الفصل الثاني عشر

الأفق الذي تضيئه فلسفة الدين

(١) الفلسفةُ والدِّينُ في الغرب الحديث

لم يغادر التفكيرُ الفلسفيُّ بحثَ وتحليلَ قضايا الدين والمقدَّس والإله منذ نشأة هذا التفكير حتى اليوم. ليس هناك فيلسوفٌ لم يتناول هذه القضايا ويعالجها؛ إثباتًا أو نفيًا. وفي وقت مبكِّر صنَّف الفلاسفةُ مباحثَهم في «الحكمة النظرية» إلى:١ الإلهيَّات، الرياضيَّات، الطبيعيَّات … فدرسوا في الإلهيَّات بالمعنى الأعمِّ الوجودَ المطلق، أي البحث عن أحوال الموجود من حيث هو موجود. فيما درسوا في الإلهيات بالمعنى الأخص: وجودَ الله، وتوحيدَه، وصفاتِه، وأفعالَه، وما يرتبط بذلك من مسائل.
كانت الإلهياتُ الطبيعيةُ تستخدم مناهجَ البحث العقلية في الدفاعِ عن الإلهيَّات بالمعنى الأخصِّ والبرهنةِ عليها. أما الفلاسفةُ الإسلاميون، من الكندي إلى صدر الدين الشيرازي، فقد استوعبت الإلهياتُ بالمعنى الأخص، وما يتَّصل بها من مباحث النبوات والوحي وغيرها، مساحةً واسعة من مؤلَّفاتهم.٢

اقترن اللاهوتُ الطبيعي باسم القديس توما الأكويني (١٢٢٤–١٢٧٤م)، الذي يؤكِّد إمكانيةَ الاستدلال العقلي على المعتقدات اللاهوتية كافة، من دون حاجة للاستعانة بالوحي. واللاهوتُ الطبيعي يقابل اللاهوتَ الوحياني؛ والوحياني هو اللاهوتُ النَّقلي الذي يتَّخذ من الوحي طريقًا للوصول إلى المعتقدات. غير أنَّ اعتماد العقل في إثبات المعتقدات يعود إلى ما هو أقدم من عصر توما الأكويني، فبعض الفلاسفة اليونان استخدموا الأدلَّةَ العقليَّة في البرهنة على وجودِ إلهٍ.

إنَّ قضايا الإله والدين والمقدَّس ما زالت حاضرةً بكثافة في آثار الفلاسفة الغربيين، منذ العصر اليونانيِّ حتى اليوم. ولا تتطابقُ رؤيتُهم دائمًا لهذه القضايا مع آراءِ مفكِّري الكنيسة ولاهوتييها؛ ذلك أنَّ الفلاسفةَ يفكِّرونَ فيها ويتأملونها في سياق مفاهيمِهم للوجودِ والمعرفة والقيم. مثلًا، يعترف بنيدكت إسبينوزا (١٦٣٢–١٦٧٧م)، لصديقه هنري أولدنبرغ السكرتير الأول للجمعية الملكية في لندن بقوله: «إنني أعتنق رأيًا عن الإله والطبيعة، يختلف كل الاختلاف عن الرأي الذي يدافع عنه المسيحيُّون المحدثون؛ فأنا أعتقد بأن الإلهَ هو — كما يقولون — العلةُ الباطنة للأشياء جميعًا، ولكني لا أعتقد بأنه العلَّة المتعدِّية … وأنا أقول: إنَّ كثيرًا من الصِّفات التي يرون، ويرى جميعُ الآخرين، الذين أعرفهم على الأقل، أنها من صفات الإله، أرى أنها أشياء مخلوقة. ومن ناحية أخرى، فإن الأشياء التي يرون أنَّها مخلوقة — بسبب تحيزاتهم — أرى أنَّها صفاتٌ للإله، ولكنهم يسيئون فهمَها، وكذلك لا أستطيع أن أفصلَ الإله عن الطبيعة على الإطلاق. وهذا ما فعله كلُّ مَن أعرفهم.»٣
ورغم أنَّ حضورَ ما يتَّصل بالله والدين كان لافتًا في الفلسفة الحديثة، لكن الفيلسوفَ إيمانويل كانط (١٧٢٤–١٨٠٤م) كان أوَّلَ من قدَّم صيغةً فلسفيةً معمَّقةً متفرِّدةً للدين؛ إذ «كان يشعر بأن الثَّقافة الغربيَّة تُعاني من آلامِ محنة، تتَّصل باعتقادها التقليدي في الله، وأنَّ حلًّا فلسفيًّا وسيطًا صادقًا قد أصبح ضرورةً مُلِحَّةً.»٤ في كتابه «نقد العقل المحض» قدَّم نظريةً في المعرفة، لا تقوم على أساسٍ ميتافيزيقيٍّ، وناقش البراهينَ الميتافيزيقية كلَّها على وجود الله، وفنَّد اللاهوتَ الطبيعيَّ الذي كان سائدًا في عصره، وشدَّد على عدم إمكان معرفةِ الله نظريًّا، لكنَّه دافعَ عن الأساسِ الأخلاقيِّ للدِّين والاعتقادِ بالله في كتابَيْهِ: «نقد العقل العملي»، و«الدين في حدود مجرَّد العقل». وحين نفى كانط الاعتقادَ النظريَّ بالله، رأى الاعتقادَ الأخلاقي راسخًا لا يتزعزع. فإن: «مفهوم الله لا ينتمي أصلًا إلى الفيزياء، أو إلى العقل النظري، بل إلى الأخلاق.»٥ الإيمانُ عند كانط يتأسَّسُ على الأخلاقِ التي يحكم بها العقلُ العمليُّ، أي إنَّ «الأخلاق إنما تقود — على نحو لا بد منه — إلى الدين … الأخلاق مؤسَّسة على مفهوم الإنسان، الأخلاق لا تحتاج أبدًا في ما يتعلق بذاتها إلى الدِّين … بل، بفضل العقلِ المحض العملي، هي مكتفية بذاتها.»٦ الإنسان لا يتحلَّى بالأخلاق لأنه متديِّن، وإنما يتديَّن لأنه أخلاقي.
ليس من الخطأ توصيفُ فلسفة كانط بمجموعها بأنها «فلسفة دين»؛ لا لأن بعضَ مؤلفاته تناولتْ وجودَ الله والدين، مثل: «بحث في وضوح مبادئ اللاهوت الطبيعي والأخلاق» (١٧٦٢م)، و«البرهان الممكن الوحيد لإثبات وجود الله» (١٧٦٣م)، و«الدين في حدود مجرد العقل» (١٧٩٢م)، بل حتى ما لم يكن كذلك من مؤلَّفاته تضمَّن فلسفةً للدين، فثلاثيتُه النقدية؛ «نقد العقل النظري» (١٧٨١م)، «نقد العقل العملي» (١٧٨٨م)، «نقد ملكة الحكم» (١٧٩٠م)، يشتمل النقدُ الأول منها على بيان «إخفاق المحاولات النظرية للبرهان على المسائل الميتافيزيقية، والثاني يطرح المناقشةَ الخلقيَّةَ، بديلًا لتلك المناقشات، والثالث يركِّز على النِّظام والجمالِ والغائيَّة في الكون.»٧ ينتهي النقدُ الكانطي إلى تفنيدِ حُجج الرافضين لوجود الله، وأيضًا تفنيدِ حجج المثبتين لوجود الله، من خلال العقل النظري، لكنَّ النتيجةَ التي يخلص إليها في «نقد العقل العملي»، هي التسليمُ بوجود الله؛ ذلك أنَّ «قانون الواجب؛ وهو ضروري مطلقًا في ميدان العمل، يقتضي بالضرورة القول بهذا الفرض المؤكد لموجود أعلى. وأمام ما يقتضيه العقل العملي يجب على العقل النظري أنْ يمتثل ويخضع.»٨
أما جورج ويلهم فردريك هيغل (١٧٧٠–١٨٣١م) فقدَّم تفسيرًا آخر، ترتكز فلسفتُه للدين فيه على أنَّ «أساس الأشياء هو الحياة، أما الدين فهو رفع الحياة النهائية إلى مستوى الحياةِ اللانهائيَّة.»٩ ويقوم هذا التفسيرُ على أساس فلسفة الروح لديه، فهو يرى أن «الفكرة تبلغ أوج نموِّها في الروح، وفي الروح تتعيَّن الفكرةُ إلى أقصى درجة، وتصل حقًّا إلى واقعها وواقعيتها العقليَّة؛ فالفكرة المنطقيَّة والطبيعية هما شرطان لتحقُّق الرُّوح. وقد أخذ هيغل في استخلاص المعنى الأعمق والدلالة الأعم لكلِّ مظاهرِ الفكر، فأنشأ لذلك فلسفةَ الحضارة الإنسانية. ووضع الأُسُسَ الفلسفيَّة للعلومِ الإنسانية، ولم يقتصر على دراسة تفسير الحياةِ الباطنة، أي الروح الذاتية، بل سعى إلى دراسة الروح في ضروب نتاجها الخارجي، أي في أعمال الجماعاتِ الإنسانية؛ من تاريخ وقانون وأخلاق معتادة، وهو ما يكون الروح الموضوعيَّة، ثم في ألوان تحقُّقِها العليا، التي تَشْعُرُ الرُّوحُ فيها بأنها في مكانِها الطبيعي، مثل: الفن والدين والفلسفة، وهو ما يدخل في نطاق الروح المطلقة.»١٠
في ضوء مفهومه للروح المطلقة، رأى المطلقَ بوصفه روحًا. وكونُ «المطلق هو الروح، تلك هي الغاية التي يهدف إليها العلمُ كلُّه، بل وكلُّ التاريخ … من هنا يقول هيغل: إن المتناهيَ ليس شيئًا، إنه ليس الحق، بل مجرد عبور وتجاوز لذاته، والروح إبطال للمتناهي، والمتناهي مجرَّد رؤية ناقصة للامتناهي … الروح — كما يقول هيغل — تتحرَّر تحرُّرًا مطلقًا من الحد، ومن الغير؛ في نهاية الأمر، كيما تصل إلى الوجود المطلق بذاته، وتصبح بهذا لا متناهيةً حقًّا.»١١

يتجلَّى الروحُ المطلق في ثلاثة أنماط متنوعة هي: الفن والدين والفلسفة. هو يتجلَّى حسِّيًّا في الفن، ورمزيًّا ومجازيًّا في الدين، وفكريًّا مُجردًا في الفلسفة. ويميِّز هيغل بين الرُّوحِ المُطلق بوصفِها كُلًّا، باطنةً ومتطورةً في وعي الإنسانية، وبين إله الألوهية الديني، لكن عدمَ تنبُّه بعضِ الباحثين للفرق بين الله والمطلق الهيغلي، أفضى إلى كثيرٍ من الالتباس وسوء الفهم.

تنوَّعت الآراءُ حيال فلسفةِ هيغل الدينية، فوصفها بعضٌ بأنها «لاهوت مقنَّع»، أو «صورة مقنَّعة من صور الفلسفة المسيحية». لعل تفسيرَه للروح المطلقة في فلسفتِه قاد البعضَ للظنِّ بتطابقها مع وَحْدَةِ الوجود الصوفية. وكان هيغل أولَ من اتخذ «فلسفة الدين» عنوانًا لسلسلة محاضرات على تلامذته، في السنوات ١٨٢١م، ١٨٢٤م، ١٨٢٧م، ١٨٣١م. وصدرت سنة ١٨٣٢م؛ بعنوان: «محاضرات في فلسفة الدين».١٢
وترسَّم لودفيغ فويرباخ (١٨٠٤–١٨٧٢م)، خُطا أستاذه هيغل في تكريس فلسفتِه لدراسة الدِّين واللاهوت، كما أكَّد هو ذلك. وهو ما تشير إليه عنواناتُ مؤلفاته؛ «حول الفلسفة والمسيحية» (١٨٣٩م)، «جوهر المسيحية» (١٨٤١م)، «جوهر الإيمان حسب لوثر» (١٨٤٤م)، «جوهر الدين» (١٨٤٥م)، «محاضرات في جوهر الدين» (١٨٥١م)، لكنَّ موقفَ التلميذ ابتعد عن أستاذه، حين أرجع اللاهوتَ إلى الإنسان؛ إذ شدَّد على أنَّ «سرَّ اللاهوت هو علم الإنسان (الأنثروبولوجيا).»١٣ بمعنى أنَّ فويرباخ يعزو ما يتصف به اللهُ من كمالٍ إلى الإنسان؛ «فالإنسان هو لنفسه الإله الحقيقي الوحيد … وأن التفكير النظري في الله، لا يتَّفق فحسب مع رغباتِنا الذاتية، بل إن هذا التفكير لا يزيد على كونه أقنعةً لتلك الرغبات.»١٤ ويشير فويرباخ إلى أن أستاذَه هيغل أوَّلُ من أضاء له الطريقَ بوهج ساطع، «وكانت بذرة النزعة الإنسانية الملحدة كامنة في الفلسفة الهيغلية.»١٥
استعار كارل ماركس (١٨١٨–١٨٨٣م) من فويرباخ مفهومَه عن الاغتراب الديني، إلَّا أنَّ ماركس وجَّه نقدًا قاسيًا له في كتابه «أقوال تتعلَّق بفويرباخ» (١٨٤٥م). فرفض أوَّلًا ديالكتيكَهُ الذي وصفه بأنه «إستاتيكي وليس ديناميكيًّا؛ لأنه يَفْصِلُ الفكرَ عن الوجود»، مضافًا إلى رفضه ثانيًا رؤيتَه للإنسان؛ ذلك «أنه ينظر إلى الإنسان من ناحية النوع الطبيعي، فاصلًا إياه عن المحيط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فإنسانُ فويرباخ هو تجريدٌ محضٌ؛ لأنَّه مفصول عن تاريخه، وعن مجرى الحوادث السياسية والاقتصادية.»١٦ كذلك دان ماركس الروحَ المطلقَ الهيغليَّ. وربطَ الدينَ ميكانيكيًّا بالاقتصادِ، ونمطِ تطور وسائل الإنتاج وطبيعةِ الملكية والعملِ والصِّراعِ الطبقي. ورسمَ موازنةً «بين الدين والملكيَّة الخاصة؛ الأول يؤلف الاغترابَ النظري للإنسان، والثاني يكوِّن اغترابَه العملي، أو انشقاقَه مع واقعه الخاصِّ.»١٧
لم يتحقَّق حلمُ ماركس باختفاء الدين، مع تطوُّرِ وسائل الإنتاج، والتحولاتِ في شكلِ الملكيَّة، ونمطِ الإنتاج. ولم تنجز وعودُه للبشريَّة السعادةَ المنشودةَ، عندما كان يشدِّدُ بأنَّ «إلغاءَ الدين — بوصفه سعادة الناس الوهمية — شرطٌ من شروطِ سعادتهم الحقيقيَّة»؛١٨ ذلك أنَّ الحياةَ المعاصِرة يسودُها نضوبُ المَعنى، وتفشِّي العدمية، وشيوعُ التشاؤم، وانطفاءُ التفاؤل والأمل، وذبولُ جذوةِ الحياة، وفشلُ المُتَعِ الحسِّيَّة في إرواءِ الظَّمَأ الأنطولوجي العميق للرُّوح. وهي بمجموعها تحيل إلى المتطلَّباتِ العميقة للروحِ البشريَّة، وحاجاتِها الأبديَّة للوصال مع الوجود المطلق. لعل ذلك هو السببُ الرئيس لانبعاث الدين في المجتمعات المعاصرة، بعد أكثر من قرن من وفاة ماركس، «ففي استطلاع للرأي أُجري سنة ٢٠٠٨م قال ٩٢٪ من الأمريكيين إنهم يعتقدون بوجود الله.»١٩

إن فهمَ ماركس وتفسيرَه للدين يختزل الإنسانَ في احتياجاته الماديَّة، من دون أن يستطيع استبطانَ أعماقِ النَّفس البشرية، ومتطلباتِ الروح المزمنة. وهو ما وعاه وعالجه معظمُ الفلاسفة واللاهوتيين ممن سبقوا ماركس أو جاءوا بعده.

كذلك اختفت الذاتُ الفردية في الماركسية، وكأنَّه ليس هناك سوى المجتمع، من دون أن تتنبَّه الماركسيةُ إلى أنَّ «الذات البشرية بطبيعتها؛ باطنية، داخلية، عميقة، تنطوي على أسرارها، وتتخصب وتغتني بمنابع إلهامها، وديناميكيتها الجوانية، وتتحقق على الدوام حين تشرع بوجودها وتجاربها الخاصة. ولا يمكن لنا اختراق هذه الحياة واكتشاف مدياتها، إلَّا بحدود ما تبوح به هي. يولد الإنسان بمفرده، ويحيا بمفرده، ويموت بمفرده، ويتألَّم بمفرده، ويشعر بالخطيئة بمفرده، ويؤمن بمفرده، ويستفيق ضميرُه بمفرده، ويجتاحه بمفرده أيضًا؛ القلقُ، واليأسُ، والاغترابُ، والضجرُ، والسَّأمُ، والألمُ، والحزنُ، والغثيانُ، وفقدانُ المعنى، وذبولُ الروح، وانطفاءُ القلب، والجنونُ … إلخ. لا تبدأ الحياةُ الإنسانيَّةُ الحقيقيةُ إلَّا عندما تتحقَّق وتوجد الذاتُ الشخصيَّةُ، وهذه الذات لا تتحقَّقُ من دون الفعل؛ فالوجود الإنساني لا يصل إلى الامتلاء إلَّا بالفعل وحده. الذاتُ البشريَّةُ وجودُها وصيرورتُها الحرية، حيث لا حرية تنطفئ الذات. والحريَّة ليست أمرًا ناجزًا، قبل أن نشرع باستعمالها، وجودُ الحرية يعني ممارستَها. والحرية لا تتحقَّق بعيدًا عن مسئولية الفرد تجاه ذاته. لحظة تنتفي الحريةُ تنتفي الذاتُ، ولا تغتني الذاتُ وتتَّسعُ وتتكامَل إلَّا بالحرِّية.»٢٠

كانت مواقفُ فردريك نيتشه (١٨٤٤–١٩٠٠م) من الدين واللاهوت والقيم جذريَّة، وقد تركَت مطالعتُه لمؤلفاتِ آرثر شوبنهور (١٧٨٨–١٨٦٠م) أثرًا واضحًا في مواقفه من الدين واللاهوت والقيم. أَعْلَنَ نيتشه عن «موت الله»، وشنَّ حربًا شرسةً على المسيحية؛ متَّهِمًا إياها بمعاداة الحياة. كذلك رفضَ القيمَ والأخلاق التي تدعو لها، ووسمها بأنها أخلاقٌ للعبيد.

ولم تغادر الفلسفةُ الغربيةُ قضايا الدين واللاهوت والقيم حتى الآن، فمع فلاسفةِ القرن العشرين، والتياراتِ الفلسفيَّة المختلفة التي سادَت في هذا القرن، كالوجودية والوضعيَّة المنطقيَّة والفلسفة التحليليَّة والبنيويَّة والتفكيكيَّة، نعثر على تأويلاتٍ ومواقفَ متنوِّعة لما يتصل بالميتافيزيقا والظواهر الدينية. مضافًا إلى انفتاح العلوم الإنسانيَّة على دراسة الظواهر الدينية، وتحليلها لغويًّا، ونفسيًّا، وأنثروبولوجيًّا، واجتماعيًّا، والكشف عن: منابعها، وتمثُّلاتها، وتعبيراتها المتنوِّعة في الحياة البشرية، والتوسُّع في دراسات مقارنة الأديان، والتعرُّف على: منابعها المشتركة، وجوهرها الواحد، وما تنشده من غايات، ببناء كون قدسي؛ يمثل مأوًى للإنسان، والكشف عن الوشائج العضوية بين المقدَّس والميثيولوجيا في حياة المجتمعات البشرية.

(٢) فلسفةُ الدِّين

في نهاية القرنِ الثامن عشر ظهر مصطلحُ فلسفة الدين، وهو نوعٌ من الفلسفة يعتمد العقلَ في بحثِ وتحليلِ المقدَّسات والمعتقدات والظواهر الدينية وتفسيرها. ولا تتوخَّى الدفاعَ عن هذه المعتقدات وتسويغَها، مثلما يفعل اللاهوتيُّون والمتكلِّمُون، إنما تهتم بشرحِ وبيانِ بواعثِ الدِّين ومنابعه في الروح والنفس والعقل، ونشأةِ المقدَّس وتجلياتِه في حياة الإنسان، وصيرورته وتحوُّلاته في المجتمعات البشرية. بكلمة موجزة؛ فلسفةُ الدين هي التفكيرُ الفلسفي في كل ما يتَّصل بالدِّين، شرحًا وتفسيرًا وبيانًا وتحليلًا، من دون أن تتكفَّل التسويغَ أو التبريرَ أو الدفاعَ أو التبشير. و«تتناولُ فلسفةُ الدينِ أسئلةً تتعلَّق بإمكانِ معرفة وجود الله، ومعرفةِ صفاته، وكيفيةِ تحديدِ العلاقة بين الله والعالَم، وكيفية فهم طبيعة الله (ماهيته)، والعلاقة بين وجودِه وماهيَّته. كذلك تتناول فلسفةُ الدين أسئلةً تتعلَّق بطبيعة الدين نفسه، وطبيعة اللغة الدينيَّة. بالإضافة إلى أسئلةٍ تتعلَّق بمعنى العبادةِ الدينيَّة، ودور الإيمان فيها، وعلاقة الأخير بالعقل.»٢١

السؤالُ الأساسيُّ لفلسفةِ الدِّين سؤالٌ فلسفي، ولا علاقةَ لفلسفة الدين بإيمانِ فيلسوفِ الدين والباحثِ والدارسِ في هذا الحقل أو عدمِ إيمانه، كما هو حال المتكلِّم واللاهوتي في اللاهوت وعلم الكلام. ذلك أنَّ الباحثَ في فلسفة الدين يفترض أن يكون محايدًا؛ يتحرَّى الموضوعية، وما يقود إليه العقلُ والأدلةُ في بحثه؛ فهو لا يعنيه إثبات المعتقداتِ الدينية، مثلما لا يعنيه نفيُها. لا يتوقَّف تفكيرُه عند حدودٍ أو سقف معيَّن لا يتخطَّاه في بحثه، كما يفعل اللاهوتيُّ والمتكلِّم الذي ينطلقُ من مسلَّمات اعتقاديَّة، ولا يكف عن التدليل عليها، من خلال الأدلَّة النقليَّة والعقليَّة.

فيلسوفُ الدين باحثٌ يتحرَّى الحقيقةَ، كما هو الباحث في الفلسفة. ربما يكون فيلسوفُ الدينِ مؤمنًا، مثل: إيمانويل كانط، كيركغورد، بلانتنغا. وربما يكون ملحدًا، أو لا أدريًّا، يقول جون هيك: «فلسفةُ الدِّين ليسَت وسيلةً لتعليم الدين، وفي الحقيقة لا ضرورةَ لتناولها من منطلقٍ دينيٍّ. مَنْ لا يؤمن بوجود الله، ومَنْ لا يملك أيَّ رأي حول وجوده من عدمه، ومَنْ يؤمن بوجوده، جميعهم يستطيعون أنْ يتفلسفوا في الدين. وهو ما يحدث الآن بالفعل. إذن؛ فلسفة الدين ليسَتْ من فروعِ الإلهيَّات، أي التدوين المُمَنْهَج للعقائد الدينية، بل هي من فروع الفلسفة. تتكفَّل فلسفةُ الدين بدراسة المصطلحات والأنظمة العقائدية، وممارسات من قبيل: العبادة، والتأمُّل، والمراقبة، التي تُبتنى هذه الأنظمة العقائدية عليها، ومنبثقة منها».٢٢

فلسفةُ الدين واحدةٌ من الفلسفات المضافة، مثل: فلسفة العلم، فلسفة القانون، فلسفة التربية، فلسفة الجمال … وغيرها. فهي لا تختص بدين معيَّن، أو أديان خاصَّة، إنما هي بمثابة فلسفة العلم التي لا تختص بعلم معيَّن، لكن نشأةَ فلسفة الدين في الغرب كانت سببًا لأن تُتداوَل العقائدُ والمقدَّسُ والظواهرُ الدينية في المسيحية واليهودية؛ لذلك اهتمَّت بدراسة مفاهيم: الخلاص، التضحية والقربان، التعميد، التجسيد، التثليث، بموازاة دراسة الظواهر والمعتقدات الدينية المشتركة في غيرهما.

على الرغم من موضوعيَّة فيلسوف الدين، وحرصه على اعتماد العقل مرجعية، وحذره من الخروج عليه؛ فإن بصمةَ الفضاء الديني الذي يتحدَّث فيه فيلسوفُ الدين لا تمكِّنه من التحرُّر التام من أثر ذلك الدين في البنيةِ اللاشعوريَّة لتفكيرِه. ومهما قيل عن حيادِ فيلسوف الدين فإنَّ الأنساقَ المضمرةَ والتحيُّزاتِ اللاواعيةَ تفرض عليه شيئًا من آثارِ وملامحِ بيئته وفضائِها الميتافيزيقي. كما لا يمكن افتراضُ خلاص فيلسوف الدين تمامًا من آثار بصمة الدين في موطنه؛ إذ «يجب الاعتراف بأنَّ هذا الأمر يبقى بطريقةٍ صامتةٍ صحيحًا، وإن ادَّعت فلسفةُ الدين أنها لا تختص بدين بعينه، وأعلنتْ تمسُّكها بالموضوعيَّة التامَّة.»٢٣

على الرغم من ذلك، تظلُّ الأعمالُ الحديثةُ في فلسفة الدِّين بالغةَ الأهمية؛ لأنَّها تعبِّر عن رؤيةٍ تصدر عن العقلانيةِ الحديثةِ، ورؤياها الحرَّةِ الفسيحةِ، ومغامرتِها الجسورة في المراجعة والنقد، بل شجاعتها في تقويضِ وإبطالِ مفاهيمِها ومواقفِها، وتجاوزِها لحظةَ اكتشاف تهافتِها.

(٣) الاتِّجاهاتُ الأساسية في فلسفة الدين

يصنف بول ريكور الاتجاهاتِ الأساسيَّةَ في فلسفة الدين حتى أواخر العقد الثامن من القرن الماضي إلى خمسة اتجاهات:٢٤
  • (١)
    اتجاه الوجود — معرفة الله: ويشتمل على أربعةِ مسارات مهمَّة: مسار متأثِّر بأرسطو وتوما الأكويني، مسار متأثِّر بهيغل، آخر متأثِّر بهوسرل، والأخير متأثِّر بهايدغر.
  • (٢)
    اتجاه نقد الدين في الفلسفة التحليلية: ويشتمل أيضًا على مسارَين مهمَّين: المسار الذي يهتم بلغة الدين، هل لها معنًى أم لا؟ والمسار الآخر تَتمَحْوَر قضيتُه الأساسيَّة حول سؤال: هل يخضع كلامُ المتألِّهين للضوابط المنطقية والمعرفية نفسها؛ المعتبرة في علميَّةِ أيِّ كلامٍ آخرَ؟
  • (٣)
    الاتِّجَاهُ المتأثِّر بالعلوم الإنسانيَّة: وهو أيضًا على ثلاثة مسارات مهمة: المسار المتأثِّر بتاريخ الأديان المقارن، والمسار المتأثِّر بالعلوم الاجتماعية، والمسار المتأثِّر بعلم النفس بشكلٍ عامٍّ، وبالتحليل النفسي بشكلٍ خاصٍّ.
  • (٤)
    اتجاه الفنون اللغوية وفعل الكلام الديني: المتأثِّر بفيتغنشتاين المتأخر.
  • (٥)
    اتجاه هرمنيوطيقا لغة الدين: تستند فلسفةُ الدين بوصفِها فلسفةً إلى المنهج العقلي، وعلى الرغم من تعدُّد المناهج في البحث الفلسفي، فإن منهجَ التحليل اللغوي «المنهج التحليلي» هو الأكثر تداوُلًا. ذلك أن «الأثر الذي تركتْه الفلسفةُ الوضعيةُ، ومن بعدها فلسفةُ فيتغنشتاين التحليلية على الفلسفة الأنجلو-أميركية، بعامَّة، انسحب بطبيعةِ الحال، على فلسفة الدين. إن هذا واضح من كونِ جزءٍ كبير من الأدبيَّات المتعلقة بفلسفة الدين تطغى عليها أسئلةٌ تدور حول مشكلةِ المعنى في الدِّين، وطبيعة اللغة الدينية، و«منطق» الخطابِ الديني، وغير ذلك من الأسئلة ذات الطابع السيمانطيقي والميتا-لغوي والمفهومي.»٢٥

مباحث فلسفة الدين

تُبحث في فلسفة الدين القضايا المشترَكة بين الأديان مثل:
  • (١)
    ماهيَّة الدين: مفهوم الدين، مناشئ وبواعث الدين، أفق انتظار البشر من الدين، أثر الدِّين في حياةِ الفردِ والمجتمعِ، الدين وإنتاج معنًى لما لا معنى له في حياة الإنسان، حدود الدين، وهل هو شامل، أي دنيوي وأخروي، وما حدوده الدنيوية، أو أن حدوده الآخرة خاصة، مجالات الدين، جوهر وصدف الدين، الذاتي والعرضي في الدين، الثابت والمتحوِّل في الدين، تطور الدين.
  • (٢)
    وجود الله: طبيعة وجودِه، براهين وجود الله، صفات الله، أفعال الله، مفاهيم الله والألوهية في الأديان، طبيعة علاقة الإنسان بالله.
  • (٣)
    مشكلة الشرِّ: كيف أن الشرَّ بأشكالِه كلِّها؛ الميتافيزيقي والطبيعي والأخلاقي، والألم الجسدي، والنفسي، والأذى العاطفي، سواء نتج عن الأسبابِ والكوارث الطبيعية، أو عن ظلمِ الإنسان، يطرح بوصفه تحدِّيًا لقدرة الله القادر على كلِّ شيء، ولمحبته، ورحمتِه التي تتَّسع لكلِّ شيء.٢٦
  • (٤)
    الإيمان والعقل والقلب: هل الإيمان منبعُه العقلُ والقلبُ معًا، أو العقلُ فقط، أو القلبُ فقط؟ وهل يتعزَّز الإيمانُ بالعقل، أو أنَّ العقلَ يقوِّض الإيمانَ، كما يشدِّد على ذلك كيركغورد ودعاةُ النزعة الإيمانية؟
  • (٥)
    التجربة الدينية: بيان ماهية التجربةِ الدينية، أنماط التجربة الدينية، إمكانية معرفة صاحب التجربة الدينية بتفسيرها، هل هي عاطفة وشعور بالتبعية للحقيقة الغائيَّة، أو شوق ووجد للحقيقة الغائية، أو هي كشف وإشراق وانخطاف للروح؟ ما الفرق بين تجربة المقدَّس وغيره؟ هل هي تجربة حسِّية وإدراكيَّة؟ هل التجربة الدينية هي حقيقة وجوهر الدين؟
  • (٦)
    الوحي والإيمان: حقيقة الوحي، وهل هو نقل الحقائق الإلهية للبشر، أو هو تجسيد للإله في الإنسان؟ هل الوحي تجربة نبوية خاصة بالأنبياء، أو أنها تتحقَّق لسواهم بالتَّسامي والارتياض الروحي، مثلما يعتقد بعضُ المتصوفة والعرفاء، وإن كان هذا النوعُ المكتسب من النبوة — حسب تسميتهم — هو نبوة إنبائيَّة، وليست نبوةَ إبلاغٍ ودعوة لله؟
  • (٧)
    المعجزات والكرامات والخوارق: طبيعتها، أثرها في الإيمان الديني، شيوعها في الأديان المختلفة، وهل هي استثناء أو خرق للقوانين الطبيعية، أو أنها محكومة بقوانينها الخاصة، المحجوبة عن البشر؟
  • (٨)
    الخلود والبعث والقيامة: مصير الإنسان بعد الموت، مفهوم الموت؛ وهل هو انعدام للشخص البشري، أو أنه انتقال من نشأة إلى نشأة؟ مفاهيم الموت والخلود والبعث المتنوِّعة في الأديان، ومفهوم التناسخ في بعض الأديان وعلاقته بالخلود والبعث، مفهوم القيامة والجزاء الأخروي، والخلاص، والنيرفانا.
  • (٩)
    الدين والعلم: هل ينتميان إلى حقل واحد، أو أنَّ كلًّا منهما ينتمي إلى حقل مستقل؟ هل الدين يتغذَّى ويترسَّخ بالعلم؛ أي على رغم من أنه بموازاة حقل العلم، لكن العلم يدعم الدين، ويضيف له على الدوام — مع تقدمه — براهين وتفسيرات وآفاقًا جديدة؟
  • (١٠)
    المعرفة الدينية: هل المفاهيمُ الدينيَّة ذاتُ معنًى، أو أنها تفوق المعارفَ البشريَّة وتختلف عنها؟ ما العلاقةُ بين المعرفة الدينيَّة والمعارف البشرية؟ هل المعرفةُ الدينيَّة ثابتةٌ أو متغيِّرة؟ هل تتطوَّر المعرفةُ الدينيَّة وتتكامل تبعًا لتطوُّر وتكامُلِ المعارف والعلوم البشرية؟
  • (١١)
    الدين والأخلاق: هل تنشأ الأخلاقُ من الدين، أو ينشأ الدينُ من الأخلاق، أو أن أحدَهما جزءٌ من الآخر، أو لا علاقةَ بينهما، أو أنهما يلتقيان أحيانًا في موارد، فيما يفترقان في موارد أخرى؟
  • (١٢)
    التعدُّدية الدينية: هل الأديان تجلٍّ متنوِّع لحقيقةِ الله الواحدة، بمعنى أن هناك حقيقةً تتعدَّد تجلياتها والسُّبل إليها، تبعًا لتعدُّد وتنوُّع الأديان؛ ومن ثم فالكلُّ مشمولون بالنجاة والخلاص، أو أن هناك ديانةً واحدةً حقَّةً وما سواها باطلة، فمَنْ لا يعتنقها لا أملَ له بالنجاة؟ وهل التعدُّديَّة الدينية هي تعدُّدية على مستوى المعرفة، أو تعدُّدية على مستوى النجاة، أو تعدُّدية على مستوى التعايش؟
  • (١٣)
    لغة الدين: هل لغةُ الدين عُرْفِيَّةٌ، بنحوٍ تكون إفادتُها للمعاني بأساليب اللغة المتداوَلة نفسها في استعمال المجتمعات البشرية للغة، أو أنها لغة رمزية، كما يقول بول تيليش: «إن لغة الإيمان هي لغة الرموز … الإيمان إذا ما فهمناه على أنَّه حالة من الهم الأقصى، فإنه ما من لغة له سوى الرموز» …٢٧ هل لغة الدين لغة تماثليَّة، كما يقول توما الأكويني، بمعنى أنَّ صفة الخير لا يتطابَقُ معناها حين نحملها على الله وعلى البشر؛ ذلك أنَّ نحوَ الخيريَّة مختلفٌ، لكنَّه غير مباين، وإنما هو مشكك. هل لغة الدِّين لا معنى لها، أي خالية من المَعْنَى، أو هي بمثابة ألعابٍ لغويَّة، كما يقول فيتغنشتاين؟
  • (١٤)
    الهرمنيوطيقا: يُعرفُ الإنسانُ بوصفه «كائنًا هِرْمِنيوطيقيًّا، أي هو ذلك الكائن الذي يمكنه، بل يلزمه أن يُترجم الوجود — أي كلُّ ما يقع في أفق تجربته الوجودية — محوِّلًا إياه إلى عالَمه الخاص الداخلي؛ لكي يُدرِكه ويفهمه.»٢٨

الهرمنيوطيقا حين تُستخدم في تأويل النصوص الدينية، تُحَرِّرُ الدينَ من سِجْنِ الماضِي، وتمنحُه طاقةً إضافيَّةً جديدةً للحضور في العصر. لا أحدَ من فلاسفة الدين إلَّا ويعتمد الهرمنيوطيقا في دراسةِ النصوص وتفسيرِ الظواهر الدينية. كلُّهم هرمنيوطيقيون، يشتغلون بتأويل النصوص، ويعيدون صوغَ مفاهيم الدين. حين تغيب الهرمنيوطيقا، يلبث المفسِّرُ غارقًا في التفسيرات التراثية؛ وقتئذٍ يفتقر الدينُ لإنتاج معنًى جديدٍ يمنحه لإنسان زمن جديد.

تتخشَّب اللغةُ عادةً في عصور الانحطاط، ويتفشَّى فيها التكرارُ، وتنضب دلالاتُها إثر الاستعمالِ التُّراثي لها، وتراكُمِ طبقات دلاليَّة تنتمي إلى مراحل مسيرة المجتمع التاريخية المختلفة. وإذا تجمَّدت اللغةُ يتجمَّد الفكر، تجديد الفكر يقترن بتجديد اللغة. الهرمنيوطيقا تفتح أفقًا بديلًا لإنتاجِ المعنى وإثراءِ الدلالة وتجديدِ اللغة؛ بعبورِ الطبقات الدلالية التي راكمها الماضي، واستلهامِ روح ومقصد المعنى المحجوب الذي يَعِدُ به النصُّ الديني إنسانَ الغد.

(٤) ما ترمي إليه فلسفةُ الدين

تفتقر المكتبةُ العربية إلى كتابات جادَّة في فلسفة الدين؛ ما عدا مؤلفات قليلة جدًّا٢٩ وبعض الترجمات التي بدأها د. حسن حنفي بتعريب «رسالة في اللاهوت والسياسة»، لإسبينوزا، ونشرها عام ١٩٧١م. وصدَّرها بمقدِّمة موسَّعة تتناول النقدَ التاريخي للكتب المقدَّسة، وضرورةَ إعادة قراءتها في أفق العصر ورهاناته.٣٠ يبدأ إسبينوزا بهذه العبارة: «رسالة في اللاهوت والسياسة؛ وفيها تتم البرهنةُ على أن حريةَ التفلسف، لا تمثل خطرًا على التقوى، أو على سلامة الدولة، بل إن في القضاء عليها قضاء على سلامة الدولة، وعلى التقوى ذاتها، في آنٍ واحد.»٣١ وتعريب د. فتحي المسكيني لكتاب كانط: «الدين في حدود العقل»، الذي صدر سنة ٢٠١٢م في بيروت.٣٢
ولعلَّ كتاب محمد إقبال «تجديد التفكير الديني في الإسلام» هو أولُ دراسة جادَّة في فلسفة الدين، يؤلِّفها مسلمٌ في العقد الثالث من القرن العشرين.٣٣
توظِّف معظمُ الكتابات الجديدة بالعربية حول الدين العلومَ الإنسانيةَ الحديثة، وتستند إلى مفاهيمها ومناهجها في دراسة الدِّين وظواهره، لكن قلَّما نجد تفكيرًا فلسفيًّا في فهمِ الدين وتحليلِ طبيعة المعرفة والتجربة الدينية. ولعل ذلك يحيل إلى الموقف المتوارَث المناهِض للفلسفة منذ الغزالي ومَن اقتفى أثرَه، وما صدر عنهم من تفسيقِ وتبديعِ وتكفيرِ هذا اللون من التفكير، وإضفاءِ المشروعية على لون خاصٍّ من التفكير الكلامي، لا يتخطَّى الأنساقَ اللاهوتية للأشعري أو الغزالي أو ابن تيمية ومقلِّديهم. وحتى لو حاول بعضُ الباحثين استعارةَ مناهج ومفاهيم من معطيات علوم اللغة والمنطق والفلسفة الحديثة؛ فإنه يستخدمها لتبرير وتسويق ما قاله هؤلاء، موهمًا بعض القرَّاء بأنه يعمل على «إحياء روح الدين».٣٤ وهكذا يصدر بين الحين والآخر كتابٌ يعيد شرحَ «مقالات» الأشعري أو الغزالي أو ابن تيمية، ومن نهج نهجَهم من المتكلِّمين.

وينخرط اليوم جماعةٌ من الكتَّاب بالترويج لأشعرية وغزالية وتيمية جديدة، تنشغل بالثناء على مقولاتهم وشرحها بلغةٍ حديثة، وتُسرف في تبجيلهم، وخلعِ الكثير من الألقاب عليهم. لا أعرف لماذا يتواطأ بعضُ الباحثين في الدراسات الإسلامية مع هؤلاء المؤلِّفين، ويوهموننا بأن كتاباتِهم إنما هي ابتكار ﻟ «فلسفة الدين» في الإسلام اليوم. في حين يعرف الخبراءُ بآثارهم أنها ليست سوى محاولاتٍ لتقويض وإجهاض أي مسعًى جديد للتفكير الفلسفي في الدين.

لا يمكننا تجديد الفكر الديني في الإسلام إلَّا بالخلاصِ من الأنساق اللاهوتية المتوارَثة، التي يجري فيها خلطٌ وتلبيسٌ بين اللهِ وتصوُّر البشر لله، بين المقدَّسِ وتصوُّر البشر للمقدَّس، بين الدينِ ومعرفةِ البشر للدين. وبفضحِ العُنف والظلم والتعسُّف والطغيان، الذي ظل على الدوام يستغل صورةَ الله، ويمارس العدوانَ ويسفكُ الدِّماءَ باسمه، فقد أضحتْ مجتمعاتُنا ضحيةَ رؤيةٍ ميتافيزيقيةٍ للعالم تتحدَّث مع الأموات، ينتجها تفكيرٌ على الضد من منطق التفكير العقلاني اليوم، يتغذَّى من تراثٍ غزيرٍ من اللامعقول، ويقعُ في أسرِ علمِ كلامٍ قديمٍ، لم يعد يتبصَّر قلقَها الوجودي ولا يدرك منابعَ ضغائنها.

تعدنا فلسفةُ الدين بالكشف عن النِّظام المعرفي السائد في القرون الأُول للإسلام، والذي أنتج لاهوتَ المعتزلة والأشاعرة والشيعة، وكيف أن هذا النظامَ المعرفي انبثق عن العقلانية والفضاء المعرفي لعصره، وتلك العقلانيةُ لم تعُد معبِّرةً عن نمطِ وجودنا وفهمِنا للحياة والكون اليوم.

تُتيح فلسفةُ الدين لنا قراءةَ تاريخِنا الرُّوحي، ومعرفةَ كيفيةِ إنتاج المعنى فيه، والعلاقة بين السلطة وإنتاج المعنى. وتمنحنا أفقًا تأويليًّا بديلًا؛ يتيح لنا تجاوزَ أفق التأويل التاريخي للدين الذي أنتجه أفقُ انتظار السلف، ورؤيتُهم للعالم، والنظامُ المعرفي الذي يفرض عليهم طريقتَه في فهم الدين وتفسير نصوصه. لكل عصر تأويلُه للدين، والتأويلُ له عمرٌ يتناغم وإيقاعَ العصر الذي أنتجه، ولولا انبثاقُ تأويلٍ آخرَ لا يمكن أن تتسع رسالةُ الدين وتمتد إلى ما هو خارج محيطها وأفقها التاريخي الذي وُلِدَتْ فيه.

لا يكفُّ فيلسوفُ الدين عن البحثِ والتحليل والتفكير الحر، لشرحِ وبيانِ المعتقدات والمناسك والشعائر، والتوغُّلِ عميقًا في اكتشاف ما هو جوهري في الدين، والتعرفِ على طبيعة التجارب الدينية، وتنوُّعها، تبعًا للأديان والمجتمعات والأشخاص، ومقاربةِ المسائل الدينية من منظور فلسفي، والتفكيرِ فيما هو مشترَكٌ في الأديان، وعابرٌ للحدود الاعتقادية والإثنية والتاريخية والجغرافية والرمزية.

فيلسوفُ الدين يتبصَّر بعمقٍ التجربةَ التاريخيةَ للدين، ليكتشف أن معظمَ حروب الأديان تعود إلى التَّوظيف البشري للدين خارج حقله. تعدنا فلسفةُ الدينِ ببيان أنماطِ التمثُّلات البشرية الزمنيَّة المتغيِّرة للدين، وما يلابسها من تشوُّهات وإكراهات وتعصُّبات وعُنف، تتَّصل عضويًّا باستغلالِ الدين واستخدامِه قناعًا لانتهاكِ قيم الكرامة والحرية والعدالة، وأداةً للتسلط والتعسف والاستغلال في حياة المجتمعات.

إن شغفَ الإنسانِ بالتفتيش عن المعنى لا يتوقَّف ما دام حيًّا، وفلسفةُ الدين تتيح لنا التعرُّفَ على المنابع العميقة للمعنى الديني، الذي يرتوي به الظمأُ الأنطولوجيُّ للرُّوح البشرية.

١  لما كانت الفلسفة عند القدماء اسمًا تندرج تحته المعارف العقلية بمجموعها، جرى تصنيف هذه المعارف على نوعَين رئيسيَّين:
الأول الفلسفة النظرية، أو الحكمة النظرية: هي التي يطلب فيها استكمال القوة النظرية من النفس، بحصول العقل بالفعل.
الثاني الفلسفة العملية، أو الحكمة العملية: هي التي يطلب فيها أولًا استكمال القوة النظرية، بحصول العلم التصوُّري والتصديقي بأمورٍ هي أعمالنا، ليحصل منها ثانيًا استكمالُ القوة العملية بالأخلاق. وبكلمة أخرى: الحكمة المتعلِّقة بالأمور العملية التي علينا أن نعلمها ونعملها تُسمَّى حكمة عملية، أما الحكمة المتعلِّقة بالأمور النظرية التي علينا أن نعلمها وليس علينا أن نعملها فتسمى حكمة نظرية.
ويندرج تحت الحكمة النظرية:
(أ) الإلهيات:
وتسمَّى العلم الإلهي، والعلم الأعلى، والعلم الكلي، والميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة)، والفلسفة الأولى تمييزًا لها عن الرياضيات المسماة الفلسفة الوسطى؛ ذلك أنها تقع في مرتبة متوسطة بين الطبيعيات والإلهيات. وتعدُّ الإلهيات لدى القدماء أشمل وأوسع من غيرها من العلوم، مضافًا إلى أنها برهانية ويقينية أكثر من غيرها.
وتنقسم الإلهيات إلى:
  • (١)
    الأمور العامة: وهي العنوانات والأحكام والصفات التي لا تختصُّ بموجود دون سواه، وإنما تسري في جميع الموجودات، ويتَّصف بها الموجودُ بما هو موجود، ولا يشترط أن يكون الموجودُ المتصف بها له ماهية معينة؛ لأنها تشترك فيها الموجودات، مثل: الحدوث والقدم، والوجوب والإمكان، فكل موجود إما أن يكون حادثًا أو قديمًا، وكل موجود إما أن يكون واجبًا أو ممكنًا. ويُعبَّر عنها ﺑ «الأحكام العامة للوجود»، و«الإلهيات» بالمعنى الأعم.
  • (٢)
    معرفة الله: ويدور البحث فيها حول وجود الباري، وتوحيده، وصفاته، وأفعاله، وما يرتبط بذلك من مسائل. وتسمى «الإلهيات بالمعنى الأخص»، في مقابل «الإلهيات بالمعنى الأعم».
(ب) الرياضيات:
وتسمى العلم الأوسط، والفلسفة الوسطى، لوقوعها في مرتبة متوسطة في سُلَّم المعرفة بين «الإلهيات» و«الطبيعيات».
(ﺟ) الطبيعيات:
وتسمَّى العلم الأدنى، والفلسفة الدنيا؛ لأنها تقع في أدنى المراتب في سُلَّم المعرفة، وفوقها تقع «الرياضيات»، فيما تكون «الإلهيات» العلم الأعلى. وهي تبحث في أحوال الأجسام الطبيعية.
انظر: عبد الجبار الرفاعي، مبادئ الفلسفة الإسلامية، بغداد، مركز دراسات فلسفة الدين، ٢٠٠٧م، ج١: ص١٢–١٦.
٢  لم نشأ الحديث عن العلاقة العضوية للفلسفة بالدين في مؤلفات ومباحث الفلاسفة الإسلاميين؛ لأن «فلسفة الدين» تبلورت في صيغتها الأخيرة في سياق الفلسفة الغربية الحديثة، ونحن في صدد التعريف بذلك.
٣  جيمس كولينز، الله في الفلسفة الحديثة، ترجمة: فؤاد كامل، القاهرة، مكتبة غريب، ١٩٧٣م، ص١٠٣.
٤  المصدر السابق، ص٢٣٠.
٥  المصدر السابق، ص٢٧٦.
٦  إيمانويل كانط، الدين في حدود مجرد العقل، بيروت، جداول، ٢٠١٢م، ص١١، ١٢، ٤٥.
٧  د. أديب صعب، المقدمة في فلسفة الدين، بيروت، دار النهار، ١٩٩٤م، ص٧٨.
٨  د. عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٨٤م، ج٢: ص٢٨١.
٩  المصدر السابق، ص٥٧٣.
١٠  المصدر السابق، ص٥٨٩.
١١  المصدر السابق، ص٢٨٩-٢٩٠.
١٢  المؤلَّفات حول فلسفة الدين دشَّنها شلايرماخر؛ بكتابه «عن الدين: خطابات لمحتقريه من المثقفين». الذي صدر نهاية القرن الثامن عشر (١٧٩٩م). وإن كان بعضُ الباحثين يُرجع بداية التأليف في فلسفة الدين إلى اللاهوتي الألماني ح. ل. فون موزهيم (١٦٩٤–١٧٥٥م)؛ بكتابه «المبادئ التاريخية الكنسية للعهد الجديد»، الصادر سنة ١٧٣٧م. وتناول فردريك ويلهم شلنغ (١٧٧٥–١٨٥٤م) موضوعات في فلسفة الدين في كتابه «محاضرات في الوحي والأساطير»، الصادر سنة ١٨٤٣م. وهكذا تناول جون ستيوارت مل (١٨٠٦–١٨٧٣م) موضوعات في فلسفة الدين في كتابه «ثلاث مقالات في الدين» صدر بعد وفاته سنة ١٨٧٤م. وفي سنة ١٨٨٠م، أصدر ج. كيرد كتاب «مدخل إلى فلسفة الدين». وفي سنة ١٨٨٢م، أصدر لوتزه كتابًا صغيرًا مهمًّا، هو «فلسفة الدين». كما أصدر بون كتاب «فلسفة الألوهية» سنة ١٨٨٧م. وفي ١٨٨٨م نشر مارتينو كتاب «دراسة الدين»، في مجلَّدَين. كذلك نشر في العام نفسه فون هارتمان كتاب «فلسفة الدين». وفي ١٨٩٣م أصدر إ. كيرد كتاب: «تقييم الدين». وفي ١٨٩٤م صدر كتاب «أُسس الاعتقاد» تأليف: بالفور. وفي سنة ١٩٠١م أصدر هوفدينغ (فيلسوف دانماركي) كتابه «فلسفة للدين». وفي عامَي ١٩٠١-١٩٠٢م ألقى وليام جيمس مجموعة محاضرات، نُشرت تحت عنوان: «تنويعات التجربة الدينية». وفي ١٩٠٥م أصدر سنتيانا (١٨٦٣–١٩٦٣م) «العقل في الدين»، وهو الجزء الثالث من كتابه «حياة العقل». وفي العام نفسه نشر ج. ت. لاد كتاب «فلسفة الدين». كما أصدر و. إ. هوكنغ سنة ١٩١٢م كتابه «معنى الله في الخبرات الدينية». كذلك صدر في هذا العام كتاب دوركايم «الصور الأولية للحياة الدينية». وفي ١٩١٣م نشر جوزيا رويس في مجلَّدَين «مشكلة المسيحية». وفي ١٩١٧م صدر الكتاب الهام لرودلف أوتو «فكرة القدسي». وفي ١٩٢٣م نشر س. أ. بينيت «دراسة فلسفيَّة للتصوف». وفي ١٩٢٦م، نشر وايتهد: «الدين في تكوُّنه». وألَّف تينانت في ١٩٢٨–١٩٣٠م «اللاهوت الفلسفي»، في مجلدين. وفي ١٩٣٢م صدر كتاب: «منبعا الأخلاق والدين» لهنري برغسون. وفي ١٩٣٩م أصدر ج. إس بيكسلر «دين من أجل العقول الحرة». وفي العام نفسه أصدر يونغ «علم النفس والدين». وفي ١٩٥٠م نشر إريك فروم «التحليل النفسي والدين» … هذه ببليوغرافيا منتقاة لما صدر في الغرب حول فلسفة الدين حتى منتصف القرن العشرين. انظر: د. محمد عثمان الخشت، مدخل إلى فلسفة الدين، القاهرة، دار قباء، ٢٠٠١م، ص٥٠–٥٤.
١٣  جيمس كولينز، الله في الفلسفة الحديثة، ص٣٧٣.
١٤  المصدر السابق، ص٣٣٨.
١٥  المصدر السابق نفسه.
١٦  د. عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، ج٢: ص٢١٤.
١٧  جيمس كولينز، الله في الفلسفة الحديثة، ص٣٥٩.
١٨  المصدر السابق نفسه.
١٩  جان غروندن، فلسفة الدين، ترجمة وتعليق: عبد الله المتوكل، بيروت، مؤمنون بلا حدود، ٢٠١٧م، ص١٥.
٢٠  د. عبد الجبار الرفاعي، دعوة للخلاص من نسيان الذات، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، ع٥٥ / ٥٦، صيف وخريف ٢٠١٣م.
٢١  عادل ضاهر، فلسفة الدين، في: الموسوعة الفلسفية العربية، رئيس التحرير: د. معن زيادة، بيروت، معهد الإنماء العربي، ١٩٨٨م، مج٢: ص١٠٠٠.
٢٢  جون هيك، فلسفة الدين، ترجمة: طارق عسيلي، بيروت، دار المعارف الحكمية، ٢٠١٠م، ص٣. إعادة صوغ الترجمة طبقًا للنص الإنجليزي الأصلي في:
Hick, John, H., Philosophy of Religion, 3rd ed. (Englewood Cliffs, New Jersey, Prentice-Hall Inc., 1983), p. 1.
٢٣  جان غروندن، فلسفة الدين، ص٣٢.
٢٤  مصطفى ملكيان، فلسفة الدين: المجال والحدود، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، ع٤٩ / ٥٠ «شتاء وربيع ٢٠١٢م».
٢٥  عادل ضاهر، الفلسفة والمسألة الدينية، بيروت، دار نلسن، ٢٠٠٨م، ص١٤.
٢٦  جون هيك، مصدر سابق، ص٦١–٨٣.
٢٧  Excerpted from Dynamics of Faith (New York: Harper & Row, 1957). pp. 43–54.
٢٨  د. جوزيبي سكاتولين، قراءة هِرْمِنيوطيقية للنص الصوفي، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، ع٥٧ / ٥٨، شتاء وربيع ٢٠١٤م.
٢٩  من أعمقها كتاب د. عادل ضاهر «الفلسفة والمسألة الدينية»، الصادر سنة ٢٠٠٨م. وهذا الكتاب هو الجزء الثاني في سلسلة أصدرها د. عادل ضاهر، وقبله أصدر عام ١٩٩٠م كتابه «الأخلاق والعقل»، وهو الجزء الأول.
٣٠  هذه المقدِّمة من أجمل وأفضل وأدق ما كتبه حسن حنفي في حياته.
٣١  إسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة: د. حسن حنفي، مراجعة: د. فؤاد زكريا، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، ١٩٧١م، ص١٠٧. وقد أعادت دار التنوير إصدار الكتاب في بيروت.
٣٢  إيمانويل كانط، الدين في حدود العقل، ترجمة: د. فتحي المسكيني، بيروت، جداول، ٢٠١٢م.
٣٣  يتألَّف كتاب محمد إقبال من ست محاضرات ألقاها في مدراس بالهند عام ١٩٢٨م، ثم أتمها بعد ذلك في الله آباد في عليكره، وصدرت في كتابه الشهير «تجديد التفكير الديني في الإسلام». ترجم الكتاب إلى العربية عباس محمود، وصدر في القاهرة عام ١٩٦٨م.
٣٤  كما يفعل د. طه عبد الرحمن في أعماله، وآخرها كتابه «ثغور المرابطة»، الذي يستأنف فيه كتابات أنور الجندي وأمثاله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥