الباب الثاني

المستر جيمس هارتهاوس

الغريب الذي زار مسز سبارسيت، اسمه جيمس هارتهاوس James Harthouse. وهو شاب من أسرة طيبة، كثير الارتحال، ولكنه لم يستقر في أي عمل أو مهنة. الْتَقى أخيرًا مع بعض أعضاء البرلمان في لندن، ومن بينهم المستر ثوماس جرادجرايند.

قرَّرَ المستر هارتهاوس أنه يستطيع العمل في حزب سياسي؛ فقد كان ماهرًا في الخطابة، وقوي التأثير؛ بوسعه أن يتلو المعلومات والحقائق، ويتحدث جيدًا إلى الجموع.

اعتقد المستر جرادجرايند أن هذا الشاب يمكن أن يكون ذا فائدة لحزبه؛ لذا أعطاه خطاب توصية للمستر باوندرباي، صاحب مصرف كوكتاون.

ما إن تسلم المستر باوندرباي خطاب هارتهاوس حتى نهض من مجلسه، ولبس قبعته، وذهب إلى الفندق الذي يقيم فيه ذلك الزائر.

قال: «اسمي جوزياه باوندرباي، من أهالي كوكتاون.»

الواقع أن مستر هارتهاوس سُرَّ كثيرًا بمقابلته.

فقال باوندرباي: «ليست كوكتاون يا سيدي، المكان الذي تعودته. سأخبرك شيئًا عنها قبل أن نتمادى.»

شرح المستر باوندرباي لهذا الزائر أهمية المصانع التي تبدو قذرة المنظر يلوثها الدخان.

ثم قال: «ربما تعلم أنني تزوجتُ ابنة توم جرادجرايند؛ ويسرني أن أقدمك إليها لو جئت معي إلى البيت.»

الْتَقى المستر هارتهاوس، في حجرة الاستقبال بمنزل المستر باوندرباي، المبني بالطوب الأحمر، الْتَقى بفتاة بالغة الشهرة وهادئة ومتحفظة، ولكنها قوية الملاحظة، تبدو باردة ومتكبِّرة، غير أنها سامية المشاعر، جميلة الوجه، إلا أنه عديم الملامح، تجلس شاردة الذهن.

وبينما هم يتحدثون سألته لويزا عن معتقداته السياسية.

قال: «أظن، يا مسز باوندرباي أن أية مجموعة من الآراء تأتي بفائدة طيبة كأية مجموعة آراء أخرى، وتأتي بنفس الضرر الذي تجلبه مجموعة أخرى، ما سيكون سيكون، ولكني سأؤيد حزب أبيك.»

لم تأخذ لويزا فكرة طيبة عن هذا الزائر.

صحب المستر باوندرباي هذا الغريب لزيارة بعض الشخصيات البارزة في كوكتاون، الذين يمكنهم التصويت لحزبهم.

أُعِدَّت المائدة في المساء لأربعة أشخاص، بيد أن ثلاثة فقط هم الذين جلسوا إليها.

راقب مستر هارتهاوس مسز باوندرباي وهي تجلس إلى رأس المائدة، صغيرة الجسم، رشيقة القوام، تبدو غير مهتمة بالحجرة، ولا بما حولها.

فقال هارتهاوس في نفسه: «أما من شيء يحرِّك هذا الوجه؟»

نعم، هناك شيء، وها هو، في شخص جاء ولم يكن من المتوقع مجيئه؛ إذ جاء توم؛ فتغيرت ملامح لويزا بمجرد أن فتح الباب ودخل. فابتسمت ابتسامة عريضة حلوة، وأمسكت يد توم في يدها.

فقال الزائر في نفسه: «هل هذا الكلب الصغير هو المخلوق الوحيد الذي تهتم به؟»

وأخيرًا، نهض جيمس هارتهاوس ليعود إلى فندقه، وساوره الشك فيما إذا كان بوسعه أن يعرف الطريق إليه ليلًا، إلا أن الكلب الصغير قام في الحال، وعرض خدماته كدليل، وخرج مع ذلك الضيف ليريه الطريق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤