الفصل الثاني

الكوفة عاصمة الإمام علي

هي مدينة إسلامية مصًّرها سعد بن أبي وقاص أحد كبار الصحابة في السنة السابعة عشرة للهجرة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب بعد أن فتح العراق وقد أشار عليهِ عمر أن يقيم في مكان لا يحول بينه وبين المدينة بحر ولا جسر حتى إذا أراد أن يقدم إليهِ على راحلتهِ قدم١ فبنى الكوفة في غربي الفرات على شاطئ بحيرة كانت هناك بقرب مكان الحيرة بينها وبين الفرات بضعة وعشرون ميلاً.

وكان بناؤها في أول أمرها بالقصب فأصابها حريق فاستأذنوا الخليفة عمر في بناءها باللبن فقال «افعلوا ولا يزيدنَّ أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنَّة يلزمكم الدولة» ففعلوا ذلك وجعلوا طرقها نوعين المناهج والأزقة وجعلوا عرض المنهج عشرين ذراعاً وعرض الرقاق سبعة أذرع وما بين المناهج أماكن البناء أربعون ذراعاً. والقطائع ستون ذراعاً. وأول شيء خطوه فيها المسجد. فوقف في وسط المدينة رجلٌ شديد النزع رمى إلى كل جهة بسهمٍ وأمروا أن يبنوا ما وراءَ ذلك. وأما الساحة حول ذلك الرامي إلى مرمى سهامهِ فتبقى المسجد.

وبنوا في مقدمة المسجد ظلة أو رواقاً أقاموه على أساطين رخام من بناء الأكاسرة نقلوها من أخربة الحيرة. وجعلوا على الصحن خندقاً لئلاَّ يقتحمهُ أحد ببنيان وبنوا لسعد بن أبي وقاص قصراً بجانب المسجد نقلوا حجارته من آجر بنيان الأكاسرة وسموه قصر سعد.٢

ومازالت الكوفة تعمر حتى اتخذها الإمام علي مقرًّا لهُ بعد واقعة الجمل سنة ٢٦ﻫ فازدادت عمارتها بما تقاطر إليها من الناس بعد أن صارت عاصمة الخلافة وتكاثرت فيها الأبينة وعمرت الأسواق وأنشئت حولها الحدائق والبساتين مما يلي بحيرتها.

١  ابن الاثير ج٣.
٢  ابن الاثير ج٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤