الفصل الأول

جوناثان يبدأ رحلته

انطلق صفير القطار، وأغمض جوناثان هاركر عينيه مستسلمًا لموسيقاه وإيقاعه. كان جوناثان مسافرًا إلى ترانسلفانيا بالقطار لإتمام عمل ما مع الكونت دراكولا. وكان محاميًا يعمل لمصلحة شركة مملوكة لشخص يُدعى السيد بيتر هوكينز. كانت الشركة تقدم المشورة للكونت بشأن شراء منزل عتيق في لندن يحمل اسم كارفاكس.

في الطريق إلى ترانسلفانيا، زار جوناثان فيينا وجال في شوارع بودابست، ومر على الجسور الفاخرة التي تعرش نهر الدانوب، وتناول عشاءً شهيًّا من الدجاج بالبابريكا، وهو تابل تتميز به تلك المنطقة، في فندق رويال في كلوزنبيرج. ولسبب ما، كان يعتريه قلق شديد. فمع أن فراشه في الفندق كان مريحًا جدًّا، فقد راودته أحلام غريبة من كل ضرب ولون. قال جوناثان محدِّثًا نفسه: «السبب كان البابريكا بالتأكيد.»

بعد تناول المزيد من البابريكا على الإفطار — وكانت مستخدمة في العصيدة هذه المرة — عاد جوناثان إلى القطار ليستأنف رحلته إلى الشرق. عندما كان ينظر من النوافذ، رأى بلدًا يعمه الجمال بكل أشكاله. كانت تنساب به الجداول وتجري به الأنهار، وضم مدنًا صغيرة، وكانت تظهر من حين لآخر قلعة أعلى أحد التلال. وفي كل محطة مرَّ بها القطار، كانت تقف مجموعات من الأشخاص المثيرين للاهتمام، بينهم نساء يرتدين ملابس ذات أكمام بيضاء كاملة وتنانير، ورجال سلوفاكيون بشوارب كثيفة سوداء، وقبعات رعاة البقر وأحزمة جلدية عديدة مليئة بالأزرار وأحذية عالية الساق.

كان الشفق يلوح في السماء عندما وصل القطار بيستريتز إلى جبال الكاربات. وكان الكونت دراكولا قد طلب من جوناثان التوجه إلى فندق جولدن كرون حيث ينتظر وصوله. بعد أن ألقت العجوز صاحبة الفندق التحية على جوناثان لدى الباب، أعطته — وقد بدا عليها التوتر — رسالة قصيرة جاء فيها:

مرحبًا بك يا صديقي. أنتظرك في شوق. انعَمْ بنوم هنيء الليلة، فغدًا تكون آخر محطات رحلتك، بالعربة، إلى قلعتي. أثق بأنك ستستمتع بالإقامة في أرضي الجميلة.

صديقك دراكولا

سأل جوناثان المرأة العجوز: «هل تعرفين الكونت؟ هلَّا أخبرتِني أي شيء عن القلعة؟» ولكن بدلًا من الرد عليه، تعوَّذَت المرأة برسم علامة الصليب على جسدها وسلمته مفتاح الغرفة وانصرفت مسرعة.

لكن في وقت باكر من صباح اليوم التالي، طرقت المرأة الباب في اضطراب وصاحت: «أيها الشاب، ألا يجب عليك الرحيل؟»

أجاب جوناثان بأن عليه الذهاب بالفعل لإنهاء عمل مهمٍّ مع الكونت.

سألَته: «لكن ألا تدرك إلى أين أنت ذاهب؟ وفي أي يوم؟» ولم تنتظر الرد وأردفت: «إنها ليلة عيد القديس جورج. عندما تنتصف هذه الليلة، يسود الشر الموجود في أرجاء العالم.»

حاول جوناثان تهدئة المرأة العجوز لكن دون جدوى. وأخيرًا، أكَّد مرارًا وتكرارًا أن عليه إتمام مهمته، وأنه سيستأنف آخر محطة في رحلته كما هو مخطط تلك الليلة عن طريق عربة سكة حديد.

قالت المرأة: «حسنًا، إذا كان الأمر كذلك، فعلى الأقل خذ هذا رأفةً بأمك المسكينة.» خلعت المرأة صليبًا عن رقبتها ومدت يدها ووضعته حول رقبته. وما أثار فضوله هو أنها بعد وضع الصليب، وضعت في يده رأسًا من الثوم وشدَّت عليه.

بعدما انصرفت، خلع جوناثان الصليب ونظر إليه. فكَّر في إلقائه هو والثوم؛ فباعتباره أحد أبناء الكنيسة الإنجليزية المخلصين، لم يكن يوافق على هذه الأمور أو يؤمن بها. لكن شعورًا غريبًا وملحًّا بالقلق جعله يعيد وضع الصليب حول رقبته.

عندما وصلت العربة في تلك الليلة، تجمع حشد صغير حولها. مر جوناثان حاملًا حقائبه من أمام سائق العربة والعجوز صاحبة الفندق وبعض نزلاء الفندق الآخرين. كان الجميع يحدِّقون به ويتحدثون عنه.

كانوا يرددون بهمسات مرتعدة مشفقة الكلمة ذاتها: «فورلوك.» عندما فتح جوناثان قاموسه الصغير للبحث عن معنى الكلمة — فور أن جلس في العربة — وجد أنها كانت تعني إما «مستذئبًا» أو «مصاص دماء» باللغة الصربية.

وبينما كانت العربة تسير مبتعدة، لاحظ جوناثان العديد من الأشخاص بين الحشد المتزايد يتعوذون برسم علامة الصليب. في دفتر يومياته الصغير الذي كان يدوِّن فيه بإيجاز كل شيء يحدث له. كتب جوناثان ملاحظة ليتذكر أن يسأل الكونت دراكولا عن الخرافات العجيبة التي كان يعتقد بها أهل المدينة. حتى إنه تساءل لماذا يرمقه رفاقه في العربة بنظرات حزينة.

في الطريق، كانت ترتفع الجبال والغابات من حولهم بألوانها الخلابة التي تنوعت بين الأزرق الداكن والأرجواني والأخضر. ولكن عندما بدأ الأفق يبتلع الشمس، ظهرت ظلال مظلمة وسحب كالأشباح، وحلت محلَّ تلك الألوان الشبيهة بقوس قزح. وكلما اشتد الليل ظلمةً زاد السائق والركاب الآخرون اضطرابًا.

سأل أحد الركاب السائق بنبرة حادة: «ألا يسعك الإسراع قليلًا؟»

أجاب السائق بصوت خافت مضطرب: «إني أحاول!» في الواقع، مع أنهم قطعوا مسافة كبيرة في وقت قصير، فقد كان السائق بالفعل يسابق الزمن؛ حتى إن جوناثان كان يتشبَّث بالعربة بأظافره وهي تتأرجح بشدة فوق زنبرك العجلات.

لدى اقتراب العربة من بورجو باص، ضرب رعد شديد في السماء. أمال السائق والركاب الآخرون رءوسهم عند حافة العربة محدِّقين في الظلام كأنما يبحثون عن شيء. ونظر جوناثان هو الآخر لكن لم يكن هناك أي شيء أو شخص.

صاح السائق: «هذا سيئ! إن العربة التي كان من المفترض أن تستقبلك لتقلَّك إلى القلعة بالأعلى ليست هنا. ولا يمكنك الانتظار هنا في الظلام وحدك، حيث يعجُّ المكان بالذئاب، وعليَّ مواصلة طريقي. ستضطر إلى المجيء معنا، ويمكنني إحضارك هنا ثانيةً في وقت لاحق.»

تمتم الركاب الآخرون: «يا للأسف!» ولكن لماذا بدا الجميع مبتهجين إلى هذا الحد؟

سمعنا صوتًا أجش يقول: «فيم العجلة؟» كانت هناك عربة تجرها أربعة خيول حالكة السواد تسير بمحاذاة عربتنا. قال جوناثان محدِّثًا نفسه: «هذا مساعد الكونت بلا شك.» كانت أغلب ملامح وجه الرجل مختبئة تحت قبعة سوداء كبيرة، لكن جوناثان رأى عينين متوهِّجتين وكأن لونهما أحمر. قال المساعد للسائق: «لقد وصلتم مبكرًا جدًّا هذه الليلة، لكني توقعت حيلتك هذه. والآن أعطني أمتعة السيد.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤