الباب الثاني عشر

إلى أسفل

جلس المستر جرادجرايند في بيته (ستون لودج)، إذا لم يعقد البرلمان، جلسته، وكان يكتب في حجرته، والساعة العتيقة ما زالت هناك تدق بصوتها العالي المنتظم.

لم تزعج العاصفة الرعدية المستر جرادجرايند كثيرًا.

وكان الرعد وقتذاك يتجه بعيدًا والمطر يهطل كالطوفان.

بينما المستر جرادجرايند منهمكًا في الكتابة، إذ بباب حجرته يُفتح فجأة، فتطلَّع حواليه وهو أمام المصباح الموضوع على المائدة، فأدهشه أنْ رأى ابنته الكبرى.

– «لويزا!»

قالت: «أريد أن أتحدث إليك يا أبتِ.»

بدت لويزا غريبة الشكل، حتى إن أباها خاف منها. فجلست على مقعد، ووضعت يدها الباردة على ذراعه.

قالت: «لقد دربتني يا أبتِ منذ سنواتي المبكرة.»

قال: «نعم يا لويزا.»

قالت: «إني لألعن الساعة التي وُلدت فيها لمثل هذا المصير.»

فلمَّا سمع الأب كلامها هذا، بعد كل عنايته بها، طأطأ رأسه، وأسنده فوق يده، وتأوَّهَ عاليًا.

قالت: «كنا معًا لآخر مرة في هذه الحجرة يا أبتِ، عندما تحدثت إليَّ عن الزواج بجوزياه باوندرباي، ولو عرفت حقيقة مشاعري، فهل كنت تعطيني له؟»

«كلا يا طفلتي المسكينة.»

قالت: «هل كنت تسلبني الجزء الهام من حياتي: ربيع وصيف إيماني؟»

أجاب الأب بقوله: «كلا، كلا، يا لويزا.»

قالت لويزا: «شعرت بأن الحياة سرعان ما ستمر، ولا شيء يساوي ألم النضال وتعبه.»

فقال المستر جرادجرايند بإشفاق: «وأنت صغيرة هكذا يا لويزا؟»

قالت: «كان شعوري على ذلك النحو يا أبي، عندما اخترت لي زوجي. فأخذته، ولم أدَّعِ سواء له أو لك بأنني أحببته .. كنت أعرف، وأنت تعرف، وهو يعرف أنني لا أحبه إطلاقًا. ظننت أن بمقدوري مساعدة أخي توم، بهذا الزواج. كنت أشعر بالعطف الكثير على توم.»

فقال أبوها: «وماذا بوسعي أن أفعل يا طفلتي لويزا؟ اطلبي ما تريدينه.»

قالت: «يا أبتِ، ألقى الحظ في طريقي بصديق جديد، إنه رجل اجتماعي عصري، ومهذَّب ومَرِن، لم تسبق لي أية ممارسة مع أمثال هذا الرجل، لم يتقدَّم بادعاءات، له آراء متواضعة عن كل شيء، شعرت بأنها هي آرائي أنا نفسي، أيضًا يبدو أن هناك تقاربًا بيننا يا أبي، وما تعرفه عن قصة زواجي، سرعان ما عرفها هو أيضًا.»

امتقع لون المستر جرادجرايند جدًّا، وأمسك ابنته بكلتا ذراعَيه.

قالت: «لا أعرف ما إذا كنت أحبه، ولكن تغيَّب زوجي في هذه الليلة، فجاء إليَّ ذلك الرجل، وقرَّر أنه يحبني، وإنه ليتوقع لقائي، في هذه اللحظة .. آسفة لأنني لا أعرف مثل ذلك الشيء، كل ما أعرفه هو أن فلسفتك وتعليمك لن ينقذاني، وبما إنك نشَّأتني على هذا يا أبي، فأنقذني!»

شدَّد الأب قبضته على ابنته، فصرخت بصوت فظيع، وقالت: «سأموت إن أمسكت بي!» ثم سقطت على الأرض مغمى عليها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤