في سَبيل الْإخَاءِ

(١) توحيد واتحاد

لا الدِّينُ يُرضِينِي ولا صلواتُهُ
إِنْ يَبْغِ تفريقَ الشعوب دُعَاتُهُ
فالدينُ مسنونٌ لتأليفِ الورى
جسمًا تُوَحَّدُ فيهِ جُزئياتُهُ
ضلَّ الأُلَى جعلوهُ قيدَ مذاهبٍ
وطرائقٍ فتبدَّلَتْ آياتُهُ
قد كانَ في فجرِ التمدُّنِ مبضعًا
فغَدَا حسامًا لا تَكلُّ شباتُهُ
ولسوفَ يَبْقَى هاديًا هذا الوَرَى
حتى تضلَّ عن الصراطِ هُدَاتُهُ
والدِّينُ فِي لغةِ التطوُّرِ واحدٌ
قد رُودِفَتْ وتعددتْ لفظَاتُهُ
وأرى المثلِّثَ كالمُوَحِّدِ دينهُ
لَمْ تَخْتَلِفْ في مذهبي جَنَّاتُهُ
ليس الكتابُ سوى الضمير منزَّهًا
عن غايةٍ وإلهُ كلٍّ ذاتُهُ
ذَاتِي هي الربُّ العظيمُ لأنَّها
منهُ ومثلُ الفعلِ مشتقَّاتُهُ
وإلهُ موسى والمسيح وأحمدٍ
ربُّ الجميع، وفي الجميع صِفَاتُهُ
والكون جسمٌ سرمديٌّ خُلِّدَتْ
فيهِ الحياةُ وناسُهُ ذَرَّاتُهُ
والأفق عندي صفحةٌ من مصحفٍ
لَيْسَتْ تعدُّ ولا تُرَى صفحاتُهُ
إن الكواكبَ والشموسَ حروفُهُ
مسبوكةً ونجومُهُ حركاتُهُ
ورث المذاهب كالعقارِ مضللًا
ويحَ القطيعِ متى تضلُّ رعاته
بذروا «اجتهادهمُ» فأنبتَ شوكَهُ
في شرقِنا كيلا تَمرَّ حُفَاتُهُ
فتنازعَ الملكوتَ شعبٌ تاعسٌ
يبغي النعيمَ، وفي الجحيمِ حياتُهُ
لَهفي على الوطنِ العزيز مقيَّدًا
بالترَّهاتِ فتيهُ وفتاتُهُ
أَسَفِي على وطنٍ تفرَّقَ شَمْلُهُ
فِي الدينِ فابتسمتْ لذاكَ عُدَاتُهُ
هُمْ يَذْكُرُونَ الحبَّ فِي أفواهِهِم
ولدينِهِم في قلْبِهِم نُعراتُهُ
فإذا غدا دينُ الإخاء شعارنَا
حيِّ الرقيَّ وقل دنتْ أوقاتُهُ
فِيهِ نرى بيتَ العروبةِ مقدسًا
حرمًا تصافح طورَهُ عرفاتُهُ

•••

وطَنِي المريض أمِنْ دواءٍ ناجعٍ
غير الرُّقَى فبلاؤُهُ رقَيَاتُهُ
حلوه من هذي القيود وحطِّموا
أغلالَهُ، أَفَلَمْ يَئِنْ إِفْلَاتُهُ
مَنْ لِي بيومٍ إِنْ تَمَايَلَ أرزهُ
فيهِ تماوجَ نيلهُ وفراتُهُ

•••

وطنَ الأعاربِ حسب قومك رقدةٌ
فَهُمُ إِذَا ذُكِرَ الذمارُ حُمَاتُهُ
يا ويلَ شعب الشرق من زعمائهِ
إن قُلْتَ هشَّ تصعَّدت زفراتُهُ
١٩٢٥

(٢) بيني وبين الأسير

في فترة قصيرة جدًّا صرتُ من فرسان الصليب الوردي، فتقت إلى «الأسرار» التي تلي هذه الدرجة «١٨» فكتبت إلى الأخ الدكتور حسن بك الأسير — رحمه الله — أسأله ذلك، وأحببت أن يكون الخطاب نظمًا لأنني كنت — في ذلك الزمان — مولعًا بالنظم.

فجاء الجواب منه شعرًا أيضًا. وها أنا أنشر الاثنين لأني أحببت أيها القارئ الحبيب، أن أعترف لك اعترافًا صادقًا، فلم أترك شاردة ولا واردة. أحببت أن أريك مارون عبود، في كل مراحل حياته، وأطواره التفكيرية والنفسية، ولك أن تقول أنت في ذاك المارون ما شئت. فأنا أعتبره ذاتًا تركتني لتحل محلها ذات أخرى. إنني أحس ذلك وألمسه. أجل، لقد تركت على طريقي ذواتًا كثيرة فتأمل نفسك أنت إذا شئت أن تشعر شعوري. ومن يدري فلعلك تركت مثلي ذواتًا كثيرة.

الخطاب

أقَافِيَتِي على مَتْنِ الأثِيرِ
إِلَى «حسنِ» النُّهَى المفضالِ سِيرِي
ودقِّي بابَهُ عَنِّي وَقُولِي
أَسيرَ الفَضْلِ رِفْقًا بالأسِير
أسيرٌ عِنْدَ بابك في الدَّيَاجِي
ألا افْتَحْ بَابَ «مَجْلِسِك» المُنِير
وَخُذْ بيدَيْهِ تغنمْ أَجْرَ عَانٍ
طَمُوحٍ لَيْسَ يَرْضَى باليَسِير
يَتُوقُ إِلَى «الثلاثين» ابتِهَاجًا
أخو «الخمسينَ» وهو على شَفِير
فيَا علمَ «العشيرة» يا إِمَامَ
«اليتامى» بالأُخُوَّةِ كُنْ نَصِيرِي
فَمَا في الجيب إِلَّا «فلس أُمِّي»
أجود به من الكيس الصَّغِير
فَإِنْ تفصدْ أَخَاكَ فكُنْ حَكِيمًا
أَلَسْتَ الطِّبَّ مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ؟
فَمَا مَالَ «المُعَلِّم» غير شعر
«يُسَفْتِجُهُ» على «بَنْكِ» الشُّعُور
فَإِنْ «أَمْضَيْتَ» فهو من الدراري
وإِنْ ترفضْ فكالترب الحقير
فدينارُ البلاد بلا مسمى
«وفرطُ» الجيب لبناني وسوري
فإن تنصر أخاك فليس بدع
فكم في دار فضلِك من أَسِير

الجواب

سقطتَ من الوفاء على خَبِير
فذَرْنِي والذي لَكَ في ضَمِيرِي
رُوَيدَكَ سَوْفَ «تأخذها» سريعًا
وما أنا من يقصِّرُ عن قَصِير
زهدنا بالنضارِ اليَوْمَ إِذْ ما
أضَرَّ بصاحب الكيس الصغير
فأهلًا بالْغَوَالِي قَدْ أَتَتْنَا
منضدةً من «الأخِّ» الكبير
وفي «دار» الأسير يحل أنسٌ
غداة يحلُّ كالبدر المنير
ولاح على وجوهِ القوم بِشرٌ
يدل على انشراحٍ في الصدور
وبُرِّجت «البروجُ» لملتقاهُ
وزخرفت المقاعدُ للأمير
ونادوا في المَحَافِلِ والنَّوَادِي
بحضرَتِهِ وتشريف قرير
١٩٢٨

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤