الباب العاشر

ستيفن بلاكبول

لم تتناول هذه القصة حتى الآن سوى المستر باوندرباي الغني، وأسرة جرادجرايند المرحة، ولكن هناك كثيرين من أهالي كوكتاون فقراء يؤدون أعمالًا شاقة بالمصانع القبيحة الشكل، في وسط كوكتاون؛ تظهر الطبيعة هناك قوية البنيان، في الخارج، بينما في الداخل الهواء القاتل والغازات القاتلة. ويعيش العمال في شوارع ضيقة، يسرعون خلالها إلى أعمالهم، ويعودون خلالها أيضًا، من تلك الأعمال، وعادة يطلقون على أولئك العمال، اسم «الأيدي».

من بين هؤلاء العمال رجل يُدعى ستيفن بلاكبول Stephen Blackpool، يبلغ من العمر أربعين سنة.

ولكنه يبدو أكبر من سنه، ويعيش عيشة قاسية.

ذات ليلة ماطرة غادر ستيفن عمله، بعد أن توقفت الآلات، ودقت الأجراس، وأسرعت جميع الأيدي، رجالًا ونساءً، وأولادًا وبنات إلى بيوتهم، إلا أن ستيفن وقف ساكنًا.

قال ستيفن لنفسه: «لم أبصر راشيل Rachel».

مرَّت أمامه جماعات من النساء، وقد وضعن أغطية على رءوسهن، لوقايتها من المطر، بَيْد أن راشيل لم تكُن بينهن.

أخذ ستيفن يسير نحو بيته، وبعد فترة وقع بصره على شخص مألوف له، يسير في نفس الشارع، فزاد من سرعته، ثم نادى، يقول: «راشيل».

استدارت تلك المرأة، فرأى وجهها في ضوء المصباح الساطع بذلك الشارع. كان ذلك الوجه هادئًا ذا عينين لطيفتين، وشَعر أسود، وتبلغ صاحبته من العمر حوالي خمسًا وثلاثين سنة.

فقال ستيفن: «جئتِ مبكرة، في هذه الليلة، يا راشيل.»

قالت: «لا أعرف أبدًا متى أترك العمل. ومن الخير لنا ألا نُرى معًا. نحن صديقان قديمان، ولكن ذلك من الأفضل.»

قال: «ولكنه يشق عليَّ يا راشيل.»

قالت: «حاول ألا تفكِّر هذا التفكير.»

قال: «حاولت، ولكن لم أفلح … أنتِ على حق؛ فقد يتقوَّل الناس عنَّا. كلمتك قانون بالنسبة لي.»

سار ستيفن وراشيل معًا، مسافة ما، ولما اقتربا من بيتيهما، توقفت راشيل عند ناصية شارعها، ووضعت يدها في يده، وتمنت له ليلة سعيدة.

قال: «عمي مساءً يا عزيزتي راشيل، عمي مساءً.»

مشى ستيفن في طريقه إلى بيته، وكان في شارع ضيِّق فوق حانوت صغير، فصعد السلم إلى حجرته، وكانت مظلمة، ولكنه حمل شمعة ليضعها فوق نضد، وبينما هو يفعل ذلك كاد يقع فوق شيءٍ على الأرض.

أبصرَ على الأرض امرأة قذرة الملابس، قبيحة المنظر، لعبت الخمر برأسها؛ كانت زوجته.

صاح ستيفن، وهو يتراجع إلى الخلف، فقال: «يا لرحمة السماء! هل رجعتِ ثانية؟»

قالت: «نعم؛ رجعت ثانية. أنا أرجع دائمًا … ولماذا لا أرجع؟»

نهضت تلك الزوجة، وارتمت على السرير، وسرعان ما استغرقت في النوم. بينما استلقى ستيفن على كرسي، ولم يتحرَّك إلا مرة واحدة، في تلك الليلة، ليضع غطاءً فوق جسم زوجته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤