الفصل الأول

في البهو ذي الأرضية الرخامية لفندق متروبوليتان جراند بمدينة بافالو، كان البروفيسور ستيلسون رينمارك واقفًا يتلفَّت حوله بقلقِ شخصٍ لم يَعتَد تلك الفخامةَ الصارخة التي اكتسَت بها دار الضيافة الأمريكية العصرية. كان البروفيسور قد توقَّف في منتصَف الطريق بين الباب والمِنْضَدة الرخامية؛ لأنَّه بدأ يخشى أن يكون قد وصَل في وقتٍ غيرِ مواتٍ، وخالَجه خوفٌ من أنَّ شيئًا غريبًا يحدث. فقد أوقعته العجلةُ والضجيج من حوله في حيرةٍ من أمره.

كانت تقف عند الباب حافِلةٌ عمومية مُمتلئة بعض الشيء بالركاب، ذات دَرَجٍ قصير كان مستندًا على حجر الرصيف، وتقف بجوارها شاحنة مسطَّحة عريضة عليها حمَّالون أقوياء البِنية يرفعون عليها صناديقَ مربَّعة ضخمة معصُوبة بعصاباتٍ حديدية تخصُّ التجار المُسافرين، وحقائب كبيرة أخف منها، وإن لم تكن أقلَّ منها ضخامة، من المؤكَّد أنَّها كانت تخصُّ السيدات اللواتي كُن يَجلسن بصبرٍ في الحافلة. وفي هذه الأثناء، كانت عربةٌ أخرى قد وصلَت للتو تتحرَّك إلى الخلف نحو الرصيف، وتفوَّه السائق الحانق بألفاظٍ ملائمة لهذا الحدث؛ إذ لم يكن حصانَا العربةِ الجامِحان يُطيعانه.

كان يوجد رجلٌ يَصدَح بصوتٍ جهوري، وإن كان رتيبًا وحزينًا، بأنَّ قطارًا على وشك المغادرة إلى ألباني وساراجوتا وتَروي وبوسطن ونيويورك والشرق. وحين وصَل إلى كلمة «الشرق»، انخفض صوته إلى نبرةٍ حزينةٍ أقل حدَّة، كأنَّ الرجل كان قانطًا من مصير أولئك المسافرين نحو تلك الوجهة. وبين الحين والآخر، كان جرسٌ نحاسي يُقرَع محدِثًا رنينًا حادًّا، فيُهرع أحد الزنوج، الذين كانوا جالسين صفًّا على دكةٍ ممتدَّة بطول الجدار المكسو بالرخام إلى المِنْضدة، ويأخذ حقيبةَ يد أحد الأشخاص، ويتجه بها إلى المصعد متواريًا وسط الزحام ومن ورائه النزيل الجديد. وكان بعض الرجال يقفون في مجموعاتٍ هنا وهناك يتبادَلُون أطراف الحديث، متجاهلين صخب الوصول والمغادرة من حولهم.

وأمام النوافذ العريضة العالية ذات الألواح الزجاجية، جلس رجالٌ آخرون صفًّا، بعضُهم يتحدث وبعضهم يقرأ وبعضهم يُحدِّق إلى الخارج، لكنَّهم جميعًا كانوا يجلسون واضعين أقدامهم على الحاجز النحاسي المُنخفِض الذي بدا أنَّه وُضِع هناك خصوصًا لهذا الغرض. كان الجميع تقريبًا يُدخِّن السيجار. ثم نزلت سيدةٌ مهيبة الطلَّة إلى الرَّدْهة متَّجهة إلى مقدمة المِنْضَدة، وتحدَّثت بهدوء إلى موظف السجلات، الذي أمال رأسه المُصفَّف جيدًا إلى جانب واحد مصغيًا في تبجيلٍ إلى ما تقول. أفسح الرجال الطريق لها فورًا. فمضَت إلى الأمام وسطهم بهدوءٍ تامٍّ كأنَّها في غرفة جلوس بيتها، حانيةً رأسها قليلًا لواحدٍ أو أكثر من معارفها، وقُوبلت تحيتها بجديةٍ تمثَّلت في رفع القبعة وإزالة السيجار من بين الشفتَين مؤقتًا.

كان كل ذلك في غاية الغرابة على البروفيسور، وشعر بأنَّه في عالمٍ جديد لم يألَف عاداته. لم يُعِره أحدٌ أيَّ اهتمام وهو واقفٌ هناك وسط كل هذا حاملًا حقيبته في يده. وفيما كان يتقدَّم على استحياء نحو المِنْضدة، ويُحاول أن يستجمع شجاعةً كافية ليُخاطب الموظَّف، جاء شاب ورمى حقيبة يده على سطح المِنْضدة المصقُول، متجاهلًا البروفيسور، وجذب دفتر القيد الكبير ناحيته، وخربش اسمه على الصفحة بسرعةٍ شديدة فظهرَ مُبهمًا.

قال للموظف: «مرحبًا يا سام! كيف الأحوال؟ هل تلقيت برقيتي؟»

فأجاب الموظف: «نعم، لكنِّي لا أستطيع إعطاءك الغرفة رقم ٢٧. فقد حُجزَت أسبوعًا. لقد حجزتُ لك الغرفة رقم ٨٥، واضطررتُ إلى التشبُّث بها بأسناني كي أتمكَّن من ذلك.»

اكتفى الشاب في ردِّه بإشارةٍ مُقتضَبة إلى الجحيم.

فقال الموظف بهدوء: «إنَّه ساخن. هل أتيت مِن كليفلاند؟»

«نعم. أتوجد أيُّ رسائل لي؟»

«برقيتان. ستجدُهما في الأعلى في الغرفة رقم ٨٥.»

«أوه، يبدو أنَّك كنتَ متيقنًا تمامًا أنني سآخذ تلك الغرفة؟»

«كنتُ متيقنًا تمامًا من أنك ستُضطر إلى ذلك. فإمَّا تلك أو الطابق الخامس. الفندق مشغول عن آخره. لا أستطيع أن أحجز غرفةً أفضل للرئيس نفسه لو أتى.»

«أوه، حسنًا، فما قد يكون جيدًا كفايةً للرئيس أستطيع تحمُّله بضعة أيام.»

نزلت يد الموظف على الجرس. فهُرِع الزنجي وأخذ حقيبة السفر.

قال الموظف: «خمسة وثمانون.» ثم اختفى الزنجي والتاجر الرحَّالة.

وأخيرًا قال البروفيسور للموظَّف على استحياء: «أيوجد مكان أستطيع أن أترك حقيبتي فيه بعض الوقت؟».

«حقيبتك؟»

رفعها البروفيسور ليُريَه إياها.

«أوه، حقيبة سفرك. بالطبع. ألديك غرفة يا سيدي؟» وفي تلك اللحظة كانت يد الموظف تحوم حول الجرس.

«لا. على الأقل، ليس بعدُ. فكما ترى، أنا …»

«حسنًا. ها هو موظَّف الأمتعة على اليسار سيُسجلها لك.»

فجأة قال رجل، دافعًا نفسه أمام البروفيسور: «ألديك أيُّ رسائل وصلت إلى بوند؟». فأخرج الموظَّف حزمةً مُمتلئة بالرسائل من الحجيرة التي تحمل العلامة «ب»، وناولها كلها للشخص المُستفسِر، الذي تفقَّدها سريعًا، واختار اثنتين بدا أنهما موجهتَان إليه، ثم دَفع بقية الرسائل نحو الموظَّف، الذي وضعها حيث كانت من قبل.

ظلَّ البروفيسور واقفًا لحظة، ثم، حين أدرك أن الموظف قد نسيَه، بحث عن موظف الأمتعة إلى أن وجده في حجرةٍ مليئة بصناديق الأمتعة وحقائب السفر. كانت هذه الحجرة موصولةً بالبهو الكبير عبر فتحة مربعة كانت حافتها السُّفلية في مستوى ارتفاع الصدر. وقف البروفيسور أمامها، وسلَّم الحقيبة إلى الرجل الواقف وراء هذه الفتحة، الذي سرعان ما علَّق قطعةً نحاسية بمقبض الحقيبة برباطٍ جِلدي، وألقى القطعة النحاسية الأخرى إلى البروفيسور. لم يكن ذلك الأخير مُتيقنًا، ولكن بدا أنَّه من المفترض أن يدفع شيئًا ما للموظَّف، لكنه افترض صوابًا أنه لو كان مُطالَبًا بدفع شيءٍ ما، لما تردَّد ذلك الرجل الفظ بعض الشيء في ذكر تلك الحقيقة، وقد أثبت حسه المنطقي السليم في ذلك التخمين أنَّه نبراس موثوق يُهتدى به وسط البيئة المحيطة الغريبة. فلم يكن موظَّف الأمتعة يتسمُ بأيِّ لُطفٍ ولو مُصطنَعًا.

ومع أنَّ البروفيسور كان متحيرًا بعض الشيء من الوضع العام المحيط به، إلا أنه ظلَّ كامنًا في طبيعته إصرارٌ عنيد كان قد نَفعه للغاية من قبل، وكان يُمكِّنه في نهاية المطاف من التفوق على رجالٍ أذكى بكثير. لم يكن راضيًا إطلاقًا عن حواره المقتضَب مع الموظف. فقرَّر أن يبادر بالتحدث إلى ذلك الشخص المشغول مجددًا، إن استطاع أن يجتذب انتباهَه. ومرَّ بعض الوقت قبل أن يَلفت انتباه الموظف المتكلم، ولكن حين استطاع ذلك، قال:

«كنت على وشك أن أقول لك إنني أنتظر صديقًا من نيويورك ربما لم يَصِل بعد. اسمه السيد ريتشارد ييتس من …»

«أوه، ديك ييتس! بالطبع. إنه هنا.» ثمَّ التفت إلى الزنجي قائلًا: «انزل إلى صالة البلياردو وانظر ما إذا كان السيد ييتس هناك. وإذا لم يكن كذلك، فابحث عنه في الحانة.»

كان واضحًا أنَّ الموظف يعرف السيد ديك ييتس. قال دون أن يُلاحظَ نظرة الدهشة التي اعتلت وجه البروفيسور:

«إذا انتظرت في قاعة القراءة، فسأرسل ييتس إليك حين يأتي. سيعثر الصبي عليه إذا كان في الفندق، لكنَّه ربما يكون في الجزء الشمالي من المدينة.»

لم يشأ البروفيسور أن يُزعج الموظف الخدوم أكثر من ذلك، فلم يسألْه عن مكان قاعة القراءة. وسأل بدلًا منه حمَّالًا متعجلًا، وتلقَّى إجابةً مقتضبة لكنها وافية:

«قاعة الطعام في الطابق التالي. قاعات القراءة والتدخين والكتابة عند البهو. وصالة البلياردو والحانة والمراحيض في الطابق السفلي.»

بعدما دخل البروفيسور صالون الحلاقة ومتجَر بيع السيجار، وصل أخيرًا إلى قاعة القراءة. كان العديد من الصحف اليومية مُتناثرًا عبر أرجاء الطاولة، وكانت كلٌّ منها مثبَّتة على حاملٍ طويل مشقوق بدائي الشكل من الخشب، فيما كانت تُوجد مجلات أخرى، مُثبتة أيضًا، مُتدلية من أرفف مستندة إلى الحائط. جلس البروفيسور على أحد الكراسي الوثيرة المكسوَّة بالجلد، لكنه لم يأخذ صحيفة، بل أخرج كتابًا رفيعًا من جيبِه، وسرعان ما انهمَكَ فيه بشدة حتى صار لا يشعر تمامًا بمحيطه الغريب. ثم وقعَت لمسةٌ خفيفة على كتفه أعادته من كتابه إلى العالم مرةً أخرى، رأى وجهًا صارمًا لشخصٍ غريب ذي شارب كثيف يُحدِّق فيه من الأعلى.

قال الرجل الغريب: «معذرة يا سيدي، ولكن هل لي أن أسألكَ إن كنتَ أحد نزلاء هذا الفندق؟»

خيَّم طيفٌ طفيف من القلق على وجه البروفيسور وهو يدسُّ الكتاب في جيبِه. فقد خالجه شعورٌ غامض حالَما دخل الفندق في البداية بأنه يتعدَّى على مُمتلكات الغير، وها قد تأكَّدَت شكوكه في هذه اللحظة.

قال متلعثمًا: «أنا … أنا لستُ نزيلًا بالضبط.»

تابع الآخر رامقًا البروفيسور بنظرة باردة مُدقِّقة: «ماذا تقصد بأنك لستَ نزيلًا بالضبط؟ فأنا أفهم أنَّ الرجل إمَّا أن يكون نزيلًا أو لا. فأيهما أنت؟»

«أظن، وفق المعنى الحرفي للكلمة، أنني لستُ نزيلًا.»

«وَفق المعنى الحرفي للكلمة! مزيدٌ من المراوغات. دعني أسألك يا سيدي، بصفتك رجلًا شريفًا حسبما يبدو عليك، هل تتخيَّل أن كل هذه الرفاهية، وهذه … هذه الأناقة، تُصان مجانًا؟ هل تظن يا سيدي أنها متاحة لأي رجل ذي قدْرٍ كافٍ من الوقاحة ليدخل إلى هنا من الشارع ويستمتع بها؟ هل تُحفَظ وتُصان من أجل أناسٍ ليسوا نزلاء، بالمعنى الحرفي للكلمة؟»

تفاقمت أمارات الشعور بالذنب على وجه البروفيسور التعيس الحظ. لم يكن لديه ما يقوله. فقد أدرك أنَّ سلوكه كان شديد الفجاجة إلى حدٍّ لا يَسمح له بالدفاع عنه؛ لذا لم يُحاول فعل ذلك. وفجأة، استنار مُحيَّا مُستجوبه بابتسامة، وضرب البروفيسور على كتفِه.

«عجبًا، أيها الرجعي الذي عفا عليه الزمن، لم تتغيَّر قِيد أنملة طوال خمسة عشر عامًا! أنت لا تقصد التظاهر بأنك لا تَعرفني، ألست كذلك؟»

«لا يمكن … لا يمكن أن تكون ريتشارد ييتس؟»

«يُمكن، بل لا يُمكن أن أكون أحدًا سواه. أعرف ذلك لأنني حاولت مرارًا. عجبًا، عجبًا! لقد اعتدنا أن ندعوَك ستيلي، ألا تتذكَّر؟ لن أنسى أبدًا تلك المرة التي غنَّينا فيها «أوفت إن ذا ستيلي نايت»، أمام نافذتك حين كنتَ تُذاكر للامتحانات. دائمًا ما كنتَ رجلًا هادئًا يا ستيلي. كنتُ في انتظارك النهار كلَّه تقريبًا! كنتُ بالأعلى لتوِّي مع مجموعة من الأصدقاء حين أحضر الصبي بطاقتك إليَّ، كان تجمُّعًا خيريًّا صغيرًا، أشبه بترتيبٍ لتحقيق منفَعة مُتبادَلة، كما تعلم؛ إذ أسهم كلٌّ منا بما استطاع ادخاره في صندوقٍ للأموال العامة ذَهَب ما به إلى شخصٍ يستحقُّه مِن عموم الناس.»

قال البروفيسور بنبرة جافة: «نعم. سمعت الموظَّف يُخبر الصبي بأرجح مكانٍ قد يجدك فيه.»

صاح ييتس ضاحكًا: «أوه، حقًّا؟ نعم، عادةً ما يعرف سام من أين يستدعيني، لكنه ما كان يجب أن يُفشيَ ذلك بهذه العلنية الشديدة اللعينة. فبصفتي صحفيًّا، أعرف ما يجب أن يُنشَر وما يجب أن يُشطَب بالقلم الأزرق ويُحذَف. عادةً ما يكون سام كتومًا جدًّا، ولكن لا شك أنه عرف حالما وقعت عيناه عليك أنك أحد أصدقائي القدامى.»

ضحك ييتس مجددًا، وكانت ضحكةً مشرقة ومُبتهجة جدًّا من رجلٍ بدا خبيثًا للغاية.

قال متأبِّطًا ذراع البروفيسور: «تعالَ معي. يجب أن نُسكنَك في غُرفة مناسبة.»

خرجا من القاعة نحو البهو، وتوقَّفا عند مِنْضدة موظَّف الاستقبال.

صاح ييتس قائلًا: «أصغِ إليَّ يا سام، ألا يُمكنك أن تجد لنا شيئًا أفضل من الطابق الخامس؟ فأنا لم آتِ إلى بافالو للمشاركة في رياضة ركوب المناطيد. لا أحبِّذ المكوث في غرف في السماء، إن استطعت تجنُّب ذلك.»

قال الموظف: «أنا آسف يا ديك، لكنِّي أتوقَّع أنَّ الطابق الخامس لن يبقى متاحًا حين يصل القطار السريع القادم من شيكاجو.»

«حسنًا، ما الذي تستطيع فعله لنا على أيِّ حال؟»

«أستطيع أن أمنحَكَما الغرفة رقم ٥١٨. إنها الغرفة المُجاوِرة لغرفتك. وهما حقًّا الأكثر راحةً بين غرف الفندق في هذا الطقس. إنَّ لها إطلالة رائعة على البحيرة. كنت سأودُّ أنا نفسي رؤية البحيرة لو كان بوُسعِي مُغادَرة المكتب.»

«حسنًا. لكني لم آتِ لأُشاهد البحيرة، ولا قضبان السكك الحديدية الواقعة على ذلك الجانب، ولا نهر بافالو أيضًا، برغم جماله ومنظره الشاعري، ولا لأستمع إلى صليل عشرات الآلاف من القاطرات التي تمرُّ في نطاق السمع لإمتاع نزلائكم. الحقيقة أنَّ بافالو أشبه ﺑ… سأقول — من أجل البروفيسور — إنَّها أشبه بعالم هاديس، من أيِّ مكان آخر في أمريكا، باستثناء شيكاجو دائمًا.»

قال الموظَّف بذلك الإحساس بالولاء المحلي الموجود لدى كل الأمريكيِّين: «أوه، إن بافالو جيدة. قل لي، هل أتيتَ إلى هنا بشأن تلك المهمَّة السهلة التي تَعتزم حركة فينيان تنفيذها؟»

سأله الصحفي: «ما مُهمة فينيان السهلة تلك؟»

«أوه! ألا تَعرف بأمرِها؟ لقد ظننتُ حالما رأيتُك أنك أتيت إلى هنا من أجل تلك المسألة. حسنًا، لا تقُل إنني أخبرتُك، لكني أستطيع أن أدلَّك على أحدِ أعلى ذوي النفوذ شأنًا إن أردت معرفةَ التفاصيل. يقولُون إنهم سيأخذون كندا. قلت لهم إنني لم أكن لآخُذ كندا هديةً حتى، فضلًا عن خوض قتال من أجلها. لقد كنتُ هناك.»

أثارت غريزة ييتس الصحفية لديه شعورًا بالإثارة حين فكَّر في الضجة التي قد يُحدثها ذاك النبأ. ثمَّ تلاشى البريق رويدًا من عينيه حين نظر إلى البروفيسور، الذي كان وجهه قد احمر بعض الشيء وضغط شفتَيه وهو يستمع إلى التعليقات المهينة عن بلده.

قال الصحفي أخيرًا: «حسنًا يا سام، لن تجدَني أتجاهَلُ خبرًا سوى مرَّة في العمر، لكنَّ الحقيقة أنني في إجازة حاليًّا. ربما تكون أول إجازة أحصل عليها تقريبًا منذ خمسة عشر عامًا؛ لذا يجب أن أكون حريصًا عليها كما ترى. دع صحيفة «أرجوس» تخسَر السبق الصحفي، إن أرادُوا. سيُصبحون أكثر تقديرًا لخدماتي من ذي قبل حين أعود. أظنك قلت الغرفة رقم ٥١٨، أليس كذلك؟»

ناوله الموظفُ المفتاح، وأعطى البروفيسور الصبيَّ القطعة المعدنية الخاصة بحقيبتِه بناءً على إشارة من ييتس.

قال ييتس لصبي المصعد: «هيا أَسرع. سنَقطع المسافة كلها معك.»

وهكذا انطلق الصديقان عاليًا معًا إلى الطابق الخامس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤