عندما تلقاه ذات يوم

عندما تلْقاه ذات يوم فلا تخش شيئًا، قد يصادفك وأنت تسير في شارع مُزدحِم أو خالٍ، وقد تراه على مُنعطِف طريق وأنت تناجي نفسك، قد تلمحه عندما تشخص عيناك — بمحض الصدفة أو بدافع الملل — إلى القمر والنجوم؛ ستراه هناك يبتسم عن أسنانه الناصعة ويشير إليك. تقدم منه ولا تخش شيئًا؛ لا، لا تنتفض ولا تسمح لأطرافك وقطرات دمك ونبضات قلبك أن ترتعش! لا تخف من وجهه المُستدير الأخضر الذي يُشِع بالنور، ولا من عمامته الخضراء الملفوفة فوق رأسه المباركة، ولا من حصانه الأخضر الذي يُشِع صدره ويلمع كالزبرجد، ولا من بشرته المُسمرَّة الداكنة الخضراء كسمرة الحقول يكسوها الزرع والبرسيم. اقترب منه، أمسك فرستك من خصلات شعرها ولا تجعلها تقفز في الفراغ! اجر وراءه ولا تخف أن تطاردك الكلاب أو يتهمك الناس بالجنون أو يقذفك الأطفال بالحجارة! لا تخف أن يراه الناس؛ فهو لا يظهر للعيون، ولا أن يضل في زحام الخلق؛ فقد تعوَّد أن يتقدم الجيوش والفرسان، ولا أن تلسع أسلاك الترام قدميه الشريفتين؛ فجواده الأخضر يطير به فوق السحاب. وعندما تتعرف عليه ولا يبقى في نفسك شك من أنه سيدك ومولاك الذي انتظرته من مئات السنين، وتتذكر ما روته أمك عنه وأنت صغير، وما قرأته عنه في الكتب الصفراء عندما أصبت بمحنة المقروء والمكتوب.

عندما تتعرف عليه اقتحم الزحام واهرع كطفل يهرب من حلم مفزع، وناد بأغلى صوتك: سيدي ومولاي! ربما التفت إليك؛ لا، بل سيلتفت إليك بالتأكيد، سيوقف جواده الأخضر ويُربِّت عليه ليُخفِّف من طيشه وجموحه، سيميل بوجهه المُنير حتى ترى ابتسامته ويقول في صوت تسمعه أنت وحدك: هل ناديتني يا ولدي؟

تقدم منه، اقتحم زحام البشر والكلاب والعربات، سر إلى أطراف المدينة أو حتى إلى آخر الدنيا، واطمئن؛ اطمئن إلى أنه سيهبط إليك من سحابة أو قبة أو مئذنة، وسيقترب منك قوس قزح مُبارَكًا وجميلًا؛ ليسألك من جديد: ماذا تريد مني يا عبد الله؟ أسرع بهتافك الذي يُعذِّبك من سنين وسنين، سَلْه أن يُفسِّر لك الرؤيا التي تُؤرِّقك بالليل والنهار، ناده؛ فليس غيره من يُفسِّر الرؤى والأحلام، صح بأعلى صوتك: مولاي، نجني يا مولاي!

سيقترب منك، ربما رفع يده ليُطمئِنك، أو مسح بها على رأسك ليَرقيك ويقول لك: «المُنجِّي هو الله يا ولدي، ماذا يُفزِعك؟» ستصيح من جديد وأنت تقترب منه وتبحث عن صدره لتدفن وجهك فيه: حلم مُفزِع يا مولاي، أنقذني يا وليَّ الله. سينعطف نحوك، سيضع يده على قلبك؛ ليشملك ببركته، سيقول لك: «احكها لي يا ولدي!»

ستُردِّد وأنت تحبس دموعك ونشيجك: «أراني أجري في الشوارع كالمجنون، تجري الأطفال ورائي، تُطارِدني القطط والعساكر والكلاب، يتمزق لحمي، يتساقط، أتعثر فيه، تنهشه الغربان، يقف الناس فيُشيرون نحوي ويضحكون؛ لكنك تظهر يا مولاي في كل مرة.» سيسألك: أظهر لك؟ أنا اختفيت يا ولدي، فلم أظهر لأحد بعد موسى بن عمران؟ ستقول مُسرِعًا: بل تظهر لي فجأة كنور النيون أو كشاف السيارة، فأعرفك وأهتف بك: يا ولي الله، نجني من يأجوج ومأجوج، خذني إلى عين الحياة؟

سيرفع رأسه قليلًا ويهزه إلى اليمين واليسار، ستتخلل أصابع يده لحيته الخضراء الشريفة المُعطَّرة بالمسك، وتشخص عيناه للسماء قبل أن تهمس: يأجوج ومأجوج؟ عين الحياة؟ ها أنت ذا تذكرني يا ولدي؛ لكن أين الجيش الجرار؟ أين ألوف الفرسان؟ هل جمعتهم يا ولدي؟

ستعجب من قوله، سيُدهِشك أنه يتلفت حوله ليبحث عن الجيش الجرار، كما يتحسس بأنفه الغبار الذي تُثيره أقدام الخيل والفرسان! ستسأل: أي جيش يا ولي الله؟ ما أنا إلا عبدك الفقير! سيزجرك بإشارة من يده ويقول: بل كلنا عبيد الله، ألست ذا القرنين يا ولدي؟ ستُذهَل أو تضحك أو تتأفف، ثم تقول: ذو القرنين؟ سيسألك في حيرة: إذن فأنت من نسله يا ولدي؛ وإلا فلماذا دعوتني لنهزم يأجوج ومأجوج؟ ستعود إلى الكلام فتقول: من ذو القرنين يا مولاي؟

سيرفع حاجبيه من الدهشة ويسألك: ألا تعرفه حقًّا؟ الذي ملك البلاد وقهر العتاة، وفتح المدائن والحصون القلاع! ستسأله من جديد: صِفْه لي يا مولاي، صِفْه لي. سيستمر في كلامه فيقول: عجيب أمرك يا ولدي! من ذا الذي لا يعرفه؟ عبد الله الصالح ورسوله إلى أهل بابل، من عاش ألف سنة وزيادة، وفتحت جيوشه المنصورة أرض المشرق والمغرب، ودخلت أرض الظلمات!

ستسأله وقد زاد شغفك بالجواب: ولماذا سمَّوه ذا القرنين يا مولاي؟ سيُجبيك في دهشة: ومن أحق منه بهذا الاسم وقد سار من مشرق الشمس إلى مغربها، وملك أرض الروم وفارس، ورأى في منامه أنه نُصب له سلم إلى السماء، فلم يزل يرقى عليه حتى بلغها، فأخذ الشمس بيده اليمنى والقمر باليسرى، ثم سار بهما وتبعته الدراري والنجوم؟

ستعود إلى السؤال وقد بدأت تتذكر: أليس هو الإسكندر يا مولاي؟ سيقول مُسرِعًا: هو يا ولدي العبد الصالح الذي إذا سار سهل الله له ببركة صلاحه، من حارب الكفرة فألبسه الله الهيبة وسخر له جنود النور والظلمة!

ستضحك في سرك أو تفلت الضحكة منك، ربما قلت له: لكنه مات يا ولي الله، مات من أربعة وعشرين قرنًا!

ربما غضب وثار وجلجل صوته: ذو القرنين لا يموت يا ولدي، ذو القرنين حي ببركة الحي الذي لا يموت، إنه يظهر في آخر الزمان أو يظهر واحد من صلبه يمحو الكفرة؛ أنَسيت أنني كنت وزيره ومُدبِّر ملكه وقائد جيشه الذي أقام السد حول يأجوج ومأجوج؟

ستبتهل إليه أن يصف لك حربه الرهيبة مع الكفار، وسيشخص إلى السماء من جديد، ويُتمتم بدعواته الصالحات، ويتخلل بأصابعه الشريفة لحيته المباركة قبل أن يقول: ما زلت أذكر هذا يا ولدي وأراه أمامي كما أراك! ما زلت أذكر جيشه الجرار من ألف ألف فارس وأربعمائة ألف، يقهرون أمة أمة، يأخذون أرضًا أرضًا، يجتازون الجبال الشم ويفتحون الأرض المبسوطة، يقتحمون الجزائر التي تزاوَرُ عنها الشمس عند طلوعها، يخترقون بحد السيف قومًا وجوههم كوجوه القرود والخنازير.

سرت يا ولدي بجيشه العظيم حتى بلغنا مغرب الشمس، أحطنا بهم من كل جانب، سلط الله عليهم ظلمة شديدة بغبار عاصف، دخل الغبار والظلام في أفواههم وآذانهم، فهلك منهم قوم كثير بأمر الله.

ستسأل من جديد: وما حكاية السد يا مولاي؟ ما حكاية يأجوج ومأجوج؟ سيقول لك والحماس يُشِع من عينيه المباركتين: كان ارتفاعه يا ولدي ستمائة ذراع وعرضه ثلاثمائة ذراع، أقمناه بأمر الله من معدن الحديد وصفائح النحاس، البصر لم يصل إلى مداه، فوقه شرفات من الحديد؛ في كل شرفة قرنان، في وسطه باب له درفتان؛ عرض كل درفة منهما خمسون ذراعًا، وعلى الباب قفل طوله سبع أذرع، وله مفتاح طوله ذراع مُعلَّق في سلسلة طولها ثماني أذرع، وعتبته عرضها عشر أذرع، وطولها مائة ذراع. للسد حارس طوله عشر أذرع، يركب كل يوم ومعه عشرون فارسًا بأيديهم مرزبات من الحديد، فيضربون على ذلك القفل ثلاث ضربات، ثم يُصغون بآذانهم، فيسمعون دويًّا كدوي النحل، فيعلم يأجوج ومأجوج أن هناك حراسًا وحفظة خلف الباب!

وتعود فتسأل: ومن هؤلاء الذين يعيشون خلفه يا مولاي؟ فيُجيبك مُؤكِّدًا: الكفرة يا ولدي، إنهم كالنحل؛ منهم من طوله مائة وعشرون ذراعًا، ومنهم من طوله وعرضه سواء يأكل الإنسان والوحش ومن مات منهم أكلوه!

ويغلبك السؤال مرة أخرى فتقول: وهل يبقَون هناك يا ولي الله أو يهدمون السد أو يُخاتِلون الحراس؟

ويُجيبك ولي الله: بل لا يخرجون منه إلا في آخر الزمان، إنهم يلعقون السد بألسنتهم كل يوم، حتى يروا منه شعاع الشمس إذا غربت، ويقولون لأنفسهم: غدًا نفتحه. لكنهم يجدونه في اليوم التالي كما كان في الشدة والغلظ، وعندما تقوم الساعة ينام الحراس، فيجدونه مفتوحًا ويخرجون على الناس ويسبحون في الأرض، ويأكلون الإنس والوحوش والأشجار، ويشربون الأنهار والبحار؛ حتى يُرسِل الله عليهم الريح التي أهلك بها قوم عاد، كما يُرسِل عليهم طيورًا سودًا ذات أعناق سوداء تلتقطهم وتُلقيهم في البحر!

ستهتف: قامت الساعة يا مولاي! سبحوا في الأرض، أكلوا الأطفال والأشجار، أغرقوا السدود فلم تُوقفهم الريح، نهشوا اللحم فلم تلتقطهم الطيور السوداء ذات الأعناق السوداء.

ستراه يهز حصانه الأخضر، ويُخرِج سيفه من جرابه ويشرعه في الهواء، ويصيح: تعال يا ولدي نُحارِب يأجوج ومأجوج! تعال نغلبهم بأمر الله! وتتلفت حولك فلا تجد الجحفل الجرار، وتتحس نفسك فتراك وحيدًا تنتفض من البرد تحت أعين النجوم، ويأتيك صوته الأجش العميق: هيا بنا يا عبد الله. هيا بنا يا من جئت من صلب ذي القرنين!

وتبتسم وتقول: ما لي وذي القرنين يا ولي الله؟

فيسأل غاضبًا: ألست من نسله الطيب يا ولدي؟ ألست من قومه المُبارَكين بإذن الله؟ اخلع يا ولدي رداء العظمة، وانزل عن عرشك واتبعني.

فتُجيب بابتسامة لن تخفى عليه: أي رداء يا مولاي وأي عرش؟

فيقول في حماسه الذي لا يكل: رداء الجبروت يا ولدي المنسوج من الذهب والدر، عرشك المُرصَّع بالذهب والياقوت، تواضع لله يا ولدي، تواضع لله.

فتقول وأنت — لولا الرهبة من حضرته — تكاد تضحك أو تبكي: هذه بذلتي التي لا أملك سواها!

سيسأل وقد زادت حيرته: بذلتك؟ ماذا تقول بحق الله؟ اخلع يا ولدي رداء العظمة، وتواضع لله.

وتسأله لتُخرِجه من حيرته: العظمة؟ من تحسبني يا مولاي؟

سيقول: القائد الذي لا يُهزَم بأمر الله، ماحق يأجوج ومأجوج!

سترد عليه بانكسار: ما أنا يا مولاي سوى موظف في الأرشيف!

وسيسألك من جديد: الأرشيف؟ ما معنى هذا يا ولدي؟

ستقول وأنت تحتمي بظلك: مكان مُظلِم يذهب إليه المساكين، يُوقِّعون في دفاتر الحضور والانصراف، يُدوِّنون الوارد والصادر، يقولون لكل من يسألهم: حاضر ومعلهش وغدًا إن شاء الله! يحلمون على مكاتبهم بالمرتب في أول الشهر، وحذاء لا يحتاج إلى نصف نعل، وبوليصة تأمين تضمن مستقبل الأولاد، ونظرة عطف من الوكيل والمراقب والمدير!

ويتخلى صوته الأجش العميق عن هدوئه، فيقول: ويأجوج ومأجوج يا ولدي؟ هل نتركهم يُفسِدون إلى آخر الزمان؟

وتهمس أو تفكر بينك وبين نفسك: لقد فتحوه وخرجوا يا مولاي يُفسِدون وينهبون ويتلذذون بلحم الأبرياء، سدود يا مولاي؛ فأي سد منها نختار؟ حراس! أين منهم حراسك العشرون؟ مذابح وصراخ وأنين عجزة وأطفال، هذا هو العالم الذي أعيش فيه، أنا موظف الأرشيف الصغير.

سيتنهد ويقول: ما زلت يا ولدي لا أفهم معنى الأرشيف؛ لكن سل عما بدا لك كما سأل ذو القرنين وموسى بن عمران.

وهنا تحضرك الرؤيا فتهتف: سيدي ومولاي، أرشدني إلى عين الحياة، خذ بيدي إلى نبع الخلود. سيمد يده إليك في حنان، ربما ربَّت على رأسك المُتعَب بكفه المباركة المُعطَّرة بالمسك والإيمان، ربما ناداك بصوته العميق: تعال يا ولدي، تعال معي؛ لتستريح.

ستسأل قبل أن تبدأ الرحلة على جواده الأخضر الذي يُشِع بالنور: إلى أين يا ولي الله؟

سيقول: لا تخف يا ولدي، إلى أرض الظلمات.

سترتعش لما سمعت، ستسأل من جديد: صفها لي يا مولاي، أهي العين الحمئة؟

فيغضب لجهلك ويقول: بل صافية يا ولدي، ماؤها أحلى من العسل.

وتسأل مرة أخرى: وهل رأيتها يا مولاي؟

فيقول مبتسمًا من جهلك الفظيع: بل نزلت فيها يا ولدي واغتسلت، شربت من مائها، وجربت الخلود بأمر الله.

هناك يحترق شوقك إلى عين الحياة، وتمضي مع الشيخ الطيب الذي تستنشق ندى خضرته، ستخترق أرض الظلمة وهو يسير أمامك، يتهادى فوق جواده الذي يُشِع كالزبرجد بالنور، سيصير ليلك ونهارك واحدًا، وتسقط عين الشمس خلفك، ستُوغل في ظلام لا كظلام الليل؛ يفور كالدخان ويئز كأن أسياخ حديد محمية يُلقيها فيه الإنس أو الجان، وستمشي ثمانية عشر يومًا وربما عشر سنين لا ترى شمسًا ولا قمرًا ولا ليلًا ولا نهارًا ولا وحشًا ولا إنسًا، وتسير في وادٍ تزلق فيه الخيل والجمال والأقدام حتى ترى نورًا يُشِع من بعيد، وعندما تقترب منه ستعرف أنك انتهيت إلى الصخرة البيضاء؛ هناك لا تستطيع أن تفتح عينيك في النور الذي يُشِع منها، هناك ترى ثلاثة نسور تعلقت بها، وراحت عيونها القاسية تُحدِّق فيك!

سيُشير ولي الله إشارة تُطمئِنك، سيبتسم لك ويشجعك، وستقترب من الصخرة فتسمعها ترتعد وتُقعقِع غاضبة، وترى النسور تنتفض مهرولة، وسترجع عنها خائفة فتسكت وتهدأ، ثم تحاول العودة وهي في كل مرة تنتفض بما عليها من النسور وترتعد وُتقعقِع كأن بركانًا في باطنها، أو كأن ألف فارس يهزون سيوفهم فيها. سيتقدم منها ولي الله فتسكت وتطمئن، فيَرقى عليها ولا يزال يرقى وأنت تنظر إليه وهو يطلع إلى السماء درجة درجة حتى يوشك أن يغيب، وستسمع مناديًا من السماء يهتف به: امض أمامك واشرب بأمر الله فإنها عين الحياة، تطهَّر من مائها؛ فإنك تعيش إلى يومِ يُنفَخ في الصور! وستراه وهو ينزل من على فرسه، ويغترف الماء بكفَّيْه ويظل يشرب حتى تُشرِق من وجهه شمس الرضا الصغيرة، ثم تراه وهو يتجرد من ثيابه ويخلع سيفه وينزل فيها ويتطهر.

وتسمع المنادي يهتف بك: ها أنت ذا قد شربت من ماء الحياة، أُعطيت الحياة إلى قيام الساعة؛ أما بقية الأحياء فيموتون! ارجع يا ذا القرنين أنت وعساكرك؛ فلن تذوقوا قطرة من عين الحياة حتى تعرفوا إرادة الحياة.

ستقف هناك محسورًا، على حين يعود إليك ولي الله يتهادى على جواده الأخضر، ويُشِع من وجهه وعمامته وجسده نور أخضر، وستعرف أنك موظف الأرشيف الذي حُرِم ماء عين الحياة، ولا بد أن يعود إلى مياه البرك والبلاعات والمواسير!

وستفهم أيضًا أن ولي الله لم يكن له ذنب معك؛ فجسمك ضئيل لا يحتمل صعود الصخور والجبال، احمد الله أن المدينة جعلتك تسير على الأرض المرصوفة، وتقنع بالحفر المفروشة في شقوق العمارات، وأمراضك التي لم يسمع بها مولاك تسرق منك الأنفاس، وبنطلونك وقميصك وسترتك المضحكة تمنعك من الدخول. ستقف هناك وحيدًا تحت القمر والنجوم، وستشخص ببصرك حولك وفوقك باحثًا عن مولاك، لن تجد الوجه الأخضر ولا الجواد الأخضر، لن تشم المسك، ولن ترى اليد التي تُربِّت على رأسك وتُشجِّعك وترقيك؛ ربما سمعت صوتًا يناديك: سل عما بدا لك يا ولدي. فلا تدري كيف تجيب؟

هل تطلب منه الراحة لقلبك والبعث، أو السلام لأرضك وللزهور والعصافير والمساكين والأطفال؟ هل تطلب منه الوجه الذي تحبه، أو تنسى هموم القلب وتطلب العدل والخير والبهجة للجميع؟

لن تستطيع أن تُجيب على الصوت، ستقف وحيدًا تحت أعين النجوم، ستُحدِّق في الفراغ وتمشي وئيدًا مَحني الظهر، وتبتعد عن الصحراء في أطراف المدينة المُوحِشة؛ لتعود إلى حفرتك الدافئة الجرداء. من يدري؟ ربما بكيت وبكيت وبكيت، كحيوان يستند إلى جدار ويُغمِض عينيه وينتظر الخلاص، كطفل يرضع من ثدي أمه الميتة! من يدري؟ ربما سخِرت من رؤياك المضحكة وهربت من ولي الله؛ كل هذا عندما تلقاه ذات يوم؟

كل هذا عندما تلقاه!

(١٩٦٥م)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤