الفصل الحادي والخمسون

عود ريحان

وأصبحت قطام في الخامس عشر من رمضان والباب يقرع وكانت لبابة تبيت عندها بعد سفر ريحان. فنهضت لبابة فسمعت جعجعة جمل عرفت أنه جمل ريحان فأسرعت إلى الباب ففتحته فاستقبلها ريحان فقبل يدها وهو لا يزال بلباس السفر ودخل تواً غرفة سيدته فلما رأته ابتسمت له ابتسامة عوضت عليه كل شقائه. فتقدم لتقبيل يدها وهو مشرق الوجه إشارة إلى نجاح مسعاه. فقالت إني أقرأ آيات البشر على وجهك وإن كان أسود اللون فاقصص عليّ تفصيل ما أتيته من آيات الدهاء والمهارة.

فقال وهو ينفض الغبار عن لحيته ووجهه «ركبت إلى الفسطاط فوصلتها يوم الخميس قبل وصول سعيد وعبد الله بيوم فسرت تواً إلى الأمير عمرو بن العاص وقصصت عليه خبر القادمين وإن في الفسطاط جماعة من أنصار علي يجتمعون في عين شمس كل جمعة. فأمر رئيس شرطته أن يتهيأ للوقت المعين وخفت أن يهاجموا المكان قبل وصول سعيد وعبد الله ولكنهما وصلا في اليوم التالي وذهبا إلى المجتمع وقبضت الشرطة عليهم جميعاً ولكنني لم أر سعيد في جملة الأسرى».

فقطعت قطام كلامه قائلة وهل قبضوا على جماعة كبيرة من أولئك الأنصار.

قال قبضوا على نحو عشرين وعبد الله معهم.

قالت وسعيد؟

قال لم أره وأظنه تأخر عن الاجتماع فلم يحضره فنجا بنفسه.

قالت وماذا فعلوا بالأسرى.

قال ساقوهم إلى النيل وأماتوهم غرقى في الليلة التي قبضوا عليهم فيها.

فأشرق وجه قطام ثم انقبض بغتة ولبابة تنظر إليها كأنها تتلذذ بالتأمل في ملامحها. فلما رأتها انقبضت همت بها وقالت ما بالك؟ ما الذي كدرك؟

قالت أن سعيداً لا يزال باقياً فأخاف أن يعرقل مساعينا.

قالت لبابة لا خوف منه لأنه كما تعلمين بسيط القلب سهل الانقياد تنطلي عليه الحيلة بسهولة. وأما عبد الله رفيقه فقد رأيت فيه دهاء ومكراً فالحمد لله على نجاتنا منه.

قالت صدقت ولكن سر المؤامرة عند سعيد فأخاف إذا جاء وأنبأ علياً به أن يحتفظ عليّ بنفسه فيذهب سعينا هباءً منثوراً.

فأطرقت لبابة برهة ثم التفتت إلى ريحان وقالت «هل عرفت الرجل المؤامر على قتل عليّ؟

قال علمت أنه من بني مراد واسمه عبد الرحمن بن ملجم.

فبغتت لبابة وصاحت أ ابن ملجم هو …؟ لقد هان الأمر.

فقالت قطام وهل تعرفينه؟

قالت أعرفه جيداً وهو جريء قل أن يقدم على مثل هذا العمل سواه وإذا كان عبد الرحمن بن ملجم هو المؤامر فقد بلغنا المرام فإنه يحب الحسان ويستهلك في سبيل مرضاتهن ثم أدنت فمها من أذن قطام وقالت ولا أشك إذا رآك ألا خاطبك ثم تحولت إلى ريحان فقالت وهل رأيته قبل مجيئك؟

قل لا ولكني سمعت أنه سافر على هنا يوم وصولي الفسطاط وكنت أظنه وصل إليكم ولا أشك أنه إذا جاء قدم إليكم لأني آنست من خبر حزبنا هناك ما يدل على ذلك فهم يعتقدون فينا الكره الشديد لعليّ وإننا نريد قتله وخروج الأمر من يده.

ولذلك فأنا لا أظن المؤامر إذا أتى الكوفة إلا مكاشفاً بعض أسيادي من أخوتك أو أعمامك.

فقالت بالله ألا سرت إلى أهلي وبحت عن الرحل فإذا سمعت بخبره ائتني على عجل واحذر أن يعلم بأنك مرسل من قبلي لهذه الغاية وأنت فطين عاقل فلا توقع نفسك في ما تلام عليه.

وخرج ريحان ولم يبدل ثيابه فتبعته لبابة إلى حديقة البيت فوقفت به في ظل نخلة وهمست في أذنه قائلة «إذا لقيت الرجل قل له إن خالتك لبابة هنا وهي تريد أن تراك لأمر هام» وعجله بالمجيء واذكر له أني مقيمة في منزل سيدتك قطام واحتل في حديثك بحيث يفهم منك ما عليه سيدتك من الحسن والجمال وإني ربما ساعدته على الزواج بها. وأنت فطن عاقل لا تحتاج إلى تدريب في ذلك. فقبل ريحان يدها وهو يضحك ويهزرأسه كأنه يقول «يظهر أنك لا تعتقدين فطانتي ولولا ذلك لم يكن ثمت داع لهذا التصريح».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤