الفصل الرابع

ظل بارتليت صامتًا لفترة طويلة، ولكن كان من الواضح أنه يفكر في شيءٍ ما؛ إذ كان يناجي نفسه سرًّا، وظل صوت تمتماته يعلو شيئًا فشيئًا حتى كسر السكون، ثم ضرب الحصانين بالسوط وشد لجاميهما، وبدأ مناجاة نفسه مرةً أخرى. وأخيرًا قال فجأة للبروفيسور:

«ما تلك الثورة التي تحدَّث عنها؟»

«إنها حرب الاستقلال، التي بدأت في عام ١٧٧٦.»

«لم أسمع بها قط. هل قاتَلَنا الأمريكيون؟»

«قاتلت المستعمرات إنجلترا.»

«أي مُستعمرات؟»

«البلد الذي يُسمَّى الآن الولايات المتَّحدة.»

«قاتلوا إنجلترا حقًّا، هاه؟ ومَن الذي انتصر؟»

«نالت المستعمرات استقلالها.»

«هذا يعني أنهم هزمُونا. لا أُصدق أيَّ كلمة ممَّا قاله. كان المفترض أن أسمع بذلك؛ لأنني عشت في هذه المنطقة فترة طويلة.»

«كان ذلك قبل زمانك بقليل.»

«وكذلك كانت حرب عام ١٨١٢، لكنَّ والدي حارب فيها، ولم أسمعه قَط يتحدث عن هذه الثورة. أظنه كان من المفترض أن يكون على دراية بها. ثمة حلقة مفقودة أو مُبهَمة.»

«حسنًا، كانت إنجلترا مشغولة بعض الشيء بالفرنسيين آنذاك.»

«آه، هذا هو الأمر، أليس كذلك؟ أراهن على أنَّ إنجلترا لم تعرف قَط أن الثورة كانت جارية إلَّا حين انتهت. فلم يستطِع نابليون الأول أن يهزمهم، وليس من المنطقي أنَّ يكون الأمريكيون قد استطاعوا ذلك. أعتقد أنَّ هذه الحرب شهدت بعض الخيانة والغش. عجبًا، لقد احتاج الأمريكيون إلى أربع سنوات كي يهزموا أنفسهم! لديَّ كتاب في البيت يتحدث بالكامل عن نابليون. لقد كان شخصًا عنيدًا صعب المراس.»

لم يشعر البروفيسور بأنه مُطالَب بالدفاع عن شخصية نابليون؛ ومن ثمَّ خيَّم الصمت عليهما مرة أخرى. بدا بارتليت منزعجًا جدًّا من الخبر الذي سمعه للتو عن الثورة، وكان يزمجر في قرارة نفسه، بينما كان الحصانان يُعانيان معاناةً أشد من المعتاد من جرَّاء ضربات السوط وشد اللجام الذي دائمًا ما كان يعقُب تلك الضربات. وبينما كان ييتس مُتقدمًا عنهما بمسافةٍ ما وكان يمشي مسرعًا بتبخترٍ إيقاعي، انعطف الحصانان، من تلقاء نفسيهما كما بدا، ليدخلا من بوابة مفتوحة، وواصلا السير بمشيتهما المتمهِّلة المعتادة نحو مخزن غلال كبير وراء بيتٍ رحيب ذي هيكل من العوارض الخشبية وشُرفةٍ واسعة في مقدمته.

قال بارتليت باقتضاب: «هذا بيتي.»

رَدَّ البروفيسور وهو يثب مترجلًا من العربة: «ليتك أخبرتني منذ بضع دقائق كي يتسنَّى لي مناداة صديقي آنذاك.»

قال بارتليت وهو يُلقي زمام الحصانين إلى شابٍّ خرج إليه من البيت: «لا أكترث به.»

ركض رينمارك إلى الطريق وصاح بعلو صوته مُناديًا ييتس البعيد. وكان واضحًا أنَّ ييتس لم يسمعه، لكنَّ شيئًا ما في البيت التالي جذب انتباه ذلك السائر الهائم، وبعدما وقف للحظةٍ مُحدِّقًا ناحية الغرب، رأى البروفيسور يلوح له. وحين التقى الرجلان، قال ييتس:

«إذن فقد وصلنا، أليس كذلك؟ أصغِ إليَّ يا ستيلي، إنها تعيش في البيت المجاور. رأيت العربة في فنائه.»

«تعيش؟ مَن تقصد؟»

«عجبًا لك، تلك الفتاة الجميلة التي مررنا بها على الطريق. سأشتري زادنا ومؤننا من ذلك البيت يا ستيلي، إذا لم يكن لديك مانع. بالمناسبة، كيف حال صديقي العجوز الذي يعيش في عام ١٨١٢؟»

«لا يبدو أنه يُضمِر أي بغضاء. في الحقيقة، كان انزعاجُه بشأن الثورة أشد من انزعاجه بشأن الضربة التي سددتها إليه.»

«كانت معلومة جديدة له، هاه؟ حسنًا، أنا سعيد بأنني ضربت رأسه بمعلومةٍ جديدة.»

«لقد فعلت ذلك بطريقةٍ غير علمية تمامًا بالتأكيد.»

«ماذا تقصد بغير علمية؟»

«أقصد تسديد اللكمة. لم أرَ في حياتي لكمةً سُفلية مسدَّدة بطريقةٍ أخرقَ من هذه.»

نظر ييتس إلى صديقه مشدوهًا. فكيف لهذا الرجل الهادئ المتعلم أن يعرف أي شيء عن اللكمات السُّفلية أو كيفية تسديد اللكمات؟!

«حسنًا، ولكن يجب أن تَعترف بأنني أصبت الهدف مع ذلك.»

«نعم، بالقوة الغاشمة. كان من المُمكن لأي مطرقة ثقيلة أيضًا أن تفعل ذلك. ولكن كانت لديك فرصةٌ ثمينة لفعل ذلك بإتقان وبراعة، دون أي إظهار للقوة المفرطة، إلى حدِّ أنني ندمتُ على رؤية فرصةٍ كهذه تُهدَر.»

«يا رباه يا ستيلي، هذا هو البروفيسور في ثوب جديد! ماذا تُدرِّس في جامعة تورنتو على أي حال؟ فن الدفاع النبيل عن النفس؟»

«ليس بالضبط، ولكن إذا كنتَ تنوي التجول في كندا بهذا السلوك العدواني، فأظن أنه سيجدر بك أن تأخذ بعض النصائح مني.»

«أظنك ستَقرِن نصائحك ببعض الأمثلة المدهشة. يا إلهي! سوف أعمل بنصائحك يا ستيلي.»

حين وصل الاثنان إلى البيت، وجدا بارتليت جالسًا على كرسي هزاز خشبي في الشرفة يتطلع بتجهُّم إلى الطريق.

قال ييتس: «يا لهذا الرجل من طاغية عجوز في بيته بالتأكيد!» ولم يكن لدى البروفيسور متسعٌ من الوقت ليَرُد قبل أن يصبحا في مرمى سمع صاحب البيت.

قال المزارع بفظاظة: «المرأة العجوز تُعِدُّ العشاء.» وبدا أنَّ هذه المعلومة هي أقصى ما استطاع الوصول إليه في محاولة دعوتهما إلى أخذ نصيبهما من ضيافته. لم يكن ييتس يعرف ما إذا كان المقصود بذلك دعوتهما إلى العشاء أم لا، لكنه رَد باقتضاب قائلًا:

«شكرًا، لن نبقى.»

صاح بارتليت غاضبًا: «تحدَّث عن نفسك إذا سمحت.»

قال رينمارك: «أوافق صديقي الرأي بالطبع، لكننا مُمتنان لك على هذه الدعوة.»

«افعلا ما تشاءان.»

وفجأة، صاح صوت مبتهج من داخل البيت بينما ظهرت امرأة بدينة متوردة البشرة ذات مظهر ودود للغاية عند الباب الأمامي: «ما هذا؟ لن نَبقى؟ من ذا الذي لن يبقى؟ أودُّ أن أرى أي شخص يغادر بيتي جائعًا حين تكون ثمة وجبة جاهزة على المائدة! وإذا كان بإمكانكما، أيها الشابان، تناول وجبةٍ أفضلَ في أيِّ مكان على طريق ريدج ممَّا سأقدمها لكما، فلا بأس، يُمكنكما أن تذهبا إلى هناك المرة القادمة إن شئتما، لكنَّ هذه الوجبة ستَتناولانها هنا، في غضون عشر دقائق. هذا خطؤك يا هيرام. فأنت دائمًا ما تدعو أيَّ شخص إلى العشاء كما لو أنك تُريد مصارعته!»

انتفض هيرام انتفاضة شخصٍ مُذنِب، ونظر بشيءٍ من المناشدة الصامتة إلى الرجلين لكن دون أن يقول شيئًا.

تابعت السيدة بارتليت قائلة: «لا تكترثا به. أنتما في بيتي، وأيًّا كان ما يقوله جيراني في حقي من مساوئ، فلم أسمع قط أيَّ أحد اشتكى من قلة المأكولات الشهية حين أستطيع الطهي. ادخلا حالًا واغتسلا؛ لأنَّ الطريق بيننا وبين الحصن القديم مغبَّر جدًّا، حتى وإن كان هيرام لم يعتدْ أن يقود بسرعة أبدًا. وفوق ذلك، فالاغتسال منعش بعد نهارٍ حار.»

لم يكن ثمة أدنى شك في حميمية هذه الدعوة، واستجاب لها ييتس، الذي استُثير تأدبه الطبيعي تجاه النساء فورًا، بتأهُّب وصيف ملكي مُتملق. سبقتهما السيدة بارتليت إلى داخل البيت، ولكن بينما كان ييتس يمر بالمزارع، تنحنح ذلك الأخير بصعوبة، وأشار بإبهامه من فوق كتفه نحو الاتجاه الذي سلكته زوجته، وقال بهمسةٍ مبحوحة:

«لا داعي إلى … إلى ذِكر الثورة كما تعرف.»

رَدَّ ييتس بغمزةِ مَن تفهَّم الموقف: «لا بالطبع. هل سنتذوَّق عيِّنة مما في الجرة قبل العِشاء أم بعده؟»

فقال المزارع: «بعده، إن كان الخياران سواءً لك.» ثم أضاف: «في مخزن الغلال.»

أومأ ييتس برأسه ودخل المنزل وراء صديقه.

اقتيد الشابان إلى غرفة نوم ذات مساحة أكبر من الحجم المعتاد في الطابق العلوي. كان كل شيء في المنزل يتسم بأقصى قدرٍ من النظافة المقترنة بالتنميق والتدقيق، وساد المكان طابعٌ من الراحة المبهجة. كان واضحًا أنَّ السيدة بارتليت مدبرة منزل يُفتخر بها. كان في انتظارهما إبريقان كبيران من الماء العذب البارد، وكان الاغتسال، كما كان متوقعًا، منعشًا للغاية.

صاح ييتس قائلًا: «أرى أنَّ من الوقاحة نوعًا ما قبول ضيافة رجل بعدما طرحته أرضًا.»

«سيكون هذا رأي معظم الناس، لكني أظنك تستهين بوقاحتك، كما تسميها.»

«مرحى يا ستيلي! أنت تتطور. هذا حضور بديهة، إنه كذلك بالتأكيد. مع التشديد على أنَّه لاذع أيضًا. لا تبالِ بذلك؛ أظن أنني وذاك العجوز المهووس بعام ١٨١٢، سنصبح على وفاق تام بعد ذلك. لا يبدو أنَّ ما حدث يضايقه إطلاقًا؛ لذا لا أرى سببًا يجعلني أقلق بشأنه. عجوز ذات حنان أمومي، أليست كذلك؟»

«مَن؟ المهووس بعام ١٨١٢؟»

«لا، بل زوجة المهووس بعام ١٨١٢. أنا آسف أنني أثنيت على حُضور بديهتك. يبدو أنك ستغتر. تذكَّر أنَّ ما يراه الناس دليل ذكاء في صحفي يرونه وقاحة بغيضة لدى أستاذ جاد. هيا ننزل.»

كانت المائدة مُغطاة بمفرش أبيض ناصع كما ينبغي للكتان الفاخر أن يكون. وكان الخبز منزلي الصُّنع حقًّا، وليس كمُعظم خبز المدن حيث يُساء استخدام ذلك المصطلح كثيرًا. كانت قشرته بُنِّية، وكانت لبابته هشَّة فاتحة. وكان الزبد، الذي جاء باردًا من القبو الصخري، ذا لون أصفر يسرُّ الروح. لاقى منظر المائدة الممتلئة بالطعام استحسانًا كبيرًا جدًّا في عيون المسافريْن الجائعين. فقد كانت تحمل «وفرة منه»، كما أشار ييتس لاحقًا.

صاحت السيدة بارتليت تزامنًا مع ظهور الشابَّين، قائلة: «تعالَ يا فتاي!» فسمعا صرير الكرسي الهزاز على أرض الشرفة في تلبية فورية للنداء.

قالت السيدة بارتليت مشيرةً إلى الفتى الذي وقف متحفِّظًا بالقرب من أحد أركان الغرفة: «هذا ابني أيها السيدان المهذبان.» وهنا عرفه البروفيسور بأنَّه الشخص نفسه الذي تولى أمر الحصانين حين عاد والده إلى البيت. كان جليًّا أنَّ شيئًا ما من سلوك الأب قد غُرس في خصال الفتى، الذي استجاب استجابة صامتة خرقاء لتعرفه على الرجلين.

ثم أضافت المرأة الطيبة: «وهذه ابنتي. والآن، ما اسماكما يا تُرى؟»

قال ييتس: «اسمي ييتس، وهذا صديقي البروفيسور رينمارك من تو-رنتو» ناطقًا اسم المدينة الجميلة على مقطعين، كما كان يحدث كثيرًا جدًّا، مع الأسف! انحنى البروفيسور، فيما مد ييتس يده بوِدٍّ إلى الشابة، قائلًا: «كيف حالك يا آنسة بارتليت؟ سررت بلقائك.»

ابتسمت الفتاة ابتسامة فاتنة جدًّا، وقالت إنها تأمل أن يكونا قد استمتعا برحلتهما من فورت إيري.

قال ييتس ناظرًا هنيهةً إلى مضيفِه، الذي كان محدِّقًا إلى مفرش المائدة وبدا راضيًا تمامًا بترك زوجته تدير زمام الموقف: «أوه، لقد استمتعنا. كان الطريق صخريًّا قليلًا في بعض الأماكن، لكنه كان ممتعًا جدًّا.»

قالت السيدة بارتليت: «والآن، لتجلس هنا، ولتجلس أنت هنا، وأرجو أن تكونا قد جلبتما معكما شهية مفتوحة.»

اتخذ الغريبان مقعديهما، وحظي ييتس من مكانه بفرصة النظر إلى أصغر أفراد الأسرة، فلم يُضيِّعها من يديه. كان من الصعب تصديق أنها ابنة رجل شديد الفظاظة كهيرام بارتليت. كانت وجنتاها ورديتين، وبهما غمازتان تظهران وتختفيان باستمرار في جهودها المتواصلة لتجنُّب الضحك. وكان شعرها، الذي يتدلى حول كتفيها المكتنزتين، ذا لون بني ذهبي ساحر. ومع أنَّ فستانها كان مصنوعًا من أرخص الخامات، فقد كان مُحاكًا ببراعة وملائمًا لجسدها تمامًا، وأضفى عليها مئزرها الأبيض الأنيق تلك اللمسة من النظافة الصحية التي كانت ملحوظةً في كل مكان في البيت. وكان عنقها الأبيض مُزينًا بشريط أزرق صغير معقود حوله، وزهرةٍ ربيعية جميلة تحتَه مباشرةٍ أكملا صورةً فاتنة، صورةً ربما كان أي رجُل سيتأملها بسرور حتى لو كان أكثر تدقيقًا وأقل تأثرًا بالجمال من ييتس.

جلست الآنسة بارتليت مبتسمةً إلى أحد طرفَي المائدة، وجلس والدها متجهمًا إلى الطرف الآخر. وجلست الأم إلى جانب المائدة، ويبدو أنَّها كانت ترى ذلك المكان يَمنحها ميزة الإشراف على المائدة كلها، وإبقاء زوجها وابنتها نصب عينَيها. كان إبريق الشيء والأكواب على المائدة أمام الفتاة. لم تصبَّ الشاي فورًا، بل بدا أنها كانت تنتظر التعليمات من أمها. كانت تلك السيدة الطيبة تحدق بشيءٍ من الصرامة إلى زوجها، الذي كان يُحاول عبثًا أن ينظر إلى السقف أو أي مكان آخر إلَّا إليها. سحب راحة يده المفتوحة في عصبية على وجهه، الذي كان متجهِّمًا ومُكتسيًا بجديةٍ غير معتادة، حتى له شخصيًّا. وأخيرًا، ألقى نظرة استعطاف على زوجته، التي كانت جالسة واضعة يديها المتشابكتَين على حِجرها، لكنَّ نظراتها كانت صارمةً لا تَلين. وبعدما ظلَّ لحظةً في حيرة يائسة، حنى رأسه فوق طبقه، وتمتم قائلًا:

«أوزِعْنا أن نَشكر لك ما نوشك أن نتناوله. آمين.»

ردَّدت السيدة بارتليت الكلمة الأخيرة، بعدما حَنت رأسها أيضًا حين رأت الخضوع في عيني زوجها المهمومتين.

تصادف آنذاك أنَّ ييتس، الذي لم يرَ أيَّ شيء من هذا الصراع الصامت بين العيون، كان يتخذ كافة الاستعدادات لبدء تناول وجبته بنهم؛ إذ كان يتضوَّر جوعًا. فقد أمضى معظم حياته في الفنادق وأنزال نيويورك، وحتى لو كان يعرف أصلًا القول المأثور الذي يُوصي ﺑ «دعاء الشُّكر قبل الأكل»، فقَد نسيَه. وفي خضمِّ استعداداته، أتت كلمات الدعاء الورعة، ونزلت عليه كمفاجأةٍ صادمة. ومع أنَّه كان رجلًا ماكرًا واسع الحيلة بطبيعتِه، فإنه لم يكن سريعًا كفايةً في هذه المرة في مواراة ارتباكه. كانت الآنسة بارتليت حانيةً رأسها الذهبي، لكنها لمحَت بطرف عينها نظرة ييتس ذات الحيرة المشدوهة وتوقفه المفاجئ من فرط الذهول. وحين رُفِعَت كل الرءوس، ظل رأس الفتاة في مكانه، بينما كان كتفاها المُمتلئتان تهتزان. ثم غطَّت وجهها بمئزرها، وصَدر صوت ضحكة رقيق شجي كان يعلو ويخفُت كرنين موسيقي مكتوم يتدفق تدريجيًّا من بين أصابعها.

صاحت أمها مشدوهة: «عجبًا يا كيتي! ماذا دهاكِ؟»

لم تَعُد الفتاة قادرة على كبح جماح ضحكتها. فصاحت وهي تهرب من الغرفة وقالت: «سوف تضطرين إلى صب الشاي بنفسك يا أمي!»

صاحت الأم المشدوهة وهي تقوم لتأخذ مكان ابنتها التافهة: «يا إلهي! ماذا أصاب الطفلة؟ لا أرى شيئًا يستدعي الضحك.»

اكفهرَّ وجه هيرام وأنزل عينيه إلى المائدة، وكان من الواضح أنه أيضًا يرى أن لا شيء يستدعي الضحك. وكان البروفيسور كذلك لا يفهم شيئًا ممَّا يحدث.

قال ييتس: «يؤسفني، يا سيدة بارتليت، القول إنني أنا السبب البريء وراء ضحك الآنسة كيتي. أصغِ إليَّ يا سيدتي، من المثير للشفقة قول ذلك، لكني في الحقيقة ليس لديَّ حياة منزلية منذ فترة.» ثم أضاف بكذبٍ مختال واثق: «ومع أنني أرتاد الكنيسة بانتظام، يجب أن أَعترف بأنني لم أسمع دعاء شكر عند الوجبات منذ سنوات طوال، و… حسنًا، كل ما في الأمر أنني لم أكن مستعدًّا له. أنا متيقنٌ من أنني جعلتُ من نفسي أضحوكةً بتصرُّف مُحرج، وهو ما رأته ابنتك بسرعة.»

قالت السيدة بارتليت بشيء من الغلظة: «لكن هذا لم يكن سلوكًا مهذبًا.»

استعطفها ييتس بأسف عميق، قائلًا: «أعرف ذلك، لكنِّي أؤكِّد لكِ أنني لم أفعله متعمدًا.»

فصاحت مضيفته: «يا رب البركات! لا أقصدك، بل أقصد كيتي. لكنَّ تلك الفتاة لم تستطِع قط أن تمنع نفسها من الضحك. طالما كانت أقرب لي في الطباع من طباع والدها.»

لم يكن من الصعب تصديق هذه العبارة؛ لأنَّ هيرام في هذه اللحظة بدا كأنَّه لم يَبتسم قط في حياته. ظل صامتًا طوال الوجبة، لكنَّ السيدة بارتليت تكلَّمت بما يكفي لينوب عن كلام شخصين.

قالت: «حسنًا، أنا شخصيًّا لا أعرف ماذا دهى مجتمع المزارعين وكيف تبدَّل حاله هكذا! لقد مرَّ هنري هوارد ومارجريت من هنا عصر اليوم متباهَين للغاية في عربتهما المغطاة الجديدة. لَكم اختلفت الأحوال عمَّا كانت عليه في أيام صباي. كانت بنات المزارعين يُضطررن إلى العمل آنذاك. أمَّا الآن، فقد حصلت مارجريت على شهادة الدبلوم في كلية البنات، وبدأ آرثر الدراسة في الجامعة، وهنري يسير متباهيًا على الملأ في عربة جديدة. لديهم بيانو هناك، ونُقِل الأرغن إلى الغرفة الخلفية.»

تمتم المزارع قائلًا: «عائلة هوارد كلها عائلة متغطرسة.»

لكنَّ السيدة بارتليت ما كانت لتتقبل ذلك. كانت تشعر بأنها وحدها كفيلة بالحطِّ من قدر الآخرين إن لزم الأمر، دون أي مساعدة من زوجها الذي كان رب البيت صوريًّا فقط.

قالت: «كلا، لا أذهب إلى حدِّ قول ذلك. وما كنتَ أنت أيضًا لتقول ذلك يا هيرام لو لم تخسر دعواك القضائية بشأن سياج الحديقة؛ وقد كان هذا جزاءً لك من جنس عملك أيضًا، لأنَّه ما كان ليحدث لو كنت موجودة في البيت آنذاك. ومع ذلك، فمارجريت مُدبرة منزل جيدة؛ لأنها ما كانت لتكون ابنة أمها لو لم تكن كذلك، لكنَّي أرى هذا نهجًا غريبًا في تربية أبناء المزارعين، وآمل فقط أن يستطيعوا مواصلته كما ينبغي. لم تكن توجد آلات بيانو ولا تعلُّم الفرنسية والألمانية في أيام صباي.»

وهنا صاح الابن متحدثًا لأول مرة: «يجب أن تسمعاها وهي تعزف! يا إلهي!». بدا واضحًا أنَّ إعجابه بعزفها كان يفوق قدرته على التعبير.

أمَّا بارتليت نفسه، فلم يستمتع بالمنحى الذي أخذته المحادثة، ونظر بشيء من عدم الارتياح إلى الغريبين. كان مُحيَّا البروفيسور بريئًا وصريحًا، وكان يصغي باهتمام نابع من الاحترام إلى حديث السيدة بارتليت. وكان ييتس منكفئًا على طبقه بوجه متورِّد، وصبَّ جمَّ اهتمامه بما في يديه.

قال البروفيسور ببراءة لييتس: «أنا سعيدٌ لأنك تعرفت على هذه الفتاة الشابة. لا بد أن أطلب منك أن تُعرِّفني بها.»

لم يكن لدى ييتس ما يقوله لأول مرة في حياته، لكنه رمق صديقه بنظرة خلت من أيِّ ود أو لطف. وحكى ذلك الأخير، ردًّا على استفسارات السيدة بارتليت، كيف مرُّوا بالآنسة هوارد على الطريق، وكيف عَرَض عليها ييتس، بحنان قلبه المعتاد، استضافتها في عربة التِّبن. ثمَّ انتقلت المحادثة إلى موضوع الخيمة، ما جلب شعورًا بالغًا بالارتياح إلى شخصين من بين الجالسين إلى الطاولة. كان هيرام الصغير هو مَن جَلَب هذه النعمة. فقد كان مهتمًّا بالخيمة وأراد أن يعرف المزيد عنها. بدا أنَّ الفتى كان مشغولًا بسؤالين: أولًا، كان متلهِّفًا لمعرفة أي سبب شيطاني يجعل رجلَين عاقلين، كما بدا عليهما، يهجران كل سبل الراحة في البيوت ويعيشان في العراء هكذا، إن لم يكونا مضطرين إلى ذلك. وثانيًا، أراد معرفة السبب الذي يجعل شخصين كانا يحظيان بميزة العيش في المدن الكبيرة ينتقلان، من تلقاء نفسيهما، إلى هذا البلد الممل على أي حال. وحتى حين ذُكِرت له التفسيرات، بدا أنَّه ظل عاجزًا عن فهم اللغز.

بعد الوجبة، ذهبوا جميعًا إلى الشرفة ليسترخُوا هناك، حيث كان الهواء عليلًا والمنظر أمامهم ممتدًّا. لم تسمح السيدة بارتليت بأن يَنصُب الشابان خيمتهما هذه الليلة. قالت: «الرب أعلم، ستمكثان فيها لاحقًا حتى تَملَّا منها، مع المطر والبعوض. لدينا الكثير من الغرف هنا، وعلى أيِّ حال، ستقضيان ليلة واحدة مريحة على طريق ريدج. ثم في الصباح، يُمكنُكما أن تجدا مكانًا يُناسبكما في الغابة، وسيأخذ ابني فأسًا ويقطع لكما أوتادًا خشبية، ويساعدكما في نصب خيمتكما الغالية. تذكَّرا فقط أنكما ينبغي أن تأتيا إلى المنزل حين تُمطر السماء، وإلَّا ستُصابان بالبرد والروماتيزم. سيكون العيش في الخيمة لطيفًا جدًّا حتى يفقد حداثته وتَعتاداه، وحينئذٍ، يُمكنُكما بكل تَرحاب وسرور أن تقيما في الغرفتين الأماميتَين في الطابق العلوي، ويُمكن أن يعيد هيرام الخيمة إلى إيري في أول فرصة يذهب فيها إلى البلدة.»

كان من عادة السيدة بارتليت أن تأخذ الأمور كواقع مُسلَّم به لا يقبل الجدل. فقد بدا أنَّها لم يخطر ببالها قَط أنَّ أيًّا من قراراتها قد يكون محل نقاش. كان هيرام جالسًا يحدق إلى الطريق بصمت، كأنَّ كل هذا ليس من شأنه.

كان ييتس قد رفض الجلوس على كرسي، وجلس على حافة الشرفة، ساندًا ظهره إلى أحد الأعمدة في وضعيةٍ مكَّنتْه، دون أن يُدير رأسه، من النظر عبر المدخل المفتوح المؤدي إلى الغرفة، حيث كانت الآنسة بارتليت منشغلة في صمت بتنظيف المائدة من معدات الشاي. استرق الشاب نظراتٍ خاطفة عابرة إليها وهي تتحرَّك في أرجاء الغرفة بحيوية مؤدية عملها. سحب سيجارًا من علبته، وقطع طرفه بسكينه، وأشعل عود ثقابٍ بحكِّه في نعل حذائه، فاعلًا ذلك باعتياد تلقائي سلس لم يَتطلَّب أي تركيز منه، وكلُّ ذلك أثار غبطة مشوبة بالاحترام من جانب الابن، الذي كان جالسًا على كرسي خشبي حانيًا جسده إلى الأمام يراقب ذلك النيويوركي بشغف.

قال ييتس عارضًا العلبة على هيرام الصغير: «أتريد سيجارًا؟»

شهق الفتى من جرأة العرض المتهوِّرة، وقال: «لا، لا، شكرًا لك.»

وصاحت السيدة بارتليت قائلة: «ما هذا؟» صحيحٌ أنَّها كانت مُنهمِكة في الحديث بطلاقة وبلا انقطاع مع البروفيسور، لكنَّ يقظتها الأمومية لم تغفُ قَط، فضلًا عن أن تنام «سيجار؟! مستحيل! سأقول ذلك في حق زوجي وابني: إنهما — أيًّا كان ما اقترفاه من أفعال أخرى — لم يدخنا قَط، ولم يَقرَبا قطرةَ خمر منذ أن عرفتهما، وبمشيئة الرب، لن يفعلا ذلك أبدًا.»

قال ييتس مفتقرًا إلى اللباقة على غير عادته: «أوه، أظنُّه لن يؤذيَهما.» فسَقط عدة درجات في نظر مضيِّفته.

صاحت السيدة بارتليت بسخط: «يؤذيهما؟ أظنه لن يَحظى بفرصةٍ لذلك.» ثم التفتت إلى البروفيسور، الذي كان مُستمعًا جيدًا يُنصت لها بتوقير واحترام، ولم يكن لديه الكثير ليقوله عن نفسه. كانت تهتز برفق إلى الأمام والخلف وهي تتكلَّم.

كان زوجها يجلس صامتًا بعبوس وجمود، في وضعيةٍ أشبه بأبي الهول لم تُعطِ أيَّ مؤشر خارجي لما يخالجه من انزعاج وقلق. فقد كان يُراودُه فكرٌ كئيب بأنَّ حظه كان سيكون عثرًا جدًّا لو أنه قابل السيدة بارتليت فجأة في شوارع فورت إيري في إحدى تلك المرات النادِرة التي كان يستمتع فيها بالملذات المحرمة لوقت قصير. كان يحمل أشد النُّذُر شؤمًا بشأن ما يُخبئه له المستقبل. ففي بعض الأحيان، حين كان بعض الجيران أو الزبائن «يدعونه لتناول شيء في القرية، وكان يشعر بأنَّه تناول أقصى قدر من الويسكي يُمكن للقرنفل أن يواري رائحته، كان يأخذ سيجارًا بخمسة سنتات بدلًا من تناول شراب. لم يكن يحب تدخينه على نحو خاص، ولكن كان في سيره في الشارع حاملًا سيجارًا مشتعلًا بين أسنانه تهورٌ ممزوج باللامبالاة والاستهتار، وكان في ذلك إغراءٌ ملحوظ له نظرًا لما يحمله من خطورة واضحة. كان يشعر في تلك الأوقات بأنه يواكب الحياة العصرية، وأنَّه من الجيد أنَّ نساءنا لا يعرفن كل الخبث الموجود في هذه الدنيا. لم يكن يخشى أن يَشي به أي جار إلى زوجته؛ إذ كانت توجد أعماق لا يستطيع أيُّ امرؤ إقناع السيدة بارتليت بأنَّ زوجها يُمكن أن ينزل إليها. لكنه فكَّر مذعورًا في مجموعة من الظروف التي قد تتآزر وتجلب زوجته إلى البلدة بغير علمه في يومٍ يكون فيه منغمسًا في إحدى تلك الملذات. تخيَّل، برعدة سرت في جسده، أن يقابلها بغتة على رصيف المشاة الخشبي المتقلقل في فورت إيري وهو يُدخن سيجارًا. وحين راوده هذا الكابوس، عزم على ألَّا يلمس سيجارًا مرة أخرى، لكنَّه كان يدرك جيدًا أنَّ أصلَبَ العزائم تتلاشى إذا انتشى الرجل بكأسين أو ثلاث من الخمر.

حين استأنفت السيدة بارتليت حوارها مع البروفيسور، نظر ييتس إلى هيرام الابن وغمز له. فتورَّد وجه الشاب في سرور تحت تأثير الشمول الذي اتَّسمت به هذه الغمزة. فقد أدخلته إلى هالة الإثم الجذابة التي كانت تُغلِّف شخصية هذا النيويوركي المبهرة. بدا كأنَّها تقول:

«لا بأس، لكننا رجلان عركتْهما الحياة. نحن أدرى.»

لم تكن عبادة الفتى هيرام للإلهة النيكوتين قد وصلت قَط إلى حدِّ تدخين سيجار. بل كان يُدخن غليونًا خلسةً في ركن مُنعزل خلف مخزن الغلال في الأيام التي يكون فيها والده بعيدًا عن البيت. كان يخشى والده ووالدته كليهما؛ لذا كان في موقفٍ أشدَّ إحراجًا بكثير من هيرام العجوز نفسه. كان قد تدرَّج في عشقه للتبغ بالبدء بتدخين سجائر القصب المصنوعة من التنُّورات التحتية النافخة التي لم تَعُد تُستعمَل. فقد كانت تنورات الكرينولين رائجة في هذا الزمن، حتى في الريف، وكانت بعض الشرائط الطولية المصنوعة من قشور عيدان القصب تُستخدَم قبل ظهور تلك الهياكل المعدنية النافخة للفساتين. كانت تنورةٌ نافخة واحدة، من تلك التنورات التي لم تَعُد تنفع للتزين، تكفي لإمداد رفقة من الصبية بالبهجة ومواد التدخين طوال شهر كامل. صحيحٌ أنَّ دخان القصب كان يجعل اللسان مُحمرًّا ومتألمًا بعض الشيء، لكنَّ لذة الخبث والفسق كانت أشد من أن تُقاوم. بدت غمزة ييتس اعترافًا بالفتى هيرام رفيقًا جديرًا بتقديم البخور في معبد الإلهة نيكوتين، وصار الفتى صديقًا حميمًا لييتس منذ اللحظة التي تدلَّى فيها جفن الأخير.

بعدما أُزيلت الأغراض المتعلِّقة بالشاي، لم يَعُد ييتس يلمح الفتاة عبر الباب المفتوح. نهض من مقعده المتواضع، وسار نحو البوابة على مهل واضعًا يدَيه في جيبيه. تذكَّر أنه كان قد نسيَ شيئًا ما، وظل يعتصر دماغه ليعرف ما هو. حدَّق إلى الطريق ناحية بيت آل هوارد، ما أعاد إلى ذاكرته، بطبيعة الحال، لقاءه بالفتاة الشابة على الطريق. شعر بوخزة انزعاج في تلك الخاطرة حين تذكَّر الإنجازات التي نسبتْها السيدة بارتليت إلى الفتاة. تذكَّر نبرته المتعالية في حواره معها، وتذكَّر قلقه بشأن الجرة. الجرة! هذا ما كان ناسيًا إيَّاه. ألقى نظرة خاطفة على هيرام العجوز، ولاحظ أنَّ المزارع كان ينظر إليه بشيءٍ أشبه بالتأنيب في عينَيه. فحرَّك يتس رأسه حركةً طفيفةً تكاد تكون غير ملحوظة نحو مخزن الحبوب، ونزلت عينا المُزارع إلى أرض الشرفة. فسار الشاب بلا مبالاة متجاوزًا حد المنزل الخلفي.

قال المزارع وهو يَهُم بالنهوض: «أظنني يجب أن أذهب للاعتناء بالحصانين.»

قاطعه ابنه قائلًا: «الحصانان على ما يُرام يا أبي. لقد اعتنيتُ بهما.» لكنَّ العجوز أسكته بنظرةٍ عابسة، ومشى متسكِّعًا إلى أن انعطف وراء زاوية المنزل. كانت السيدة بارتليت منهمكة جدًّا في حوارها مع البروفيسور؛ حتى إنها لم تلحظ ذلك. فلم تكن تقابل مُستمعًا مصغيًا جدًّا كهذا كل يوم.

قال ييتس وهو يدخل مخزن الحبوب على مهلٍ ويُخرِج من جيبه كوبًا معدنيًّا قابلًا للإطالة كأنبوب التلسكوب، ويُطيله بهزَّة من يده إلى حدٍّ كافٍ لاستيعاب السوائل مُحدثًا طقطقة حادة: «لنشرب في صحتك.» وقدَّم الكوب الذي صار طويلًا الآن إلى هيرام، الذي رفض أيَّ تطور عصري كهذا.

«فلتصبَّ لنفسك في هذا الشيء. أما أنا فالشُّرب من الجرة يُلائمني تمامًا.»

صُبَّ مقدار «ثلاثة أصابع» من الشراب من الجرة مُحدِثًا بقبقةً في الكوب المبتكر، ثم أخذ المزارع الجرة بعدما نظر خلسة من فوق كتفه.

«حسنًا، في صحتك.» ازدرد الصحفي الجرعة كلها سريعًا بسهولة تنُمُّ عن خبرة طويلة، وأعاد إغلاق الكوب جاعلًا إيَّاه مسطحًا بإصبعيه الإبهام والوسطى، كأنه قبَّعة أوبرا معدنية.

شرب المزارع بصمتٍ من الجرة نفسها. ثم ضرب السدادة داخل فوهتها براحة يده.

قال عابسًا: «من الأفضل أن تدفنها في صومعة القمح. لربما يجدها الفتى إن وضعتها وسط الشوفان وهو يُطعِم الحصانين، كما تعلم.»

وافقه ييتس الرأي بينما تدفَّقت حبوب القمح الذهبية كموجة فوق الجرة المدفونة وسطها: «مكان ممتاز جدًّا. عجبًا أيها العجوز، إنَّك تعرف الموضع الذي كانت فيه، لقد كنتَ هنا من قبل.»

اكفهرَّ وجه بارتليت في إشارةٍ إلى استيائه من هذا الاتهام، لكنه لم يؤكِّده ولم يُنكره. خرج ييتس من مخزن الحبوب على مهل، بينما مرَّ المزارع عبر مدخل صغير يؤدي إلى حظيرة الخيل. وبعد لحظة، سمع المزارع ينادي ابنه بعلو صوته ليُحضر الدلاء ويسقي الخيول.

قال ييتس لنفسه مبتسمًا وهو يمشي الهوينى نحو البوابة: «من الواضح أنه يُعِدَّ حجة لغيابه.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤