الفصل السادس

المُسَمِّم (الإنسان طبَّاخ السم)

في مكانٍ مليء بالناس، ولكنَّ أياديهم فارغة.
في مكانٍ تُلوِّث فيه رصاصات السُّم مياههم …
من أغنية «أهارد رين إز جَنَا فول» للمُغنِّي بوب ديلان، ١٩٦٢

عندما ماتت مارسي بوردرز أخيرًا في السادس والعشرين من أغسطس عام ٢٠١٥، بعد صراع طويل مع سرطان المعدة، ذكرت وسائل الإعلام العالَمية أنها كانت الضحية الأخيرة للهجوم الإرهابي المزدوَج على بُرجَي مركز التجارة بنيويورك في عام ٢٠٠١، أي قبل أربعة عشرة عامًا. كانت مارسي البالغة من العمر ثمانيةً وعشرين عامًا تعمل مساعِدة قانونية، وكانت تَرتدي زي العمل، وكانت مُغطَّاة من رأسها حتى أخمص قدميها بالغبار الرمادي الناعم الناتج عن انهيار ناطحتَي السحاب العملاقتَين، اللتَين حُفرت صورتاهما المؤلِمة في ذاكرة الناس في جميع أنحاء الكوكب في التغطية الإعلامية التي تلَت ذلك. لقد برَزَت مارسي بطريقةٍ أو بأخرى باعتبارها الناجية المثالية، التي على الرغم من صدمتها وذهولها الشديدَين، كانت ما تزال مُتمالكةً نفسِها. بعد مرور سنوات، وبعدما اكتشفت إصابتها بالسرطان، تحدَّثت مارسي علنًا لصحيفة «جيرسي جورنال» عن تجربتها: «كيف يُمكن أن تكون بصحة جيدة ثم تَستيقظ في الصباح التالي لتجد نفسك مصابًا بالسرطان؟» هكذا تساءلت مارسي قائلة: «كنتُ أسأل نفسي، هل تَسبَّب هذا الأمر (انهيار البرجَين) في إطلاق الخلايا السَّرَطانية في جسدي؟ هذا هو ما أُصدقُه بكل تأكيد؛ لأنَّني لم أكن مصابةً بأي أمراض» (شورتيل، ٢٠١٥). بعد وفاتها وهي تَبلُغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، كتَبَ عُمدة نيويورك بيل دي بلاسيو تغريدة يقول فيها: «إنَّ وفاة مارسي بوردرز تذكرة صعبة بالمأساة التي عانت منها مدينتُنا قبل أربعة عشرة عامًا تقريبًا. إن مدينة نيويورك تحتفظ بأحبائها في قلوبنا.»

في يوم الحادي عشر من سبتمبر، يوم الهجوم المزدوَج على البرجَين، لقيَ ٢٧٥٣ شخصًا حتفهم. وعلى مدى السنوات التالية، أصيب الآلاف من الناجين من الهجوم وموظَّفي خدمات الطوارئ الذين ساعدُوهم بالسرطان وأمراض أخرى ناجمة عن التعرُّض للسُّميَّات. يُذكَر هذا الأمر بصورة مفصَّلة في العديد من الدراسات العِلمية (وو وآخرون، ٢٠١٠). في دليل عُرِض على اللجنة الاستشارية العِلمية ﻟ «البرنامج الصحي لضحايا مركز التجارة العالَمي»، ذكَرَ لوري براير، وهو أحد المسئولين بالبرنامج: «كما ترَون أنه اعتبارًا من مايو عام ٢٠١٥، لدينا أكثر من أربعة آلاف عضو تأكَّد إصابتُهم بسرطانات مُرتبطة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر» (البرنامج الصحِّي لضحايا مركز التجارة العالمي، ٢٠١٥). بعبارة أخرى، قد تفُوق الخسائر النهائية من التعرُّض للمواد السامة الناتجة عن انهيار البرجَين حجم الانهيار نفسه بكثير.

وعلى الجانب الآخر من العالَم، وفي نفس اليوم الذي تُوفيَت فيه مارسي بوردرز، مات أكثر من أربعة آلاف صيني من جرَّاء تلوث الهواء، كما يحدُث يوميًّا. في الواقع، قال العلماء إن ١٧٪ من سكان الصين يموتون حاليًّا بسبب الهواء الذي يتنفَّسُونه (رود ومولر، ٢٠١٥). وذلك على الرغم من أن الصين ليست هي الأسوأ فيما يتعلَّق بتلوُّث الهواء في العالم؛ إذ تَحمل الهند وباكستان هذا اللقب الذي لا تُحسَدان عليه (رامزي، ٢٠١٥). يعدُّ كلٌّ من الهواء الحضري في قارة آسيا، وبرجا مركز التجارة العالَمي من الأعراض غير المفهومة للعالَم ذي السُّمية المتزايدة الذي نعيش فيه.

تسمم الكوكب

تتشبَّع الأرض وكل أشكال الحياة الموجودة عليها بصورة مُستمرَّة بمواد كيميائية من صنع الإنسان في حدَث لم يَسبق له مثيل خلال الأربعة مليارات سنة من عمر كوكبِنا. في كل لحظة من حياتنا، منذ أن كنَّا في بطون أمَّهاتنا وحتى الموت، نتعرَّض لآلاف المواد، بعضها مُميت، حتى ولو كان بجرعاتٍ صغيرة، ومعظمُها آثارُها على صحَّتنا وسلامتنا أو على العالَم الطبيعي غير معروفة. تدخُل هذه المواد أجسادنا مع كل نفس، وفي كل وجبةٍ أو مشروب نتناوَلُه، وفي الملابس التي نَرتديها، والمنتَجات التي نتزيَّن بها، والتي نُزيِّن بها بيوتنا وأماكن عملنا وسياراتنا وأثاثنا، والأشياء التي نُقابلها في حياتنا كلَّ يوم. وكل هذه الأشياء لا مفرَّ منها ولا يُمكن تجنُّبها.

إنَّ كوكبنا كوكبٌ مسموم، ونظامه بالكامل مُتشبِّع بالمواد التي يُنتجها الإنسان عمدًا أو عن غير قصد أثناء عمليات استخراج المُنتَجات الكثيرة الرائعة التي تَعتمد عليها الحياة الحديثة1 أو أثناء صُنعها أو استخدامها أو حرقها أو التخلُّص منها. لقد حدثَت هذه الثورة في استخدام المواد الكيميائية وإطلاقها بسرعةٍ كبيرة جعَلَت مُعظم الناس في حالة من الجهل المُبهج بحَجمِها ومداها الحقيقيَّين، أو بالمخاطر التي تُمثِّلُها علينا جميعًا الآن، وكذا على الأجيال القادِمة لقُرونٍ آتية.

قدَّرت الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية في عام ٢٠١٥ أن نحو ١٤٤ ألف مادة كيميائية مختلفة إما كانت مُسجَّلة أو مسجَّلة مُسبقًا للاستخدام في جميع أنحاء العالم (الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، ٢٠١٥). هذا هو المؤشِّر الوحيد لعدد المواد الكيميائية المُصنَّعة عمدًا على مُستوى العالم؛ ومن ثمَّ ربما يكون هذا المؤشِّر أقل من التقديرات الفِعلية. تقول حكومة الولايات المتحدة إن نحو ٨٥ ألف مادة كيميائية تُستخدَم في هذا البلد وحده، وأنه في كل عامٍ «يضاف استخدام ما يُقدَّر بنحو ٢٠٠٠ مادة جديدة في عناصر الحياة اليومية مثل الطعام ومُنتَجات العناية الشخصية والعقاقير الطبية والمُنظِّفات المنزلية ومنتجات العناية بالحدائق» (وزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية، ٢٠١٤).

ببساطة، لا يُعرَف حجم خطر السُّمِّية التي تُشكلها هذه المواد الكثيرة على البشر وعلى كل أشكال الحياة، ولكنه يزداد يومًا بعد يوم. وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. من المتوقع أن يتضاعَف الإنتاج الكيميائي الصناعي في العالَم إلى ثلاثة أضعاف بحلول منتصَف القرن وذلك تماشيًا مع النمو الاقتصادي و«التكثيف الكيميائي» للاقتصادات الصناعية. ويحدُث التكثيف الكيميائي عندما يزداد استخدام المواد الكيميائية الصناعية أكثر وأكثر في أعمالٍ مثل إنتاج المواد الغذائية والتصنيع والمُعالَجة والنقل والرعاية الصحية ومُنتَجات الزينة الشخصية أو كبديلٍ للمنتجات الطبيعية. علاوةً على ذلك، تنتقل الصناعة الكيميائية العالمية سريعًا خارج أماكن مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تخضع للتنظيم الصارم، وتحِلُّ في البلدان الصناعية الناشئة في آسيا التي غالبًا ما يكون النظام فيها فاسدًا وأقل صرامة بكثير.

يُحذِّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن مُعظَم المواد الكيميائية التي نتعرَّض لها يوميًّا لم تخضع للاختبار مُطلقًا للكشف عن سلامتها على البشر أو على البيئة: «من بين عشرات الآلاف من المواد الكيميائية الموجودة في السوق، لم يُقيَّم منها سوى جزءٌ بسيط فقط لتحديد آثارها على صحة الإنسان والبيئة.» ويُضيف البرنامج أنَّ «التعرُّض الفِعلي على أرض الواقع نادرًا ما يقتصر على مادةٍ كيميائية واحدة، ولا يتوفَّر سوى القليل من المعلومات عن الآثار الصحية والبيئية للخلائط الكيميائية» (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ٢٠١٣).

يُشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الإنتاج العالمي للمواد الكيميائية الصناعية لا يقلُّ عن ٣٠ مليون طنٍّ سنويًّا.2 ومع ذلك، فإنَّ هذه المواد المُصنَّعة عمدًا ليست سوى قطرةٍ في بحرٍ من إجمالي الانبعاثات الكيميائية البشرية، والتي يكون مُعظمها غير مُتعمَّد.
جدول ٦-١: الحجم السنَوي المُقدَّر للملوثات الناتجة عن النشاط البشري.
المواد الكيميائية المُصنَّعة (بما في ذلك أربعة أطنان من مبيدات الآفات) ٣٠ مليون طن (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ٢٠١٣)
الفوسفور ١١ مليون طن (روكستروم وآخرون، ٢٠٠٩)
النيتروجين ١٥٠ مليون طن (روكستروم وآخرون، ٢٠٠٩)
النفايات الخطرة (بما في ذلك ٥٠ مليون طنٍّ من النفايات الإلكترونية) ٤٠٠ مليون طن (ذا وورلد كاونتس، ٢٠١٥)
الفحم والنفط والغاز وما إلى ذلك ١٥ مليار طن (رابطة الفحم العالمية ٢٠١٣؛ إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ٢٠١٥؛ الكتاب الإحصائي السنوي للطاقة العالمية، ٢٠١٤)
الغطاء الفوقي، ومُخلَّفات التعدين، والخَبَث < ١٠٠٠ مليار طن (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ٢٠١٥)
الكربون (جميع مصادره) ٥٠ مليار طن (الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ، ٢٠١٤ب)
المواد (المعادن ومواد البناء والأخشاب وغيرها) ٧٥ مليار طن (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ٢٠١٥ب)
التربة المتآكلة ٧٥ مليار طن (ويلكينسون وماكيلروي، ٢٠٠٦)
المياه التي لوِّثَ مُعظمها بما ذُكِر أعلاه تسعة تريليونات طن (هوكسترا وميكونين، ٢٠١١)

ما هذه القائمة إلا قائمة جزئية لا تَشمل أشياء مثل المواد التي تُصنع منها الأسلحة النووية والكيميائية، والعقاقير غير المشروعة، وجسيمات النانو وما إلى ذلك. ومع هذا، تَنقل هذه القائمة الصورة المُتعلِّقة بحجم انبعاثاتنا الهائل وتأثيرها واسع النطاق على الكوكب ككل. ومن ثمَّ يَبلُغ إجمالي الانبعاثات الكيميائية للبشرية أكثر من رُبع تريليون طنٍّ كل عام، وبما أن العديد من هذه المواد مُعمِّرة، مثل المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية الثابتة والبلاستيك والكربون والرواسب، فإن جزءًا كبيرًا من هذه المواد المُنبعِثة يكون تراكميًّا، عامًا بعد عام. على عكس ما يتخيَّله مُعظم الناس، فإن العديد من هذه المواد لا تتحلَّل أو تُصبح آمِنة بعد فترةٍ من الزمن، بل إنها تُضيف عبئًا مُتزايدًا، وأحيانًا مُستمرًّا، إلى عبْء السُّمية لكل واحدٍ منَّا.

يُعتبر هذا التدفُّق الكيميائي، إلى حدٍّ بعيد، هو أكبر تأثير للبشرية على حياتنا وعلى كل أشكال الحياة. لقد حدث هذا فقط في المائة وخمسين عامًا الماضية، وبخاصة في آخر خمسين عامًا. أما قبل ذلك، فلم يتعرَّض أيٌّ من أسلافنا لاعتداءٍ سامٍّ على مثل هذا النطاق. يُمكن القول إنَّ هذا التهديد الذي يَحيق بوجودنا هو أكثر التهديدات التي يستخفُّ بها، والأقل بحثًا وفهمًا بين جميع التهديدات التي يُواجهها البشر في القرن الحادي والعشرين.

ولأول مرة في تاريخ الأرض، يقوم نوع واحد — نحن البشر — بتسميم الكوكب بأكمله.

الفيضان العظيم

منذ سبعينيات القرن العشرين، كشف العِلم تدريجيًّا عن صورة مُقلقة للتلوث الكيميائي البشري الصُّنع الذي يزحف بلا هوادة حول الأرض متغلغلًا في الماء والهواء والتربة والحياة البرية والأسماك والغذاء والتجارة والناس وحتى في جيناتنا نفسها (على سبيل المثال، انظر لوجاناثان وكوان سينج لام، ٢٠١٤).

يَكتشف الباحثون موادَّ سامة من صُنع الإنسان تتسبَّب في تفشِّي سرطان الجلد، موجودة في طبقة الستراتوسفير (وكالة حماية البيئة الأمريكية، ٢٠١٤) وصولًا إلى قمَّةِ جبل إفرست (يوه ولانجلي تيرنباه، ٢٠١٠)، حيث أصبحت الثلوج الجديدة شديدةَ التلوُّث بحيث لا يُمكن شُربها، وغابة الأمازون (مالم، ١٩٩٨)، وأقاصي الجزُر المرجانية (أومان وآخرون، ١٩٩٧)، وقاع البحار في المُنحدَرات القارِّية (بيرن وآخرون، ١٩٨٠)، وأعماق المحيطات حيث اكتُشِفَ أن الحبَّار الموجود على بعد أكثر من ألف قامة في قاع المياه مُلوَّثٌ بالمواد الكيميائية المُسَرطِنَة، ومصدرها اللوازم المنزلية (مركز الشمال الشرقي لعلوم المصائد، ٢٠٠٨). أي من أعالي القطب الشمالي (كالدر، غير مؤرَّخ؛ بروفييري وبيروني، ٢٠٠٥) إلى العُزلة البِكْر للقارة القطبية الجنوبية (كونكل، ٢٠١٢؛ الشعبة المَعنية بالمنطقة القطبية الجنوبية بأستراليا، ٢٠١٢؛ فوكو وآخرون، ٢٠٠٩). ومن سحابة السموم والجُسيمات القذِرة ذات اللون الرمادي والبُنِّي التي استقرَّت عبر سماء آسيا الصناعية بدايةً من مكة إلى نيودلهي وصولًا إلى بكين (مركز السحب والكيمياء والمناخ التابع لبرنامج الأُمم المتحدة للبيئة، ٢٠٠٢)، وتَنتشِر الآن لتُغطِّي نصف الكرة الشمالي بأكمله ومعظم سكَّان العالَم معه، إلى المياه شديدة التلوُّث التي تُشكِّل أساس مدن العالَم الكبرى (كورودا وفوكوشي، ٢٠٠٨؛ فان ويك، ٢٠١٣؛ مجلة «تايمز أوف إنديا»، ٢٠١٠) وتُستخدَم في مُستلزمات مياه الشرب المنزلية (على سبيل المثال، انظر مجموعة العمل البيئية، ٢٠١٠).

يَعثُر الباحثون باستمرار على المواد الكيميائية السامة التي يَصنعها الإنسان في الطيور (موير وآخرون، ٢٠٠٢)، والأسماك (الهيئة البريطانية لأسماك البحار، ٢٠١٣)، والحيتان (موسنر وبالشميتر، ١٩٩٧)، وحيوانات الفقمة (روس وآخرون، ٢٠٠٤)، والدِّبَبة القطبية (دييتز وآخرون، ٢٠١٢)، وغيرها من أشكال الحياة التي لم تكن متَّصلة بالبشر بأي شكلٍ من الأشكال، وكذا في كل سلسلة الغذاء العالَمية (برو-راسموسين، ١٩٩٦). ويعتقد العُلماء أن هذه الكائنات والمناطق النائية قد أصبحت مُلوَّثة بسبب ما يُعرَف باسم «تأثير الجندب» (أو التقطير العالمي)، حيث تَنتقل فيه الملوِّثات العضوية الثابتة المُتطايرة حول الكوكب في دوراتٍ متعاقِبة من التكثيف وإعادة التبخير (سيمينا ولامل، ٢٠٠٥). أما الوسيلة الأخرى التي تنشُر التلوث في جميع أنحاء العالم فهي الكتلة البلاستيكية التي تُلوِّث محيطات العالم حاليًّا، فقد اكتشَفَ الباحثون أن بعض السموم المُعمِّرة التي صنعها الإنسان يُمكنها أن تلتصِق بالجزيئات البلاستيكية الصغيرة؛ ومن ثمَّ تنتقِل بِحُرِّية أينما تأخذُها تيارات المحيط (ريوس وآخرون، ٢٠٠٧).

في أوائل عام ٢٠١٦، اجتمَعَت مائة حكومة وطنية في كوالالمبور بماليزيا، لمناقشة أحد التطوُّرات الكيميائية التي تُنذر بالخطر؛ ألا وهو الفقدان السريع لنحْل العسل والملقِّحات الأخرى في العالَم بسبب التلوُّث العالمي بمبيدات الآفات. أصدر المُنتدى الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المَعني بالتنوُّع البيولوجي وخدمات النُّظم الإيكولوجية، وهي منظمة مستقلة تضمُّ في عضويتها ١٢٤ دولة، أول تقييم عالَمي للأضرار التي لحِقَت بالنحل والطيور والخفافيش والخنافس والعثِّ والفراشات وغيرها من الكائنات التي تَحمل حبوب اللقاح الضرورية لإخصاب أكثر من ثلاثة أرباع المحاصيل الغذائية الرئيسية في العالَم و٩٠٪ من النباتات البرية المُزهرة. وجدت الدراسة أن الاعتماد البشري على الملقِّحات يَتزايد، وأنه قد تضاعف بثلاث مرَّات في نصف القرن الماضي. من بين ٢٠ ألف نوع من حشرات التلقيح المعروفة، يُوجَد نوعان من بين كلِّ خمسة أنواعٍ من حشرات التلقيح (مثل النحل والفراشات) ونوع واحد من بين كل ستَّةٍ من فقاريات التلقيح (مثل الخفافيش والطيور الطنَّانة) في طريقِها إلى الانقراض على مُستوى العالَم. وعلى الرغم من أن المبيدات هي السبب الرئيسي في ذلك، فإن فقدان المَوائل وتغيُّر المناخ ضالعان في الأمر أيضًا. وقال دينيس فان إنجلزدورب من جامعة ماريلاند لوسائل الإعلام: «كلُّ شيءٍ سيَنهار إذا خرجت المُلقِّحات من اللعبة. إذا كُنا نُريد أن نقول إننا قادِرُون على إطعام العالَم في عام ٢٠٥٠، فإنَّ المُلقِّحات ستكون جزءًا من ذلك» (مجلة «ماذربورد»، ٢٠١٦).

عندما كتب بوب ديلان في أغنيته «أهارد رين إيز جَنَا فول» في عام ١٩٦٢، «في مكان تُلوِّث فيه رصاصات السُّم مياهَهم …» كان يتنبَّأ بتهديدٍ عالَمي قد نشأ من مبيدات الآفات الزراعية على أنظمة المياه العذبة في العالَم. في دراسة عن المياه السطحية التي تُغطِّي ٧٣ دولة، وجد سيباستيان ستيل ورالف شولتز من جامعة كوبلنز لانداو في نحو ٦٠٠٠ حالة في جميع أنحاء العالَم أن محتوى مُبيدات الآفات الموجود في الأنهار والرواسب قد تجاوَزَ المُستويات الآمِنة بأكثر من الضعف؛ ومن ثمَّ قالا: «لذا فإنَّ السلامة البيولوجية للموارد المائية العالَمية في خطر كبير.» علاوةً على ذلك «تطعَنُ نتائجنا بشكلٍ جدِّي في مدى فاعلية تقييمات المخاطر وإجراءات المكافَحة التنظيمية الحالية الخاصَّة بالمبيدات الحشرية على مُستوى العالم» (ستيل وشولتز، ٢٠١٥).

إن الصورة التي تُكوِّنها الآلاف من التقارير العِلمية عن كوكب الأرض هي أنه لا يُوجَد فعليًّا منطقة واحدة على كوكب الأرض، بما في ذلك المناطق النائية، تَخلُو من الملوِّثات البشرية التي تُفسد «جميع أشكال الحياة» على الكوكب سواء بصورةٍ مباشرة أو غير مباشِرة. كما رأينا في الفصل الثاني، فحتى المخلوقات المُنتشِرة على نطاقٍ واسع، مثل الضفادع ونحْل العسل والمرجان المُكَوِّنُ للشُّعَب المرجانية والخنافس والحبَّار الذي يعيش في أعماق البحار تتأثَّر بهذا التسمُّم العالَمي؛ ومن ثمَّ فالكثير منها مُعرَّض لخطر الانقراض.

المشكلات الصحية

لا نُستثَنى نحن البشر من المخاطر سالفة الذكر؛ إذ تَتراكم الدلائل في عشرات الآلاف من تقارير الأبحاث العلمية التي خضَعَت لمراجعة الأقران (وهو ما يعني أنها جديرة بالثقة) على أننا (وكذا أحفادنا، ولباقي الزمن على الأرجح) مُعرَّضُون للخطر من الفيضان السامِّ الذي تسبَّبنا نحن فيه. وعلى الرغم من هذه الأدلَّة الصارخة، يظلُّ عامَّةُ الناس في معظم البلدان غير واعِين إلى حدٍّ كبير، بما يُفْعَلُ بهم. والسبب ذو شقَّين؛ الأول، هو أن مُعظَم هذه التقارير تكون مدفونةً في المجلَّات العلمية، ومكتوبة باللغة الصعبة وغير المفهومة التي يَستخدِمها المُتخصِّصُون. وقد يَسمع عامَّةُ الناس قليلًا عن فئةٍ مُعينة من المواد الكيميائية التي تُثير القلق، مثل المبيدات الحشرية والمواد المُضافة للأغذية أو السموم الصناعية الفائقة التي تُعرَف باسم «الملوثات العضوية الثابتة» (اتفاقية استكهولم، ٢٠١٣أ)، أو «تلوُّث الهواء» عامة. ومع ذلك، لا تُمثِّل هذه سوى أجزاء قليلة وضئيلة في صورةٍ أكبر بكثير ترسُمها المؤلَّفات العلمية حاليًّا لعشرات الآلاف من الموادِّ الضارة المُحتمَلة التي تُنشَر في جميع أنحاء العالم. والشقُّ الثاني هو أن نِسبة المواد الكيميائية التي خضعت للاختبار الجيد من حيث سلامتها على الإنسان، نسبة صغيرة جدًّا، ولا يُعرَف شيء عن سُمِّيتها عند تفاعُلها مع مواد أخرى، طبيعية كانت أو اصطناعية، في بيئتنا المعيشية اليومية وفي طعامنا أو أجسامنا.

تكشف الاختبارات في جميع أنحاء العالَم أن الشخص العادي في الوقت الحاضر عبارة عن موقع مُلَوَّث يَمشي على قدَمَين، فقد يَحمل مواطنو المُجتمَعات المتقدِّمة عدة مئات من المواد الكيميائية الصناعية في أنسجة الجسم أو الدم أو العظام في أي وقت (ثورنتون وآخرون، ٢٠٠٢؛ أنستاوت وآخرون، ٢٠١٠؛ رويز، ٢٠١٠). تُجري مراكز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، مسحًا دوريًّا ﻟ ٢١٢ مادة ضارة، وتجد العديد منها موجودة في دم أو بَول مُعظَم الأمريكيِّين الذين تختبرهم، والكثير منها موجود بنِسَبٍ ضَخمة (مراكز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة، ٢٠١٤).

حدَّدت مجموعة العمل البيئية الأمريكية في اختبارات مُستقلَّة، ٤١٤ نوعًا من السُّموم الصناعية في ١٨٦ شخصًا يتراوَحُون بين حديثي الولادة والأجداد. كما عُثرَ على ٢١٢ مادة كيميائية صناعية، بما في ذلك الديوكسينات ومُثبِّطات اللهَب والمواد المُسرطنة المعروفة في دم الأطفال حديثي الولادة من مجموعات الأقليات العِرقية، الذين عانَوا من التلوُّث أثناء وجودهم في أرحام أمَّهاتهم (مجموعة العمل البيئية، ٢٠٠٩). وقد أثارت هذه النتائج قلق علماء الطبِّ على المستوى الدولي لدرجة أنهم شرَعُوا في إجراء اختبارٍ طُولي على نحو ثلاثة أرباع مليون طفل في سبعة بلدان. والهدَف من ذلك هو رصْد ما يحمِلُه جسم الطفل من المواد الكيميائية ومُحاوَلة تحديد مدى ارتباطها من عدَمِه بأيِّ مشكلاتٍ صحية قد يُعاني منها لاحقًا. ظلَّ هذا الاختبار قائمًا على مدار عشرين عامًا، ولكن من غير المُتوقَّع ظهور نتائج واضحة حتى مُنتصَف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

واليوم، لا يكاد حديثي الولادة يتمتَّعُون بالتقاط أنفاسهم الأولى بسبب التلوُّث الذي لا يتوقَّف. أفادَت مُنظَّمة الصحة العالمية أنه وُجِدَ أن لبن الأمِّ مُلوَّث بما يصلُ إلى اثنتين وعشرين مادة ضارة من مُبيدات الآفات والمواد الكيميائية المُستخدَمة في الصناعة في أكثر من سبعين دولةٍ حول العالَم، بما في ذلك أمريكا، وخمس عشرة دولة أوروبية، والبرازيل والصين وروسيا والهند وأستراليا والعديد من البلدان الأفريقية والآسيوية (اتفاقية استكهولم، ٢٠١٣ب). وقد ذُكِرَ تلوُّث لبن الأم بالمواد الكيميائية الصناعية في المؤلَّفات العلمية منذ خمسينيات القرن العشرين، ولكن استمرَّ معدَّل حدوثِه في الارتفاع على المستوى العالَمي وفي كل بلدٍ على حِدة حتى القرن الحادي والعشرين، دون إشاراتٍ على تراجُعه، سوى القليل. ففي حين تُظهر الاختبارات أنه قد يكون هناك تراجُع في مستويات مادة كيميائية بعَينها (مثل مبيدات الآفات المحظورة دي دي تي)، فهناك العديد من المواد الكيميائية الجديدة (مثل مُثبِّطات اللهَب والمواد «الحافظة») التي تظهر لتحلَّ محلَّها. في الواقع، تَستخدِم بعض الهيئات الصحية الآن مُعدَّل وجود تسمُّم في لبن الأم كمؤشِّرٍ على مستوى التسمُّم في السكَّان ككل. وهو ما يُعطينا فكرةً عن مدى تعقيد مُشكلة حماية الأطفال في القرن الحادي والعشرين من السموم الاصطناعية التي يتسبَّب فيها الإنسان. أما بالنسبة لمن قد يَلجئون لاستخدام حليب الأطفال المُجفَّف بدلًا من حليب الأم؛ فإنَّ الأنباء التي تُفيد بأن جميع أنواع حليب الأطفال المُجفَّف التجارية الأمريكية التي تمَّ اختبارُها، ملوَّثة بوقود الصواريخ (شارب، ٢٠٠٩)، وأن الصين قامت بإعدام اثنين من المُديرين التنفيذيِّين بإحدى شركات إنتاج الحليب بتُهمة إضافة مادة الميلامين البلاستيكية الصناعية إلى حليب الأطفال المُجفَّف (فوستر، ٢٠١١) تجعل استخدامه كبديلٍ للبن الأمِّ أمرًا غير مطمئن. الأمر الذي لا بدَّ من وضعِهِ في الاعتبار هو أنه، ولأكثر من مليون سنة، كان الأطفال يُولَدون في هذا العالم ويَكبُرون ويترعرعُون دون التعرُّض إلى السموم الصناعية. ولكن هذا كله قد تغيَّر منذ أربعينيَّات القرن الماضي بصورةٍ جذرية، فعمليًّا، يَحتوي الشراب الأول لكلِّ طفلٍ يُولَد على كوكب الأرض اليوم على مواد كيميائية من صنع الإنسان.

والوضع لا يتحسَّن؛ فعلى سبيل المثال، صرَّحَت حكومة ولاية كاليفورنيا أن «المزيد والمزيد من العلماء واختصاصيي السموم يَكتشفون «موادَّ كيميائيةً جديدة مُثيرة للقلق».» أظهرت الدراسات الحديثة أن بعض هذه المواد الكيميائية يُمكن أن تُسبِّب خللًا في الغدد الصمَّاء، وهو ما يَعني أنها تَمنع أو تُشوِّه الإشارات الطبيعية التي تُرسِلها هرموناتنا إلى الجسم، ويُمكن أن تتسبَّب في هذه التأثيرات بكميَّاتٍ لا تذكر، على مُستوى جزءٍ لكل مليار أو لكل تريليون جزء. كما يُمكن أن تُوَرَّث تأثيرات هذه المواد الكيميائية عبر الأجيال؛ فقد وجد العلماء أنه عندما تتعرَّض حيوانات المُختبَر وهي أجنَّة لهذه المواد، لا تَنتقِل التأثيرات إليها فقط، بل إلى نسلِها أيضًا على مدار عدة أجيال قادمة (مانيكام وآخرون، ٢٠١٣). بالإضافة إلى ذلك، يُساور العلماء القلق بشأن الآثار غير المعروفة للتعرُّض إلى مزيج من هذه المواد الكيميائية الناشئة المثيرة للقلق، أو المواد الكيميائية الأخرى (إدارة كاليفورنيا للرقابة على المواد السامة، والمواد الكيميائية الناشئة المثيرة للقلق، ٢٠٠٧).

يُعد الإنتاج الصناعي الحديث لإمدادات الغذاء مصدرًا يوميًّا رئيسيًّا للسموم لغالبية الناس. وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، يتمُّ استخدام نحو ٤٠٠ ألف طنٍّ من المبيدات الحشرية لزراعة الطعام في البلاد كل عام. وبما أن أمريكا تستخدم نحو ٢٢٪ من مبيدات الآفات في العالم، فإن هذا يجعل نسبة الاستخدام العالَمي للسموم المخصَّصة لمجال الزراعة وحدَها حوالي ١٫٨ مليون طن (وكالة حماية البيئة الأمريكية، ٢٠١٣). وقد ثبَت بوضوحٍ وجود هذه السموم لدى المستهلِكين من خلال التأثير العالَمي للمبيدات الحشرية الموجود في لبَن الأم، وكذا في دم الرُّضَّع. ومع ذلك؛ فبالإضافة إلى استخدام نحو ٢٠٠٠ مادة كيميائية في زراعة الغذاء في المزارع، تُستَخدَم ٤٠٠٠ مادة كيميائية أُخرى، على الأقل، خلال عملية تخزين الطعام ومعالجته، على هيئة إضافاتٍ أو مواد حافظة أو المواد والحاويات التي تُستخدَم لتعبئة وتغليف الأغذية (مونكي وآخرون، ٢٠١٤). ولقد أعرب العلماء عن قلقِهم من أن العديد من هذه المواد، سواء كل مادة على حِدَة أو كلها مُجتمعة، قد يَثبُت أنها ضارة بصحة الإنسان على المدى الطويل (موقع ساينس ديلي، ٢٠١٤). وبينما سيُصاب مُعظَم الآباء بالصدمة عندما يَعلمون أنهم يُطعمون الوقود الأحفوري لأطفالهم؛ فإن العديد من الصبغات اللونية الزاهية التي تُستخدَم في صناعة المواد الغذائية مُشتقَّة في الواقع من قطران الفحم أو البترول وقد ثبَت ارتباطها بالعديد من الأمراض مثل السرطان والتَّلَف الدماغي والاضطرابات التناسُلية (كوبيلوسكي وجيكوبسون، ٢٠١٠). يُعتبَر تعرُّض الإنسان للمواد الكيميائية الموجودة في السلسلة الغذائية أمرًا لا يُمكن تجنُّبه تقريبًا، ومستمرًّا مدى الحياة. فحتى النظام الغذائي الذي يَعتمد على الغذاء المَزروع في المنزل، يكون عُرضةً لتلوث الهواء والماء والتربة، في حين أن الحيوانات البرية والأسماك ملوَّثة على نطاقٍ واسع الآن.

من أولى الأشياء التي تفعلُها المُراهَقات العصريات هي استخدام مُستحضِرات التجميل ومنتَجات «العناية بالجسم». وبذلك، فإنها تُعرِّض جهازها التناسُلي دون قصدٍ لمجموعة من المواد الكيميائية التي يَرتبط بعضها الآن بالاضطرابات الهرمونية والإنجابية، وحتى العُقم وتغيير جنْس الجنين. تقول جامعة تورونتو، والتي تُجري واحدًا من البرامج البحثية الرائدة في العالَم في مجال مُستحضِرات التجميل، إن «التعرُّض إلى العطور والمُنتجات المُعطِّرة الأخرى يُمكن أن يُؤدِّي إلى آثارٍ صحية خطيرة لدى الأفراد المُصابين بالربو أو الحساسية أو الصداع النِّصفي أو الحساسية الكيميائية. تشمل المُنتَجات المُعطِّرة الشائعة، العطور والكولونيا ومنتَجات ما بعد الحلاقة ومُزيلات العرَق والصابون والشامبو ومُثبت الشعر ومُعطِّر الجسم والمكياج والمساحيق … ومُعطرات الهواء ومُنَعِّمات الأقمشة ومنظفات الغسيل والمُنظِّفات ومُعقِّمات السجاد ومناديل الوجه والشموع (جامعة تورونتو، ٢٠١٣).»

وتضيف الجامعة أن «المواد الكيميائية العطرية قابلة للمشاركة بطبيعتها؛ حيث تتبخَّر المواد الكيميائية في الهواء ويَسهُل لمن حولنا استنشاقُها. تتكوَّن المنتَجات العطرية الحالية من خليطٍ مُعقَّد من المواد الكيميائية التي يُمكن أن تُساهم في التسبُّب في مشكلاتٍ في جودة الهواء في الأماكن المُغلَقة وفي مشكلات صحية.» وعلى وجه الخصوص، قد يؤثر استخدام الأمَّهات للعطور الطيارة على الأجنة أو الأطفال حديثي الولادة، وهي مرحلة نمو شديدة الحساسية. ومثل المواد الكيميائية الموجودة في الغذاء؛ فالعطور بالكاد يُمكن تجنُّبها بالنسبة لغالبية المواطنين في المناطق الحضرية، وكذا دخان التبغ وجميع الأشكال الأخرى لتلوُّث الهواء، فكلُّ ذلك موجود حولنا.

إن تسمُّم البشر هو قضية تخصُّ الحياة بأكملها، بل يمتدُّ تأثيرها لما هو أبعد من ذلك كما تؤكد أحد الأبحاث الأسترالية المُثيرة للاهتمام؛ حيث وجد البحث أنه حتى عندما يموت الإنسان ويُدفَن، ينبعِث من جثته عبء الجسم من السموم الدائمة والمعادن الثقيلة التي تراكمَتْ في الجسم على مدى الحياة، وتعود إلى المياة الجوفية التي تتدفَّق أسفل المدن الرئيسية — والتي عادةً ما تُستخدَم للشُّرب (دينت، ٢٠٠٢). وبذلك، تستمرُّ سمومنا في العيش وفي التأثير على الآخَرين، حتى بعد وفاتنا.

المخاطر

يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنَّ «التعرُّض للمواد الكيميائية السامَّة يُمكن أن يُسبب، أو يُساهم في مجموعةٍ واسعة من الآثار الصحية. وتَشمل هذه الآثار تَهيُّج العين والجلد والجهاز التنفُّسي، وتلَف الأعضاء مثل الدماغ أو الرئتَين أو الكبد أو الكُلى، وتلف الجهاز المناعي أو التنفُّسي أو القلب والأوعية الدموية أو الجهاز العصبي أو التناسُلي أو الغُدَد الصمَّاء، والعيوب الخلقية والأمراض المُزمنة، مثل السرطان والرَّبو والسُّكري. بينما يكون الأطفال والنساء الحوامل والمجموعات الضعيفة الأخرى هم الأكثر ضعفًا وعُرضة للآثار السلبية لهذه المواد» (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ٢٠١٣).

يُضيف برنامج الأُمَم المتحدة للبيئة أنه يموت سنويًّا نحو خمسة ملايين شخص ويُصاب ٨٦ مليون شخصٍ بالإعاقة بسبب المواد الكيميائية مباشَرة، وهو ما يجعلها أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، وهي أكثر فتكًا من الملاريا أو فيروس نقص المناعة البشرية أو الإيبولا أو السل، على سبيل المثال. ومع ذلك، فهذا الرقم لا يَعكِس الخسائر الحقيقية بشكلٍ كبير، كما أقرَّت كلٌ من منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. فهو لا يَشمل، على سبيل المثال، ملايين الوفَيات والإعاقات الأخرى التي تتسبَّب فيها المواد الكيميائية، مثل أمراض السرطان والقلب والسِّمنة والسُّكري والاضطرابات العقلية. كما لا يشمل هذا الرقم الضرَر البطيء الذي قد يُسببه عبء الجسم من السموم التي تراكمَت على مدار حياة الإنسان. أحد أسباب القلق على وجه الخصوص هي كيفية تفاعُل المواد الكيميائية — سواء التفاعل المقصود أو غير المقصود — مع آلاف المُركَّبات الأُخرى في بيئتنا وفيما نتناوله يوميًّا وما سيَنتُج عن ذلك من المليارات من الخلائط السامَّة المُحتمَلة، والتي مُعظمها غير معروف ولم يَخضع للبحث.

قدَّرت منظَّمة الصحَّة العالمية أن ١٢٫٦ مليون شخص يَموتون سنويًّا جرَّاء العيش أو العمل في بيئة غير صحية — تَبلُغ النِّسبة ما يَقرُب من واحدةٍ بين كل أربع حالات وفاة في جميع أنحاء العالم. تعزو المنظمة في تقريرٍ صدَرَ في عام ٢٠١٦ هذه الوفيات إلى «… تلوُّث الهواء والماء والتربة، والتعرُّض إلى المواد الكيميائية، وتغيُّر المناخ، والأشعة فوق البنفسجية.» وعلاوةً على ذلك، فقد اعتبَرَت المُنظَّمة أنَّ مُعظَم هذه الوفيات يُمكن تفاديها (منظمة الصحة العالمية، ٢٠١٦).

يُعتبَر أحد أكثر الأبعاد المُروِّعة للفيضان الكيميائي العالَمي هو الضرَر الذي يُلحقُه بالأطفال، دون أن يكون لهم أيُّ حيلةٍ في ذلك؛ فالوفيات التي أشارت إليها منظَّمة الصحة العالَمية، كان من بينها ١٫٧ مليون طفل على الأقل. كتب فيليب جراندجين وفيليب لاندريجان، وهما أستاذان بجامعة هارفارد، في مجلة «لانسيت» عام ٢٠١٤ مُعلِّقَين على جانبٍ واحد فقط من هذا الضرر — ألا وهو تلَف الدماغ — يقولان:

تؤثِّر الإعاقات التي تُصيب النموَّ العصبي، بما في ذلك التوحُّد، واضطرابات نقص الانتباه وفرْط النشاط وعُسْر القراءة، والإعاقات الإدراكية الأُخرى على ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالَم، وكما يبدو، بعض التشخيصات في تزايُد. تُعدُّ المواد الكيميائية الصناعية التي تُصيب الدماغ وهو في طَور النمو من ضمن الأسباب المعروفة لهذا الارتفاع في مُعدَّل الانتشار. قُمنا بدراسة منهجية في عام ٢٠٠٦، وحدَّدنا خمس مواد كيميائية صناعية كمواد سُمية عصبية تُؤثِّر على النمو العصبي؛ الرصاص، وميثيل الزئبق، ومركَّبات ثنائيات الفينيل المُتعدد الكلور، والتولوين. منذ عام ٢٠٠٦، وثَّقَت الدراسات الوبائية ستة مواد سُمية عَصبية أُخرى تُؤثِّر على النموِّ العصبي؛ ألا وهي، المنجنيز، والفلوريد، والكلوربيريفوس، وثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان (دي دي تي)، ورباعي كلورو الإيثيلين، والإثيرات ثنائية الفينيل المُتعدِّدة البروم. كما أننا نَفترض أنَّ هناك المزيد من المواد السُّميَّة العصبية التى لا تزال غير مكتشَفة. للسيطرة على الجائحة السُّمية العصبية التي تُؤثِّر على النمو العصبي، نَقترح استراتيجية وقائية عالَمية. لا يجِب افتراض أن المواد الكيميائية التي لم تُختبَر آمنة لنموِّ الدماغ، ولذلك يجِب اختبار المواد الكيميائية المُستخدَمة حاليًّا وجميع المواد الكيميائية الجديدة، لاكتِشاف ما إن كانت موادَّ سُميَّة عصبية أم لا. (جراندجين ولاندريجان، ٢٠١٤)

قد يُؤثِّر خللُ الدماغ على العديد من الناس في المجتمع الحديث؛ فقد وجَدَت الدراسات الحديثة التي قامت بها كلية هارفارد للصحة العامة ومُختبر لورانس بيركلي الوطني أنَّ الأشخاص في المباني المُعرَّضين ﻟ ٤٠٠ جزء في المليون من غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء الذي يتنفَّسُونه، بالإضافة إلى المُركَّبات العُضوية المُتطايرة (من المنتجات البلاستيكية والمفروشات وما إلى ذلك) كانت مُعدَّلات ذكائهم وقُدراتِهم على صُنع القرار أقلَّ بكثيرٍ من أولئك الذين يَتنفَّسون الهواء النَّقي. وجدت الدراسة التي أجرَتْها هارفارد أن الأشخاص الذين يتنفَّسُون الهواء النَّقي، قد سجَّلُوا درجاتٍ إدراكية أعلى بنسبة ٦١٪ إلى ١٠١٪ (آلين وآخرون، ٢٠١٥). لقد طُبِّقَت هذه الدراسات على الهواء الداخِلي المُلوَّث، ولكن مع زيادة مُستويات ثاني أكسيد الكربون التي تفوق ٤٠٠ جزء في المليون في الهواء الطَّلق الآن، فإن ذلك يُنذِر بخطر أن يُصبح الغلاف الجوي بمثابة تهديدٍ للذكاء البشري.

تُشير الأبحاث الطبية إلى زيادات غير مُفسَّرة في الحالات المَرَضية التي كانت نادِرة في الماضي، والتي يَميل العُلماء العصريُّون بشكلٍ كبير إلى ربط تزايُدها المُفاجيء، جزئيًّا، بتعرُّض البشرية المُتواصِل والمُتعدِّد إلى المواد الكيميائية. وفقًا لديفيد كاربنتر من جامعة ولاية نيويورك، يُمكن أن يكون تأثير هذه الخلائط أسوأ بكثيرٍ من تأثير كلِّ مادة كيميائية على حِدَة على جسم الإنسان (كاربنتر وآخرون، ٢٠٠٢أ). وتَشمل آثارها اضطرابات النمو والعَجز الجِنسي (بما في ذلك العُقم)، وأمراض الأعصاب والدِّماغ والعِظام (بما في ذلك حالات التوحُّد، والاكتئاب، ومرض باركنسون، وألزهايمر)، والسَّرَطان وأمراض القلب. وجدت دراسة دولية كبيرة أُجريَت على ٨٥ مادة كيميائية مُشتبَه بها أنه حتى الجرعات المُنخفِضة من المواد الكيميائية غير الضارة نسبيًّا قد تُؤدِّي إلى الإصابة بالسرطان عندما يَختلط بعضها ببعضٍ في النظام الغذائي أو البيئة المَعيشية (جودسون وآخرون، ٢٠١٥). ودعا العلماء إلى إجراء مُراجَعةٍ شاملة لتنظيم استخدام المواد الكيميائية الخاص بالتعرُّض التراكمي للإنسان لمواد مُسرطنة مُحتمَلة.

هناك أيضًا أدلة متزايدة تربط بين جائحة السِّمنة العالَمية وآثار المواد الكيميائية التي تُسبِّب خللًا في الغدد الصماء، والتي تُشوِّه أنظمة تخزين وتوزيع الطاقة في الجسم (بورتا ولي، ٢٠١٢). حذَّرت كلٌّ من مُنظَّمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في دراسة استقصائية للعِلم الحديث، من أن الاضطرابات التناسُلية وغيرها من الاضطرابات الهرمونية آخذةٌ في الارتفاع على مُستوى العالَم، وأنه وفقًا للدراسات المُختبَرية، تَرتبِط المواد التي من صُنعِ الإنسان بالتسبُّب في ذلك بشكلٍ مُتزايد، وأن حجم المُشكلة كبير وربما لا يَحظى بالاهتمام الكافي (منظَّمة الصحة العالمية، ٢٠١٢). فقد أصبح انخفاضُ عدد الحيوانات المنوية لدى الذكور، وانخفاض الخُصوبة لدى الإناث، وتشوُّهات الأعضاء التناسُلية، والتغيُّرات في الجنس والمَيل الجنسي كله مُرتبطًا الآن بالمواد الكيميائية التي تُسبِّب خللًا في الغدد الصمَّاء. كما ذكرنا سابقًا، هناك أدلَّة مُتزايدة على أن آثار تسمُّم أحد الوالدَين قد تنتقِل إلى أطفالهما وأحفادهما لعدَّة أجيال، بفعل الجينات (هوو وآخرون، ٢٠١١).

علاوة على ذلك، قد يَرتبط فيضان السُّميَّات بمجموعةٍ من الأمراض والحالات الحديثة وغير المعروفة سابقًا، من بينها الحساسية الكيميائية المُتعدِّدة (إم سي إس)، ومُتلازمة حرب الخليج، ومُتلازمة الشخص المُتيبِّس، ومُتلازمة القولون العَصبي (آي بي إس)، ومُتلازمة التقيُّؤ الدَّوري (سي في إس)، وفرط الحساسية الكهرومغناطيسية، ومُتلازمة التعب المُزمن (سي إف إس)، واضطراب قُصور الانتباه وفرْط الحركة. هذه هي الحالات، أو الأمراض في الواقع، التي لا يُوجد لدى الأطباء تفسيرٌ لها حتَّى الآن. ومع ذلك، فمَيل بعضِ الأطباء إلى إلقاء «اللوم على المريض» من خلال عزو هذه الحالات إلى الحالة العَقلية أو الوراثية، بدلًا من البحث الحثيث عن السبب، لا يُساعد على مُعالجة الوضْع (كيرماير وآخرون، ٢٠٠٤).

هناك نُقطتان أساسيَّتان تَخُصَّان الفيضان الكيميائي الحادث على مُستوى كوكب الأرض. أولًا أنه أمر جديد تمامًا، كانت بدايتُه مع الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر، ولكنه اتَّسع بشكلٍ كبير في أعقاب الحربَين العالميَّتَين اللتَين استُخدمت فيهما المواد الكيميائية على نطاقٍ واسع في الذخائر. ثم انفجَر بجدية مُقلِقة في السنوات الخمسين الماضية، وحقق تصاعُدًا جديدًا في أوائل القرن العشرين. إنه أمر لم يُواجهه أسلافنا أبدًا، ومن ثمَّ يَجعلنا نَفتقِر إلى أيِّ تكيُّفات وقائية كان يُمكن أن تتطوَّر نتيجة التعرُّض المُستمر للسموم.

ثانيًا: أنه يُمكن في أغلب الأحوال الحيلولة دون حدوثه. فهو ليس أمرًا قسريًّا، بل إنه نتيجة ثانوية غير مرغوب فيها للنموِّ الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الصناعات والمصالح القوية هي ما يُحرك هذا الأمر، فما زال المواطنون والمُستهلكون وحكوماتهم يتمتَّعون بإمكانية وحقوق المطالبة بتقويض أو إنهاء هذا الفيضان الكيميائي السام وتشجيع الصناعة على تقديم منتَجات وتبنِّي أنظمة إنتاج أكثر أمانًا وصحَّة.

إنَّ المشكلة هي ما إذا كان الإنسان الحكيم سيَختار الاستمرار في تسميم نفسه وأطفاله والعالم أم لا.

الفشل الرقابي

على الرغم من حقيقة أن نحو ٢٠٠٠ مادة كيميائية يتمُّ إطلاقها في الأسواق العالَمية سنويًّا، إلا أنَّ مُعظَمها لم يَخضع لفحص الصحة والسلامة أو الفحص البيئي المناسِب، خاصة من حيث تأثيرها على الرُّضَّع والأطفال الصغار. فشلت القوانين التنظيمية حتى الآن في تحقيق أي تقويضٍ جادٍّ لهذا الفيضان السام؛ إذ لم يُحظَر دوليًّا سوى ٢١ من أصل ١٤٤ ألف مادة كيميائية معروفة، وهو ما لم يَمنع استخدامها. وبمُعدَّل التقدُّم هذا، سنَستغرِق أكثر من ٥٠ ألف سنة لتحديد وحظْر أو تقييد جميع المواد الكيميائية التي تضرُّنا. وحتَّى عندئذ، فلن يُطبَّق الحظر إلا في حفنةٍ من الدول التي تتمتَّع بالرقابة التنظيمية الجيدة، ولن يَحمي ذلك نظام كوكب الأرض ولا البشرية ككل. من الواضِح أن التشريعات الوطنية لا تُقدِّم سوى القليل من الحلول لِما يُعتبَر الآن مشكلةً عالَمية خارجة عن السيطرة.

علاوةً على ذلك، تُنقَل الصناعة الكيميائية من العالَم المُتقدِّم (الذي تخضع فيه إلى الرقابة الجيدة، والذي يُراعي تطبيق معاييره الأخلاقية) إلى البلدان النامية، في آسيا على وجه الخصوص، لتكون إلى حدٍّ كبير خارج نطاق الأُطر الأخلاقية أو طائلة القانون. ومع ذلك، تعود الانبعاثات السامة الناتجة عن تلك الصناعة إلى المواطنين في البلدان التي تخضع للرقابة الجيدة عن طريق الرياح، والمياه، والطعام، والحياة البرية، والسلع الاستهلاكية، والمُنتجات الصناعية، والناس. خلاصة القول هي أنه لا يهمُّ مدى جودة التشريعات واللوائح المطبَّقة في بلدك، فأنت وعائلتك لا زلتم مُعرَّضين لفيضان عالَمي مُتزايد من السموم التي لا يُمكن حتى لحمية غذائية حذِرة ولا لخياراتٍ استهلاكية عقلانية أن تَحميَك بشكلٍ كامل منها.

دقَّت عالِمة الأحياء الأمريكية ريتشيل كارسون ناقوس الخطر داعية العالَم للانتِباه إلى مخاطر التلوُّث الكيميائي عندما نشَرَت كتابها «الربيع الصامت» في عام ١٩٦٢، والذي حذَّرت فيه على وجه التحديد من تأثير بعض مبيدات الآفات الثابتة المُقاوِمة للتحلُّل المُستخدَمة في الزراعة. منذ صدور كتابها، ازداد حجم استخدام المبيدات في جميع أنحاء العالَم بثلاثين مرة، ووصَل إلى نحو أربعة ملايين طنٍّ سنويًّا في منتصَف عام ٢٠١٠. منذ بداية العصر الكيميائي الحديث، كانت هناك سلسلة من الكوارث الكيميائية البارِزة، مثل: ميناماتا، منطقة لاف كنال، كارثة سيفيزو، وبوبال، وفليكسبورو، وانفِجار أوباو في ألمانيا، وكارثة تولوز، وهينكلي، وولاية تكساس، وانفجار جيلين، وتيانجين. تعكس معظم هذه الكوارث نمطًا مألوفًا من المواجهة غير الفعالة بين المواطِنين الغاضِبين من جهة، والصناعة والجهات الرقابية من جهة أخرى، والتي انطوَت على معارك قانونية طويلة لم تُحقِّق العدالة لأحد. ونتيجة لطبيعتها الدراماتيكية والمحلية، تَعمل هذه الأحداث على صرْف الانتباه عن الصورة الأكبر والأشدَّ خبثًا؛ ألا وهي الفيضان العالَمي السام الذي يجتاح الكوكب بأكمله.

غالبًا ما يدَّعي الكيميائيُّون وصانعو المواد الكيميائية أن مُنتجاتهم «آمنة»؛ وذلك لأن التعرُّض الفردي (في مُنتَج بعينه مثلًا، مثل وجبة من الطعام) لها يكون مُنخفِضًا جدًّا بحيث لا يَنتُج عنه جرعة سامَّة، وهي نظرية كان أول من طرحها هو باحث العصور الوسطى باراسيلسوس في القرن السادس عشر. هذه الحجَّة المُتعلِّقة «بالجرعة» ماكرة، إن لم تكن مُخادِعة — كما يَعرف الكيميائيون المُعاصِرون جيدًا — للأسباب التالية:
  • تستهدف مُعظم المواد الكيميائية مُستقبِلًا أو مُستقبلاتٍ معيَّنة في خلايا الجسم لتُسبِّب الضرر. قد لا يكون هناك مادة كيميائية واحدة، ولكن المئات أو حتى الآلاف من المواد الكيميائية المختلفة التي تستهدف جميعها المُستَقبِل نفسه، لذلك قد تُساهم مادة مُعيَّنة بجزءٍ غير معروف في جرعة سامَّة شاملة، وهو ما لا يَجعلها «آمنة».

  • يُمكن لجرعاتٍ صغيرة وفردية من المواد الكيميائية مجهولة السُّمية أن تتَّحِد مع موادَّ أُخرى في الماء أو الهواء أو الطعام أو جسم الإنسان وتُكَوِّنُ سمَّا. لا يُمكن لأي مُصَنِّع أن يُؤكِّد بصدقٍ أن هذا لن يَحدُث لمنتَجاتهم.

  • السُّمية الكيميائية تَعتمِد على كلٍّ من الجرعة وطول الفترة الزمنية التي يتعرَّض الإنسان لها. في حالة المواد الكيميائية الثابتة والمعادن الثَّقيلة، قد يحدُث هذا التعرُّض على مدار أيامٍ أو شهور أو سنوات أو حتى مدى الحياة في بعضِ الحالات. ومن ثمَّ قد تتراكَم الجرعات الصغيرة وتُكَوِّنُ جرعات سامة.

  • تُقاس معظم السُّمية الكيميائية حتى الآن على أساس الدراسات التي تُجرى على الذكور البالِغة التي تتعرَّض لتلك المواد. ومن ثمَّ فالرُّضَّع والأطفال الصغار الذين يستخدمون كميةً أكبر من الماء والغذاء والهواء لوزن جسمِهم، هم أكثر عُرضة من البالغين لتلقِّي جرعةٍ سامَّة.

المواد الكيميائية والمعادن قيِّمة ومفيدة للغاية، وهي ذات نفع عظيم، وتُنقِذ الكثير من الأرواح وتُوفر الكثير من المال. لا أحد يقترح أن تُحظَر جميعها، ولكن قد تذهب قيمتُها هباءً إذا استمرَّ هذا الانبعاث الشامل بوتيرته الحالية غير المنضبطة وغير الخاضعة للرقابة وغير المنظَّمة وغير المعقولة، وكذا إذا استمرَّت نسبة التشبُّع الكوكبي دون تغيير.

الانقراض الكيميائي

قبل مليارَي سنة، أدَّى إنتاج سكان الأرض المُفرِط لمادة كيميائية سامَّة بعينها إلى انقِراضات ضخمة وهدَّد بإبادة جميع أشكال الحياة. كانت تلك المادة الكيميائية هي الأكسجين، والتي كانت تُفرزها البكتيريا الزرقاء — التي كانت تُسيطِر على الكوكب في ذلك الوقت — كجزءٍ من عمليات التمثيل الضوئي الخاصة بها. بعد عدة مئات من ملايين السنين، وصلت القُدرة الفيزيائية للكوكب على امتصاص الفائض من غاز الأكسجين في تكوينات الحديد، والمُحيطات، والرَّواسِب إلى حدِّ التشبُّع وبدأ الغاز يُسمِّم أشكال الحياة الموجودة في ذلك الوقت. عُرف هذا الحدَث باسم «محرَقة الأكسجين» (حدث الأكسدة الكبير)، وهو ربما يكون أقرب حدَثٍ وصلَتْ فيه الحياة على الأرض إلى مُستوى الكارثة الكاملة قبل الوقت الحاضر (مارجوليس وساجان، ١٩٨٦). وبما أن هذا الحدث قد تطوَّر ببطءٍ على مدى عشرات الملايين من السنين، فقد سمحَ الغلاف الجوي السام لبعضٍ من هذه الكائنات البدائية أن تتطوَّر بحيث تتحمَّل غاز الأكسجين — وهو ما أدَّى بمرور الوقت إلى ظهور أنواعٍ تَعتمِد على الأكسجين مثل الأسماك وأخيرًا الثدييات، أي الإنسان. إنَّ الدرس المُستفاد من هذا الذكر السريع للإبادة الكاملة التي حدثت من قبل هو أنه من المُمكن أن تُلَوِّث الكائنات الحية نفسها حتى تَنقرِض وتذهب في طيَّات النسيان إذا لم تهتم بتجنُّب ذلك أو بالتكيُّف بسرعةٍ مع البيئة الجديدة السامة. إنها رسالة مفادُها أنه من الأفضل للبشر، بتأثيرهم الكيميائي الهائل على كوكبنا، أن يُفكِّرُوا جيدًا فيما يَصنعون.

في حين أنه من غير المُحتمَل أن تصِل الانبعاثات الكيميائية البشرية وحدَها إلى هذا الحجم وإلى هذه الحالة السامَّة التي تُهدِّد بشكلٍ مباشر نوعَنا بأكمله بالانقراض (بخلاف انبعاثات الكربون في حدَث الاحتباس الحراري الجامح) أو حتى انهيار الحضارة، فمِن المُحتمَل أنها ستبرُز كعاملٍ مساعد وجادٍّ خلال القرن الحادي والعشرين بالاقتران مع عوامل أخرى مثل الحرب وتغيُّر المناخ والأمراض الوبائية وانهيار النظام البيئي. تشمل الطرُق المعقولة التي قد تُشكِّل فيها المواد الكيميائية التي من صنع الإنسان خطرًا على مستقبل الإنسان ما يلي:
  • إضعاف أجهزة المناعة والصحة البدنية والعَقلية للسكان من خلال زيادة التعرُّض للسموم.

  • التقليل من مستوى ذكاء الأجيال الحالية والمُستقبلية نتيجة تأثير السموم العصبية على الأدمغة النامية والجهاز العصبي المركزي للأطفال، مما يجعل الإنسانية أقلَّ قُدرة على حلِّ مشاكلها والتكيُّف مع التغيرات الرئيسية. وكذا زيادة مُستوى الجرائم العنيفة والصراعات المُجتمعية، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بانخفاض مُعدَّل الذكاء.

  • انهيار الاقتصاد من خلال تكاليف الرعاية الصحية الضَّخمة التي ستنتج عن الاضطرار إلى رعاية ومُعالجة نسبة متزايدة من السكان الذين أصيبوا بإعاقات نتيجة التعرُّض الكيميائي المُزمِن على مدى الحياة.

  • من خلال تسميم خدمات النظام البيئي — مثل الهواء النظيف والمياه والتربة والنباتات والحشرات والحياة البرية — التي تَعتمِد عليها البشرية للبقاء؛ ومن ثمَّ المُساهمة في الانهيار المُحتمل للنظام البيئي العالَمي.

  • من خلال زيادة حجم الترسانة العالَمية لأسلحة الدمار الشامل؛ ومن ثمَّ خطر استخدامها من قِبَل الدول أو المُتعصِّبين الذين لا يُمكن السيطرة عليهم.

من المسئول؟

يبدأ حلُّ التهديد الذي يُشكِّلُه التشبُّع الكيميائي على مستقبَل الإنسان بالاعتراف بأننا نحن أنفسنا مسئولون عن ذلك. نحن من يُولِّد الطلَب الاقتصادي الذي يُؤدِّي إلى الإنتاج الضخم وإطلاق السموم على نطاقٍ عالَمي.

كل فعلِ استهلاكٍ على كوكبٍ مُزدحِم له عواقب كيميائية. وهي عواقب قاتلة تَتسبَّب الآن في حصد أو تدمير عشرات الملايين من الأرواح. لذا فنحن جميعًا، بشكلٍ أو بآخر، «نُفلتُ من عقاب ارتكاب جريمةِ قتل».

إنَّ الاعتراف بهذه الحقيقة غير المريحة أمرٌ أساسي للمُجتمَع الحديث الذي يتَّخذ إجراءات لتنظيف كوكب الأرض وحماية أطفالنا في المُستقبَل. إذا كنا نحن من أثَرنا المشكلة بمُطالبتنا بالسِّلَع السامة أو التي خضَعَت لعملياتِ تَصنيعٍ سامَّة، إذن فنحن فقط من لدَينا القوة لتصحيحها. من الواضح أنَّ الحكومات تَفتقِر بصورةٍ جماعية إلى كلٍّ من القُدرة والإرادة لتنظيم الفيضانات السامَّة العالَمية، وأن الصناعة لن تتشجَّع لتغيير الطرُق التي تَستخدِمها دون مؤشِّرات سُوقٍ واضحة من جانبنا. القواعد التنظيمية والتشريعات مُهمَّة، ولكن إذا اعتمدنا على القواعد وحدَها لحماية أطفالنا، فالأدلة تُشير حتى الآن إلى أنها لن تَنجح.

في مثل هذا العالَم المفتوح، نحن البشر وحدنا أقوياء بما يَكفي كمُستهلِكِين لُنرسل مؤشِّرات سُوق إلى الصناعة لتُوقف انبعاثاتها السامة. وعلى وجه الخصوص، مكافأتها على إنتاج مُنتجات أو خدماتٍ نظيفة وآمنة وصحية نُقدِّرها. ولقد أصبح هذا مُمكنًا على نطاقٍ عالَمي بفضلِ الانتشار العالَمي للإنترنت. وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، نَمتلك الوسيلة التي تُمكِّنُنا من مشاركة فَهم عالَمي للتهديد المشترك الذي يَحيق بنا، ولتثقيف أنفسنا وأن يتعلَّم بعضُنا من بعضٍ بشأن ما يُمكننا القيام به للتخفيف من آثاره. يُمكن من خلال الإنترنت ووسائل التواصُل الاجتماعي تعبئة الوعي العالَمي بين المواطنين، عبر الحدود، وعبر المجموعات الثقافية والعرقية والدينية والاقتصادية المُختلفة، كي نتَّحِد معًا لتطهير كوكبنا المسموم.

إذا فعَلْنا ذلك، فسيكون هذا تعبيرًا عن قوَّة الشعوب وقوة الديمقراطية العالَمية الحقيقية كما لم يَحدُث من قبل في التاريخ. وكذلك سيكون تعبيرًا لا يقبل الشكَّ عن إرادة البشرية وحِكمتها، وربما الخطوة الأولى نحو «تفكيرنا الجمعي كنوع» (الفصل العاشر). علاوة على ذلك، فإنَّ هذا يحدُث بالفعل؛ إذ إنه في جميع أنحاء العالَم ينضمُّ الملايين من المواطنين المَعنيِّين والآباء والمُستهلِكين بالفعل بسرعة الضوء على الإنترنت، ليُفكِّرُوا معًا ويتبادَلوا المعرفة والنصائح والأفكار حول كيفية حماية أطفالنا وتنظيف المُجتمَع. وقد بلغ إجمالي عدد العضويات في المنظمات العشر الرائدة التي تُمثِّل المواطنين المَعنيِّين أو تمنحُهم صوتًا، ٥٠ مليون عضو في عام ٢٠١٤ (كريب ٢٠١٤، ص٢٣٣ إلى ٢٣٥) وهذه الأعداد في تزايُدٍ سريع. إذا عمل كل هؤلاء معًا بشأن القضايا الشائعة، مِثل التعرُّض للسُّميَّات، فستُشكِّل أعدادهم الهائلة حجر الأساس لحركةٍ قوية وفريدة يقودُها المواطنون، والتي ستمتدُّ عبر الكوكب بأكمله وستُقيم جسورًا تعبُر بنا فوق جميع الحدود الأساسية التي تفرِق بيننا.

حلول عديدة

ثمَّة مجموعة كبيرة من التقنيات الجديدة الواعدة لتنظيف كوكبنا. وتتراوَح هذه التقنيات من «الكيمياء الخضراء» — ألا وهي تطوير مواد كيميائية أخفَّ وأقل سُمِّية — إلى استراتيجية الصفر نفايات (اللانفايات)، والإيكولوجيا الصناعية، والتصنيع والبناء الأخضر، والطاقة المتجددة، والزراعة العضوية، والإدارة المُتكاملة للآفات، وإدارة المُنتَجات، وإعادة التدوير، وتقْييم دورات الحياة، وتقْييم المخاطر والعلاج (انظر كريب ٢٠١٤، ص١٩٥ إلى ص٢٠٠) … القائمة طويلة ومُشجِّعة. كل ما يَنقُصنا هو الإرادة والحوافز الاقتصادية.

علاوة على ذلك، فمن الناحية العمَلية، يُمكن أيضًا تقليل التهديد السام الرئيسي بصورة كبيرة عن طريق حظر استخدام الفَحم أو النفط أو الغاز الطبيعي أو التخلُّص التدريجي من استخدامها؛ إذ تُعد المصادر الأساسية لمُعظَم السموم الاصطناعية. وبما أن هذا هو أيضًا الحل لظاهِرة الاحتباس الحراري، فما يُمكن استنتاجه هو أنه يُوجَد الآن سببان وجوديَّان لا يُمكن المساومة عليهما كي تَنتقِل البشرية إلى مصادر طاقة ومواد كيميائية ومواد أكثر أمانًا ونظافة واستدامة. تُقدِّم الحركة العالمية لوقف الاستثمار في الفحم وأنواع الوقود الملوِّثة الأخرى مسارًا عمليًّا لتحقيق ذلك.3

وبعيدًا عن كونها غير مُؤذية للصناعة، فإن الطلَب العالَمي على المنتَجات النظيفة سيفتح أسواقًا جديدة، ويُولِّد المزيد من فُرَص العمل، ويفتح الأبواب لصناعاتٍ وشركات جديدة، ويَعِدُ بالمزيد من الصحة والسلامة والازدِهار للمُجتمَع ككل — تمامًا مثلما تُوفر مصادر الطاقة المتجدِّدة الآن الإمداد لثورة الطاقة العالَمية — ولكن يحتاج الأمر إلى بشرية تتَّسِم بحِكمة أكبر لمُناصَرة وتوفير المؤشِّرات الاقتصادية اللازمة لقيادة هذا التغيير.

حقٌّ إنساني

لكل شخصٍ في هذا العالم الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي والزواج وتكوين الأسرة والمساواة والعمل والتعليم وحرية المُعتقَد وحرية عدم التعرُّض للتعذيب. وكل هذه الحقوق متاحة لكل فردٍ منا بموجَب الإعلان العالَمي لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ٢٠١٦).

ولذلك، فمِمَّا يُثير الإزعاج والقلق بشدَّة عدم وجود حقٍّ إنساني ينصُّ على عدَم التعرُّض للتسمُّم، ولا لنا ولا لأطفالنا.

قد يتمتَّع الطفل الذي يُولَد في الوقت الحاضر بالعديد من الحقوق المُدرَجة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن ليس له الحق في التمتُّع بالذكاء الكامل، ولا في الحصول على جينات غير تالِفة، ولا في حياة خالية من السرطان، ولا في عدم الإصابة بخللٍ جنسي أو عقلي، أو أيٍّ من الاضطرابات الأُخرى التي يَربطها العِلم بشكلٍ متزايد بالتعرُّض الكيميائي المُزمن. لا يتمتَّع الطفل الذي يُولَد في الوقت الحاضر ولو حتى بالحرية نفسها التي كان يتمتَّع بها أسلافه من التعرُّض إلى السُّميَّات. إن عدم وجود مثل هذا الحق، وذلك في وجود الحق بالتمتُّع بالرفاهية، والأمان الاجتماعي أو المشاركة الثقافية ينمُّ عن وجود نقطة ضعفٍ غير عقلانية في الضمير المُعاصر، تَنبع إما من نقصٍ حادٍّ في الوعي بحجم المشكلة أو من عدَم الرغبة في سماع أخبارٍ مُقلِقة أو مُزعِجة.

تنصُّ المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكلِّ إنسانٍ الحق في عدم التعرُّض للتعذيب. وعلى الرغم من أن هذا حق يُفترض أنه يَنطبِق على نسبةٍ صغيرة فقط من سكان العالم في أي وقتٍ من الأوقات، فلا يُوجَد حقٌّ مُماثل للأشخاص في أن يكونوا آمِنين من فيضانات السموم، أو السموم المُشتبَهِ بها، التي تغمُر الآن فِعليًّا الجنس البشري بأكمله من المهد إلى اللَّحد. لتكون في مأمنٍ من الاعتداء الذي يَقتل الملايين ويُؤذي عشرات الملايين الآخرين — بطرُق يُمكن اعتبارها تعذيبًا إذا ضبطْتَ شخصًا ما يتسبَّب فيها عن عَمد — يُعدُّ غفلةً خطيرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. قد يَعتبر البعض أنَّ الحق في عدَم التسمُّم حق غير ضروري، أو أنه مُتضمَّن في حقوقٍ أخرى مثل الحق في الحياة. ومع ذلك، فهذا الحق ضروري كي يزرع في الضمير الإنساني وعيًا أكبر بمدى الضرَر العالمي الذي يُحدِثه هذا التعدِّي على حقوقنا، وكذا كوسيلة لوضع الصناعة والحكومة أمام مسئولياتها، ولحث المستهلكين على إرسال مؤشرات اقتصادية أساسية تؤيد المنتجات والعمليات الأنظف والأكثر أمانًا وحفاظًا على الصحة.

حتى يأتي اليوم الذي نتمتَّع فيه ﺑ «الحق في عدَم التعرُّض للتسمُّم»، وإذا لم يأتِ هذا اليوم، فلن يَمُرَّ يوم في تاريخنا دون أن نتعرَّض للتسمُّم.

ما الذي يجِب علينا فعله؟

  • (١)

    تشكيل شبكةٍ عالَمية من الناس والمؤسَّسات لتنظيف كوكب الأرض.

    كيفية التطبيق: «مُعظَم هذه المُنظمات موجودة على الإنترنت والعديد منها يتَّحِد الآن في الوقت الحالي لتبادُل المعلومات وللضغط على الحكومات من أجل عالَمٍ أنظف. إنهم بحاجة إلى تشجيعنا ودعمِنا ومُشاركتنا ليُواصلوا.»
  • (٢)

    نشْر الوعي ومشاركة المعرفة وتحفيز الصناعة على تبنِّي أنظمة إنتاج نظيفة، ومساعدة المواطنين على أن يُصبحوا «مُستهلكين نظيفين».

    كيفية التطبيق: «يحدث هذا بالفعل عبر الإنترنت ووسائل التواصُل الاجتماعي، ولكن يَحتاج الأمر إلى المزيد من السرعة والتوسُّع ليصِل إلى المدارس من أجل تثقيف المُستهلكين.»
  • (٣)

    تطبيق حق الإنسان العالَمي في عدَم التسمُّم.

    كيفية التطبيق: «بما أن الجميع يتعرَّضُون للتسمُّم، فإنَّ هناك حاجة عالمية لتطبيق هذا الحق. يمكن أن تُدافع مجموعات المستهلكين والمُحامين وهيئات حقوق الإنسان عن إدراج هذا الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.»
  • (٤)

    الاستعاضة عن جميع أنواع الفحم والنفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى بالطاقة النظيفة والمواد الخام النظيفة للصناعة.

    كيفية التطبيق: «انظر الفصل الرابع.»
  • (٥)

    القضاء على استخدام جميع المواد السامة المعروفة من السلسلة الغذائية وإمدادات المياه ومُنتجات العناية الشخصية والسلع المنزلية والبيئة الأوسع.

    كيفية التطبيق: «نحن بحاجة إلى ضغطٍ أقوى من المواطنين لإجبار الحكومات على اتخاذ موقفٍ فيما يخصُّ السموم المعروفة. معظم الحكومات تعرِف ما هو مُضرٌّ لنا، ولكن تحت ضغط الصناعة، لا تفعل الكثير لمنع هذا الضرر. يحتاج المواطنون إلى أن يُصبحوا مُستهلِكين مُستنيرين، وأن يتجنَّبوا جميع المُنتجات التي تحتوي على السموم المعروفة أو التي يَنبعِث منها السموم المعروفة، وأن يفضحوا اللوائح الضعيفة التي تُعرِّض حياة الناس للخطر.»
  • (٦)

    الضغط والمطالبة بالوقاية من الأمراض في الطب، بدلًا من اللجوء إلى «العلاجات» الكيميائية لمُعالجة الأمراض التي عادةً ما تتسبَّب فيها المواد الكيميائية.

    كيفية التطبيق: «نحن بحاجةٍ لضغط المواطنين لإعادة توجيه النظام الطبي بالتركيز على احتياجات المُستهلِكين للوقاية من الأمراض، بدلًا من احتياجات شركات الأدوية التي تُفضِّل أن تكون الأمراض طويلة الأمد وذات علاجٍ مُكلِّف.»
  • (٧)

    تدريب جميع الكيميائيين والعلماء والمهندسين الشباب قبل كلِّ شيءٍ على مسئوليتهم الاجتماعية والأخلاقية؛ ألا وهي ألا يتسبَّبوا في إحداث أي ضرَرٍ أولًا.

    كيفية التطبيق: «يجب على جميع التخصُّصات العلمية الرئيسية أن تَستحدِث قَسَمًا أو تحصل على تعهُّدٍ من الخريجين بألا يَستخدِموا عِلمهم في أي فعلٍ أو تقنية قد تُلحِق ضررًا بالبشرية. وهذا بالفعل جزءٌ من قَسَم أبقراط الذي يُقسِمه الأطباء عند التخرُّج من الجامعة. وبما أنه لا يُوجَد سبب أخلاقي يَجعل الجامعات تُدرِّب خريجي العلوم الأخرى على إيذاء البشر، فمن الأفضل إصدار أمر بتطبيق قَسَم أبقراط بشكلٍ شامل لغرْس منْع الضرر في جميع مُدوَّنات قواعد السلوك المهنية منذ البداية.»4
  • (٨)

    تمكين الصناعة من تحقيق أرباحٍ بشكلٍ أخلاقي من خلال إنتاج مُنتَجات نظيفة لا تضر.

    كيفية التطبيق: «أسرع طريقة لتنظيف الصناعة هي أن يُرسل إليها المُستهلِكُون مؤشراتٍ اقتصادية بأنهم يُقدِّرون المُنتجات النظيفة، والطريق الأسرع لذلك هو تثقيف المُستهلِكين حول ما هو آمن وما هو سام. تقوم العديد من المُنظَّمات بذلك بالفعل، ولكن يحتاج التثقيف إلى أن يتوسَّع أكثر وبصورةٍ أبعدَ وأسرع عبر الإنترنت ليَشمل قطاعاتٍ أخرى.»
  • (٩)

    مكافأة الصناعات التي تتبنَّى مناهج صديقة للبيئة، مثل الكيمياء الخضراء، وإدارة المُنتجات، واستراتيجية اللانفايات من خلال دعمِنا وتشجيعنا.

    كيفية التطبيق: «تحسين ثقافة المُستهلِك حول ما هو آمِن وما هو غير آمن.»
  • (١٠)

    تنفيذ اختبار السُّمية الإلزامي على جميع المواد الصناعية الجديدة ومجاري النفايات الرئيسية.

    كيفية التطبيق: «يتطلَّب هذا تنظيمًا مَحليًّا وعالميًّا بقيادة هيئات مثل «اتفاقية استكهولم» وتعزيز عمل هذه الهيئات من قِبَل وكالات حماية البيئة الحكومية والآباء وهيئات المُستهلكين.»

ما الذي يُمكنك فعله؟

  • تعلَّم كيفية التمييز بين المُنتَجات الاستهلاكية التي تحتوي على سموم أو التي خضعت لعمليات تصنيعٍ سامة، واستبعِدْها من منزلك وعملك وحياتك.

  • قبل كلِّ شيء، أبعِد هذه المُنتَجات عن أطفالك. لا تُطعم الأطفال الأطعمة التي تحتوي على مواد مصنوعة من الوقود الأحفوري (مثل ألوان الطعام الصناعية أو مبيدات الآفات).

  • استخدِم قوَّتك كمُستهلك لتجنُّب الشركات التي تُصْدِر السموم، وكافئ الشركات التي تُنتج مُنتَجات نظيفة وآمنة وتَستخدِم عمليات تصنيعٍ نظيفة.

  • شارك بإيجابيةٍ في مجموعات الآباء والمواطنين والمُستهلِكين المُخصَّصة لتنظيف الأرض، أو لتنظيف مُجتمعك المحلي فحسْب.

  • عَلِّم أطفالك أن يَختاروا بحِكمةٍ بين المنتجات والخدمات، بناءً على تأثيرها الصحِّي الشخصي والشامل. مَكِّن الأطفال كي يُعلِّمونا بدَورهم.

  • استخدِم سُلطتَك كناخبٍ لإجبار الحكومات على القيام بواجبها تجاه الحفاظ على الأطفال والأجيال القادمة بشكلٍ أكثر جدية، وكي تُعَزز التنظيم والرقابة على جميع الانبعاثات الكيميائية، سواء كانت مُتعمَّدة أم لا.

هوامش

(1) For a detailed description, see Cribb (2014).
(2) A conservative estimate based on UNEP (2013), which states North American output of pollutants was 5.7 million tonnes in 2010 and the continent produced about 15%, or one sixth, of the world’s total manufactured chemical output.
(3) 350.org. 2016. About Fossil Free. http://gofossilfree.org/about-fossil-free/.
(4) This was first proposed by Nobel Laureate Josef Rotblat in his acceptance speech in 1995. https://en.wikipedia.org/wiki/Hippocratic_Oath_for_scientists.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤