الفصل الأول

من المسلم به قطعًا أن لأي مُخرج الحق في تفهُّم نص هذه المسرحية بالطريقة التي يراها أفضل، ولكني أوثر شخصيًّا — ولجو المسرحية العام وللطريقة التي كتبت بها — أن تقدم على هيئة حلم لا واقعي، بحيث تتحرك الشخصيات حركة غير واقعية، وتتحدث بطريقة أيضًا لا تمت إلى الواقع.

وأقترح أن تكون الموسيقى المستعملة في هذه المسرحية عبارة عن أصوات من الطبيعة، وتذاع في الوقت المناسب؛ موسيقى الافتتاح شريط مسجل للأصوات الكثيرة المتنافرة والمنسجمة المتصاعدة من فناء محطة مصر الداخلي. حين تُفتح الستار الأولى نجد ستارة أخرى بيضاء مكتوبًا عليها بالخط الكبير: «الدنيا مافيهاش فقر، إنما فيها قلة رأي»، والإمضاء: «فلاح مصري عجوز». ممكن أن يظهر إمضاؤه، أو تحتها صورة له كموتيف.

المنظر بعد ارتفاع الستارة الثانية، حجرة كبيرة في نسبها شذوذ، يتصدَّرها مكتبٌ ضخم جدًّا قديم موجود بالناحية اليسرى، كرسيه عالي المسند مثل كراسي المقرئين في المآتم، الحجرة لها بابان أحدهما الرئيسي في الوسط، نصفه الأعلى من الزجاج المصنفر، مكتوب عليه كلمة مفتش الصحة بالمقلوب، والآخر إلى اليمين، اللوحة التقليدية لفحص النظر تحتل ركنًا بارزًا من الحجرة، حروفها مكرَّر كل حرف منها كظل ثلاث أو أربع مرات. الحائط الأيسر المجاور لمكتب المفتش تحتلُّه كله لوحة ضخمة على نسق لوحات الدعاية الصحية، وفيها رجل يمسك بالجوزة يشربها ويحلم حلم المخدرات الذي لا نهاية له، والمجسد بطريقة تدل على بدائية الفنان الذي رسم الصورة، الحلم عبارة عن أن المدمن يتصوَّر نفسه هارونَ الرشيد جالسًا في ساعة لهوٍ وحوله الجواري والراقصات والمغنيات، وبدلًا من صواني الطعام والشراب هناك صينية عليها عدة الكيف، وجوزة تقوم بإمساكها جارية تسقي منها هارون الرشيد. أولاد الحشاش وزوجته عرايَا مهلهلين متناثرين حوله، وزوجته على صدرها طفل رضيع تمدُّ يدها إليه وكأنها تستحلفه، وهو يضرب يدها مشمئزًّا. هناك عسكري ضخم جدًّا هائل يمد يده، ويمسك الحشاش من ياقة جلبابه استعدادًا لأخذه للسجن. في مكان واسع مناسب من الصورة جملة تقول: «احذروا المخدرات؛ فهي تخرب البيوت.»

بجوار المكتب هناك فتحة في الحائط فيها تليفون، بحيث يمكن استعماله للحجرتين معًا. بقية أثاث الحجرة لا تتعدى كنبة إسطانبولي وكرسيين أسيوطي في حالة يرثى لها.

عند فتح الستار نجد جميع الأشخاص الموجودين بالمنظر ثابتين بلا حركة، وكأن المنظر صورة، وليس مشهدًا حيًّا.

إلى المكتب يجلس المفتش وهو رجلٌ صغير دقيق بالقياس إلى حجم المكتب، لا تستطيع أن تحدد له عمرًا، من ملامحه تشع نظرة محبوبة ساحرة كتلك التي صنعت من جحا جحا، ومن أبي نواس أبا نواس.

على الناحية اليسرى منحنيًا، مندفعًا ناحية الدكتور وكأنما يهم بمحادثته، رجل طويل رفيع ذو قتب، يلبس بدلة السعادة وفوقها فوطة التمورجي.

أمام المكتب — وتكاد تملأ الحجرة — مجموعة من الأشخاص من مختلف الأعمار والمهن؛ بعضهم سيدات على درجات متفاوتة من الأناقة، وهم موجودون بشكلٍ مستمر لا ينقطعُ إلا في المواقف الحادة، بحيث يخلو المسرح منهم، ويعودون إليه حين تنتهي حدة الموقف. وبالذات هناك أقرب ما يكون إلى المكتب؛ أفندي في الثانية والأربعين من عُمره بادي الأناقة، وإن كنت تحس أن ملابسه الداخلية مثلًا ليست في نظافة بدلته، صلَعُه خفيف وشاربه دوجلاس شديد السواد مصبوغ، هادئ، ناعم مقنع، بجواره أفندي آخر نامي الشعر مهوَّشه، لم يحلق منذ شهرين على الأقل، أو هكذا يدل منظر قفاه، رفيع الوجه مستطيله، حليق اللحية والشارب، على عينه اليمنى آثار كدمة سوداء، مكتف بقميص الكتاف، وحين يفك عنه يظل طول الوقت يعبث بحب شباب موهوم في وجهه، ويفتشه وكأنه يتخلص منه بعصبية.

سيدة رغم كل محاولاتها لإضفاء الاحترام والتقدير على نفسِها وزينتها وتواليتها؛ إلا أنها لا تستطيع أن تخفي «المعلمة» الكامنة فيها، وكأنها عملت لفترة من حياتها صاحبة صالة أو ربما ناظرة مدرسة باليه أهلي، حواجبها وعيناها بالذات تنطق بهذا.

أفندي ثالث في الباكجراوند وإن كان سيظهر بعد وقت، هليهلي، مذعور في حالة «روشة» مستمرة، عسكري رفيع ذو كرش كالبطيخة، بندقيته رفيعة أيضًا وطويلة ويستعملها كمسند لذراعه الذي يستعمله كمسند لرأسه، يقف أقرب ما يكون بجوار العسكري الذي في الصورة.

التومرجي (منحنيًا ناحيته بلهجة لا دهشة فيها، ولا لهفة) : سعادة البيه، سعادة البيه.
الدكتور (منهمكًا في إمضاء كومة عالية من شهادات الميلاد) : أيوه يا صفر؟
صفر : مجنون يا سعادة البيه.
الدكتور (وهو لا يزال منكبًّا وبنفس الروتين) : هاته خلينا نخلص.
صفر (معتدلًا فقط ومبتعدًا قليلًا) : أهو يا سعادة البيه.
الدكتور : معاه عسكري؟
العسكري (منتفضًا، وكأنما يفيق من حلم وليس تحية، منزلًا يده، ضامًّا البندقية إليه) : أيوه يا افندم.
الدكتور : م القسم؟
العسكري : م القسم يا افندم.
الدكتور (مستمرًّا أيضًا في التوقيع دون أن يرفع بصره) : فين الجواب؟

(العسكري يُخرج الخطاب من حزامِه العريض، صفر يتناوله ويضعه تحت عين الدكتور، الدكتور يضع الخطاب أمامه، وبجانب من عينيه يقرؤُه بينما بالجانب الآخر لا يزال منهمكًا في عملية التوقيع.)

الدكتور : وتفضلوا بقبول فائق الاحترام، طيب يا سيدي (يتوقف عن التوقيع، ويفتش بعينيه فوق المكتب، ويفتح الأدراج ويقلب في أوراقها) فَانْهي داهية استمارات الأمراض العقلية؟ مزاجك إيه يا صفر إنك تخبيها؟ بتعمل بيها إيه بس؟ كل ما جيب شوية تلهفهم، هما ليهم سوق سودا رخرين؟
صفر (مقدمًا الاستمارات التي كانت أمام المفتش تمامًا) : أهُم يا سعادة البيه أهُم.
الدكتور : بقى دي يا مجنون استمارات الأمراض العقلية دي؟ دي بتاعة المراقبة يا جدع.
صفر : أمراض عقلية يا سعادة البيه.
الدكتور : دي؟ (ينظر فيها مليًّا) أيوه يا واد صحيح باينَّها هي، إنما إنت برضه مزاجك إنك تخبيها (يضع الاستمارات أمامه، دون أن يرفع بصره أيضًا) الاسم (يقرأ من خطاب القسم) التفضل بتوقيع الكشف الطبي على … إيه … محمد الثالث محمد الطيب محمد قارون، ده مظبوط الاسم ده؟
صفر (مردِّدًا) : ده مظبوط الاسم ده؟
محمد الأول (وهو الأفندي الوجيه الناعم ذو الصلعة والشارب) : أيوه مظبوط يا افندم.
الدكتور : محمد الثالث، محمد الطيب، محمد قارون، ده اسم ده؟ ده ولا حسبة بِرما؟ دا الواحد كده من غير صدمة ولا أزمة يجنن، إنما آه، دي حرية، آدي نتيجة إنك تخلي الناس حرة في تسمية نفسها، لازم يطلَّعوا للمسألة دي قانون، ما ينفعش كده، دي فوضى، عايزين حرية آل! وآدي نتيجة الحرية، اسم العيان لواحده إيه؟
صفر (مرددًا كالمبلِّغ في صلاة الجمعة) : اسم العيان لواحده إيه؟
محمد الأول : محمد الثالث.
الدكتور : واسم أبوه إيه؟
صفر : واسم أبوه إيه؟
محمد الأول : محمد الطيب.
الدكتور : واسم جده إيه؟ اسكت انت يا جدع انت.
محمد الأول : محمد قارون.
الدكتور : نهايته، سكنه فين؟
صفر : سكنه فين؟
الدكتور : قلنا تسكت.
صفر : حاضر يا سعادة البيه.
الدكتور : سكنه فين؟
محمد الأول : ١١ شارع طلعت حرب بالسيدة زينب.
الدكتور : هو فيه طلعت حرب في السيدة؟
محمد الأول : أيوه يا بيه فيه، كان الأول اسمه شارع طشتمر وبعدين سموه شوية أيام كده شارع علي فهمي، وبقاله كام سنة اسمه طلعت حرب، ويقولوا إنهم لسه حيغيروه.
الدكتور : بيشتغل إيه؟
محمد الأول : مدرس في كلية الزراعة.
الدكتور : مدرس بوزارة الزراعة، حتى وزارة الزراعة رخرة عملوا لها مدارس!
محمد الأول : كلية الزراعة يا افندم، كلية الزراعة.
الدكتور : يادي المصيبة! مش تقول كده؟ إنت مش عارف إني باكتب الاستمارة من صورتين؟ اتفضل … (ويصحح الاستمارة الأولى) كلية، والصورة الثانية. إيه الأعراض اللي عنده؟
م. الأول : أعراض جنون خطرة يا بيه.
الدكتور (رافعًا بصره إلى المجموعة لأول مرة) : ماهي أعراض الجنون كتير. بيعمل إيه يعني؟ بيتهيج.
محمد الأول : أيوه بيتهيج.
الدكتور : بيحاول الاعتداء على الغير؟
م. الأول : كتير قوي يا بيه، مبهدلنا خالص.
الدكتور : هو فين ده؟ فين يا عسكري المجنون اللي انت جايبه؟
العسكري (بثقة لا حد لها) : دا هو يا افندم (مشيرًا إلى م. الأول).
م. الأول (ناظرًا إلى العسكري بضيق وتأنيب) : أهو يا افندم (منتحيًا جانبًا؛ كي يبدو محمد الثالث للطبيب في قميص كتافه).
الدكتور : إنت المجنون؟

(م. الأول ينظر إلى السقف، وينتف ذقنه ولا يجيب.)

الدكتور : هيه، وغيره، (قارئًا من الاستمارة) هل حاول الانتحار؟
م. الأول : كتير يا افندم.
الدكتور : وكيف؟ هل حاول إلقاء نفسه من الشرفة، أو إشعال النار في ملابسه؟ وهل ترتبط محاولاته بالرغبة في الاعتداء على الغير؟
م. الأول : مظبوط يا افندم.
الدكتور : هو إيه اللي مظبوط؟
م. الأول : كل اللي بتقوله سيادتك، كله حصل.
الدكتور (مسجلًا) : نعم! متى بدأت الأعراض؟ من إمته بيحصل له كده؟
م. الأول : من حوالي خمس ست اشهر.
الدكتور : وساكتين من ساعتها ليه؟
م. الأول : فاكرينها حاجة حاتزول، إنما كل ماده كل ما كانت بتكتر وتزيد لغاية أول امبارح.
الدكتور : حصل إيه؟
م. الأول : اتهيج قوي وضربني وضرب كل اللي في البيت، وجبنا بوليس النجدة، وبقت فضيحة.
الدكتور : فضيحة إزاي؟
م. الأول : نزل فينا ضرب وحاول يدبح مراته بالسكينة واتلمت الجيران، وعملنا مذكرة في القسم (مخرجًا ورقة من جيبه) رقم: ٤٢١ أحوال، سنة ١٩٦٥م. تحب سيادتك تطلع عليها؟
الدكتور : ما فيش لزوم، دانا قدامي لسه خمسين حالة، حد في العيلة مريض بمرض عقلي؟
م. الأول (مفكرًا) : في العيلة؟ آه، عمته قبل ما تموت بسنة جالها حالة دروشة وسابت البيت، وراحت قعدت جنب الحسين، وكنا نجيبها تهرب تاني وتروح هناك، وتقول: أنا جاني الأمر إني ما اتحركش من جنبه.
الدكتور (قارئًا بلهجة روتينية) : هل سبق للمريض أن أصيب بمرض عقلي؟ هل تم حجزه بإحدى المصحات؟
م. الأول : دي أول مرة يا افندم.
الدكتور (ملقيًا نظرة على الاستمارة) : آه لا مؤاخذة، نسينا السن؛ سنه كام سنة؟
م. الأول : هو من مواليد ١٩٣٧ يعني ٢٩ سنة.
الدكتور : الحمد لله، أبوخ حاجة حكاية الصورتين دي، آخر بند بقى، اسم قريب المريض الذي أدلى بالمعلومات عنه ونوع قرابته، إنت قريبه؟
م. الأول : أيوه يا افندم.
الدكتور : تقرب له إيه؟
م. الأول : أخوه يا افندم.
الدكتور : اسمك إيه؟
م. الأول : محمد الأول محمد الطيب محمد قارون يا افندم.
الدكتور (واضعًا القلم) : استنى بقى استنى، إيه حكاية أساميكو دي؟ يعني لازم تقول لغاية جدك الخامس؟
م. الأول : أبدًا يا افندم ده كله اسمي لغاية الجد الأول بس. إحنا تلات اخوات، والتلاتة اسمنا محمد، أنا الكبير اسمي محمد الأول، والوسطاني اسمه محمد التاني، وده الصغير اسمه محمد التالت.
الدكتور : طب وإيه حكاية محمد الطيب محمد قارون؟
م. الأول : برضه نفس الحكاية مع أبويا وجدي، أبويا اسمه «محمد الطيب»، وأخوه الثاني كان اسمه «محمد الطاهر»، والثالث «محمد الطالب»، والرابع «محمد الطانب»، ولينا جدين أخين محمد قارون اللي عمل فرع عيلتنا، ومحمد هارون اللي عمل الفرع بتاع اسكندرية.
الدكتور : إزاي علي مبارك باشا فاتته الحكاية دي، ماسبتهاش ليه في كتابة الخطط والآثار؟ ملوش حق صحيح، وحضرتك بتشتغل إيه بقى يا أستاذ أول؟
م. الأول : المدير العام المساعد لشركة مظبوتكس للساعات.
الدكتور : شركة إيه لإيه؟
م. الأول : مظبوتكس للساعات والمنبهات والآلات الدقيقة، دي شركة كبيرة قوي يا افندم، أول شركة عربية تعمل ساعات مصرية مية في المية.
الدكتور : بتعملوها هنا؟ مش معقول.
م. الأول : أمال يا افندم.
الدكتور : يعني كله بتعملوه هنا؟ التروس، العقارب، والزمبلك وكله.
م. الأول : لا يا افندم، احنا بنعمل زي مصانع سويسرا بالظبط، هناك المصانع بتاع الماركات الكبيرة زي زينيت وجوفيال وأرداث ما بتصنعش الحاجات دي، الحاجات دي بتعملها العيلات السويسرية كل عيلة متخصصة في ترس والا مسمار، وبتوارث الصنعة أبًا عن جد، فالشركات بتشتري منهم الحاجات دي وبعدين بتركبها على بعض، وتديلها اسم وتعمل لها المينا — وتبقى من بره تل والا تفانوس، ومن جوه كل الساعات واحدة، احنا برضه عملنا كده، بنجيبها قطع غيار من برة وعندنا ساعاتية بيشتغلوا عمال في المصنع بيجمعوها، واتفضل سيادتك (يخرج من جيبه ساعة جيب جديدة في علبة) ما شفتش أول ساعة مصرية مية في المية؟ (ويناولها للدكتور).
الدكتور (متفحصًا الساعة) : ماركة مينا، أظن عمر ما الملك مينا تصور النهاية دي، وازاي بتقولوا عليها امال مصرية مية في المية؟
م. الأول : ما هو مصنع الساعات بيعمل المينا بس، فاحنا بنعمل المينا هنا فتبقى مية المية مصرية، شايف سيادتك المينا أول مينا في التاريخ حروفها بالعربي، مينة ساعة مينا (الدكتور يحاول أن يعيد له الساعة) والله لو تتكرم علينا يا افندم وتقبلها سيادتك هدية م الشركة، إحنا بنوزع هدايا عشان البروباجندا، أنا دايمًا شايل في جيبي ساعتين تلاتة احتياطي، عشان الناس الطيبين اللي زي سيادتك كده.
الدكتور : لالالالا، أنا ما اقبلش حاجات زَي دي، ما دام لك شغلة هنا ما يصحِّش أبدًا أقبل منك حاجة.
م. الأول : دي خدمة للشركة يا افندم، دا سيادتك تبقى بتخدمنا لو تقبلها عشان تجربها وتدينا رأيك فيها، دا الشركة تبقى مدينة لسيادتك مش لا سمح الله بنديك حاجة، دي سياسة ثابتة للشركة يا افندم.
الدكتور (مادًّا يده بالساعة) : لالالا، معلهش! أصلها محرجة شوية، اتفضل (حين لا يأخذها م. الأول، يضعها الطبيب على المكتب قريبًا منه). قلنا إيه يا سيدي؟ (مراجعة الاستمارة) لاه، دا احنا خلصنا خلاص، ناقص الإمضاء، وادي إمضاء هنا، وإمضاء ع النسخة التانية والتاريخ، خد يا عسكري الورق ده وديه القسم.
م. الأول : حانرجع القسم تاني يا بيه؟
الدكتور : أيوه عشان من هناك حايستدعوا العربية تاخده.
م. الأول : متشكرين قوي يا افندم، متشكرين.
الدكتور : واللا استنى ثانية، ثانية واحدة بس، هات الورق (يتناول الورق من العسكري)، نكتب كلمة واللاحاجة في خانة الملحوظات.
م. الأول : يا افندم أنا سايب شغلي والله، والنهارده أول يوم لتشغيل قسم الساعات الحريمي.
الدكتور : معلهش، كلها ثانية، أنا مستعجل أكتر منك، وانت ممكن تاخده على طول وتوديه المستشفى، الورق جاهز وممضي وكل حاجة، بس برضه انت عارف، استكمالًا للشكليات، كلها وحياتك شكليات.
م. الأول : فيه أسئلة تانية؟
الدكتور : مش لك ما تخافش. له هو، نوع م الكشف (متجهًا لمحمد الثالث) ما لك يا بني؟

(م. الثالث لا يرد.)

الدكتور : طبعًا لك حق ما تردش، إيه دا يا صفر الزفت؟ أنا مش منبه عليك مليون مرة العيان ما يدخلش عندي بقميص الكتاف ده أبدًا، ده زي الكلبشات وعمر ما المتهم يروح قدام القاضي وفي إيديه الحديد، فكه حالًا.
صفر : على عيني حاضر يا سعادة البيه.
م. الثالث (وصفر يمد يده لفك القميص) : بتفكه ليه؟ عشان إيه بتفكه؟ دا أنا مستريح قوي فيه.
الدكتور : مستريح فيه ازاي؟
م. الثالث : مريح إيدي قوي، ده الإيدين دي مشكلة كبيرة، لما الواحد يقف يعمل بهم إيه؟ أحطهم في جيبي؟ أتضايق، في وسطي كده؟ (يضع يديه في وسطه)، أتعب. أعلقهم كده؟ (يضع يديه فوق رقبته) درعاتي تخدِّل، القميص ده حل لي المشكلة بطريقة جميلة جدًّا، ده انت لو تجربه مرة ما تِسْلَهش، دا لازم كل الناس تلبسه، حيريحك من إيديك ويريح الناس منهم، وانت راخر تستريح من إيدين الناس، لا خناق ولا ضرب ولا قرص في الأتوبيس، ولا احط صوابعي في عنيك، ولا كلام من ده، يعلم الناس الأدب، يخليهم كلهم بني آدميين راقيين ما يستعملوش إلا لسانهم بس، وحتى اللسان مالوش داعي، يا ريت يعملولو قميص، يستعملوا مخهم بس، وبيتهيألي برضه إن المخ مالوش داعي، لو راخر يلقوله قميص.
الدكتور : يا أهلًا وسهلًا، والله زمان، بقى لنا مدة ما فيش عيانين، كله كلام عادي كده يزهق، أيوه يا سيدي أيوه، هيه؟ إيه بقى حكايتك يا سيدي؟
م. الثالث : مظبوط مظبوط.
الدكتور : مظبوتكس.
م. الثالث : مظبوط.
الدكتور : هو إيه اللي مظبوط؟
م. الثالث : كل اللي قالوه مظبوط، أنا مجنون، تمام (يضحك ضحكة، وكأنه يمثل بها أنه مجنون فتخرج عصبية مفتعلة) ها ها ها ها … مجنون، مظبوط.
الدكتور : لا؛ دا انت باينك عاقل قوي، هو فيه مجنون بيقول على نفسه مجنون؟ دا بيفتكر كل الناس مجانين إلا هو.
م. الثالث : مظبوط، مظبوط. كلكم مجانين، بجد والله العظيم كلكم مجانين، كلكم كده. ده (لمحمد الأول) مجنون. وده (لصفر) مجنون.
صفر (بذُعر) : أنا؟
م. الثالث : وده (للعسكري) مجنون. دوه (للحشاش في الصورة) مجنون، ودول (مشيرًا إلى الكومبارس) مجانين، وانت (مشيرًا للدكتور) انت نفسك مجنون، دي أوضة دي؟! دي أوضة مجانين، دي صورة دي؟ حد يحطها في أوضته ويبص لها كل يوم؟ ده فن ده؟ دا عالم ده؟ دي دنيا دي؟ كلكم مجانين.
الدكتور (متنبهًا للوقت) : لاه، دا لو استمرينا كده مش حنخلص. (ثم لميم الثالث) أنا قصدي أسألك، إنت تعبان من حاجة؟ حاسس بحاجة؟
م. الثالث : أنا تعبان قوي، أنا تعبان جدًّا (والتأثر يصل به إلى حد البكاء) أنا أتعب واحد في الدنيا.
الدكتور : تعبان من إيه؟ بيجي لك تهيؤات؟
م. الثالث : آه.
الدكتور : بتسمع أصوات؟
م. الثالث : آه.
الدكتور : أصوات بتكلمك يعني؟
م. الثالث : يا ريتها بتكلمني دي بتشتمني، طول النهار واحد بصوت رفيع كده يقول لي: يا تافه يا محمد يا تالت، يا خايب يا محمد يا تالت، يا فاشل، يا مثقف، يا بتاع الدكتوراه، يابو رسالة، يابو رياله، طظ فيك، وست كده صوتها اخنف قاعدة تقول لي يا ضعيف، يا جبان يا خواف، يا انتهازي، يابو عين في الجنة وعين في النار، يا عديم الاشتراكية، يا خاين المسىئولية. حنزمر لك كدهه (ويزمر) ونطبلك كدهه (ويطبل).
الدكتور : مش قصدي كده. قصدي أصوات بتحرضك على حد؟ على حاجة؟
م. الثالث : بالظبط كده، بتحرضني، طول النهار بتحرضني، دلوقتي حالًا بتحرضني.
الدكتور (بشغف وكأنه بسبيله إلى اكتشاف شيء مهم) : بتحرضك على إيه؟
م. الثالث : بتحرضني على الناس وعلى نفسي، بتحرضني أحتقر الناس وأحتقر نفسي، أتف عليهم، أقرف منهم، بتحرضني إن ما فيش فايدة، إني لازم استسلم، إن المقاومة جنان، بتحرضني إني أتلهي واعيش زي التنبل آكل وأشرب وأنام، بتسدها خالص في وشي، وافضل ماشي ماشي لآخر الدنيا، إني أنجذب زي بتوع الحسين وامسك لي سبحة ومبخرة، أحيانًا بتحرضني إني ارتكب جريمة أخطر.
الدكتور (بشغف أزيد) : زي إيه؟
م. الثالث : إني أتجوز.
الدكتور : إنما انت واعي بحالتك دي؟ يعني حاسس بعياك؟ شايف نفسك؟
م. الثالث : ما هي المصيبة إني شايف نفسي، المصيبة إني واعي، المصيبة إني مفتَّح. لو اغمض، لو انام، لو اتخدر، لو اعمى، لو اتنيل واعيش زي الناس ما هي عايشة، لو اموت واخلص!
الدكتور : هيه! ومن إمتى بقى وانت بالحالة دي؟
م. الثالث : من زمان قوي.
الدكتور : سنة سنتين؟
م. الثالث : لالا؛ سنة إيه؟ أنا بيتهيألي إني من ساعة ما وعيت وانا كده، أنا مش فاكر نفسي أبدًا إلا كده، يمكن من يوم ما اتولدت وانا كده.
الدكتور : أرجوك، ساعدني شوية، خليك دقيق في إجابتك بلاش الحاجات المطَّاطة دي، فيه إيه تاني تاعبك؟
م. الثالث : حاجات كتير تعباني.
الدكتور : زي إيه؟
م. الثالث : الشمس.
الدكتور : قصدك الحر يعني؟ فعلًا الأيام دي الحر فظيع.
م. الثالث : قصدي الشمس، الشمس نفسها.
الدكتور : والشمس نفسها تعباك في إيه؟
م. الثالث : عشان بتطلع كل يوم.
الدكتور : وده يضايقك في إيه؟
م. الثالث : دي مضَيْقاني قوي، دانا متغاظ لما حاطق، دي جننتني، دي هي السبب أكيد.
الدكتور : ليه؟
م. الثالث : علشان بتطلع كل يوم، كل يوم الصبح بالضبط تطلع، الدنيا تبقى ساكتة وجميلة وأقول يا رب بلاش النهارده، يا رب أجلها يوم، يا رب عشان خاطري، وأبص ألاقيها في الميعاد بالضبط راحت طالعة، وهي تطلع من هنا وخد عندك بقى، الناس تصحى والدوشة تبتدي، والخلافات والخناقات، والكذب يشتغل والسرقة والظلم والبوليس والنيابة والمحاكم. وتتفتح السجون، والشوارع تتملي، والجري، جري، كله يجري ورا بعض، يجري قدام بعض، يجروا واللي ما يطُلْشِي يشنكل، والجايزة إيه؟ لقمة، وعشانها يتخربش ويتجرح وهدومه تتقطع، ومن كتر الغيظ تحمر الدنيا، وفي أكتر حتة سال الدم فيها الشمس تغيب، وتاني يوم تطلع، ليه؟ ما تعرفش. النهارده بالذات تقدر تقول لي الشمس طلعت ليه؟ أرجوك أنا باتكلم جد، جاوبني، طلعت ليه النهارده؟
الدكتور (لمحمد الأول) : لاه؛ دا تعبان قوي (ثم لمحمد الثالث) هيه؟ يمكن طلعت عشان حضرتك تشرفنا، وإيه تاني يا سيدي اللي تاعبك؟
م. الثالث : النمل.
الدكتور : مضايقك؟
م. الثالث : ده مجنني، البتاع الأسود الصغير ده اللي دايمًا ماشي ماشي عمره ما يقف، عمرك شفت نملة واقفة أبدًا، حتى في المية بتمشي، وانت ماسكها بتمشي، بتنزل م البيضة ماشية وعمرها ما بتموت، أنا عمري ما شفت نملة ميتة موتة ربها أبدًا.
الدكتور : وإيه اللي مضايقك في كده؟
م. الثالث : بقول لك مجنني، باخاف منه؛ كل اما بشوف شوية نمل ماشيين كده أموت م الرعب.
الدكتور : أما مالكش حق، الواحد جايز يخاف من الكلب، م الأسد، م التعبان، إنما النمل اللي قد كده اللي الواحد برجله يموت ألف، حد يخاف منه؟
م. الثالث : أنا.
الدكتور : ليه؟ حيعضك؟
م. الثالث : لا.
الدكتور : أمال بتخاف منه ليه؟
م. الثالث : بخاف اتقلب نملة. كل أما أشوف نمل وابص له شوية ألاقي شعري وقف من الخوف، ويتهيأ لي إني لو بصيت له كمان شوية حاتقلب نملة، تصور بقى المصيبة لما الواحد مخه ده يطير، وإحساسه ينتهي، وعواطفه تنمحي، وما يبقاش فيه إلا إيدين ورجلين، ويبقى كل شغلته إنه يمشي ويفضل ماشي، طول الصيف يخزن أكل للشتا، وطول الشتا يفحر ويخزن أكل و يفحر، ويخزن ويفحر ويخزن ويفحر.
الدكتور (لمحمد الأول) : لاه؛ دانا كنت فاكرها سهلة (ثم لمحمد الثالث)، بس خوفك ده في غير محله، إنت عمرك سمعت عن حد اتقلب نملة؟ عمرها حصلت دي؟
م. الثالث : حصلت وحصلت وحصلت، أمال أنا مرعوب ليه؟ ما بتقراش جرايد سيادتك؟ دا كل يوم أخبار عن ناس اتقلبوا نمل، امبارح واحد صاحبي اتقلب نملة.
الدكتور : اتقلب نملة؟
م. الثالث : الحقيقة نملة كبيرة، حرامي نمل؛ أصله تخين شوية.
الدكتور : وإيه غير الشمس والنمل؟ مراتك مضايقاك؟
م. الثالث : لحسن الحظ أنا مش متجوز.
الدكتور : مش متجوز؟ أمال يا أستاذ بتقول إنه رفع السكينة على مراته ازاي، وحاول يقتلها؟
م. الأول : زي ما بقول لسيادتكم تمام (ثم لمحمد الثالث) هي حصلت إنك تنسى إنك متجوز يا محمد.
م. الثالث : متجوز؟ آه؛ لا مؤاخذة، معلش، بردون، أيوه صحيح أنا متجوز، أصلها حاجة يستحسن إن الواحد ينساها.
الدكتور (بشك خفيف) : هو متجوز والا مش متجوز؟
م. الأول : متجوز يا افندم، ورحمة أبويا متجوز، يا نهار أبيض!
الدكتور : إنت متجوز يا محمد؟
م. الثالث : متجوز متجوز، كل اللي بيقوله الأول مظبوط، هو ما يكدبش أبدًا.
الدكتور : أمال فين مراته؟ إزاي ما تجيش معاه وهو في حالة زي كده؟ تيجي إمتى امال؟
م. الأول : موجودة يا افندم، موجودة. يا نونو، دي كانت هنا دلوقت وراحت فين، يا نونو.
صوت (صاحبته مختفية بين الكورس) : أيوه يا أول، أنا اهه (تتحرك لتصبح بجوارهما) أنا أهو.
الدكتور : إنتي مراته؟
نونو : أيوه يا دكتور.
الدكتور : دي مراتك يا ثالث؟
م. الأول : أيوه يا افندم.
الدكتور : من فضلك ما دام بسأله هوه، يبقى هو اللي يجاوب، مراتك دي يا ثالث.
م. الثالث (وهو يعاينها) : مظبوط، هي تمام مظبوط.
الدكتور (لميم الثالث) : اسمها إيه؟
م. الثالث : زي ما قال، نونو.
الدكتور : نونو ده اسم الدلع. اسمها الحقيقي إيه؟
م. الثالث : برضه نونو.
الدكتور : اللي في شهادة الميلاد؟
م. الثالث : نونو.
الدكتور (لمحمد الأول) : صحيح؟
م. الأول : إي، أيوه، أيوه صحيح يا افندم.
الدكتور : تقرب لك إيه بقى؟ (لميم الثالث).
م. الثالث : هي الحقيقة ما تقربليش أنا، هي تقرب له هوه، (مشيرًا للأول).
نونو : أقرب له هو ازاي؟ أنا مش مراتك إنت يا حبيبي؟
م. الثالث : وفيها إيه؟ ما انتي مراتي وتقربيله.
الدكتور (لنونو) : إنتي مراته؟
نونو : مراته طبعًا يا دكتور، آدي اللي كان ناقص.
الدكتور : وانتي برضه رأيك إنه مجنون؟

(نونو تنخرط فجأة في البكاء.)

الدكتور : أرجوكي، جاوبيني الأول.
نونو : مش قادرة يا دكتور؛ دي مش عشرة يوم وللا اتنين، دانا باحبه.
الدكتور : برضه ما جاوبتيش، إنتي رأيك إنه مجنون؟
نونو : ورأيي قيمته إيه؟
الدكتور : رأيك أهم من تشخيصي.
نونو : أنا رأيي إنه اتغير خالص يا دكتور، مش هو ده اللي اتجوزته.
الدكتور : كان إيه وبقى إيه؟
نونو : كان ذوق وحنين، وبيحبني.
الدكتور : ودلوقتي؟
نونو : ما بيطقنيش.
الدكتور : بس كده؟
نونو : ودي شوية؟
الدكتور : شوية قوي، هو لو كل واحد ماطاقشي امرأته نوديه الخانكة كنا زمانا كلنا بقينا هناك. اتغير ازاي؟
نونو : بقى يضربني ويهينِّي، وكلمة والتانية ويعملها حريقة ويخش الحمام، ويقفل على روحه يقعد يكلم نفسه.
الدكتور (لمحمد الثالث) : بتكلم نفسك؟
م. الثالث : أعمل إيه؟ ما بلاقيش حد يفهمني اضطر اركب الصعب بقى، واكلم نفسي.
الدكتور (لنونو) : وكان صحيح عايز يدبحك؟

(نونو تنخرط باكية.)

الدكتور : حصل؟
نونو : حصل يا دكتور.
الدكتور : حصل يا تالت؟
م. الثالث : حصل.
الدكتور : وحد يدبح مراته يا تالت؟
م. الثالث : أعمل إيه؟ بيحرضوني.
الدكتور : الأصوات؟
م. الثالث : الأفلام يا دكتور، ماسمعتش على فيلم كيف تقتل زوجتك؟
الدكتور : لالالا، إنت راجل مثقف ومتعلم وذكي، فازاي ده يحصل؟
م. الثالث : عشان ذكي ومثقف ومتعلم.
الدكتور : عشان كده تدبحها؟
م. الثالث : لا، عشان كده أنا حساس وبالتالي معقد.
الدكتور : وإيه علاقة عُقدك بالدبح.
م. الثالث : مانا مصاب بعقدة الفرخة.
الدكتور : عقدة الفرخة؟
م. الثالث : أيوه؛ كنت وانا صغير أحب دايمًا أشوف ماما، وهي بتدبح الفرخة.
الدكتور : وده يعقدك في إيه؟
م. الثالث : كان بيبان عليها السعادة بشكل! يا سلام وهي مكتفة الفرخة الغلبانة، ومحمد الأول ده ماسك لها راسها وهي بتحز بالسكينة على رقبتها، والدم بيتفجر ويضرب في الحيطان ويحصل السقف ويغرق إيديها وهدومها، سعادة حقيقية لدرجة إنها كل امَّا كانت تتضايق — إنشا الله يكون في نص الليل — تقوم على السطح تجيب فرخة وتدبحها، وترجع المطبخ مبسوطة انبساط ولا اللي خدله اتنين وسكي.
الدكتور : بس دي مش فرخة، دي مراتك.
م. الثالث : سوء حظ بقى، الفراخ غالية دلوقتي وفيهم أزمة.
الدكتور : بتهزر يا أستاذ تالت؟ مش مكسوف من نفسك، واحد زيك عنده ماجستير.
م. الثالث : دكتوراه، وحياتك مع مرتبة الشرف الأولى.
الدكتور : يا دكتور محمد الثالث، إيه بقى هدفك من ادعاء الجنون ده؟ إنت متهم في حاجة وعايز تتنصل منها؟
م. الثالث : أنا ما بدعيش يا دكتور، أنا أفهم مرض أسافر به بره زي اللي بيسافروا، إنما حد يدعي مرض يوديه مستشفى أمراض عقلية في مصر هنا؟
الدكتور : ما هو دا اللي محيرني، نهايته، أهو هناك حيحطوك تحت الملاحظة، وخلال تلات تشهر أكيد كل شيء حيبان. سؤال أخير بقى، النهارده إيه يا دكتور محمد؟
م. الثالث : أهي دي اللي ما اعرفهاش، أنا عمري ما عرفت النهارده إيه إلا من النتيجة.
الدكتور : النهارده السبت.
صفر (منحنيًا على الدكتور هامسًا) : لا مؤاخذة يا سعادة البيه، السبت كان امبارح.
الدكتور : إنت مش شايف النتيجة يا صفر؟
صفر : دي ورقة امبارح يا سعادة البيه (يذهب إلى النتيجة المعلقة في الحائط، وينتزع الورقة ويكورها في يده).
الدكتور (بارتباك) : قصدي امبارح إذا كان امبارح السبت، يبقى النهارده إيه يا سيد ثالث؟
م. الثالث : مش للدرجة يا دكتور، أنا عيان صحيح، إنما مش قوي كده.
الدكتور : معلش دا روتين كده، قلنا إذا كان امبارح السبت يبقى النهارده إيه؟
م. الثالث : السبت.
الدكتور (بزفرة) : هيه، طب وبكرة؟
م. الثالث : السبت برضه.
الدكتور : أنا بسألك جد، امبارح كان السبت، النهارده يبقى إيه؟
م. الثالث : وانا بجاوبك جد يا دكتور، أنا رأيي كده، الرأي العلمي حتى، الأصل في الزمن مش إنه مقياس للتغير، البعد الرابع بتاع أنشتاين، طول ما مفيش تغير يبقى مفيش زمن، فتقدر تقوللي سيادتك إيه اللي اتغير في الدنيا من امبارح للنهارده؟
الدكتور : على الأقل إنت، امبارح كنت عاقل، النهارده محل شك.
م. الثالث : يبقى زمني أنا هو اللي اتغير، إنما زمن الواقع ماجرلوش حاجة، يبقى النهارده السبت برضه.
الدكتور : أمال الحد بيجي إمتى؟
م. الثالث : لما نحس بإن النهارده اختلف عن امبارح، لما نحس إن الحياة اتحركت بينا خطوة، لما نشوف إن ظلم النهارده أقل من ظلم امبارح، وعدالة النهارده أكتر من عدالة امبارح، لما نحس إننا طلعنا درجة أو عقلنا همسة أو اترقينا سَنتي، ييجي الحد.
الدكتور : لا برافو فلسفة مش بطالة، بس نفسي أعرف حكايتك إيه؟
م. الثالث : أنا مستني الحد، ياللا بينا يا أول يا أخويا.
الدكتور : استنى بس استنى، هي إيه؟ أنا اللي بقرر هنا.
م. الثالث : حاضر استنيت.
الدكتور (يحدجه مليًّا وطويلًا دون أن ينطق، فيبدأ محمد الثالث يضطرب ويأخذ اضطرابه شكل تحركات عصبية، وجذب لشعرات ذقنه، والدكتور يبدو كما لو أنه يتخذ القرار الفاصل) : على العموم (ثم وكأنه يؤكد لنفسِه مرة أخرى) الفرصة هناك أكثر. وده مش حكم بالإعدام. (فجأة نغمة موسيقية مرحة «تويست» ورقص وغناء أمريكي متشنج) فين العسكري؟
العسكري : أفندم.
الدكتور : خد الورق وعلى القسم.
م. الأول : ألف ألف شكر يا افندم، آسفين للإزعاج، ألف ألف شكر.
الدكتور : استنى من فضلك. خد دي معاك (مادًّا يده بالساعة).
م. الأول : يا افندم أنا قلت لسيادتك.
الدكتور : هي كلمة، خدها معاك يعني خدها معاك.
م. الأول : أمرك يا افندم، أمرك (يتناول الساعة ويمسكها، وباليد الأخرى يتأبط ذراع محمد الثالث) ياللا بينا (يبدأ الموكب يتجه إلى الباب).

(من الخارج يأتي صراخ رجل ذي صوت رفيع مرتعش.)

الصوت : استنى عندك يا محمد يا أول، أوعى تتحرك. (ارتباك عام، الدكتور يرفع وجهه متسائلًا، الجميع تنتابهم حركة تحفُّز ودهشة، يندفع إلى الداخل أو من بين الواقفين أفندي رغم شبابه وملامحه الحسنة إلا أنه مبهدل في لبسه العسكري المحمل بالكوردونات، ذقنه غير محلوقة، شعره ليس مسرحًا كما يجب.)
م. الثاني (بعد أن يكون قد أصبح داخل دائرة الاهتمام الكائنة أمام مكتب الدكتور) : استنى عندك إوعى تتحرك، ولا خطوة.
الدكتور : إيه ده؟ مالك يا أخينا؟ فيه إيه؟
م. الثاني : فيه جريمة يا دكتور. فيه جناية، الحمد لله ياما انت كريم يا رب على آخر لحظة ربنا باعتني عشان أوقفها، لو اتأخرت دقيقة كان زمان السهم نفد وكل شيء انتهى وراح، والترتيب اللي عمله المجرم ده (مشيرًا لميم الأول) نجح.
م. الأول : الله يسامحك، روح يا شيخ الله يسامحك، ياللا بينا (متأبطًا مرة أخرى ذراع م. ثالث ودافعًا العسكري ليمرق أمامه).
م. الثاني : يا دكتور أنا في عرضك وقفه، دي جناية كبيرة يا دكتور، أنا حاقول لسيادتك على كل حاجة دلوقتي، دي مؤامرة ما يدبرهاش إلا إبليس، أرجوك توقفه.

(م. الأول يتحرك غير ملقٍ بالًا، ومعه م. الثالث والعسكري.)

الدكتور (لميم الثاني) : سيبهم هما يروحوا يشوفوا شغلهم، وقول لي انت مؤامرة إيه؟
م. الثاني : يروحوا ازاي يا دكتور؟ اقف عندك يا محمد يا أول، وقفه يا دكتور، اقف يا محمد، إنتو حرين بقى (باضطراب شديد يمد يده المرتجفة داخل صدره ويخرج طبنجة ضخمة في حجمِ نصف البندقية من نوع قديمٍ بطل استعماله، ويصوبها ناحية م. الأول وهو يرتعش ارتعاشًا شديدًا والعرق الغزير يتصبَّبُ منه) والله والله لو اتحركت خطوة واحدة لمفرَّغ فيك الست طلقات وزي ما تيجي، وديني أقتلك وبدال ما اتحاسب على الواحد بتاع زمان حاتحاسب بالمرة على اتنين.

(لدى إخراجه الطبنجة تحدث حركة هرج ومرج هائلة في الحجرة، الكل يتسابق ليغادرها عن طريق الباب الأوسط فيشلون بعضهم بعضًا، نونو تصرخ وتختفي وسط الكورس. العسكري يلتصق بشدة في الحائط بحيث ينطبق على العسكري المرسوم في اللوحة تمام الانطباق وكأنما يُخفي وجوده، الدكتور يتخلى فجأة عن جلسة القاضي الوقورة وينزل أسفل المكتب، ووراءه يرقد صفر مخفيًا رأسه.)

م. الثاني (باضطراب وارتعاش) : مش عايز حد يتحرك حركة واحدة، حاضرب بالنار على طول اللي خايف على نفسه يقف ساكت.
الدكتور (من مخبئه) : يا أستاذ أرجوك؛ هدي نفسك، وانا حعمل لك كل حاجة، إنت عايز إيه؟ إذا ماعملتلكش ابقى اعمل زي ما انت عايز، إنما ده مكتب حكومة، وما يصحش تعمل فيه كده.
م. الثاني : مين اللي بيتكلم ده؟ وريني وشك ياللي بتتكلم، إنت مين؟
الدكتور : أرجوك هدي نفسك بس.
م. الثاني : إنت مين؟
الدكتور : أنا الدكتور (ثم في همس) ده خطر قوي الجدع ده، لازم حد يطلب لنا بوليس النجدة، يا صفر؛ إنت فين يا وله؟
صفر : أنا هنا ورا سعادتك على طول.
الدكتور : اطلب بوليس النجدة يا وله.
صفر : يا سعادة البيه مش شايف بيقول إيه؟ أنا صاحب كوم عيال إعمل معروف.
م. الثاني : أنا سامع كلام، فين الدكتور ده اللي بيتكلم؟ من فضلك وريني نفسك.
الدكتور : دخل المسدس في جيبك أولًا، إنت في حالة هياج وجايز تضغط ع الزناد من غير ما تحس، إنت جاي عايز تمنع جريمة وللا ترتكب جريمة؟ دخل مسدسك وانا أعمل لك كل اللي انت عايزه.
م. الأول : اختشي يا محمد يا تاني عيب، إنت اتجننت؟ إيه اللي بتعمله ده؟ إنت مش عارف إنك بتتهجم دلوقتي على موظف عام أثناء تأدية وظيفته؟ دا انت تروح في داهية بالشكل ده، ياللا بينا يا شاويش.
العسكري : اتفضل سيادتك روح انت، وانا خمسة ووراك على طول.
م. الثاني (لميم الأول) : لا والله عارف الأصول حضرتك، أمال لما إنت قانونجي بالشكل ده عامل العملة دي ليه يا مجرم يا سفاح، يا قليل الذمة والدين.
م. الأول : الله يسامحك، ياللا بينا يا محمد.

(م. الثالث يتردد برهه، ولكن م. الأول يجذبه ويتحركان.)

م. الثاني : والله العظيم حضْرب! (المسدس يرتجف بشدة في يده فيحاول أن يسندها باليد الأخرى فيرتعش جسده كله) أنا استغنيت عن عمري خلاص وكفاية إني أخلص العالم منه. ورحمة أبونا محمد الطيب في نومته ما تتحرك خطوة واحدة لمفرغه في قلبك.
الدكتور (لميم الأول) : اسمع يا أستاذ ده باين عليه بارانويد شيزوفرينيا مفيش كلام، اسمع كلامه وما تتحركش، ده عنده أتاك ودي أخطر حاجة؛ لأنه يقتل على طول وماعلهش عقاب كمان، اقف زي ما قال لك وما تتحركش.
م. الأول : الصنف دا أنا أعرفه كويس يا دكتور.
الدكتور : إنت تعرفه؟
م. الأول : ده أخونا الثاني يا دكتور.
الدكتور : يعني إنتو التلاتة أخوات؟
م. الأول : أيوه.
الدكتور : شُقَقا؟
م. الأول : أيوه يا دكتور.
الدكتور : ويعني مالقيتوش حتة تحلوا فيها مشاكلكوا العائلية إلا هنا؟
م. الأول : اطمن قوي يا دكتور، ما يغركشي إنه ماسك المسدس، ده بتاع ضرب نار ده؟ ده جبان، ده كان كونستابل يا دكتور، وبعدين جه يهوِّش واحد حرامي وضرب فيه فجت في المليان ومات، فحصل له انهيار عصبي من كُتر الرعب، وبقى له تلات سنين بيتعالج من الخضَّة.
م. التاني : كده؟ طيب إذا كنت شجاع وشارب من لبن أمك صحيح اجَّدعن كده، وخطي خطوة واحدة وشوف إيه اللي حيحصل لك؟
الدكتور : يا اخوانا ده مكتب صحة مش فيلم كاوبويز. يا أستاذ تاني عاجبك يعني المولد اللي إنت عامله ده؟ أنا بقول لك حأعمل لك اللي انت عايزه، إنت عايز إيه؟
م. الثاني : الجدع ده ضحك عليك يا دكتور وأخويا ده مش مجنون ولا حاجة، ده عايز يدخله المستشفى بالزور عشان يعمل وصي عليه ويأخذ أرضه.
الدكتور : والمطلوب إيه؟
م. الثاني : تسحب سيادتك الورق منه وتبلغ فيه البوليس وتمنعه إنه يخرج؛ لأنه لو خرج يبقى علينا العوض في محمد الثالث وأرضه.
الدكتور : حاضر؛ كل اللي انت عاوزه حيحصل (ثم يهمس لصفر) بص شوفه نزل المسدس كده يا صفر.
صفر : يا بيه أنا صاحب كوم.
الدكتور : داهية فيك وفي كومك، من صدق جبان، رجالة إيه دي مش فاهم؟ أشوف أنا.

(يرفع رأسه شيئًا فشيئًا، وما تكاد عيناه تصلان إلى حافة المكتب حتى يدوي طلق ناري، فينبطح الدكتور على الأرض ملتصقًا بها لا حراك به، وبجواره يتمدد التمورجي بينما العسكري اعتقد أنه هو الذي أُصيب فوضع يده على قلبه، وتهاوى على الأرض.)

م. الثاني : حركة واحدة والتانية في قلبك يا مجرم على طول.

(م. الأول يلتصق بالحائط معطيًا ظهره لميم الثاني، ورافعًا يديه في الهواء، عكسه تمامًا يقف م. الثالث ملصقًا ظهره بالحائط حائرًا ماذا يفعل بيديه.)

الدكتور : يا صفر! إنت يا صفر!
صفر : ما تعقل بقى يا سعادة البيه، وتبطل كلام.
الدكتور : إحنا ما مُتناش يا وله، أنا افتكرت الطلقة جت في على طول.
صفر : ما مُتناش أيوه، إنما بالطريقة دي حنموت، ما تقول يا صبح بقى أنا صاحب كوم.
م. الثاني : عرفت بقى الجبان مين يا محمد يا أول؟ عرفت مين فينا اللي ميِّت م الخوف على عمره؟ مين اللي مستعد يقول أنا مرة عشان ساعة زيادة يعيشها، وللا قرش زيادة يدخل جيبه؟
م. الثالث : برافو عليك! الحمد لله، العقدة انفكِّتْ، عملتها، برافو عليك!
م. الثاني (مكملًا كلامه) : اتفضل يا دكتور، خلاص اطلع ما تخافش؛ اطلع عشان تتفرج على البني آدم لما ينسعر زي الكلب يا دكتور.
الدكتور (وهو على نفس وضعه) : أيوه، يلزم خدمة؟
م. الثاني : اقعد بقى على مكتبك، خلاص.
الدكتور : وأضمن منين؟
م. الثاني : يوهوه! ما هو ما تجننوش الواحد أكتر ما هو مجنون (بلهجة فيها أمر) ما تُصْلُب حيلك بقى وتوريني وِشَّك.
الدكتور (معتدلًا في قفزة جالسًا القرفصاء) : كويس كده؟
م. الثاني : على مكتبك بقول لك.
الدكتور (في قفزة يكون قد جلس إلى كرسي المكتب) : تحت أمرك.
م. الثاني : إنت كتبت إن محمد التالت مجنون؟
الدكتور : أنا ما ليش دعوة، اسأل الناس الموجودة دي كلها، أخوك اللي مبلَّغ عنه وهو نفسه اللي عايز يخشِّ المستشفى، وانا يدوبك سجلت أقوالهم، أنا ماليش أي ذنب.
م. الثاني : وإنت رأيك برضه إنه مجنون؟
الدكتور : أبدًا أبدًا أبدًا؛ أنا حتى في الورق كاتب إنه يتحط تحت الملاحظة.
م. الثاني : ولو كان كل الكلام اللي قاله عنه محمد الأول ده كِدب وادعاء، يبقى الوضع إيه؟
الدكتور : يبقى لازم الورق ده يتقطع ويتكتب تقرير تاني إن قواه العقلية سليمة، ويتبلغ في أخوك ده للنيابة.
م. الأول : عشان (محمد الثاني يرمقه بحدة) عشان آخد.
م. الثاني : خلاص! ابتدي اعمل إجراءاتك.
الدكتور : بس يعني لا مؤاخذة.
م. الثاني : ولا يعني ولا مؤاخذة عايز دليل الإثبات، اتفضل! اللي مبلغ نفسه حيتولى تكذيب نفسه، قول له بقى يا أخ ازاي إن دي لعبة عاملها حضرتك عشان تاخد أرض أخوك.
م. الأول (ببراءة) : لعبة ليه يا محمد يا حبيبي؟
م. الثاني : اسمع، ملاوعة مش عايز (يضغط على زناد المسدس) حتقول ولا مش حتقول؟
م. الأول : بس ما تزعلش نفسك، حأقول، أيوه يا دكتور، كل اللي قلتهولك ما حصلش، كله كدب.
م. الثاني : محمد التالت مجنون؟
م. الأول : أبدًا، أبدًا مش مجنون ولا حاجة.
الدكتور : أمال عملت كده ليه؟
م. الأول : عشان تحقق معاه وينال جزاءه.
الدكتور : حتة الأرض بتاعته.
م. الثاني : بقى له سنتين يا دكتور قاعد يتحايل عليه يبيع له ميراثه من أبوه تلات فدادين وتلت، هم عشر فدادين كل واحد منا ناله تلاتة وتلت، ده بقى حلمه ونومه وصحيانه وأمله إيه يبقى صاحب العشر فدادين، أنا بيَّعْني نايبي وخده لما كنت عيان، الاسم بيع وشرا والحقيقة سرقة ونهب، بشلنات وحياتك وجنيهات ورباع جنيهات ويقيد، وانا تايه بتعالج بالكهربا مش عارف ولا داري، خفِّيت من هنا لقيتُه خد الأرض ومسجل وماليش عنده ولا مليم. أدور على محمد التالت، رفض يحايله، يرفض يهدده، يرفض بلغ عنه مرة إنه شيوعي وقبضوا عليه وقعد شهر وخرج، أجَّر عليه ناس في البلد يقتلوه، حط له مرة ديناميت في المعمل عشان ينسفه، وأخيرًا مالقاش فايدة غير إنه يدخله مستشفى الأمراض العقلية ويعمل وصي عليه ويِشفط منه الأرض، دا مجرم يا دكتور إجرام ما شفتلوش مثيل.
الدكتور : مظبوط الكلام ده يا أول؟
م. الأول : ما قلت لسيادتك كل اللي قلناه كدب.
الدكتور (لمحمد الثاني) : بس ده مرات محمد التالت موافقة رخرة، وشهدت إنه بتجيله نوبات، وإنه حاول مرة يدبحها.
م. الثاني : مراته مين؟
الدكتور : اسمها نونو دي.
م. الثاني : هي فين نونو دي؟
الدكتور : فين الست اللي كانت هنا؟
صفر : فين الست اللي كانت هنا؟ (ثم مكتشفًا وجودها أمامه مباشرة) أهي يا سعادة البيه.
م. الثاني : دي؟ دي مرات الأول. (يقهقه كالمجنون) دا الدنيا خربت، القيامة قامت خلاص، وديني وما أعبد لبكرة تقوم، تستنى إيه هي الدنيا حتخسر أكتر من كده؟ دا إحنا بقينا في غابة، في بلاد نمنم.
الدكتور : إيه بس فيه إيه؟
م. الثاني : دي مراته هو يا دكتور، أخويا التالت مش متجوز، يقوم الأول عيني عينك كده، وفي عز الضهر يدعي إن مراته مرات أخوه! العوض على الله! عليك العوض يا رب!
الدكتور (للسيدة) : إنتي مراته صحيح؟
نونو : أيوه يا بيه والله مراته.
الدكتور : مرات مين فيهم؟

(محمد الثاني يصوب المسدس بطريقة يائسة متهورة.)

م. الأول (مسارعًا) : مراتي يا بيه مراتي.
الدكتور : أنا بسألها هي؛ إنتي مرات مين؟
نونو : مراته يا بيه.
الدكتور : يعني كنتي بتكدبي.
نونو : أيوه، أيوه يا بيه؛ كنت بكدب.
الدكتور : ليه؟
نونو : أعمل إيه؟ قسمتي كده حظي كده (تنخرط في البكاء).
الدكتور : دي حكاية إيه الملخبطة دي؟
م. الثاني : يا كافر يا عديم الضمير يا متوحش، كل ده علشان تلات فدادين وتلت يحولوك غُول، أول ما ياكل ياكل إخواته؟ أعوذ بالله! أعوذ بالله!
الدكتور : أنا برضه مكنتش مطمن، قلبي كان حاسس إن فيه حاجة مش مظبوطة، بس اللي خدعني موقف التالت ده، طب ده عايز الأرض وعمل كده فهمناها، ودي مراته واتفق معاها إنها تمثل الدور برضه ممكن نفهمها، إنما ده محمد التالت ده ازاي يوافق؟ ومش يوافق وبس، ده كان متحمس لدخول المستشفى أكتر منهم.
م. الثاني : لازم ساقيينو حاجة وللا عاملين له عمل، ده حاكم مجرم قوي مستعد يعمل أي حاجة يحقق بيها غرضه.
الدكتور : عمل إيه بس مع راجل متعلم زي ده ومثقف ثقافة عالية، إزاي يا دكتور توافقهم على إنك مجنون؟
م. الثالث : وسيادتك بتلومني ليه إنت مش وافقتنا؟ أنا مثقف صحيح بس دي شغلتك، ومع كده وافقت.
الدكتور : أنا وافقت بناء على كلامك.
م. الثالث : دانت قبل كلامي كنت ماضي وخاتم، ولا زلت ماضي وخاتم.
الدكتور : أعمل إيه ما هو كلامك وآراءك ملخبطة وتلخبط، أنا نفسي لسه مِتْوَغْوش فيك.
م. الثالث : يبقى اعذرني بقى إني أتوغوش في نفسي.
م. الثاني : إنما بالنسبة له هوه ما فيش وغوشة، اللعبة بتاعته باينة زي الشمس.
الدكتور (وكأنما يتذكَّرُ شيئًا) : بس فيه حاجة ازاي حصلت، إنك توافق على إن مراته مراتك؟
م. الثالث : وما اوافقش ليه؟ هو جاي معايه خدمة، وقدم مراته، ما اوافقش ليه؟
الدكتور : إنما هي مراته صحيح مش مراتك؟
م. الثالث : أفتكر إنه قال كده قدامنا.
الدكتور : بس أنا عايز أعرف منك انت.
م. الثالث : ما أظن اتضح لك بقى إن كلامي مافيش منه فايدة لا بِيوَدِّي ولا بيجيب.
م. الثاني (ناظرًا إلى الجميع في حسرة، ثم مضيفًا في يأسٍ) : بيتهيألي ما عدشي له لزوم للمسدس، اتفضل أهه يا دكتور ده على فكرة مسدسه هوه، تبقى سيادتك بقى بعد ما تخلص تديهوله، وللا تسلمه للبوليس (م. الأول يمد يده محاولًا أخذ المسدس، الدكتور يسارع باختطافه ويضعه في صدره أولًا، وحين يضايقه يضعُه في درج المكتب).
الدكتور : ودلوقتي بقى فِزِّ قُوم يا صفر، نادي الباشكاتب خليه يعمل إشارة مستعجلة للقسم.
م. الأول : بالظبط كده يا دكتور، ده نشِّف دمنا الله ينشف دمه، ده سيادتك تعمل فيه بلاغ بتلات تهم؛ أولًا: التهجم على مكتب حكومي وإطلاق النار فيه، ثانيًا: الاعتداء على موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته، ثالثًا بقى: الشروع في قتلى مع سبق الإصرار والترصد.
صفر : وانا راخر بلاغ يا سعادة البيه، عايز بلاغ.
الدكتور : عشان إيه؟
صفر : بلاغ بقطع عرق الخلف يا بيه، دانا مايكفنيش ولا ميت ألف جنيه تعويض، والله بعد الخضة اللي اتخضيتها ما حأخلف أبدًا، وانا غلبان وصاحب كوم عيال.
الدكتور : بس أهم من البلاغات دي كلها إني أبلغ فيك إنت يا سيد مدير عام مساعد؛ لأن إنت السبب في ده كله، إزاي واحد باين عليه نضيف ومتربي، يغش ويدلس يدخل أخوه المستشفى وياخد أرضه؟
م. الأول : الله! جرى إيه يا دكتور، إنت سيادتك صدقتُه وللا إيه؟
الدكتور : إنت مش معترف قدامنا؟ ده كمان فيه جريمة رشوة يابو ساعة ماركة مينا مظبوتكس.
م. الأول : معترف! وده اسمه اعتراف ده يا دكتور؟ بقى واحد ضرب في نار وبيهدِّدني بالقتل، وانت نفسك قايل لي هَاوْدُه على كل حاجة، وبعدين دلوقتي جاي تحاسبني على اللي قلته ساعتها؟
الدكتور : أصل كان باين من غير تهديد ولا مسدس إن كلامه مظبوط، وإنك فعلًا عملت كده.
م. الأول : لا حول ولا قوة إلا بالله! بقى المجني عليه يصبح جاني؟ المضروب فيه نار يبقى كداب، والمجرم أبو مسدس يبقى الصادق؟ بقى واحد زي ده دخل سيادتك تحت المكتب وهان كرامتك تصدقه، وانا عشان ما بكلم سيادتك بالذوق وبالإنسانية أبقَى كداب؟
م. الثاني : اتسلبط يا خويا اتسلبط، ده زي التعابين الناعمة يا دكتور. أهو مجنِّنا بكده، إحنا يبقى معانا الحق، وهو بالكلام الناعم ده يطلعنا غلطانين ومحقوقين.
الدكتور : من فضلك، أرجوك، ما حدش يكلم هنا إلا بإذني، أنا اللي بكلم دلوقت (ثم لميم الأول) أفهم من كده إنك مُصر على كلامك الأول، على إن أخوك التالت ده مجنون؟
م. الأول : مُصر جدًّا.
الدكتور : وتثبت كلامك ده ازاي؟
م. الأول : بمحاضر البوليس، وكلامه هوه قدام سيادتك، ويعرض عليك وعلى أي قومسيون طبي.
الدكتور : يعني ما قلتش وكلام مراته، هي دلوقتي بقى لسه مراته وللا بقت مراتك؟
م. الأول : والله اللي تشوفه سيادتك.
الدكتور (لميم الثاني) : وانت بتقول إن أخوك الأول ده كداب، وإنه زور أدلة يثبت بها إن أخوك التالت ده مجنون عشان ياخد أرضه؟
م. الثاني : كده بالضبط.
الدكتور : تثبت كلامك ازاي؟
م. الثاني : كل كلمة قالها لسيادتك حاثبت إنها كدب، وحتى بلاش أتعبك معانا كفاية إني أثبت لك إن الست اللي بيقول عليها مرات التالت دي مراته هوه، لو ثبت كده مش تكفي دي عشان يبان إنه كداب وإن كل اللي بيقوله غلط؟
الدكتور (لميم الأول) : لو ثبت إنها مراتك يبقى كل كلامك كدب وتلفيق؟
م. الأول : إذا ثبت، الجدع يثبت.
الدكتور : تبقى المسألة أصبحت بسيطة جدًّا، اتفضلي يا ست نونو.
نونو : نعم؟
الدكتور : اتفضلي هنا، في النور هنا. (تتحرك حيث أشار الطبيب) خلاص ما علينا إلا إننا نشوف بقى إنتي مرات مين فيهم؟

(م. الثالث يقهقه بصوت مرتفع)

الدكتور (ينظر ناحيته مشمئزًا فتزداد قهقهاته) : بتضحك على إيه يا أستاذ يا دكتور؟
م. الثالث (يضحك) : دانا لازم أموت على نفسي م الضحك. (يقهقه) دا حاجة تفطس م الضحك.
الدكتور : هي إيه اللي تفطس من الضحك؟
م. الثالث : اللي انتو عاملينه ده، بقى إذا كانت مراتي يبقى مخي ده عاقل، وإذا كانت مراته يبقى مخي ده مجنون؟ مش حاجة تهلك من الضحك؟ ده زي ما أقول إذا كان العسكري ده أبوه عاش يبقى الدكتور ده بيفهم في الطب، وإذا كان ميت يبقى مش دكتور خالص، يبقى محامي مثلًا، مال مخي أنا ومالها؟ افرض واحد من الطرفين طلع أشطر م التاني، أتحمل أنا النتيجة ليه؟ افرض طلعت كدابة، افرض ما طلعتش متجوزانا خالص، افرض طلعت إنها متجوزانا إحنا الاتنين، ابقى أطلع عاقل ومجنون في وقت واحد؟
الدكتور : بقى يعني حضرتك لا منك ولا كفاية شرَّك، أسألك تلاوعني، أناقشك تقول لي فوازير وتكون النتيجة إني أستغنى عنك خالص وأحاول أعرف الحقيقة من غيرك، فتتريق ع الطريقة، في حين إنها الطريقة العلمية الوحيدة لمعرفة إذا كنت عاقل أو مجنون.
م. الثالث : إزاي بقى الطريقة العلمية؟ العلم برضه بيقول إذا كانت مجوزاني أبقى مجنون.
الدكتور : العلم بيقول إن الطبيب يعرف المجنون بمعلومات يا إما ياخدها من قرايبه والمحيطين، يا إما من المريض نفسه، فإذا كان المريض ملاوع زي حضرتك فنسأل قرايبه، وده اللي بعمله، فإذا اتضح إن قريبك بيزور في كلامه فيبقى المعلومات كدب، وبالتالي مفيش جنون ولا شذوذ، وإذا اتضح إنه صادق فيبقى فيه مبرر لِحَطَّك تحت الملاحظة، أظن واضح دلوقتي أهمية إننا نعرف نونو مرات مين، ثم بقى تسكت حضرتك خالص وتعتبر نفسك مش موجود.
م. الثالث : حاضر؛ دي أكبر خدمة تعملها لي حضرتك، بصراحة مش عايز أتحمل مسئولية أي نتيجة توصلوا لها. أنا تعبان مش قادر أتحمل مسئولية حتى إني موجود، مجرد موجود.
الدكتور : أيوه يا ست نونو؟ (ثم مراجعًا نفسه) بشرفي دي حاجة تلخبط، أنا خايف أنا نفسي اتلخبط، فعلًا، نبتدي زي ما بيقولوا في القانون بالدليل، وبعدين إذا ما نفعش نجيب القرينة (ناظرًا إلى ميم ٣، ميم ٢) إنتوا إيه بقى يا سيدي حكايتكوا؟
م. الأول : يا بيه دول أبوهم مات وانا في الحقوق، فسبتها واشتغلت عشان أعلمهم، حضرته اللي ضرب في نار ده صرفت عليه ست سنين، والتالت سبع سنين.
م. الثاني : ويعني انت كنت بتصرف علينا من جيبك؟ ما انت نهبت الفلوس اللي سابها أبونا، وكنت بتاخد إيراد الأرض.
م. الأول : الفلوس اللي سابها أبوكوا إنتوا عارفين كويس مين اللي نهبها؟ والأرض، أرض إيه وهباب إيه؟ دول عشر فدادين عمي إيرادهم الصافي ١٨٠ جنيه؛ يعني الواحد ما يحصلوش خمسة جنيه في الشهر، إنت كنت بتشرب سجاير بس بثلاثة جنيه، شوف بقى تلات سنين في توجيهي وتلاته في مدرسة البوليس يكلفوا كام؟ والتالت ده من ثقافة لغاية ماخد البكالوريوس، مين اللي كان حارق دم قلبه عليه؟ اسأله إن كنت أخرت لواحد فيهم طلب.
م. الثالث : الحقيقة عمرك ما أخرت لنا طلب، ولا التاني عمره عاز حاجة وما جبتلوش.
م. الأول : طيب؛ اللي يعمل كده يدني نفسه على أرض أخوه، ويزور زي ما بيقولوا عشان يدخله ويلهفها؟
الدكتور : أمال عايز تدخله ليه؟
م. الأول : عشان عيان يا بيه، عشان شايفه في النازل باستمرار قلت ألحقه قبل ما يضيع.
الدكتور : في النازل إزاي؟
م. الأول : ده كان كويس قوي طول عمره بيطلع الأول، وكنت مستعد أبيع هدومي وأعلمه أعلى تعليم، كنا بنسميه النابغة، ولما خد توجيهي مارضيش يخش الطب زي الناس ما بتعمل، قال أنا عايز أخش الزراعة لأنه طول عمره يحلم إنه اكتشف دوا يموت دودة القطن ويوفر على البلد ٧٠ مليون جنيه، دخل الزراعة وطلع الأول ع البكالوريوس والأول ع الدبلوم، وخد ماجستير ودكتوراه وخاص، جه يوم قعد يبوس فينا ويقول بعد شهر واحد حاعلن نجاح الطيبين، أصله كان مسميه على اسم المرحوم أبونا.
م. الثالث : قلت لك مليون مرة مفيش طيب باللاتيني، فيه تايب بس.
م. الأول (هازًّا رأسه) : ما تعرفش سيادتك حصل إيه؟ واحد متغاظ منه، مسألة حسد، غيرة، إيه الحكاية موش عارف، بصينا لقيناهم في يوم قابضين عليه بتهمة إنه شيوعي، والحكومة أيامها كانت بتمسك الشيوعيين، وعشان البلاغ كاذب يا دوبك قعد شهر وطلع، إنما طلع حاجة تانية خالص، ضحك بطل يضحك، نكت بطل ينكت، طول النهار قاعد يفكر ومع كده متلخبط مالوش حماس لأي حاجة، وابتدى يفكر في الكون قال، ويقول أهم من إننا نعيش إننا نعرف عايشين ليه؟ وأهم من إننا نقضي ع الدودة إننا نعرف حكمة وجود الدودة، باعتبارها الشر والقطن باعتباره الخير، ولو قضينا ع الشر وفضل الخير بس يمكن الإنسان يعرج.
صفر (مغمغمًا) : يعرج، طب ما هو بده وبده بيعرج برضه، ده بيعرج عشان هم اتنين بس، يمكن لو اتحط له رجل تالتة يبطل.
م. الثالث (متحمسًا) : برافو عليك وجدتها، وجدتها، دانت مش صفر، دانت مليون صفر، بالظبط كده، عارف الرجل التالتة تبقى إيه؟ الخير والشر والموت، وللا أقول لك؛ الخير والشر والمرأة.
صفر : وانا وانت.
الدكتور : بس؛ احنا فين؟ كمل يا أستاذ.
م. الثالث : ساب بقى العلوم وابتدى يقرأ فلسفة، حتى الكتب الصفرا اللي كانت عند عمي الكاتب قراها كتاب كتاب، ورغم الفلسفة دي ابتدى — اللي عمره ما شرب سيجارة — يشرب حشيش ومخدرات وحبوب م اللي بتسهر، ويروح كباريهات، ومرة عمل علاقة مع طالبة في الكلية من تلامذته، فالعميد لفت نظره قال له أنا حر، وراح معاند ومجوزها وخد لها شقة، ما فيش بعد شهر اكتشف إنها لسه على علاقة بواحد طالب زميلها فطلقها، ونزل من ساعتها يهوي بقى لغاية ما في يوم جه بنفسه، وقال لي أنا خلاص عايز أخش المصحَّة، قلت له ليه؟ قال لازم، قلت له ماهيتك ما تسمحش، قال أخش مستشفى الحكومة، حاولت أكسر مقاديفه ما أمكنيش لغاية ما اعمل إيه؟ جبته.
م. الثاني : بس تنكر إنك عرضت عليه يبيع لك أرضه؛ تنكر؟
م. الأول : وأنكر ليه، هو أنا كنت حانهبها؟ أنا كنت حاشتريها.
م. الثاني : زي ما اشتريت أرضي أظن.
م. الأول : آديك بنفسك بتقول إني اشتريتها شرا (ثم للدكتور) أنا عازره يا بيه، أصل عياه أثر عليه قوي، كنت الأول أزعل لما يتهمني وللا يشتمني، دلوقتي ما ازعلش.
الدكتور : وانت كنت عييت بإيه يا تاني امال؟!
م. الثاني : أبدًا؛ أنا لاعييت ولا حاجة. ما تصدقوش! أنا أعصابي بس تعبت شوية.
الدكتور : عشان ضربت الحرامي؟!
م. الثاني : مش بالضبط عشان كده يا دكتور، هي المفاجأة بس، أنا كان قصدي إني أهوشه وأضرب في رجليه، لما لقيته بيكسر في قفل الدكان، قلت استنى عليه لما يكسره عشان تبقى حالة تلبس، كسره رفعت عليه المسدس وقلت له أُقَف عندك، وما وقفش، وجري، قلت هوشه يا واد واضرب تحت رجليه، ما تعرفشي اكمني كنت بجري ضربت بصيت لقيته راح نازل ساكت، افتكرته بيهوشني راخر رحت لغاية عنده أقلب فيه لقيته ميِّت والرصاصة جاية في قلبه تمام، لو ظنِّيت لثانية إنها ممكن تصيبه يمكن ما كنتش اتفاجأت، إنما عمري ما تصورت إنها حتيجي فيه من أصله أقوم ألقاها في قلبه؟! حسيت إني قتلته قتل ودُخت وقعدت جنبه للصُّبح، ورحت سلمت نفسي في القسم وقلت أنا قتلته، قالوا لي دا يستاهل دا له ١٩ سابقة منها ٣ حوادث قتل ماسبتوش عليه، وادوني نيشان، إنما بعد كده ما كنتش أطيق أبص في حاجة اسمها بندقية أو مسدس، كنت أشوفها في إيد عسكري أو واحد زميلي فأدوخ. أشوف السلاحليك في القسم نفسي تغم علي. نقلوني م البوليس خالص ورحت حرس الوزارات وحولوني على قسم أمراض نفسية في الدمرداش، بقوا يعالجوني بالصدمات لغاية أما الحمد لله أحسن كتير دلوقت.
الدكتور : ده أحسن كتير خالص، واضح قوي إنك مش بس ماعنتش بتدوخ، دا انت بتضرب نار أهه بدِّوَّخْنا إحنا.
م. الثاني : غصب عني يا دكتور، أصلي متغاظ غيظة، أصلي مش قادر أتصور إن كل ده بيحصل م الأول، أخويا اللي حبيته وحبيناه الحب ده كله يعمل فينا كده؟ فينتهز فرصة مرضي وياكل أرضي، وبعدين منتهز فرصة إن أخوه تعبان يدور عليه يبلع أرضه، ويا ريتها الأرض بس يا دكتور دا بقى غول. إحنا أبونا مات وسابنا تلات أخوات مفيش أحسن من كده إخوات، صرف علينا صحيح ما أنكرشي، إنما هو خلِّفْ من هِنا وانسعر من هنا. إحنا عايشين في بيت أبونا ماسبناهوش كل واحد واخد أوضه، وهو عمل البدع عشان يخرجنا من البيت، واحنا كل ما نشوفه عايز يخرجنا، راسنا وألف سيف ما نخرجش، هو الكبير وبنحترمه وهو بيستغل احترامنا له أشنع استغلال، لدرجة وهو مدير عام مساعد أهه لما يحب يشرب شاي ما يهونشي عليه يشرب في أوضته ييجي للواحد فينا مهما كان مزعله أو شاتمه، ويقول: ما تعملولنا شاي.
صفر : أمال لو كان رئيس مجلس إدارة، كان عمل إيه؟
م. الثاني : الأكل؛ يمكن ما بيطبخش يوم ولا اتنين في الأسبوع، والباقي يا عند التالت يا عندي. ساعة الغدا بالظبط أبص الاقيه جاي وفاتح موضوع وييجي الأكل ياكل بعد شوية، تيجي مراته تسأل عليه يقعدها، شوية العيال يتسحبوا هم رخرين وييجوا، بالظبط اتحول تمام بقى زي عمه الطالب صورة طبق الأصل.
م. الأول : عيب يا تاني اللي بتقوله ده، انت زي القطط تاكل وتنكر. يا دكتور أظن وريتك ازاي ضيعت عليهم شبابي، إزاي ضيعت مستقبلي وسبت الجامعة واشتغلت كاتب في محل ساعاتي عشان أعلمهم، يعني فضلتهم على نفسي وكان أحب حاجة على قلبي إنهم يبقوا أحسن مني ألف مرة، اللي حصل إني بعد كده بصيت لقيتهم اتخرجوا ده بقى مدرس في الجامعة، وده في البوليس، وده بياخد ماهية الشيء الفلاني، وده الشيء الفلاني، وانا الوحيد اللي طلعت م المولد بلا حمص، كنا اشتغلنا في تصنيع الساعات هنا بعد الثورة بسنة وكانت ماهيتي يوميها وصلت بالعافية عشرين جنيه، ولقيتني مجوز ومخلف تلات ولاد وبنتين، ما يغركش يا دكتور حكاية مدير عام مساعد دي، ده المصنع كله فيه بالظبط سبع ساعاتية منهم واحد خرج، وابن الحج بيدير المحل، وانا بساعده. كنت منتظر إنهم زي ولاد الحلال كل واحد فيهم ييجي آخر كل شهر، ويقول لي يا محمد يا خويا خد الخمسة جنيه دي وللا العشرة جنيه، إنت صاحب عيال يرد بيها جزء من الدين، ولا حد فيهم سأل، كل واحد بقى يقول ياللا نفسي.
م. الثاني : بقى احنا اللي بنقول يالله نفسي يا أول؟ يا أخي إن ماكنتش مكسوف من الناس، انكسف من ربنا يا أخي.
م. الأول (مواصلًا كلامه وكأنه لم يسمع) : أنا مش نفسي بس، أنا خمس عيال في رقبتي وأمهم عايزين ياكلوا ويشربوا ويتعلموا وأضمن لهم مستقبلهم، الواحد منهم اتخرج وبياخد ماهية، وأكيد مش لازم له قرشين الأرض بتوعه إنما يلزموني أنا، يعينوني، يريحوا مخي ده اللي كان حَيْطق من كتر التفكير. غلط بقى إني اشتريت من التاني أرضه، اشتريتها مش شحتها ولا نهبتها؟ غلط أحاول أشتري أرض التالت وهو كيف كان حيبيعها؟ يعني كويس إنها كانت تطلع بره، كان دلوقتي حضرته بقى مستريح ومبسوط؟ أنا صرفت عليهم دم قلبي وطالع لي خمسة، أجيب منين شبابي ثاني عشان أصرف عليهم وأعلمهم، وانا عجزت واللي راح مني عمره ما حيرجع.
م. الثاني : الكلام حلو وجميل. حد يقدر يقول فيه حاجة؟ راجل بيدافع عن مصالح أولاده، ومعظم الناس في الدنيا يبقى لها دايمًا هدف نبيل قوي زي ده، ضمان مستقبل ولاده في الحالة دي لو طمعت الناس مش حتلومني، لو سرقت حتى ما حدش حيلومني، لو نصبت، لو زوَّرت لو جبت أخويا بالعافية عشان أدخله المستشفى، وآخد أرضه محدش يلومني، ده صحيح يا دكتور، هو عمه الطالب تمام، الجدود بتفضل مستخبية فينا لغاية غصب عنا ما تطلع، الشاب في مطلع شبابه يثور على بخل أبوه ويفضحه ويشنع عليه في كل حتة، وبعدين يكبر شوية يبتدي يقرب من سن أبوه تبص تلاقيه بخيل زيه بالظبط، ويمكن أبخل منه. العشر فدادين بتوعنا دول مش أصلهم عشرة، دول عزبة كبيرة بيقولوا إنها كانت تُلتُميت فدان سابهم جدنا الكبير قارون، ودبَّقْهم م المليم والصلدى … بيقولوا كان هدومه كلها جلابية واحدة يلبسها صيف وشتا، ومن غير ملابس تحتها خالص، وكان يربي الفراخ لغاية ما تكبر فما يهونشي عليه ويبيعها، وسبب موته إن جت كوليرا للفراخ فمات منها عشرة في يوم ماهانوش عليه، كلهم كلهم. وكان بيطلع الفلوس بالفايظ وعمره ما رحم حد.
م. الثالث : تسمح لي يا دكتور، أفتكر من حقي إني أسأل سيادتك؛ بصفة إن أنا الوحيد هنا اللي مصيره بيعتمد على قرارك. حضرتك بعدما عرفت وجهة النظر دي ووجهة النظر دي، وصلت بقى لأنهي قرار؟
الدكتور : قرار؟ وصلت لقرار؟ دانا من شوية كنت أقرب للحقيقة من دلوقتي، دا كل أما بيقولوا أكتر كل أما بتوه الحقيقة أكتر، ده كان يوم مهبب إيه ده اللي اتكتبتوا علي فيه؟ اسمعوا بقى؟ أنا مشاكلكم العائلية دي ماليش دعوة بيها، المسألة ببساطة إني عايز أعرف إذا كان الأول ده زوَّر ودلس عشان يضللني وللا لأ. دا كلامكم مش بيجبني لقدام ده بيرجعني لوَرا. أنا بصراحة مش قادر أعرف مين فيكو الغلطان. بيتهيألي إن كلامكم إنتوا الاتنين مظبوط لدرجة إني مش قادر أحدِّد الحقيقة فين. بصراحة إنتوا الاتنين زي أخوكو ما عنتوش تنفعوني إنتو رَخرين. أنا عايز دليل مادي، دليل ملموس ما يقبلش الشك. والحمد لله الدليل موجود؛ أنا قدامي نونو دي إذا ثبت إنها مرات الأول يبقى نتخذ ضده الإجراءات، وإذا ثبت إنها مرات التالت يبقى الإجراءات حتتاخذ ضدك إنت يا سي تاني وضد التالت كمان. هاتوا نونو.
صفر : هاتوا نونو.
الدكتور : هما مين اللي حيجيبوها يا صفر الأذى، إنت اللي تجيبها.
م. الثاني : يجيب مين يا دكتور؟
الدكتور : نونو وللا نوال وللا ما عرفش بتسموها إيه.
م. الأول : حيجيبها م البيت بقى وللا إيه؟
الدكتور : م البيت ليه؟ دي هنا، دي كانت قدامي دلوقتي، شوفها يا صفر ورا البرافان.
م. الثاني : بس أنا ما شفتهاش هنا.
الدكتور : ماشفتهاش؟ أمال الست اللي صرخت ساعة ما شفتها، وقلت دي مش مراتي دي مرات الأول كانت مين؟
م. الثاني : ست؟ أنا ما شفتش هنا ستات خالص.
الدكتور : هو الدور جاله وللا إيه؟ يحق لك ما انت لازم خايف لا تثبت إنك إنت الكداب.
م. الثاني : أنا ما بيجينيش أدوار يا دكتور، ما كانش فيه ستات هنا خالص، إنت شفت ستات هنا يا شاويش (للعسكري)؟
العسكري : من ساعة ما حطيت رجلي هنيه، ما شفتش حريم واصل.
الدكتور : ولا انت كنت معانا واصل، إنت من ساعتها وانت في الصورة، وللا العسكري اللي في الصورة حتى كان معانا أكتر منك. نونو كانت هيا وللا لأ يا محمد يا أول.
م. الأول : نونو؟ وإيه اللي يجيبها هنا يا دكتور؟
الدكتور : دانا الظاهر وقعت في عيلة كلها نصابين، روح شوفها انت يا صفر، جايز راحت التواليت وللا في الصالة.
صفر : أشوف مين يا سعادة البيه؟
الدكتور : الست اللي كانت هنا يا وله، اللي جاية مع الناس دول.
صفر : يا سعادة البيه ما كانش فيه هنا ستات.
الدكتور : يا بني يا حبيبي يا روحي مش كانت فيه هنا ست، قال عليها محمد الأول ده إنها مرات التالت وإنه كان من جنانه عايز يدبحها، وجت هي وقعدت تعيط وتقول أيوه حصل؟ وبعدين جه محمد التاني ولما شافها قعد يشتم في الأول، ويقول له يا نصاب يا كداب دي مراتك انت ازاي تقول إنها مرات أخويا التالت، حصل ده كله وللا ما حصلش؟
صفر : حصل.
الدكتور : الحمد لله؛ يبقى كان فيه هنا ست وللا لا.
صفر : أعدم حبابي عينيه ما شفت ستات في اللمة دي أبدًا؛ هم التلات رجاله دول والعسكري ده ما في غيرهم.
الدكتور : اللهم طولك يا روح، اللهم طولك يا روح. دول باينهم اجننوا كلهم. إنت يا دكتور محمد يا للي مفروض إنك المجنون فينا كلنا، تسمح تقول لهم.
م. الثالث : أقول لهم إيه؟
الدكتور : تقول لهم ع الست اللي قلت عليها مراتك، واللي كنت عايز تدبحها عشان مصاب بعقدة الفرخة.
م. الثالث : أيوه صحيح كنت عايز أدبحها.
الدكتور : كانت هنا وللا لأ؟
م. الثالث : لا ما كانِتْش هنا.
الدكتور : دي مش طريقة دي. إنتو بتتكلموا جد؟ واد يا صفر؛ إنت بتتكلم جد يا وله؟
صفر : إي والله يا سعادة البيه، إن شالله ما اوعى أروح لولادي ما كان فيه ستات، هم التلاتة دول ما فيش غيرهم والعسكري ده.
الدكتور : يا ناس يا هوه! أنا في عرض النبي، أبوس رجليكو ما تجننونيش، بقى الست تبقى قدامنا كلنا وأبقى مكلمها وانتو مكلمينها، وسامعها وانتو سامعينها، وشايفها وانتو شايفينها، وبعدين تنكروا إنها كانت هنا خالص؟ هدفكو إيه من كده؟ افرضوا انتو كل واحد خايف لا يطلع كداب، ومن مصلحته إنها ما تظهرش، إنما صفر اللي معايا أنا مش معاكو، والعسكري ده اللي ع الحياد، مصلحتهم إيه إنهم ينكروا؟ إنتو حد مسلطكم علي؟ أنا عملت فيكو حاجة؟ كان فيه ست هنا، مرات مين ما أعرفش، إنما المثل عندكو مش بيقول خدوا الحكمة من أفواه عيسى وموسى ومحمد؟ كان هنا ست، علي الطلاق بالتلاتة كان هنا ست، إنشا الله انشل وللا يجيني دبحة كان فيه هنا ست، ست ست نونو … نونو ست … ست نونو … ست نونو.
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤