الفصل الحادي عشر

كوكب الأرض

(١) كاليفورنيا الباردة

ساحل كاليفورنيا الأكثر برودةً هو نتيجة قوة كوريوليس، التي تجعل كل شيء في نصف الكرة الأرضية الشمالي ينحرف إلى يمين اتجاه حركته. الرياح السائدة التي تدفع الماء نحو ساحل كاليفورنيا تأتي من الشمال الغربي، وهو ما يعني أن قوة كوريوليس تنقل الماء بعيدًا عن الشاطئ في اتجاه الجنوب الغربي. العجز الناتج عن هذا يُعوَّض بواسطة الماء البارد الآتي من أعماق تصل إلى مئات الأقدام مكوِّنًا شريطًا باردًا من الماء على امتداد الساحل. إضافة إلى ذلك، يتدفق تيار كاليفورنيا البارد من الشمال ويخفِّض درجة حرارة مياه الساحل على نحو أكبر.

(٢) أمواج على الشاطئ

الجزء القريب من الشاطئ لكل موجة يتحرَّك عبر مياه ضحلة؛ حيث يتسبَّب الاحتكاك بالقاع في جعل الموجة تبطِّئ حركتها. ومن ثم يتحرك الجزء القريب من الشاطئ من كل موجة بسرعة أبطأ من الجزء الموجود في المياه الأعمق. وتكون نتيجة ذلك هي أن مقدمة الموجة تميل إلى أن تكون موازية لخط الشاطئ. يمكن أيضًا أن نرى أن لهذه العملية تأثيرًا يتمثَّل في تركيز طاقة الموجات ضد أي لسان من الأرض يمتد داخل البحر. وهذا تعبير حديث لمقولة البحارة القديمة: «لسان الأرض يجتذب الموجات.»

  • Bascom, W. Waves and Beaches: The Dynamics of the Ocean Surface. Garden City, N.Y.: Doubleday, Anchor Books, 1964, pp. 70–77.

(٣) ألوان المحيط

مُعامِل الانعكاس الخاص بالضوء المنعكس من سطح الماء يقل حين تكون زاوية السقوط (المقيسة نسبةً إلى المستوى الرأسي) أصغر. عند النظر إلى الأسفل مباشرة، أنت تتلقَّى الأشعة المنعكسة بزوايا صغيرة للغاية. أما الأشعة المنعكسة من سطح الماء قُرب الأفق فلها زاوية سقوط أكبر نسبةً إلى المستوى العمودي؛ لذا فإن القليل منها فقط هو ما يجري امتصاصه من جانب المياه.

(٤) ثبات السفينة

السفينة الثابتة هي تلك التي تستطيع تصحيح وضعها إذا حدث أن مالت إلى أحد الجانبين. وكما يتضح من الشكل، فإن مركز الطفو B الخاص بالسفينة يجب أن يتحرك في اتجاه الميل، بحيث إن الدفع الخاص به إلى الأعلى (وعزمه في عكس اتجاه عقارب الساعة) يمكن أن يتحد مع القوة إلى الأسفل المرتبطة ﺑ G؛ وهو مركز الجاذبية الخاص بالسفينة. وقتها فقط تستطيع السفينة تصحيح وضعها. يقاس ثبات السفينة بالمسافة GM بين كلٍّ من G وما يطلق عليه المركز الخلفي؛ وهي نقطة عند تقاطع الخط المركزي لبدن السفينة والخط العمودي المار ﺑ B. تبلغ المسافة GM الآمنة بالنسبة إلى السفينة التجارية العادية كاملة الحمولة نحو ٥ بالمائة من أكبر عرض للسفينة.

(٥) السفن الأطول تتحرك بسرعة أكبر

تُحدث سفينة السطح أمواجًا أثناء حركتها، بما في ذلك موجة مقدمة أمامها وموجات إضافية على امتداد طولها وعند مؤخرتها. عند سرعة البدن، لا يتبقى للسفينة إلا موجة مقدَّمة وموجة مؤخَّرة، بحيث يفصل بين الموجتين طول بدن السفينة. هنا يكون من المهم أن نتذكر أنه في المياه العميقة، تنتقل الموجات الأطول بسرعة أكبر (بمعنى أن ). وحين تحاول السفينة تجاوز سرعة البدن الخاصة بها، سيكون عليها أن تخترق موجة المقدمة أو تجتازها. في هذه النقطة ترتفع متطلبات الطاقة الخاصة بالسفينة على نحو حاد، ويصير التقدم للأمام معركة متزايدة الصعوبة.
  • Vogel, S. “Exposing Life’s Limits with Dimensionless Numbers.” Physics Today 51 (1998): 22–27.

(٦) الجليد القطبي

القارة القطبية الجنوبية قارة أرضية بالأساس. والأرض محتفِظ رديء بالحرارة؛ إذ تشع الحرارة ما إن تمتصها (هذا السلوك يفسر سبب قسوة فصول الشتاء في الأجزاء الداخلية العميقة من القارات). أما المنطقة القطبية الشمالية فتقع فوق مياه المحيط، ومن المعروف عن الماء أن سعته الحرارية عالية، فهو يستغرق وقتًا طويلًا كي يدفأ، وما إن يدفأ فإنه يفقد حرارته ببطء. فالمنطقة القطبية الشمالية تخزن حرارة الصيف وتعيش على «مدخراتها» هذه في الشتاء.

(٧) شمس القطب الشمالي

يمكن استنتاج الاتجاه الذي كان يواجهه الراصد عن طريق فحص الموقف عند دائرتَي عرض أخريَيْن. ففي القطب الشمالي، يكون ارتفاع الشمس ثابتًا تقريبًا خلال النهار. وبين دائرتي عرض ٣٠ و٤٥، تصل الشمس أقصى ارتفاع لها حين يكون اتجاهها إلى الجنوب مباشرة، وأقل ارتفاع لها عند كلٍّ من الشروق والغروب. وبينما نتحرك نحو الشمال، فإننا نتوقَّع تحرُّك موضِعَيِ الشروق والغروب إلى الشمال، إلى أن يتقابل الموضعان في اتجاه الشمال مباشرة منا. ومن ثم، كان الراصد يواجه الشمال.

تصل الشمس إلى أعلى ارتفاع لها حين تكون جهة الشمال مباشرة. يُعرف هذا الوقت باسم وقت الظهيرة المحلي. وبالتبعية نحصل على أقل ارتفاع عند وقت منتصف الليل المحلي.

(٨) السير في دوائر بالقرب من القطبين

قد يحدث هذا التأثير بسبب قوة كوريوليس، التي تكون أقوى بنحو ٥٠ بالمائة عند القطبين منها عند دوائر العرض الوسطى. عند المشي فإننا نصحِّح تأثير قوة كوريوليس بسهولة ومن دون وعي تقريبًا. لكن على الجليد عديم الاحتكاك تقريبًا يكون هذا مستحيلًا. فالشخص القادر على السير بشكل ما بسرعة ٤ أميال في الساعة على الجليد العديم الاحتكاك تقريبًا سينجرف عن مساره المستقيم بنحو ٢٥٠ قدمًا بنهاية كل ميل. ونحن نسمع كثيرًا قصصًا عن أنه حتى طيور البطريق في القطب الشمالي تتهادى في مسارات منحنية جهة اليسار، لكن لا يستطيع المؤلِّفان أن يَضْمَنَا الدقة العلمية لهذه العبارة.

  • McDonald, J. E. “The Coriolis Force.” Scientific American 72 (1952): 186.

(٩) توقعات الطقس

كل هذه التوقعات صحيحة!

  • (١)

    تقع العاصفة المَطيرة في منطقة من الضغط البارومتري المنخفض. وحين يكون ضغط الهواء أقل على جسدك، تتمدَّد الغازات الموجودة في مفاصلك وتسبِّب لك الألم.

  • (٢)

    العاصفة تكون مسبوقةً عادةً بهواء رطب. ويجب على الضفادع أن تُبقي على جلودها مبتلَّة من أجل راحتها، والهواء الرطب يمكِّنها من أن تبقى خارج الماء وتنقنق لفترات أطول.

  • (٣)

    من شأن منظومة المطر المنخفضة الضغط التي تتحرك مقتربة من منطقة ما أن تستثير رياحًا جنوبية تقلب أوراق الأشجار.

  • (٤)

    تتكون بلَّورات الجليد في السُّحب الرقيقة المرتفعة التي تسبق العاصفة المطيرة. وهذه البلَّورات تكسر الضوء القادم من القمر وتصنع حلقة حوله.

  • (٥)

    آذان الطيور والوطاويط حساسة للغاية للتغير في الضغط الجوي. والضغط المنخفض لمقدم العاصفة من شأنه أن يسبِّب لها ألمًا لو كانت تطير على ارتفاعات أعلى؛ حيث يكون الضغط منخفضًا بدرجة أكبر.

  • (٦)

    صراصير الليل ذات الدم البارد تصرصر بمعدل أكبر حين تزيد الحرارة. احسب عدد الصرصرات التي يصدرها صرصور الليل في ١٥ ثانية، ثم أضف إليها ٣٧، والرقم الناتج هو درجة الحرارة حسب التدريج الفهرنهايتي.

  • (٧)

    رطوبة الجو المرتفعة تجعل الحبال تمتص المزيد من الرطوبة من الهواء، وهذه العملية تجعل الحبال تنكمش.

  • (٨)

    تخرج الأسماك من أجل التهام الحشرات التي تطير بالقرب من الماء قبل العاصفة بسبب الضغط الجوي الأكثر انخفاضًا.

  • (٩)

    الرياح المتزايدة الشدة، التي تعد في المعتاد علامة على مجيء عاصفة، تسبب صوتَ طنين حين تهب بين أسلاك الهاتف.

(١٠) اتجاهات الرياح

العبارة خاطئة! إذا اندفعت الرياح مباشرة نحو مناطق الضغط المنخفض، فلا يمكن أن تكون مناطق ضغط «مرتفع» أو «منخفض» قوية، وسيكون طقسنا أقل قابليةً للتغير بكثير عما هو عليه. بدلًا من ذلك، بسبب قوة كوريوليس التي يسبِّبها دوران الأرض حول نفسها، فإن الرياح الآتية من أي اتجاه تنحرف جهة اليمين في نصف الكرة الشمالي. نتيجة لذلك فإن الكتلة الهوائية التي كانت تتدفق في البداية نحو منطقة منخفضة الضغط مباشرة ستبدأ في الدوران عكس اتجاه عقارب الساعة. وهذا الدوران سيحُول بدوره دون ملء مناطق الضغط المنخفض؛ نظرًا لأن اختلافات الضغط الآن توفر قوة طرد مركزية تميل نحو الحفاظ على دوران الرياح في مسارات دائرية. وفي نصف الكرة الجنوبي تتسبب قوة كوريوليس في جعل الرياح تنحرف جهة اليسار؛ ومن ثم يكون الدوران في اتجاه عقارب الساعة.

قُرب خط الاستواء تكون قوة كوريوليس صفرًا، أو يكون مقدارها ضئيلًا للغاية. وفي تلك المناطق أيُّ اختلاف في الضغط الجوي تنتجه سخونة الهواء على الأرض سريعًا ما يُسوَّى، ولهذا السبب تستحق هذه المنطقة اسم «أرض الركود». ومن النادر أن تتكوَّن الزوابع والأعاصير في موضع يقترب من خط الاستواء بخمس دوائر عرض.

(١١) برودة الجنوب

الأسباب الفلكية هي مدار الأرض البيضاوي. في نقطة الحضيض الشمسي — النقطة الأقرب إلى الشمس في مدار الأرض — تبعد الأرض عن الشمس نحو ١٤٧٫١ مليون كيلومتر. وفي نقطة الأَوْج — النقطة الأبعد عن الشمس — تبعد الأرض عن الشمس نحو ١٥٢٫١ مليون كيلومتر. الفارق صغير نسبيًّا، بيد أنه ليس مهمَلًا. ولحسن حظ نصف الكرة الشمالي، يحدث الحضيض خلال فصل الشتاء في الرابع أو الخامس من يناير، وهذا التوقيت يساعد على تلطيف التأثير الموسمي الذي يتسبَّب فيه ميل الأرض حول محورها على المستوى المداري.

العكس صحيح بالنسبة إلى نصف الكرة الجنوبي، وهو ما قد يوحي بأن النصف الجنوبي ينبغي أن يتمتع بفصول شتاء أشد برودةً وفصول صيف أشد حرارةً. إلا أن مساحة المحيطات العظيمة جنوبي خط الاستواء تعمل على تلطيف هذا التأثير. والسعة الحرارية العالية للماء تعني أنه في فصل الصيف ستدفأ المحيطات ببطء، وفي فصل الشتاء ستبرد ببطء. هذه الخاصية الفيزيائية تجعل فصول الصيف في نصف الكرة الجنوبي أقل حرارةً وفصول الشتاء أقل برودةً عما هو الحال في غيابها.

(١٢) الجبهات الهوائية

قُرب الأرض، تكون المناطق ذات ضغط الهواء المرتفع باردةً عادةً، وتكون مناطق الضغط المنخفض دافئة. ومع ذلك، على الارتفاعات العالية، علينا أن نضع في الحسبان التفاوت في ضغط الهواء وكثافته. فبسبب الجاذبية، يتركَّز معظم الغلاف الجوي قرب الأرض. والسبب وراء عدم انهيار الغلاف الجوي بالكامل هو أن قوة الجذب إلى الأسفل المؤثِّرة على كل جُسَيم من الهواء تعادلها قوة دفع لأعلى ناتجة عن الضغط المرتفع القادم من الأسفل. وهذا التوازن في القُوى يحدث لو قلَّ ضغط الغلاف الجوي وكثافته بمعدل أُسِّي إلى الأعلى. والمعادلة الدقيقة لذلك هي ؛ حيث الارتفاع و الضغط على مستوى الأرض. وبهذا نرى أن الضغط يقل مع الارتفاع بمعدل أقل في الهواء الدافئ عنه في الهواء البارد (انظر الشكل). ونتيجة لذلك، على أي ارتفاع يكون الضغط أعلى في المناطق الدافئة منه في المناطق الباردة.

هذا الاختلاف الأفقي في الضغط يزيد مع الارتفاع ويولِّد رياحًا حرارية. على سبيل المثال، الرياح الحرارية المرتبطة بالاختلاف في درجات الحرارة القطبية شبه الاستوائية تكون دائمًا غربية، وتجسِّد نفسها على صورة تيار نفَّاث حول قطبي، يلتف حول القطب بطريقة متموِّجة.

(١٣) البرق والرعد

السبب الأساسي وراء قصفة الرعد وهزيمه، إلى جانب الأصوات الأخرى، هو أن صاعقة البرق تسير دائمًا في مسار ملتوٍ. بعض النقاط على هذا المسار تكون أقرب إلى الراصد من سواها؛ لهذا يستطيل صوت الرعد. فإذا كانت النقطة الأقرب أقربَ إلى الراصد بخمسة آلاف قدم من النقطة الأبعد، فسيهدر الرعد لنحو خمس ثوانٍ؛ نظرًا لأن سرعة الصوت في الهواء تبلغ نحو ألف قدم في الثانية. أيضًا، تتكوَّن صاعقة البرق عادةً من العديد من الضربات التي يتبع بعضها بعضًا في تعاقُب سريع. وقد رُصدت ثلاثون إلى أربعين ضربة على امتداد المسار عينه تفصلها فترات زمنية قدرها ٠٫٠٥ ثانية. وموجات الصوت المُنتَجة بواسطة ضربات برق متعدِّدة يتداخل بعضها مع بعض، وهو ما يؤدِّي إلى تعاظم صوت الرعد وتضاؤله.

معظم الطاقة الصوتية يُشَع عموديًّا على أي مقطع من قناة البرق. ومن ثم، إذا كانت القناة كلها تقع على زاوية قائمة على خط الرؤية الخاص بالراصد، فسيتم تلقِّي مقدار أكبر بكثير من الطاقة المُشَعَّة. والأمر المساوي في الأهمية أن جميع النقاط في القناة ستُنتِج صوتًا يصل على نحوٍ لحظيٍّ تقريبًا إلى الراصد، وتكون النتيجة صوتًا عاليَ الشدة؛ على صورة قصفةٍ أو دَوِيٍّ. تعتمد طبقة الصوت بالأساس على طاقة ضربة البرق؛ فكلما كانت ضربة البرق أقوى، كانت طبقة الصوت أشد انخفاضًا. والقيمة المعتادة لطبقة الصوت هي ٦٠ هرتز.

  • Few, A. A. “Thunder.” Scientific American 233 (1975): 88–90.

(١٤) برق دون رعد؟

على وجه الدقة، الجواب هو: لا. لكن قد يحدث برق يكون الرعد المصاحب له غير مسموع حتى ولو على مسافة قصيرة من قناة البرق. على سبيل المثال، كانت هناك ومضات برق ضربت نُصْبَ واشنطن دون أن تُحدِث رعدًا مسموعًا من جانب الأشخاص القريبين.

إذا لم تكن هناك صعقة عائدة، وكانت الومضة تتكوَّن فقط من تيار منخفض المستوى، وهو ما يحدث أحيانًا في الومضات المستحَثَّة هيكليًّا التي تتحرك لأعلى من قمم المباني، يمكننا أن نتوقَّع توليد مقدار ضئيل للغاية من الصوت.

  • Uman, M. A. All about Lightning. New York: Dover Publications, 1986, pp. 113–115.

(١٥) اتجاه ضربة البرق

بصورة ما، يفعل البرق الأمرين؛ بحيث يتجه لأعلى ولأسفل عبر قناة البرق. يبدأ التفريغ من السُّحب إلى الأرض على صورة مرشدة خطيَّة؛ شرارة خافتة متحركة للأسفل تتبع سلسلة غير منتظمة للغاية من القفزات (الخطوات)، كل قفزة تمتد لمسافة نحو خمسين مترًا. وحين تصل المرشدة إلى مسافة ١٠٠ متر تقريبًا من الأرض، تنطلق شرارات من الأجسام والمباني الموجودة على الأرض، ويكون ذلك عادةً من النقاط العليا أولًا. واحدة من هذه الشحنات المتجهة لأعلى تتصل بالشرارة المرشدة الأصلية؛ وبذا تحدِّد النقطة التي سيضرب بها البرق. عند اتصال المرشدة بالأرض، تبدأ الصعقة العائدة، التي فيها الإلكترونات الموجودة في أسفل القناة تتحرَّك بعنف شديد إلى الأرض، مسبِّبةً السطوع الشديد للقناة القريبة من الأرض. بعد ذلك تتدفق بالتتابع الإلكترونات من المقاطع الأعلى والأعلى إلى الأرض، بحيث تصل تياراتها إلى نحو ٢٠ ألف أمبير، وفي بعض الأحيان تصل إلى ٢٠٠ ألف أمبير. تتمدَّد القناة بسرعة فوق صوتية إلى قُطر ساطع يصل إلى ٥ أو ٦ سنتيمترات. قد تحتاج المرشدة الخطية ٢٠ ملِّي ثانية من أجل إحداث القناة على الأرض، لكن الصعقة العائدة تكتمل في خلال بضع عشرات من الميكروثانية. في المعتاد تتكرَّر العملية ثلاثَ أو أربع مرات، مستغلةً القناة القديمة في إنتاج ومضة برق لها سطوع مدته ٠٫٢ ثانية.

تلخيصًا نقول إن الإلكترونات في كل النقاط في القناة تتحرَّك عادةً للأسفل، رغم أن مناطق التيار العالي والسطوع العالي تتحرك للأعلى. والتأثير مشابه لتأثير جريان الرمال في الساعة الرملية؛ فبينما تتدفَّق الرمال إلى الأسفل، يُستشعَر تأثير هذا التدفق في المقاطع الأعلى والأعلى من الساعة الرملية.

  • Uman, M. A. All about Lightning. New York: Dover Publications, 1986, pp. 73–79.

(١٦) مجال كهربائي خارج منزلك

الشخص الواقف خارج المنزل يشكِّل موصِّلًا أرضيًّا ممتازًا، ويُعَدُّ جلده بالأساس سطحًا متساويَ الجهد، شأن سطح أي موصِّل. وفرق الجهد على جلد هذا الشخص يكون له القيمة عينها تقريبًا في كل موضع، ويساوي تقريبًا فرق الجهد الأرضي. في بعض الحالات، قد يتدفَّق تيار كهربائي جوي صغير عبر جسده، لكن قيمة هذا التيار أصغر من «التيارات البيولوجية» الطبيعية. وفي أغلب الحالات، يعمل التباين الكبير في المعاوقة بين جسد الشخص وبين الغلاف الجوي إضافةً إلى كثافة التيار الجوي الصغيرة للغاية على منع التيارات الكبيرة حتى حين يبلغ فرق الجهد ١٠٠ كيلوفولت!

  • Bering, E. A. III; A. A. Few; and J. R. Ben- brook. “The Global Electric Circuit.” Physics Today 51 (1998): 24–30.
  • Dolezaler, H. “Atmospheric Electric Field Is Too Small for Humans to Feel.” Physics Today 52 (1999): 15-16.

(١٧) الشحنة السالبة للأرض

تبدو الشحنة السالبة للأرض مرتبطة بحقيقة أن الجزء الأدنى للسحابة الرعدية يكون سالبًا بالأساس، ونحو ٨٥ بالمائة من صواعق البرق تحمل شحنة سالبة إلى الأرض. السحابة الرعدية المكتملة تكون ثلاثية القطب، وتقع المنطقة الرئيسية السالبة الشحنة على ارتفاع نحو ٦ كيلومترات، وتكون محاطة من الجانبين بمنطقتين موجبتي الشحنة. على مستوى الدائرة الكهربائية العالمية لكوكبنا يوجد فارق جهد شبه ثابت مقداره ٣٠٠ ألف فولت بين الأرض السالبة الشحنة والغلاف الجوي العلوي. وينقل تيار التسرب خلال الطقس الصافي — الذي تبلغ قدرته نحو ألفَي أمبير — الشحنة الموجبة على نحو متواصل من الطبقة العليا للغلاف الجوي إلى الأرض. ويبدو أن العواصف الرعدية في المناطق الاستوائية، خاصة في حوض نهر الأمازون، والتي تنقل مقادير كبيرة من الشحنة السالبة إلى الأرض، هي العامل المهيمن في إعادة شحن الدائرة الكهربائية العالمية.

  • Williams, E. R. “The Electrification of Thunderstorms.” Scientific American 259 (1988): 88-89.

(١٨) تفاوت المجال الكهربائي العالمي

يتوافق التوقيت العالمي ١٩٠٠ مع منتصف الظهيرة في حوض الأمازون، وهي منطقة ذات نشاط عنيف للعواصف الرعدية. إن شكل التفاوت اليومي في المجال الكهربائي العالمي يتبع نشاط العواصف الرعدية الأرضية. ومعدل العواصف الرعدية ليس ثابتًا؛ لأن القارات موزعة على نحو غير منتظم من منظور خطوط الطول، وتقع العواصف الرعدية بالأساس فوق الأرض، لا الماء.

  • Bering, E. A. III; A. A. Few; and J. R. Benbrook. “The Global Electric Circuit.” Physics Today 51 (1998): 24-30.

(١٩) نطاق استقبال موجات الراديو

تنتشر موجات التردد إيه إم لمسافة أبعد خلال الليل. وهذه الظاهرة تَنتُج عن وجود العديد من الطبقات المتأينة في الغلاف الجوي على ارتفاعات تتراوح بين نحو ٣٠ ميلًا إلى أكثر من ١٠٠ ميل. والطبقات الدنيا إما تختفي أو تتضاءل خلال الليل؛ لأن تأيُّن الجزيئات الموجودة في الجزء الأدنى من طبقة الأيونوسفير ينخفض في غياب ضوء الشمس. وهذا يرفع مستويات الانعكاس لكلٍّ من موجات الإيه إم والموجات القصيرة، ويمكنها من قَطْع مسافات أبعد حول قوس كوكب الأرض.

(٢٠) استقبال راديو السيارة

الترددات المنخفضة نسبيًّا (٥٣٥ كيلوهرتز إلى ١٦٠٥ كيلوهرتز) المستخدمة في البث الإذاعي بنظام إيه إم (تضمين السعة) تتوافق مع أطوال موجية تتراوح بين ٢٠٠ إلى ٥٠٠ متر. الموجات الكهرومغناطيسية بهذا الطول يَسْهُل امتصاصها بواسطة الأجسام الكبيرة. وهذا هو السبب وراء عدم رضاك عن استخدام راديو الجيب وأنت داخل مبنًى ذي هيكل فولاذي. على النقيض من ذلك، يستفيد البث الإذاعي بنظام إف إم (تضمين التردد) من الترددات المرتفعة للغاية، التي تتراوح بين ٨٨ إلى ١٠٨ ميجاهرتز. وهذه الترددات تتوافق مع أطوال موجية مقدارها نحو ٣ أمتار. في الواقع، البث الإذاعي بنظام إف إم يتوافق على نحو محكَم مع الفجوة بين القناتين التليفزيونيتين السادسة والسابعة. والإشارات في هذا النطاق الترددي، بما فيها إشارات التليفزيون، لا تُمتص بواسطة الأجسام الكبيرة. ولهذا السبب تنعكس هذه الإشارات عن هذه الأجسام، وتتشتت في كل الاتجاهات. أحيانًا قد يتم تلقِّي كلٍّ من الإشارات المباشرة والمنعكسة من المحطة عينها في الوقت ذاته. على التليفزيون يتسبب هذا في ظهور «الصور الشبحية»، وفي استيريو الإف إم يؤدي هذا إلى تشويه الإشارة أو إلى ضوضاء. ومع ذلك، باستثناء هذه الأحداث، لا يتأثر استقبال الإف إم على نحو بالغ بالأجسام الكبيرة، خاصة في المناطق التي تكون فيها الإشارة قوية.

(٢١) أحواض استحمام مغناطيسية

في الولايات المتحدة، إذا أخذتَ إبرة بوصلة ووازَنْتَها عند محورها، بحيث يكون طرفاها حرَّينِ في الحركة إلى الأعلى وإلى الأسفل، فسترى أن الطرف الشمالي سينخفض بنحو ٦٠ إلى ٧٠ درجة عن المستوى الأفقي. ومن شأن إلقاء نظرة سريعة على الكرة الأرضية أن يقنعنا أن الطرف الشمالي يشير ببساطة على امتداد أقصرِ طريق يمر عبر الأرض إلى القطب المغناطيسي في شمال شرق كندا. وبالمثل، النطاقات المغناطيسية في الأجسام الحديدية الساكنة تدور إلى أن تصطف، بحيث إن أطرافها الساعية إلى الشمال تشير إلى الأسفل بمقدار ٦٠ إلى ٧٠ درجة، بينما تشير الأطراف الساعية إلى الجنوب في الاتجاه المقابل تمامًا. والتأثير المُجَمَّع لملايين من هذه النطاقات المغناطيسية التي تشير جميعها إلى الاتجاه عينه يُنتِج قطبًا مغناطيسيًّا شماليًّا في أسفل الجسم، وقطبًا مغناطيسيًّا جنوبيًّا في أعلاه.

(٢٢) دوَّامة حوض الاستحمام

لنا أن نتوقَّع حدوث تأثير دوامة حوض الاستحمام لو كان دوران الأرض هو التأثير المهيمن. من نصف الكرة الشمالي، يكون دوران الكرة الأرضية في عكس اتجاه عقارب الساعة، بينما يكون في اتجاه عقارب الساعة إذا نُظر إليه من نصف الكرة الجنوبي. يمكن إذن اعتبار هذا التأثير بمنزلة أحد التجسيدات العديدة لعجلة كوريوليس، التي تتسبَّب في جعل الأجسام المتحركة على سطح الأرض تنحرف إلى اليمين شمال خط الاستواء وإلى اليسار جنوبه. ومع ذلك، تكون النسبة بين عجلة كوريوليس وعجلة الجاذبية بالتقريب ؛ حيث السرعة الزاوية للأرض. وهذه النسبة تبلغ قيمتها الأسية ١٠−٥ في حالة سرعة الماء التي تبلغ، مثلًا، ١ متر/ثانية. ومن ثم، الأهمية النسبية لقوة كوريوليس في أحواض الاستحمام وأطباق الغسيل ليست ذات قدر يُذكر.

من الناحية العملية، يكون الوقت المستغرق قصيرًا للغاية، وتكون العوامل المتنافسة (على غرار ذاكرة الماء الطويلة المدى للاتجاه الذي يدور فيه وعدم التناظر في شكل الوعاء) عديدة للغاية، لدرجة أن أي تأثيرات من تأثيرات كوريوليس ستُمحى تمامًا. ومع ذلك، تظهر التأثيرات بالفعل بوضوح تام عندما تستخدم التجارب أوعية نصف كروية عالية التناظر وتدع الماء يرتاح ليوم أو يومين من أجل التخلص من أي حركة باقية من عملية الملء.

  • Shapiro, A. “Bathtub Vortex.” Nature 196 (1962): 1080.
  • Trefethen, L. M.; R. W. Bilger; P. T. Fink; R. E. Luxton; and R. I. Tanner. “The Bathtub Vortex in the Southern Hemisphere.” Nature 207 (1965): 1084.

(٢٣) الجاذبية قرب الجبال

قد تظن أن سلسلة الجبال يمكن تمثيلها بنصف أسطوانة طويلة كثافتها تقع على سطح مستوٍ (انظر الشكل (أ))، إلا أن هذا النموذج يتنبأ بزوايا انحراف للشاقول تكون أكبر بكثير مما يُرصد فعليًّا. افترض بدلًا من ذلك أن سلسلة الجبال يمكن تمثيلها بأسطوانة طويلة كثافتها ، تطفو على سائل كثافته (انظر الشكل (ب)). في هذا النموذج يبلغ انحراف الشاقول الناتج عن وجود سلسلة الجبال صفرًا. هذا النموذج الثاني منطقي من ناحية المنظور الفيزيائي؛ فالكتلة المحتواة في النصفين العلوي والسفلي للأسطوانة مساوية تمامًا لكتلة الأرض التي كانت ستوجد في النصف السفلي للأسطوانة لو لم تكن سلسلة الجبال موجودة. وقد أقنع نجاح هذا النموذج الجيولوجيين بأن الجبال، والقارات أيضًا، تطفو على غلاف صخري.

(٢٤) الجاذبية داخل الأرض

الجواب هو: لا. إن العلاقة الخطية البسيطة لا تنطبق على الوضع داخل الأرض الفعلية. في حقيقة الأمر، تفوق شدة مجال الجاذبية قيمتها السطحية في شتى أنحاء السواد الأعظم من الحيز الداخلي؛ وذلك بسبب عدم الانتظام في كثافة الأرض. إن متوسط كثافةِ أعمقِ جزءٍ داخلي للأرض يبلغ نحو ضِعْفَي متوسط كثافة الأرض كلها. ويزيد الضغط ودرجة الحرارة بمقدار كبير في الأجزاء الداخلية، لدرجة أن مركز الأرض يعادل في حرارته سطح الشمس!
  • Hodges, L. “Gravitational Field Strength inside the Earth.” American Journal of Physics 59 (1991): 954–956.

(٢٥) لماذا تكون عجلة الجاذبية أكبر عند القطبين؟

يبلغ التفاوت في قيمة عجلة الجاذبية بين القطبين وخط الاستواء نحو ٥٫٢ سنتيمترات/ثانية٢. وأغلب هذا التفاوت، وتحديدًا نسبة ٣٫٤ سنتيمترات/ثانية٢، يرجع إلى تأثيرات قوة الطرد المركزية؛ حقيقة أنه بسبب دوران الأرض حول نفسها لا تُعَدُّ الأرض إطارًا مرجعيًّا قصوريًّا. المقدار المتبقي يبلغ ١٫٨ سنتيمتر/ثانية. وثلثا هذا المقدار فقط، أو ١٫٢ سنتيمتر/ثانية٢، يمكن أن يكون بسبب التغيرات في نصف القطر القطبي مقارنةً بنصف قطر كرة لها الحجم ذاته. السبب هنا فنِّي بدرجة ما؛ إذ يتضح أنه في حالة وجود تسطُّح إهليجي (على شكل مجسم ناقص) بكرة ما، وفي حالة الحفاظ على نفس الحجم ثابتًا، يقصُر نصف القطر القطبي بمقدار يزيد مرتين عن المقدار الذي يزيد به نصف القطر الاستوائي. وهنا تبين الحسابات أن ٠٫٤٤ سنتيمتر/ثانية٢ فقط — وهو مقدار يبلغ نحو ثلث المقدار ١٫٢ سنتيمتر/ثانية٢ الذي يجب تفسيره — يمكن عزوه إلى تسطُّح الأرض. ومعظم هذا المقدار سيأتي من حقيقة أن كثافة الأرض ليست منتظمة، وإنما تكون أكبر في مركز الأرض.
  • Iona, M. “Why Is g Larger at the Poles?” American Journal of Physics 46 (1978): 790.

(٢٦) الوميض الأخضر

الغلاف الجوي للأرض يسلك سلوكَ موشور عملاق؛ فهو يكسِر (يحني) مكونات ضوء الشمس، بحيث تنحني الأطوال الموجية الأقصَر (درجات اللون البنفسجي والأزرق) بدرجة أكبر مما تنحني الأطوال الموجية الأطول (درجات اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر). ويزيد مقدار هذا التشتت الزاوي لضوء الشمس الأبيض حين يمر ضوء الشمس عبر مقدار أكبر من الهواء قبل أن يصل إلى الراصد، وذلك عند شروق الشمس وغروبها.

يوضِّح الشكل الكيفية التي تحيد بها الأطوال الموجية الأقصَر على نحوٍ أكثر حدَّة وتبدو وكأنها آتية من نقاط أعلى في السماء مقارنةً بالأطوال الموجية الأطول. ملحوظة: منظومة العين/المخ تفترض أن شعاع الضوء ينشأ من نقطة تقع على مماس مسار الشعاع (الأحرف في الشكل تشير إلى ألوان المكونات العديدة لضوء الشمس). وبهذا يكون في طيف ضوء الشمس درجات اللون البنفسجي في الأعلى ودرجات اللون الأحمر في الأسفل. إذا كانت مساحة كبيرة نسبيًّا من قرص الشمس مرئية فوق الأفق، فإن أشعة الضوء الآتية من أجزائه المتعددة سوف تتداخل ولن يصبح ممكنًا رؤية الطَّيف، لكن بينما تأخذ الشمس في الغروب، من المفترض نظريًّا أن تتلاشى ألوان طيف ضوئها واحدًا تِلْو الآخر؛ بحيث تختفي درجات اللون الأحمر أول ما يتلاشى ودرجات البنفسجي آخر ما يتلاشى. ومع ذلك، يجب وضع تأثيرين آخرين لهما علاقة بالغلاف الجوي في الاعتبار؛ وهما: (١) امتصاص الضوء، الناتج بالأساس عن بخار الماء والأكسجين والأوزون، وهي الأشياء التي تحجب بالأساس درجات الضوء البرتقالية والصفراء، (٢) تشتت الضوء، الذي تتأثر به بالأساس الأطوال الموجية الأقصَر (درجات البنفسجي والأزرق). اللون الوحيد الذي يظل على حالته نسبيًّا هو اللون الأخضر، وهو الذي يصل إلى أعيننا. على الارتفاعات العالية، حيث يكون الهواء أكثر صفاءً في المعتاد، قد تتمكَّن الأطوال الموجية من العبور، ومن الممكن أن يكون الوميض باللون الأزرق أو البنفسجي بدلًا من الأخضر.

يستمر الوميض لفترة أطول لو استغرقت الشمس وقتًا أطول في الغروب؛ في الشتاء في أي مكان (نظرًا لأن مسار الشمس الظاهري يصنع أصغر زاوية مع الأفق وقتها)، وفي جميع أوقات العام قرب القطبين. في هامرسفيست، النرويج (عند دائرة عرض ٧٩ شمالًا)، قد يستمر الوميض في منتصف الصيف أربع عشرة دقيقة؛ سبع دقائق خلال غروب الشمس، وسبع دقائق أخرى خلال شروقها؛ الذي يلي الغروب مباشرة!

  • Connell, D. J. K. “The Green Flash.” Scientific American 202 (1960): 112.
  • Shaw, G. “Observations and Theoretical Reconstruction of the Green Flash.” Pure and Applied Geophysics 102 (1973): 223.

(٢٧) الأنهار المتعرِّجة*

هناك ثلاث طرق مختلفة للنظر إلى منشأ التعرجات النهرية. الطريقة الأولى تتمثَّل في النموذج الميكانيكي. وفق هذا النموذج سنفترض حدوث انحناء طفيف في مجرى النهر بسبب قدر بسيط من عدم الانتظام في الأرض التي يجري النهر فيها. قوة الطرد المركزية التي تنشأ مع مرور الماء حول الانحناء تميل إلى قذف الماء للخارج نحو الضفة المقعرة الشكل. ولأن الماء في السطح العلوي للنهر يتباطأ بدرجة أقل بواسطة احتكاك قاع النهر، فإنه يتحرك عبر التيار نحو الضفة المقعرة ويُستبدل به من الأسفل ماءٌ يتحرك عبر قاع النهر في الاتجاه المعاكس (انظر الشكل). يواصل التيار الهابط احتكاكه بالضفة المقعرة، وفي النهاية يسبِّب تآكلها؛ وبهذا يزيد حدة الانحناء. هذه العملية كلها تجعل النهر يتخذ مسارًا يجتاز التل بدلًا من أن يتدفَّق للأسفل مباشرة. لكن في نهاية المطاف، تجذب قوة الجاذبية النهر إلى مسار هابط، مسبِّبةً انحناءً معاكسًا. وبهذا تتواصل العملية.

بالنظر إلى التعرُّجات من منظور مختلف، نجد أنها تبدو الصورة التي يبذل فيها النهر القدر الأقل من الشغل عند الالتفاف. من الواضح أن هناك شغلًا مطلوبًا لتغيير اتجاه سائل متدفق. لكن هذا الشغل يصير في حدِّه الأدنى لو كان شكل النهر به أقل قدر إجمالي من التفاوت في تغيرات الاتجاه. هذه الخاصية يمكن توضيحها من خلال ثني شريط رفيع من صُلب الزُّنْبُركات في أوضاع مختلفة عن طريق الإمساك بإحكام بالشريط من نقطتين والسماح للطول بين النقطتين الثابتتين بأخذ أي شكل ممكن (انظر الشكل). سيتخذ الشريط شكلًا يتغير فيه الاتجاه بأقل قدر ممكن. ومن شأن هذا أن يقلِّل الشغل الإجمالي لعملية الثني؛ نظرًا لأن الشغل المبذول في كل عنصر من عناصر الطول يتناسب طرديًّا مع مربع مقدار الانحراف الزاوي الخاص به. لا تأخذ الثنيات شكل أقواس دائرية، أو أقواس على شكل قطع مكافئ، أو على شكل منحنى جيب، وإنما تأخذ شكل دوالَّ خاصة تُعرف بدوال التكامل الإهليجي (القطع الناقص).

النموذج الثالث للتعرجات يأتي من تحليل مسار النهر من منظور العشوائية والاحتمالية. من الممكن أن نثبت أن أيَّ خط ذي طول ثابت يمتد بين نقطتين ثابتتين من المرجَّح أن يسلك مسارًا متعرجًا. ويتكوَّن البرهان من توليد طرق أو مسارات عشوائية يمكن فيها لنقطة متحرِّكة أن تندفع في اتجاه تحدِّده عملية عشوائية ما (على سبيل المثال، إلقاء نَرْد أو تتابع لأرقام عشوائية في جدول) بينما تواصل رحلتها بين نقطتين ثابتتين في عدد محدد من الخطوات. والطريق الذي يحظى بأعلى احتمالية لمثل هذه النقطة المتحركة هو النمط الأفعواني المتعرج، بأبعاد مشابهة لتلك الموجودة في الأنهار.

  • Einstein, A. “The Cause of the Formation of Meanders in the Courses of Rivers and the So-Called Beer’s Law.” In Essays in Science. New York: Philosophical Library (1955), pp. 85–91.
  • Leopold, L. B., and W. B. Langbein. “River Meanders.” Scientific American 214 (1966): 60.

(٢٨) الحصول على الطاقة من البيئة المحيطة*

مخزون الطاقة هو سماء الليل! فمن شأن العاكس الإهليجي الذي في بؤرته جسم مدهون باللون الأسود («أسود» هنا من منظور الأشعة تحت الحمراء؛ لأن اللون الأسود في الضوء المرئي لا يعني دومًا الأمر ذاته)، والموجَّه إلى سماء الليل؛ أن يشعَّ في نطاق الأشعة تحت الحمراء بدرجة حرارة محيطة تبلغ ٣٠٠ درجة كلفنية مثلًا. سيتلقَّى هذا العاكس قدرًا قليلًا من الإشعاع من سماء الليل، الذي يمكن اعتباره بمنزلة إشعاع جسم أسود بدرجة حرارة قدرها ٢٨٥ درجة كلفنية. ونتيجة لذلك، ستنخفض درجة حرارة الجسم الموضوع في البؤرة، وإذا كان معزولًا حراريًّا عما يحيط به، فستقترب درجة حرارته في النهاية من ٢٨٥ درجة كلفنية. وبإمكاننا استخدام فارق الحرارة الناتج في تشغيل محرك حراري أو استخلاص الطاقة بسبل أخرى (من خلال التأثيرات الكهروحرارية على سبيل المثال).

  • Ellis, G. F. R. “Utilization of Low-Grade Thermal Energy by Using the Clear Night Sky as a Heat Sink.” American Journal of Physics 47 (1979): 1010.

(٢٩) درجة حرارة الأرض*

لا يوجد خطأ، لكننا أغفلنا شيئًا ما. إن درجة حرارة التوازن تحدَّدت وفق المعادلة التالية: الطاقة المُمتصة – الطاقة المُشَعَّة، أو ؛ حيث = ١٫٤ × ٦١٠ إرج سنتيمتر−٢ ث−١ هو الثابت الشمسي، و = ٠٫٣ هو القيمة المعتادة لانعكاسية الأرض أو وضاءتها. الطاقة الممتصة تكون عادةً في الجزء المرئي من الطيف، بينما الطاقة المُشَعَّة إلى الفضاء تكون في الغالب على صورة أشعة تحت حمراء. وهنا أساس المشكلة؛ إذ إننا تغاضينا تمامًا عن تأثير الصوبة! فرغم أن الغلاف الجوي شفاف بدرجة كبيرة عند الأطوال الموجية الخاصة بالضوء المرئي، فإنه ليس بهذه الشفافية في نطاق الأشعة تحت الحمراء. وحين نحسب مقدار الإعتام الذي تتسبَّب به الغازات الممتصة للأشعة تحت الحمراء كبخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان ومُركَّبات الكلوروفلوروكربون، سنخرج وقتها بالجواب الصحيح.
  • Sagan, C. “Croesus and Cassandra: Policy Response to Global Warming.” American Journal of Physics 58 (1990): 721.

(٣٠) تأثير الصوبة*

كلا الفريقين له وجهة نظر منطقية اعتمادًا على الظروف المحدَّدة. بالنسبة إلى منظومة مُجمِّعة لأشعة الشمس على غرار الصوبة أو الغلاف الجوي للأرض، فإن الحرارة المنقولة بالحَمْل (بالواط/متر٢) هي ؛ حيث الفارق بين درجة الحرارة بالخارج ودرجة الحرارة التشغيلية للمنظومة المُجمِّعة، و ثابت النسبة الذي يزداد بزيادة سرعة الرياح. الطاقة المنبعثة بسبب الإشعاع مساوية تقريبًا ﻟ ؛ حيث ثابت ستيفان بولتزمان. حين يكون الهواء ساكنًا، يكون فقْد الإشعاع أكبر بدرجة طفيفة، لكن حين تهب الرياح بسرعة نحو ٧ أمتار/ثانية، وهي قيمة تقليدية يستخدمها مهندسو التدفئة لحساب فقْد الحرارة في الشتاء، يزيد فقْد الحَمْل إلى نحو خمس مرات مقدار الفقد بسبب الإشعاع.

إذا غُطيت المنظومة المُجمِّعة بمادة شفافة للأشعة تحت الحمراء، يقل فقْد الحَمْل بمقدار النصف (في حالة الهواء الساكن)، لكن يظل الفقد بسبب الإشعاع دون تغيير ويصير هو العامل المهيمن. ومع ذلك، يمكن حبس الإشعاع بفعالية لو أننا استخدمنا مادة تنقل الضوء المرئي وتعكس الأشعة تحت الحمراء. هذا النوع من المواد موجود بالفعل، لكنه يكون مكلِّفًا في المعتاد.

  • Young, M. “Solar Energy: The Physics of the Greenhouse Effect.” Applied Optics 14 (1975): 1503.
  • ———. “Questions Students Ask: The Greenhouse Effect.” Physics Teacher 21 (1983): 194.

(٣١) قياس حجم الأرض*

تتطلَّب هذه الطريقة رؤية واضحة لغروب الشمس من على شاطئ يُطِل على محيط أو بحيرة كبيرة (ملحوظة: لأغراض السلامة، من الأفضل تجنُّب التحديق مباشرة في قرص الشمس إلى أن يكون بكامله تقريبًا أسفل الأفق). استلقِ بحيث تكون عيناك في مستوى الماء. انتظر اللحظة التي ينكمش فيها «آخر شعاع» للشمس (أفقيًّا) بشكل مفاجئ ويختفي (مستعينًا بساعتك). قف على الفور، وسجِّل مرة ثانية الوقت الذي يختفي فيه آخر شعاع لغروب الشمس للمرة الثانية. اطرح الرقم الأول من الثاني بحيث يكون لديك الزمن المنقضي بين الحدثين (يكون في المعتاد ١٠ ثوانٍ أو ٢٠ ثانية). الآن، (أ) اقسم ارتفاع العين (بالمتر) على مربع الزمن المنقضي ، ثم (ب) اضرب الناتج في ٣٧٨. الرقم الناتج هو تقديرك الخاص لنصف قطر الأرض، مُعبرًا عنه بالكيلومتر. ربما ترغب في استخدام التعبير التقريبي الأكثر اكتمالًا لنصف قطر الأرض ؛ حيث ارتفاعك، والمعامل ٣٧٨ هو قيمة عند خط الاستواء بالوحدات المُعطاة.
  • Rawlins, D. “Doubling Your Sunsets, or How Anyone Can Measure the Earth’s Size with Wristwatch and Meterstick.” American Journal of Physics 47 (1979): 126.
  • Walker, J. “How to Measure the Size of the Earth with only a Foot Rule or a Stopwatch.” Scientific American 240 (1979): 172.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤