المقدمة

أهم ما دفعني إلى تأليف هذا الكتاب، هو أنه لا يُوجَد مؤلَّفٌ في اللغة العربية خاصٌّ عن طيور مصر يحتوي على كل طائر بصورته مثلما فعَلْت، وإني لم أذكُر في الوصف اللونَ مكتفيًا بالصورة الملوَّنة للطائر تلوينًا طبيعيًّا يسهل على القارئ رؤيته ومعاينته كأنه أمامه بالضبط، وقد اعتمدتُ في تأليفه على مراجعَ كثيرة ذكرتُها في صفحة ٢٦-أ من هذا الكتاب وكان أهمها مرجعًا، وهو المعوَّل الأول هو كتاب «طيور مصر للكولونيل مينرتزهاجن، وهو باللغة الإنجليزية، وخاص بالطيور المصرية»، وقد استوعب فيه المؤلِّف كل طيور مصر تقريبًا، غير أنني لما قرأتُه وجدتُ فيه بعض ملاحظات خَفيَت عليه أحب أن أذكُرها وهي:

ذكر أن الفتاح الأسود الرأس الغربي Western Black-headed Wagtail نادر في الربيع في مصر، مع أنه شائع فيها في شمال الدلتا في أواخر مارس (من ٢٠ فيه لآخره).
وأن صُرَد الصحراء الرمادي الكبير Great-grey Shrike (Saharan Form) لا يُوجَد في المواطن الزراعية مطلقًا، مع أنه يُرى بالقرب من الزقازيق بجوار قرى الفلاحين، فقد تجول إليهم.
وأن دج الصخور Rock-thrush أكثر في الربيع منه في الخريف، وهذا على العكس مع أنه في الدلتا في سبتمبر أكثر منه من الربيع. وأن الوروار المصري الصغير Little Green Bee-eater لا يقرَب الدلتا، مع أنني أشاهده مرارًا قرب كفر الزيات.
وأن الصُّرَد الشامي نادر في الخريف مع أنه كثير Woodhat. وأن البيدق الأوروبي European Hobby نادر الرؤية في مصر، مع أنه شائع جدًّا في الدلتا في الربيع، وخاصة في أيام الحر، وكذلك في الخريف في أبريل ومايو وفي سبتمبر، وهو في الربيع أكثر منه بكثيرٍ من الخريف.
وأن الكوكال المصري لا يوجد في مصر إلا في رشيد وبولاق والفيوم ولا يُعرَف في غير هذه الأماكن، مع أنني أشاهده في معظم الدلتا كلها، مثل دسوق وقلين وكفر الشيخ.١

وإننا يمكننا أن نتغاضى عن مثل هذه الهفوات، بل إننا نشكُره على أنه أول واحدٍ حصر طيور مصر في كتاب وأبانه إلى الوجود، وصار كتابه عند أي مؤلف هو المرجع الأول لطيور مصر إلى وقتنا وما بعد وقتنا، فله منا خير الثناء، ومن الله حسن الجزاء.

هذا وليس كل ما يطير يُسمى طيرًا؛ فالخفاش يطير ولكنه يرضع أولاده من الثديَين، ويُعتبَر من الحيوانات الثديية، والنعامة لا تطير وإنما تُعتبَر من الطيور. وإذن فالعامل الأساسي للطيور هو وجود الريش.

وتنقسم الطيور في العالم إلى قسمَين، وهما: طيور اليابسة، وطيور الماء، ويُطلَق على طيور اليابسة اسم الطيور الجواثم (passerines) أي التي تجثُم أي تقف إما على الأرض مباشرةً أو على الأشجار. وهي تربو على أكثر من خمسة آلاف نوع من الطيور، وهي أكثر بمراحل من كل ما تحويه رُتَب الطيور الأخرى مجتمعةً مع بعضها. على أن معظمها صغيرُ الجسم أو متوسِّطُه. وهي موزَّعةٌ باتساع فوق كل سطح المعمورة، ما عدا مناطق القطب الجنوبي (Antarctic). على أن السواد الأعظم منها يقطُن المناطق الاستوائية. كما أن معظمها يقطُن الغابات، أو بعبارةٍ أخرى مكان وجود الأشجار. وهي تمتاز كلها بوجود الأصابع في الأقدام، وعدد الأصابع ٤، وتكون أول إصبع منها معكوسة (متجهة للخلف) والباقية للأمام. هذا ولا تُوجد موافقةٌ إجماعية في توزيع فروعها ضمن نطاق مجموعة رُتَب الجواثم. ولكنها هنا مقسَّمة إلى حوالي ٥٦ عائلة (فصيلة family).٢

ويرجع عدم الإقبال على تأليف كتب باللغة العربية في الطيور إلى قلة الهُواة والمشتغلين بها من الناطقين بالضاد، وعدم الاهتمام بدراستها يرجع إلى أنها ليست مادةً أساسية تُدرَّس في المدارس والجامعات؛ حيث إن أهم ما يُعنَى به الطالب هو دراسة المادة التي تؤهِّله لأن ينجح في الحياة، ويحصل على شهادةٍ تُبوِّئه منصب الوظيفة المرتقبة، بخلاف الأجانب فإن هواية الطيور عندهم، وخاصة عند الإنجليز والألمان، هي من أمتع الهوايات، ويَقتنون فيها كتبًا قيمة، ويضحون من أجل شرائها بكل نفيسٍ لديهم، وأذكر من أهم علماء الطيور المشهورين هو سافيني، وهيجلن، وسكلاتر، وهارترت، وبنادمان، وشلي، وتيكون، ومينرتزهاجن السابق ذكره، وللأسف فكلهم أجانبُ وليس بينهم واحدٌ مصري.

وأخيرًا أقول كما قال الشاعر:

إنَّ هذا الكتابَ قد كان كالعَنْـ
ـقاءِ لا يُرتَجَى إليه وصولُ
تتمنَّى أولو الفضائل أنْ لَوْ
كان يومًا له لديهم حُصولُ
١  قرأتُ في كتاب طيور مصر للمرحوم الدكتور أحمد حماد الحسيني عن الكوكال المصري ص (٢٠٧) يقول في مؤلفه صفحة ٢٥٢ عن هذا الطائر: له عادةٌ عجيبة حيث إنه يُعلِّق نفسه على الشجرة عند الفجر وينادي «كك كك كك»، وهذا بالطبع خرافة، وكيف طابت نفسُه لقبول مثل تلك الخرافة؟
٢  في صبح الأعشى ج١، ص١٥٥، هناك أسماءٌ مؤنَّثة تطلق على المذكر والمؤنث، وأسماءٌ مذكَّرة تُطلق على الاثنَين مثل غراب فهو مذكر ويُطلَق على ذكر الغراب وأنثاه، كذلك اليمامة على ذكر اليمام وعلى أنثاه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤