تقديم الطبعة الثانية
هذا الكتاب طبعة جديدة لكتاب قديم، بل في عصر الإنترنت يمكن اعتباره بمنزلة طبعة جديدة لنص عتيق. نُشرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في عام ١٩٩٩. كُتبت الطبعة الأولى في سياق مختلف للغاية، ومن أوجه عدة، كُتبت تلك الطبعة على نحو مضاد لذلك السياق. وكما أذكر في الفصل الأول، كانت الفكرة السائدة بين أولئك الذين كانوا يتحدثون بحماسة شديدة عن الفضاء الإلكتروني آنذاك تتمثل في أن الفضاء الإلكتروني يقع خارج نطاق الضوابط التنظيمية الموجودة على أرض الواقع. فلا تستطيع الحكومة، وفق رؤية هؤلاء، الاقتراب من الحياة على الإنترنت، ومن ثم تختلف الحياة على الإنترنت — بل وتعتبر منفصلة — عن حراك الحياة خارجه. وقد قدمَت الطبعة الأولى من هذا الكتاب طرحًا يناقض تلك الرؤية الشائعة آنذاك.
في السنوات التي تلتْ، توارت تلك الرؤية الشائعة؛ إذ تضاءلت ثقة أصحاب الرؤية الاستثنائية في الإنترنت، وذهبت دون عودة فكرة أن الإنترنت سيبقى غير خاضع للضوابط التنظيمية، بل والرغبة في هذا. من هنا، عند قبولي الدعوة لتحديث هذا الكتاب واجهت خيارًا صعبًا تمثَّل فيما إذا كان يجب أن أكتب كتابًا جديدًا، أو أن أُحدِّث الكتاب القديم بحيث يصبح سهل الاستيعاب ومرتبطًا بوقتنا المختلف اختلافًا جذريًّا.
أقررتُ الخيار الأخير، ومن ثَمَّ، يظل البناء الأساسي للكتاب في طبعته الأولى كما هو، مثلما هو الحال في الطرح الذي يُقدِّمه الكتاب. في المقابل، غيرت طريقة سرد بعض الأمثلة، ومثلما آمل، سعيتُ إلى تحقيق مزيد من الوضوح في الكتابة. توسعت أيضًا في الطرح الذي يقدمه الكتاب في بعض أجزائه، وأضفتُ روابط مختصرة لأعمال لاحقة بحيث يتكامل هذا الطرح مع طرح الكتاب في طبعته الأولى.
في المقابل، لم أتوسع في طرح الأجزاء التي تناولها آخرون، ولم أستسلم أيضًا للإغراء (القوي للغاية) بإعادة كتابة الكتاب استجابة للنقاد؛ المتعاطفين منهم ومن هم غير ذلك. وقد أدرجتُ بعض التوجيه في ملاحظات الكتاب لمساعدة مَن يريدون متابعة أطروحات الآخرين استجابة لكتابي. في المقابل، لا يُعد هذا الكتاب — حتى في طبعته الأولى — سوى جزء صغير من نقاش أكبر بكثير. من هنا، لا يجب أن تقرأ هذا الكتاب دون أن تقرأ الأعمال الأخرى اللاحقة. ثمة كتابان على وجه الخصوص يُكملان الطرح الذي أقدمه هنا: كتاب جولد سميث وتيم وو «من يسيطر على الشبكة؟» (٢٠٠٦)، وكتاب بنكلر «ثروة الشبكات» (٢٠٠٦)، وكتاب ثالث من تأليف زيترين، من المتوقع صدوره في ٢٠٠٧، يتوسع في الطرح الذي أقدمه كثيرًا.
لم أحاول أيضًا أن أعدد الأخطاء — الحقيقي منها وغير ذلك — التي وردت في الطبعة الأولى. قمتُ بتصحيح بعض الأخطاء وتركتُ البعض الآخر؛ لأنه مهما ظن الآخرون أنها أخطاء فأنا ما زلت مؤمنًا بأنها ليست كذلك. يعتبر الجزء الأهم في الطبعة الثانية هو رأيي الذي يقضي بأن البنية التحتية للشبكة سيتم السيطرة عليها، وتصير أكثر قابلية للخضوع للضوابط التنظيمية بصورة متزايدة من خلال تكنولوجيات الهوية الرقمية. اعتبر الأصدقاء هذا «الخطأ» «خطأ فادحًا»، لكنه ليس كذلك. لست متأكدًا أي أفق زمني كنت أتصوره في عام ١٩٩٩، وأقرُّ بأن بعض التنبؤات التي طرحتها في الطبعة الأولى لم تتحقق بعد. في المقابل، أشعر اليوم بثقة أكثر مما كنت آنذاك، ومن ثم اخترت أن أبقي على هذا «الخطأ الأساسي» — ربما أفعل ذلك لتأمين جانبي — فإذا كنت على صواب فلي أجر الفهم الصحيح، وإن كنت على خطأ فسيصبح لدينا إنترنت أقرب إلى قيم الإنترنت في صورته الأصلية.
بالإضافة إلى هؤلاء المتطوعين، ساعدتني جامعة ستانفورد على جمع جيش من طلاب القانون لمساعدتي في إنهاء البحث الذي تطلَّبته هذه الطبعة للكتاب. بدأ هذا العمل بأربعة أشخاص: ديفيد رايان برومبرج، وجي آن لي، وبرِت لوج، وآدم بيو، الذين قضوا صيفًا كاملًا يجمعون جميع الأعمال التي قامت على الكتاب في طبعته الأولى أو انتقدته. وقد اعتمدتُ على بحوث هؤلاء جزئيًّا لأقرر كيف سأعدل الطبعة الأولى. خلال فصل الخريف الدراسي في عام ٢٠٠٥، أضاف عدد من طلاب جامعة ستانفورد من خلال ندوة رؤيتهم النقدية، فضلًا عن صفوف طلاب كلية كاردوزو للقانون. وعلى مدار العام الدراسي قضى طالبان آخران — جون إدِن وآفي ليف روبنسون — موشر ساعاتٍ عديدة يساعدانني في إكمال البحث اللازم لإنهاء مسودة مقبولة لهذا الكتاب.
لم يسهم أي طالب آخر في النسخة النهائية من هذا الكتاب مثلما ساهمت كريستينا جانييه؛ ففي الشهور الأخيرة من كتابة النسخة النهائية من هذا الكتاب، تولت كريستينا عملية البحث، وحسمت العديد من القضايا التي كانت تبحث عن حلول، ووضعت نتائج هذه العملية التي استغرقت ١٨ شهرًا في صورة كتاب صالح للنشر، وأشرفَت على مراجعة جميع الاستشهادات للتأكد من اكتمالها ودقتها. وبدونها، لم يكن هذا الكتاب سيخرج إلى النور.
أشعر بالامتنان أيضًا للأصدقاء والزملاء الذين ساعدوني على رؤية المواضع التي قد تحتاج للتعديل، خاصة إد فِلتِن، وديفيد جونسون، وجورج ليما، وآلان روثمان، وتيم وو، كما أشكر جيسون رالز الذي صمم رسوم الجرافيك لهذا الكتاب. أخيرًا، أدين بالعرفان بما لا تعبر عنه الكلمات لإلين أدولفو، التي دون موهبتها وصبرها اللذين لم أشهد مثلهما من قبل لم أكن لأنجز هذا الكتاب أو الكثير من الأشياء في السنوات القليلة الماضية.