الفصل الرابع

السيدات والسحلية

هلع جوناثان في البداية وهو يشعر كأنه فأر وقع في مصيدة.

غير أنه بعد بُرهة حاول أن يهدئ من روع نفسه، فقد علم أن عليه الحفاظ على رباطة جأشه ليضع خطة للهروب. وأهم شيء ألا يُشعر الكونت بأنه فهم الأمر. لقد كان سجينًا مضطرًّا للتظاهر بأنه ضيف، ولكن كان عليه أن يتوخَّى الحذر طيلة الوقت ويجمع المعلومات ويحاول وضع خطة.

كل ليلة، أثناء عشائه وحده، كان يحمل نفسه على مناقشة شئون العمل بهدوء مع الكونت. وفي النهار، أثناء غياب الكونت بالخارج، كان يستكشف خبايا القلعة ليعرف المزيد محاولًا أن يكشف أسرارها الشريرة.

ذات يوم، قبيل غروب الشمس، وصل جوناثان إلى باب أعلى الدرج. كان يبدو مقفلًا، لكنه انفتح بعدما دفعه دفعًا يسيرًا. وما إن دخل الغرفة، حتى نظر حوله، واعتقد أن ذلك الجزء من القلعة كانت تسكنه نساء القلعة فيما مضى؛ لأن الأثاث كان يتسم بلمسات أنثوية أكثر من الغرف الأخرى التي رآها.

عندما غاص جسده على بعض الوسائد الوثيرة، استطاع عمليًّا أن يتخيل السيدات اللاتي عشن هنا من قبل، جالسات على الأريكة نفسها، يكتبن رسائل غرامية. وبينما كان عقله يموج بالأفكار، بدأ يشعر برغبة شديدة في النعاس. وبالرغم من تحذير الكونت، قرر أن ينام هنا، ليلة واحدة فقط، ستكون له مهربًا ممتعًا من زنزانته.

•••

هل كان لا يزال نائمًا؟ لم يكن يعرف؛ كل ما عرفه هو أنه لم يكن بمفرده. في ضوء القمر ظهرت أمامه ثلاث شابات بدا أنهن أخوات. كنَّ جميعًا غاية في الجمال، بشفاه حمراء كالياقوت وأسنان بيضاء ناصعة، يسبحن حوله كالضباب.

قالت إحداهن وهي تميل نحوه مقتربةً شيئًا فشيئًا: «أنت أولًا.»

انتبه جوناثان وقال في نفسه: «ستعضُّ رقبتي!»

وقبل أن يتسنى له إبداء أي رد فعل، ظهر الكونت فجأة من حيث لا يدري، وقد ثار غضبًا، وتطاير الشرر من عينيه، فجذب المرأة التي كانت تميل نحو جوناثان من رقبتها ورماها على الجانب كأنها دمية من خرق بالية.

قال الكونت للأخوات الثلاث بنبرة غاضبة مكتومة: «كيف تجرؤن؟» كان يتحدث بصوت خافت، لكن جوناثان سمعه يقول: «لقد قلت لكن، سيكون لكن عندما أنتهي منه.» وربما على سبيل السلوان، ألقى الكونت للسيدات حقيبة كبيرة بها شيء يتحرك. التقطنها بسرعة وهربن وهن يقهقهن.

تساءل جوناثان محدثًا نفسه في فزع: «ماذا كان في تلك الحقيبة؟ ربما كان قطة أو كلبًا؟» وأرعبته الفكرة.

ما إن عاد جوناثان إلى غرفته، حتى شعر براحة كبيرة، ولكن عندما كان يفتح النافذة ليستنشق بعض الهواء، رأى ما زاده رعبًا. خرج الكونت من نافذة غرفته الخاصة ورأسه تتدلى لأسفل متسلقًا الجدار وأصابع يديه وقدميه متشبثة بالأحجار كالسحلية! رجع جوناثان إلى الوراء بسرعة قبل أن يراه الكونت.

لكن في الليلة التالية، تساءل هل رآه الكونت، لأنه أوكل إليه تلك الليلة مهمة جديدة غريبة.

قال الكونت: «ستكتب ثلاثة خطابات، وسأرسلها بالبريد نيابةً عنك. ستقول في أولها إن عملك هنا أوشك على الانتهاء، وإنك ستبدأ في رحلة العودة إلى موطنك في غضون بضعة أيام. وفي الثاني، ستقول إنك مغادر في الصباح التالي. وفي الثالث، ستقول إنك غادرت القلعة بالفعل ووصلت مدينة بيستريتز»، وأومأ الكونت برأسه وأضاف: «نعم، لا يُؤخذ البريد بانتظام. ونظرًا لمدى انشغالك، سيكون أفضل وأنسب شيء تفعله هو أن تكتب رسائلك مقدمًا.»

وافق جوناثان في خوف. لماذا يطلب منه الكونت كتابة هذه الرسائل إذا لم يكن يخطط لقتله، واختلاق قصة يخفي بها آثار جريمته؟ وبالطبع لم يستطع أن يُظهر خوفه للكونت؛ فسأله ببساطة: «ما التواريخ التي سأضعها في الخطابات؟»

أجاب الكونت: «الثاني عشر، والتاسع عشر، والتاسع والعشرون من يونيو.»

خطر لجوناثان أن ذلك اليوم كان يوافق التاسع عشر من شهر مايو، لقد بات يعرف ما تبقى من عمره! ليكن الله في عونه! فكَّر على الفور في أن يكتب شيئًا آخر في الخطابات الثلاثة ويختمها بسرعة قبل أن يراها الكونت، ولكنه غيَّر رأيه. حمدًا لله أنه فعل ذلك، لأنه إضافةً إلى أن الكونت أعطاه أظرفًا شفافة مرة أخرى، فقد فتح الأختام بالفعل ليتأكد من محتوى الرسائل.

لكن جوناثان في الوقت نفسه اعترضه حظ سيئ. عندما رأى من نافذته بعض الغجر بالخارج يبحثون عن عمل، قرر أن يكتب خطابًا إضافيًّا إلى مينا بلغة الرموز ويحاول إخراجه للغجر ليرسلوه بالبريد. وقرر أن يلقيه بالخارج ومعه عملة ذهبية. لم يكن سيخبر مينا طبيعة موقفه بالتفصيل، وإلا ماتت من الرعب، ولكنه كان سيخبرها ما يكفي لعلها تستطيع مساعدته، ولو بإرسال السيد هوكينز.

بعد أن لفت جوناثان انتباه أحد الغجر، ألقى إليه الخطاب والعملة الذهبية، مشيرًا بيديه إلى أنه يحتاج منه إرسال ذلك الخطاب بالبريد. بدا أن الرجل الغجري فهم مقصده ووافق عليه، فتنفس جوناثان الصعداء.

غير أنه في مساء اليوم التالي، دخل الكونت إلى الغرفة، وجلس إلى جوار جوناثان، وأعطاه الخطاب الذي كان قد كتبه إلى مينا. وكان الخطاب مقروءًا. أما العملة المعدنية، فلم تكن موجودة بالتأكيد.

قال الكونت: «أحد الغجر بالخارج أعطاني هذا الخطاب، لقد وجدوه على الأرض بالخارج وظنوا أنه سقط مني خطأً، ولكن يبدو أن هذا كان خطأك أنت.»

عندما نظر الكونت إلى الخطاب ورأى الرموز الغريبة المقتضبة التي كُتب بها، استشاط غضبًا، وتطاير الشرر من عينيه. ثم التفت فجأة وألقى الخطاب في النار.

قال: «لا أظنك ستمانع فعلي هذا، فبالتأكيد حدث خطأ، ولم يكن هذا بالفعل خطابك الذي كتبته بلغة اخترعتها.» ثم استدار وغادر الغرفة.

في اليوم التالي، عندما عاد جوناثان إلى غرفته بعد جولة خارجها، وجد أن كل الأوراق والأقلام قد اختفت واختفت معها نقوده وشيكاته، حتى بذلته ومعطفه.

حمد جوناثان الله لأنه احتفظ بدفتر يومياته على جسده، وإلا كان الكونت وجده أيضًا. لكن الأمر أصبح أمرًا واقعًا: لقد صار سجينًا أكثر عزلة الآن!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤