مقدمة

عهد إليَّ معهد الدراسات العربية أن أُلْقِي بعض المحاضرات عن مراكز الثقافة العربية في الشرق الإسلامي الحديث في القرون الثلاثة؛ السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر.

وكل من اشتغل بتاريخ الشرق الإسلامي يعلم أن هذه القرون الثلاثة كانت قرونًا مظلمة، ويَحسُن إذا نحن قسَّمْنا تاريخ العالم الإسلامي تقسيمًا زمنيًّا خاصًّا به، بعيدًا عن التقسيم الزمني للتاريخ الأوروبي أن نسمِّيَ هذه الحقبة بالعصور الوسطى المظلمة؛ فإن ما سبَقها إلى القرن الخامس عشر كان عصر ازدهار، وما لحقها حتى اليوم عصر نهضة وإحياء.

وفي هذه القرون الوسطى انقطعت الصلة بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي، وكان الشرق الإسلامي يسير إلى وراء، في حين كان الغرب الأوروبي يقفز إلى أمام، ومع هذا لم تَخلُ بلدان الشرق الإسلامي من نشاط ثقافي وحركات إصلاحية هي في الواقع إرهاصات لحركة النهضة والإحياء التي عمت العالم الإسلامي كله في القرنين؛ التاسع عشر والعشرين.

ولم يكن العمل لإعداد هذه المحاضرات سهلًا؛ فإن أحدًا لم يُعْنَ بالتَّأْريخ لهذه الحركات، وما كُتِبَ عن رجالها قليل نادر متفرِّق، وقد قسَّمت الموضوع إلى أربعة مراكز؛ الهند، وبلاد العرب، ومصر والشام، وإيران.

وفي هذا الجزء تحدثتُ عن مركزين؛ المركز الأول الهند، والمركز الثاني بلاد العرب، وجعلت محور حديثي الشخصيات الإصلاحية أو الثقافية التي برزت في كل مركز في هذه الحقبة من الزمن.

والشرق الإسلامي الذي أقصده هنا يمتد من مصر إلى الهند، وقد قصدت أن يمتدَّ الموضوع إلى الهند الإسلامية؛ لأننا درَجْنا على أن نُعْنَى بالتأريخ لبلدان الشرق الأدنى الإسلامية، ودرَج شبابنا وطلابنا على العناية بهذا الجزء وحده من العالم الإسلامي، كأنه لا يوجد إلى الشرق من العراق بلادٌ أو شعوب إسلامية؛ ولهذا أحسب أن ما كتبته هنا عن أحمد سرهندي وشاه ولي الله دِهْلَوي هو أول أو أوفى ما كُتِبَ عنهما في اللغة العربية، ومع هذا فأنا لا أعتقد أنني وفيت الموضوع حقه، وما فعلت أكثر من أن مهَّدت الطريق ونبَّهت الأذهان، وأرجو أن أوفَّق أو يوفَّق غيري في المستقبل لإيفاء هذين المُصْلِحَين حقَّهما من البحث، والعناية بدراسة مؤلفاتهما وتحليلها وتعريف قراء العربية بها.

هذا، وقد ألحقتُ بهذه الفصول قوائمَ كاملة بمؤلفات كل شخصية من الشخصيات التي تحدثتُ عنها، وقوائم أخرى بالمراجع التي تُلْقِي ضوءًا على الشخصية أو العصر الذي عاشت فيه.

وإني لأرجو أخيرًا أن أوفَّق للحديث في جزء ثانٍ عن المركزين الأخيرين. والله ولي التوفيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤