الباب الرابع عشر

الصانع العظيم

سار الوقت في كوكتاون مثلما تسير آلاتها، فكم من مواد صُنعت! وكم من طاقات استُعملت! وكم من أموال جُمعت!

كذلك طال الوقت مثلما زاد طول ثوماس الصغير ثلاثين سنتيمترًا عمَّا لاحظه أبوه آخِر مرة.

فقال المستر جرادجرايند: «حان الوقت الذي يجب أن يذهب فيه ثوماس إلى مصرف باوندرباي.»

وهكذا مرَّر الوقت ثوماس الصغير إلى مصرف باوندرباي، وجعله يعيش في بيته.

كذلك مرَّر الوقت سيسي خلال مصنعه (أي مصنع الوقت) وجعلها فتاة جميلة جدًّا بحق.

قال المستر جرادجرايند: «أخشى يا جوب أن يكون تقدمك في المدرسة مثبطًا للعزيمة، فلم تحصلي على كمية المعارف المتوقعة.»

قالت: «آسفة يا سيدي، أعرف أن هذا صحيح جدًّا، ولكني حاولت جاهدة، وفكَّرتُ أحيانًا في أنني حاولت أن أتعلم الكثير جدًّا بما لا تحمله طاقتي. ولو سُمح لي بأن أتعلم أقل من ذلك قليلًا، فلربما فعلت ما هو أفضل.»

فقال المستر جرادجرایند: «كلا، كلا، لا تبكي يا جوب؛ أنتِ امرأة صغيرة رقيقة وطيبة، ومفيدة لمسز جرادجرايند، ومساعدة في الأسرة؛ لذا آمل في أن تجعلي نفسك سعيدة في بيتنا.»

فقالت سيسي معترفة بالجميل: «شكرًا عظيمًا لك، يا سيدي»، ولكنها ما زالت تفكر في أن والدها سيعود في يوم ما.

في كل هذه الأثناء، كانت لويزا تمر هادئة وصامتة، فلما لاحظ أبوها مرة أخرى أنها صارت امرأة صغيرة، قال: «يا عزيزتي لويزا .. يجب أن أتحدث معكِ على انفراد، وفي جدية، تعالي إليَّ في حجرتي بعد أن تتناولي طعام الإفطار، غدًا، فهل تسمحين بهذا؟»

– «نعم يا أبتِ.»

قال: «يداكِ باردتان؛ فهل تشعرين بمرض؟»

– «أنا على ما يُرام من الصحة يا أبتِ.»

نظرت لويزا إلى أبيها مرة أخرى، وابتسمت بطريقتها الغربية، وقالت: «أنا سعيدة ومبتهجة، مثلما اعتدت أن أكون.»

قبَّل المستر جرادجرايند ابنته، وانصرف.

أطلَّ أخوها من الباب، وقال: «هل أنتِ هنا يا لويزا؟» وكان، في ذلك الوقت، شابًّا أنيقًا، ولكنه لم يكن جذَّاب المنظر جدًّا.

نهضت لويزا من على مقعدها، وطوَّقَت أخاها بذراعَيها، وقالت: «يا عزيزي توم! كم من الوقت مرَّ ولم تأتِ لتراني؟!»

قال: «كنت مشغولًا في الأمسيات يا لو، وبالنهار يشغلني العجوز باوندرباي بالعمل، وعلى فكرة .. هل قال لكِ أبونا شيئًا خاصًّا، يا لو؟»

نظر هذا الشاب إلى وجه أخته بمتعة أعظم مما اعتاد أن ينظر إليها من قبل، وطوَّق وسطها بذراعه وقال: «أراكِ مُولَعة جدًّا بي يا لو، أليس كذلك؟»

قالت: «بلى؛ الواقع أنني مُولَعة جدًّا بك يا توم، ولو أنك لا تأتي كثيرًا لتراني.»

قال: «حسنًا يا أختاه؛ وعندما تقولين هذا فأنتِ تقتربين كثيرًا من أفكاري. الواقع أنه من الممكن أن نكون معًا مرات أكثر، تصنعين الكثير من الخير لي، إن فكرت في أن تؤدي لي خدمة» ثم توقَّف عن الكلام ونظر إلى وجه أخته المفكِّر، ولكنه لم يفهم منه شيئًا فقبَّلها، فبادلته التقبيل وهي لا تزال تنظر إلى الوطيس.

استطرد ثوماس الصغير، يقول: «لا أستطيع البقاء هنا الآن، لا تنسي أنكِ مُولَعة بي.»

قالت: «لن أنسى يا عزيزي توم!» انصرف توم، ووقفت لويزا عند الشباك تنظر إلى نيران كوكتاون، وهي تُصغي إلى وقع أقدام أخيها وهو ينصرف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤