول الفقه»، ولما كان الهدف من تأصيل النظر توجيه السلوك يكون علم أصول الدين نظرية السلوك، ويكون علم أصول الفقه معيار السلوك، علم أصول الدين يحدد التصورات للعالم، ويحدِّد رسالة الإنسان في الحياة، موقفه من العالم، وعلاقاته بالآخرين، بينما علم أصول الفقه يعطيه مقاييس السلوك، ويصف له كيفية تحقق الأفعال في مواقف معينة، فهو إذن علمٌ معياريٌّ عمليٌّ في حين أن علم أصول الدين علم نظري خالص، يكون نظرية المعيار وأساس القياس.
ويكون التقابل أحيانًا بين «علم أصول الدين» و«علم الفقه» دون توسُّط علم أصول الفقه، وفي هذه الحالة تكون مهمة علم أصول الدين النظر ومهمة علم الفقه العمل، فإذا كان الفقه هو العلم العملي الخالص الذي يصف أفعال الناس، ويقنِّن سلوكهم، وكان علم أصول الفقه هو العلم «النظري العملي» الذي يُعطينا نظرية العمل ومنطق السلوك ومناهج الفعل، فإن علم أصول الدين هو العلم النظري الخالص الذي يضع الأساس النظري للسلوك، هو إذن نظرية «النظرية العملية» أو علم «العلم العملي»، وبتعبير أبسط يكشف التقابل بين علم أصول الدين وعلم الفقه عن أن علاقة التوحيد بالشريعة هي علاقة النظر بالعمل، ولما كان النظر أصل العمل، فعلم أصول الدين أصل علم الفقه.١٣ لذلك تقسم الفرق إلى أهل الأصول وأهل الفروع؛ وبالتالي يكون علم أصول الدين هو علم الفرق في الأصول، وعلم الفقه هو علم الاختلاف في الفروع، والأول أخطر من الثاني وأهم.١٤ وكان نتيجة فصل العلمين عند القدماء إلى علم للأصول وعلم للفروع أن لم يحدث أن تبيَّن أحد كيف تخرج العلوم العملية من الأصول النظرية، بل قد تحول التوحيد إلى عقائد نظرية مغلقة على نفسها، وكأنها حقائق مستقلة بذاتها وليست أيضًا دوافع للسلوك وبواعث على العمل، كما تحول الفقه إلى مجرد طاعة للأوامر واجتناب للنواهي على نحو عملي خالص يصل إلى حد العادات والأعراف، مع أن المهم في التأصيل أيضًا هو كيفية خروج العمل من النظر، وتحقق النظر في العمل خاصةً وأن كليهما «علم الأصول»؛ ومِنْ ثَمَّ تكون تفرقة القدماء بين الاعتقاديات باسم التوحيد والعمليات باسم الفقه قد أدَّت إلى جعل الاعتقاديات مجردَ إيمانيات منفصلة عن العمليات دون أن يكون لها أي أسس عقلية، كما تجعل العمليات مجرد عبادات وشعائر تتم ممارستها بالعادة والتكرار، وكيف تكون العقائد كلها نظرًا لا صلة لها بالعمل، ويكون الفقه وحده هو العمل لا صلة له بالنظر؟ وبالرغم من محاولة القدماء الربط بين الاثنين عن طريق الصلة بين اليقين والظن، وهي صلة نظرية منطقية خالصة؛ فالأصول يقينية يمكن الاستدلال عليها والبرهنة على صدقها، والفروع ظنية لأنها مجرد اجتهادات عملية لتحقيق مصالح الناس إلا أن الصلة ظلت أيضًا مبهمة، فكيف يخرج الظن من اليقين؟ وإذا كانت الأصول النظرية يقينية لأنها الأسس التي تعتمد على اتساق العقل وقوانين المنطق، وكانت التطبيقات العملية ظنية لأنها الفروع التي تقوم على المصلحة التي قد تختلف من فرد إلى فرد، ومن جماعة إلى جماعة، ومن مكان إلى مكان، ومن عصر إلى عصر، فكيف يكون أساس العمل يقينًا ويصدر عنه عمل ظني؟ كيف يمكن من هذه الأسس النظرية الواحدة التي لا تتغير بتغيُّر الزمان والمكان، ولا تختلف باختلاف الشعوب والأوطان استخراج عمليات تختلف باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف الشعوب والأوطان؟١٥

إن أهمية «الأصل» هو في البحث عن الأساس، والأساس في «العقل المصلحي» الذي يجتمع فيه علم أصول الدين وعلم أصول الفقه أو علم الفقه، العقل المصلحي هو الذي يجمع بين العقل النظري والعقل العملي، لقد أدى الفصل بين العلمين في حياتنا المعاصرة إلى الفصل بين العقيدة والاستدلال؛ وبالتالي غياب التأصيل في العقل وتحول العقائد إلى عواطف إيمانية خالصة تعوِّضنا عن نقص العمل وانزوائها في دائرة الوجدان، وانغلاقها وتحولها إلى شيء بدلًا من انفتاحها على العالم كبواعث للسلوك، ومقاصد للفعل، كما أدَّى إلى توقف الاجتهاد في العقيدة وحصره في الشريعة وحدها، واعتبار أن العقائد لها أسس واحدة ثابتة لا تتغير مما أدَّى إلى ضمورها وقدمها وعدم تعبيرها عن واقع الأمة وظروفها الراهنة، ثم حدث الفصل بين العقيدة والمصلحة، وتحولت العقائد إلى بدائل عن المصالح، وضاعت مصالح الناس ولم ترعها إلا الحركة العلمانية التي نشأت أساسًا بسببها وكرد فعل على العقائد الإيمانية اللاعقلية الفارغة من أي مضمون، وقد أدى ذلك كله في النهاية إلى فصل النظر عن العمل، وبقاء العقيدة دون شريعة فضاعت الشريعة، ولم تغن عنها العقيدة شيئًا، وما دامت العقائد مقدسة من الله والشريعة لصالح الإنسان فقد انتشر في عقليتنا الفكر «اللاهوتي» وغاب الفكر الإنساني المصلحي، فتأكدت محورية الله وهامشية الإنسان.

(٣) علم التوحيد

وتشير هذه التسمية إلى أول عقيدة وأشهرها، وهي عقيدة التوحيد، وحينئذٍ يكون السؤال: هل التوحيد نظر أم عمل؟ هل هو عدد الآلهة وأنها واحد، أم أنه تحقيق لتصور الوحدانية في العالم؟ الحقيقة أن التوحيد قد يكون علمًا وقد يكون عملًا، وعلم التوحيد هو الأساس النظري للعمل، وعمل التوحيد هو توحيد الشعور ثم توحيد المجتمع ثم توحيد العالم في نظام واحد هو نظام الوحي؛ فالعالم هو نظام العالم، التوحيد فعل من أفعال الشعور يضع ذاته من حيث هو شعور متوحد ومهيئ إلى تصور وحداني للعالم، التوحيد إذن ليس عقيدة بمعنى أنه ليس تصورًا نظريًّا فحسب، بل هو «عملية توحيد»، والاسم نفسه «توحيد» اسم فعل وليس اسمًا مجرَّدًا فارغًا أو حسيًّا يشير إلى شيء، يدل على عملية ولا يدل على جوهر ثابت كما هو الحال في «واحد» من «فاعل»، التوحيد فعل من أفعال الشعور تتوحَّد فيه قواه وأبعاده ومستوياته نحو ماهية واحدة مطلقة وشاملة، عامة ومجردة، خالصة ومنزهة، وقد حاولت معظم الحركات الإصلاحية الحديثة من قبل إعطاء الأولوية للتوحيد العملي على التوحيد النظري، وتحويل التوحيد إلى طاقة فعالة لتوحيد الشعور الفردي ولجمع شتات الأمة.١٦
ويُقرن باسم «التوحيد» أحيانًا اسم «الصفات» فيكون اسم العلم هو «علم التوحيد والصفات»؛ لأن هذا الموضوع أشرف موضوعات العلم، ولأن الصفات هي لب عقيدة التوحيد. والحقيقة أن موضوع الذات والصفات عند القدماء هو لب التوحيد ووصف الذات الكاملة وأوصافها المطلقة، ولكن خطأهم وقوعهم في التشخيص والتثبيت والتحجير والتشيُّؤ والصنميَّة والسكون والوثنيَّة في حين أن الذات تكشف عن الوعي الخالص والصفات عن المثُل العليا التي يحاول الإنسان تحقيقها في حياته العملية؛ ومِنْ ثَمَّ فالذات والصفات تشير إلى الأسس النظرية للسلوك؛ أي الأيديولوجية التي جاء بها الوحي من أجل تطبيقها في الحياة العملية والتي يجد فيها العالم نفسه في نظامه الأمثل المطابق للعقل والطبيعة، وكان نتيجة تشخيص القدماء للذات والصفات وخروجها من الوعي الخالص وقيم السلوك أن ظهر التناقض الصارخ بين التوحيد النظري والسلوك العملي للأمة أفرادًا وجماعات؛ الذي يغلب عليه التشتُّت والتجزيء والتشرذُم؛ ففي حياة الإنسان الفردية انفصم الفكر عن الوجدان عن القول عن العمل فحدث النفاق والجبن وأصبح الفرد مزدوج الشخصية، وبدَت مظاهر الازدواجية في حياتنا الثقافية بين الثقافة الدينية والثقافة العلمانية، وفي الحضارة بين التقليد والتجديد، وفي السياسة بين الشرق والغرب، وفي الاجتماع بين المحافظة والتقدُّمية، وفي الاقتصاد بين الرأسمالية والاشتراكية.١٧

(٤) الفقه الأكبر

وهي تسمية لم ترد كثيرًا إلا في نشأة العلم ولم تستمرَّ طويلًا بعد تطوره واكتماله، وتشير إلى العقائد باعتبارها الفقه الأكبر في مقابل الفقه الأصغر وهي العمليات، وهي تُوحي بأن النظر أكبر من العمل وأن العمل أصغر من النظر، صحيح أن لفظ الفقه يُشير إلى الفَهم ولكن لفظ الأكبر يشير إلى أن العلم نظري في حين أن الفقه الأصغر علم عملي وذلك يُوحي إمَّا بانفصال النظر عن العمل أو بأن النظر أعلى من العمل، كما أن التسمية ما زالت مرتبطة بالفقه ولا تشير إلى استقلال العلم عن باقي العلوم، وكأن الفقهاء هم واضعوه كفرع من علم الفقه، بل إن مضمونها لم يعش في عقليتنا المعاصرة كما لم يعش كتسمية فقد توارى الفقه؛ أي الفهم والعقل، فتوقَّف الاجتهاد، وعمَّ التقليد، وتحوَّلت العقيدة إلى إيمان خالص مكتفٍ بذاته، فالأكبر لا يحتاج إلى الأصغر في شيء.١٨ تبقى إذن ميزة تسمية «علم أصول الدين» لأن به لفظ علم والتركيز على أننا بصدد العلم وليس الإيمان، كما أن به لفظ «أصل» للدلالة على أننا بصدد تأصيل العلم وتأسيسه وليس مجرد القبول والتسليم بالعقائد.

(٥) علم العقائد

وهو أقل التسميات ذيوعًا، ولا توجد إلا في المعاهد الدينية التي تقوم على مناهج التسليم والقبول والتي أسقطت النظر من الحساب، لم يَسْتبقِها التراث كما استبقى علم الكلام وعلم أصول الدين.١٩ والحقيقة أن أهم ما يميِّز الوحي في آخر مراحله واكتماله هو أنه لا يحتوي على عقائد Dogma أو على نسق من العقائد Crédo كأشياء مستقلة بذاتها لا تقبل التغيير والتبديل، تطابق حوادث تاريخية وقعت بالفعل كما هو الحال مثلًا في العقائد المسيحية. العقائد في مرحلة اكتمال الوحي تصورات للعالم أو نظريات تكون أساسًا للسلوك، يمكن التحقُّق من صدقها من خلال التجارب الحية في الحياة اليومية للأفراد والجماعات، في الحاضر وعلى مسار التاريخ، العقائد أفعال للشعور نظرية وعملية وليست «أشياء» موجودة في التاريخ وحوادث وقعت فيه بالفعل، هي بواعث على السلوك وليست حقائق مستقلة لها وجودها المنفصل عن موجهات السلوك، إن تحويل العقائد كلها من العمل إلى النظر لهو خروج عن القصد من العقائد، فالعقائد ليست نظريات بقدر ما هي دوافع للسلوك، وبواعث على العمل، العقائد تكوِّن نواة أيديولوجية كاملة: نظرًا وعملًا، فكرًا وسلوكًا، يتحوَّل فيها التصوُّر إلى نظام، والعقيدة إلى شريعة،٢٠ ومن المستحيل تقنين الاعتقاد أو تحويله إلى عقائد، فالاعتقاد ليس غاية في ذاته بل هو وسيلة للتأثير في الحياة العملية، الاعتقاد وظيفة سلوكية لا حقيقة نظرية أو صياغة لغوية أو واقعة تاريخية مستقلة بذاتها، الاعتقاد لا يتحدث عن أشياء بل يوجه سلوكًا، هو الدافع على الفعل، والباعث على العمل، والجامع للنية، والمحقِّق للقصد، والمحرِّك للإنسان، الاعتقاد جهد، ولا يمكن تصوير الجهد بالعقل أو التعبير عنه بالمنطق. ليست العقائد أشياء ثابتة بل مقاصد عامة تحقق منافع الناس وتدبِّر معاشهم، لم تكن العقائد في نشأتها، وبداية إعلانها عقائد نظرية بل بواعث على السلوك، ولم تنتقل من العمل إلى النظر إلا بعد توقف العمل والبَدْء في التساؤل النظري عن أساس العمل، ظهر علم العقائد بعد أن توقَّفت ممارسة العقائد ولم تعُد موجهة للسلوك، تظهر ناتئة عنه، طائرة فوقه، فإذا نقص التوجه نحو الأرض ظهر الانعراج نحو السماء، والذي يحقق الله في الحياة العملية لا يسأل عن معنى الله، والذي يمارس حريته في التاريخ لا يسأل عن معنى الجبر والاختيار، والذي يجعل نفسه مسئولًا عن الخير والشر في العالم لا يفترض مسئولية الله عنهما، تحضر العقيدة النظرية في غياب الممارسة العملية. ليس العمل إذن هو ضعف في التأمل، ولكن التأمُّل ضعف في العمل.٢١ لذلك أدى «علم العقائد» أو علم الكلام إلى نتائج خطيرة بالنسبة للوحي والإنسان والمجتمع والواقع والتاريخ، تحول التوحيد من مستوى العمل إلى مستوى النظر، وكل تحوُّلٍ من العمل إلى النظر ضمور في التوحيد، كان التوحيد في أول تمثُّله توحيدًا عمليًّا، ولم تُطرح المسائل طرحًا نظريًّا إلا بعد أن ضمر الفعل فتصرَّفت الطاقة في التساؤل النظري، وكلما ضمر الفعل زادت حدة التساؤل، وتطايرت الرقاب من أجل النظريات في «ذات الله» بعد أن كانت تتطاير من أجل الجهاد في سبيل الله، لم تكن هناك نظرية في التوحيد ساعة تمثله الأوَّل، بل كانت هناك «عملية توحيد» أي تحويل الواقع إلى مثال، وتحويل المثال إلى واقع، فالوحي نظام مثالي للعالم، والعالم نظام طبيعي للوحي حين تزدهر الطبيعة أو يستوي الواقع، لم يوجد «علم العقائد» في الجماعة الأولى لأن التوحيد كان عمليًّا لا نظريًّا، التوحيد عملية توحيد بين الفكر والواقع وليس نظرية توحيد بين الممكن والواجب، ولا يعني انتشار ثقافات أخرى في الحضارة الناشئة أي تغيير في الجهة، وتحويل للتوحيد من العمل إلى النظر، فالمعركة الفكرية النظرية ليست بديلًا عن المعارك العملية الاجتماعية والسياسية.٢٢
والخطورة أكبر إذا ما تم وضع «علم العقائد» في إطار علم تاريخ الأديان أو في تاريخ الفكر البشري؛ وبالتالي تضيع خصوصية «علم التوحيد» كنمط جديد لعلم العقائد، فالعقائد لها معنى نمطي في تاريخ الأديان، وهي أنها ضد العقل، فوق العقل، سر لا يُمكن إدراكُه بالعقل، بل إنها على نقيض العقل، تُناقض بل وربما أيضًا على نقيض الأخلاق، وضد الطبيعة، ولهذا يؤمن بها الناس، وإلا فلماذا يؤمن الناس بالعقائد إذا كانت مفهومة بالعقل، معقولة بالأخلاق، ومدركة بالطبيعة، لها سلطة تقنِّنها؛ لأنها لا تنبع من طبيعة العقل أو من ثنايا الطبيعة، وهي سلطة يجب التسليم بمقرراتها دون اعتراضها؛ لأنها تعبير عن «الروح القدس» في التاريخ، لها صحة مطلقة خارج التاريخ، لا تتغيَّر، ثابتة مهما تغيَّرت الظروف والأحوال مما أدى بالناس إلى رفضها كليةً وإيثار الحقائق المتغيرة التي تعبِّر عن مصالحهم واحتياجاتهم ومستواهم الإنساني، وهي مقدسة لم يأتِ بها بشر، بل من وضع الله الذي أتى بشخصه إلى البشر وجسدها إمامهم عيانًا،٢٣ وهي كلها تصوُّرات خاطئة لمعنى العقائد بعد أن تم اكتشاف أنها من وضع التاريخ، تعبِّر عن تجربة الجماعة الأولى التي آمنت بها وعكست فيها انفعالاتها، آمالها وآلامها، داخَلها التعصُّب الإنساني، وتحزَّبت لها الفِرق، وتطايرت من أجلها الرقاب، ونُصبت من أجل المِقْصَلات، ودُبرت بسببها المذابح؛ وبالتالي نشأت الثورة عليها وعلى وضعِها نظرًا لاستخدام السلطة السياسية إياها للسيطرة بها على العوام ورفض المثقفين لها وإيثارهم أيديولوجية تعبِّر عن واقعهم، مفهومة مُدرَكة، تتحوَّل إلى نظام سياسي واجتماعي واقتصادي، ويكون بها الخلاص الفعليُّ للناس، وإن كل مجتمع ما زالت تسيطر عليه العقائد بهذا المعنى السلبي فإنه ينبئ بطبيعة الحال عن ثورة قادمة، بدأت بالإصلاح وتنحو نحو النهضة حتى تتحقق شروط الثورة ومقدماتها، وقد يكون هذا هو حال مجتمعاتنا المعاصرة وانتشار الحركة السلفية فيها حاملة لواء «العقائد» على «المصالح».
١  يبدو أن أول من استعمل التسمية كعنوان لمصنف هو الشهرستاني (ت ٥٤٨ﻫ) في «نهاية الإقدام في علم الكلام» حتى محمد الفضالي في القرن الماضي في «كفاية العوام في علم الكلام»، بالإضافة إلى الكتب المدرسية المتأخرة مثل: «التحقيق التام في علم الكلام» للظواهري في هذا القرن «الرابع عشر»، وكان الغزالي (ت ٥٠٥ﻫ) قد استعملها من قبل في «الجام العام عن علم الكلام» دون مصنف في العلم بل للحديث عن موضوع الشرعية أو الوجوب وحده، كما استعمله النسفي (ت ٥٠٨ﻫ) بالمعنى المجازي في «بحر الكلام في علم التوحيد»، وكذلك التفتازاني (ت ٧٩١ﻫ) في «تهذيب الكلام»، انظر هذه التسمية في: الملل، ج١، ص٤١؛ شرح التفتازاني على النسفية، ص١٠-١١؛ المواقف، ص٩؛ شرح المقاصد، ص١٢؛ أشرف المقاصد، ص١٣؛ رسالة التوحيد، ص٥؛ إتحاف المريد، ص٢٧؛ تحفة المريد، ص١٣؛ التحقيق التام، ص٣.
٢  لم يرد لفظ «الكلام» في القرآن إلا ثلاث مرات، مرتين مضافًا في «كلام الله» بمعنى الكلام المكتوب القابل للتحريف والتبديل مثل: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ (٢: ٧٥)، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ (٤٨: ١٥). وتعني الثالثة الطاعة مثل: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ (٩: ٦). ومرة رابعة مضافًا إلى ضمير المتكلم مثل: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي (٧: ١٤٤). في حين أن الإنسان ذكر خمسًا وستين مرة. فعلم «الكلام» إذن مبني على شيء فرعي للغاية، وإلا فإن تأسيس علم «الإنسان» أولى وأهم؛ انظر أيضًا الفصل الثاني «بناء العلم».
٣  وهذا هو الذي ركز عليه ابن حزم في أول «الفصل» في مناهج النقل عند المسلمين وتطبيقها على باقي الكتب المقدسة، مثل التوراة والإنجيل، وهو العلم الذي حاولنا إعادة استئنافه في كتابنا «اسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة»، وقبل ذلك في رسالتنا: La Phénoménologie de l’Exégèse. essai d’une Herméneutique existentielle à partir du Nouveau Testament؛ وأيضًا في كتابنا: Religios Dialogue and Revolution وهو موضوع القسم من «التراث والتجديد».
٤  ويُشير القرآن إلى ذلك بقوله: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (٤: ٤٦).
٥  مثل «إعراب القرآن» للزجاج، وكل الدراسات حول إعجاز القرآن مثل «دلائل الإعجاز» للجرجاني.
٦  انظر بحثنا: «مناهج التفسير ومصالح الأمة»، «قضايا معاصرة (٤): في اليسار الديني».
٧  «علم اجتماع المعرفة»: علم بديهي خالص، لم ينشأ في الحضارة الغربية المجاورة ولم يُنقل منها، بل هو موجود في كل الحضارات، بل وفي قلب الوحي، بدليل تطوُّر النبوة وتطابق مراحلها مع ظروف كل عصر، استعمله القدماء استعمالًا طبيعيًّا تلقائيًّا وفي مقدمتهم ابن خلدون.
٨  تقتصر مهمة التراث والتجديد على وضع «علم الكلام» داخل «تاريخ الأفكار»، أمَّا وضع «تاريخ الأفكار» في «التاريخ الاجتماعي»، وتطبيق كل نتائج ونظريات ومناهج «علم اجتماع المعرفة» فتلك مهمة مجموعة من الباحثين تضم المفكرين وعلماء الاجتماع معًا، وينوء بها باحث واحد؛ فهذا ميدان للبحث وليس موضوعًا للبحث، وقد بدأ كثيرون في المساهمة فيه مثل: د. محمود إسماعيل (سوسيولوجيا الفكر الإسلامي، جزءان)، الأستاذ السيد ياسين وغيرهما من أساتذة علم الاجتماع.
٩  «وقد بلغ من ارتباط الكلام بالمنطق أنه يجوز أن العلم قد سُمِّي علم الكلام لأن المنطق والكلام مترادفان» (الملل، ج١، ص٤١؛ حاشية الإسفراييني، ص١٠؛ حاشية التفتازاني، ص١١؛ رسالة التوحيد، ص٥). ولمعرفة هذه الآراء في سبب تسمية علم الكلام؛ انظر: (شرح التفتازاني على النسفية، ص١٠-١١)، والعبارات بين قوسين منه باستثناء عبارة ابن رشد «لا يفيد الذكي ولا ينفع به البليد» من «مناهج الأدلة».
١٠  شرح التفتازاني، ص١٠؛ المواقف، ص٩؛ شرح المقاصد، ص٢٢؛ أشرف المقاصد، ص١٣؛ تحفة المريد، ص١٣؛ التحقيق التام، ص١٣.
١١  تاريخ الأستاذ الإمام، الجزء الثاني، المنشآت.
١٢  انظر الباب الثاني: نظرية العلم.
١٣  الملل، ج١؛ شرح التفتازاني على النسفية، ص١٠؛ حاشية الإسفراييني، ص٤-٥؛ شرح المقاصد، ص١٢؛ التحقيق التام، ص٢١٣؛ شرح المقاصد، ص١٢.
١٤  هذه هي القسمة الرئيسية التي يتبعها الشهرستاني في «الملل والنحل»؛ إذ يخصص لأهل الأصول جزأين، الأوَّل والثاني (٢٥٠ص)، ولأهل الفروع المختلفين في الأحكام الشرعية والمسائل الاجتهادية آخر صفحات الجزء الثاني وأوائل الثالث (١٥ص) مما يدل على أهمية الأصول على الفروع.
١٥  الملل، ج١، ص٦٢؛ التحقيق التام، ص٢؛ حاشية الإسفراييني، ص٨.
١٦  يقول محمد بن عبد الوهاب: «التوحيد إفراد الخالق بالعبادة ذاتًا وصفةً وأفعالًا، قال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين: التوحيد نوعان؛ نوع في العلم والاعتقاد، ونوع في الإرادة والقصد، ويُسَمَّى الأوَّل التوحيد العملي، والثاني التوحيد القصدي الإرادي لتعلُّق الأوَّل بالأخبار والمعرفة والثاني بالتوحيد والإرادة» (كتاب التوحيد، ص٢)، ونفس الفكرة في تحفة المريد، ص١٢؛ إتحاف المريد، ص١٢؛ رسالة التوحيد، ص١٣؛ الحصون الحميدية، ص٥؛ شرح التفتازاني على النسفية، ص٥. انظر أيضًا بحثنا «المقومات الثقافية للشخصية العربية»، «قضايا معاصرة (٤): في اليسار الديني»، وأيضًا: Morality and the Integrity of Islamic Society. New Hamphsire. USA. 1980.
١٧  انظر أيضًا بحثنا «التفكير الديني وازدواجية الشخصية»، «قضايا معاصرة (١): في فكرنا المعاصر».
١٨  وهو الاسم الذي ارتضاه أبو حنيفة في «الفقه الأكبر». انظر أيضًا: التحقيق، ص٢-٣؛ شرح المقاصد، ص١٢.
١٩  شرح الخريدة، ص٩.
٢٠  التحقيق، ص٢-٣. انظر أيضًا بحثنا الأوَّل الذي كتبناه ونحن في سن الواحد والعشرين كمشروع لرسالة: La Méthode Islamique Générale في Dialogue Religieux et Revrlution II.
٢١  «نعم، إنهم لم يدونوه، ولم يشتغلوا بتحرير الاصطلاحات، وتقرير المذاهب، وتبويب المسائل، وتفصيل الدلائل، وتلخيص السؤال والجواب، ولم يُبالغوا في تطويل الذيول والأذناب؛ وذلك لاختصاصهم بصفاء النفوس، ومشاهدة الوحي، والتمكُّن من مراجعة من يفيدهم كل حين مع قلة المعاندين، ولم تكثر الشبهات كثرتها في زماننا بما حدث في كل حين فاجتمع لنا بالتدريج … عليكم بدين العجائز» (المواقف، ص٦٠-٦١). «ووجه الحاجة إليه أن الأوائل من العلماء كانوا ببركة صحبته أو صحبة مَن صاحَبَه، وقُرب العهد بزمانه، وسماع الأخبار منه وعنه، ومشاهدة الآثار مع قلة الوقائع والخلافات، وسهولة مراجعته أو مراجعة الثقات، مستغنين عن تدوين الأحكام وترتيبها أبوابًا وفصولًا، وتكثير المسائل فروعًا وأصولًا إلى أن ظهر اختلاف الآراء، والميل إلى البدع والأهواء، وكثرت الفتاوى والمواقعات، ومسَّت الحاجات فيها إلى نظر والتفات، فأخذ أرباب النظر والاستدلال في استنباط الأحكام، وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد الإسلام، وأقبلوا على تمهيد أصولها وتدوينها، وتلخيص حججها وبراهينها، وتدوين المسائل بأدلَّتها، والشبه بأجوبتها، وسمَّوا العلم بها فقهًا وخصصوا الاعتقاديات باسم «الفقه الأكبر»» (التحقيق، ص٢-٣).
٢٢  يقول رشيد رضا ناقدًا الأستاذ الإمام في «رسالة التوحيد» على تركيزه على التوحيد النظري دون العملي قائلًا: «فات الأستاذ أن يصرِّح بتوحيد العبادة وهو أن يعبد الله وحده ولا يعبد غيره بدعاء ولا يعتبر ذلك مما يتقرَّب به المشركون إلى ما عبدوا معه من الصالحين أو الأصنام المذكور بهم وغير ذلك؛ كالنذور والقرابين تُذبح بأسمائهم أو عند معابدهم، وهذا التوحيد هو الذي كان أول ما يدعو إليه كل رسول.» (مقدمة الناشر، رسالة التوحيد، ص٤).
٢٣  انظر تحليلنا لها في رسالتنا الثانية: الجزء الثاني: La Phénomenologie de l’Exégése.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤