الباب الأول

شيء ضروري آخَر

أفاقت لويزا بعد ذلك في فراشها بحجرتها القديمة، ثم دخل أبوها ليطمئن عليها، وبعد ذلك دخلت سيسي جوب.

قالت سيسي: «أرجو ألا أكون قد أزعجتكِ؛ جئت لأسالكِ ما إذا كان بوسعي أن أبقى معكِ.»

فقالت لويزا: «لماذا تمكثين معي هنا؟»

قالت سيسي: «أحب أن أساعدك إن استطعت.»

– «لماذا؟»

– «لأساعدك في أي شيء تحتاجين إليه، إن كان ذلك الشيء في مكنتي، وعلى أية حال، سأحاول أن أكون بقربك، قدر طاقتي، فهل تسمحين لي بذلك؟»

فقالت لويزا: «هل سبق أن كرهتكِ؟»

فقالت سيسي: «أرجو ألا تحدث بيننا أية كراهية، لأنني أحببتكِ دائمًا، ولكنكِ تغيَّرتِ قليلًا عندما غادرتِ هذا البيت. وكان هذا طبيعيًّا جدًّا، عندما تذهبين إلى أصدقاء .. لم أتأثر إطلاقًا.»

أدركت لويزا أن هذه الفتاة تحبها، وتأثر بها قلبها. فقالت سيسي: «هل أحاول؟»

فأومأت لويزا برأسها علامة على الموافقة.

وهكذا صارت سيسي جوب، ابنة عارض السيرك، أوفى صديقة للويزا.

•••

قضى المستر هارتهاوس، ليلة كاملة ويومًا كاملًا في قلق بالغ. فبعد أن ترك لويزا، عاد إلى فندقه، فظلَّ جالسًا الليل بطوله ينتظرها. وفي الصباح، ذهب إلى بيت باوندرباي الريفي مرة أخرى، فعلم أن المستر باوندرباي ما زال غائبًا، وأن زوجته في البلدة .. سافرت في الليلة الماضية، فجأة.

وعلى هذا، رجع جيمس هارتهاوس ثانية إلى كوكتاون، وذهب إلى بيت باوندرباي بالبلدة أملًا في أن يجد لويزا هناك، ولكنه لم يجدها، فسأل في المصرف، فعلم أن المستر باوندرباي ما فتئ متغيِّبًا، وأن مسز سبارسيت ليست هناك هي أيضًا. فسأل توم: «أين ذهبت مسز سبارسيت؟»

فقال توم: «لست أدري، انصرفت إلى مكانٍ ما في أول هذا الصباح.»

فقال هارتهاوس: «أين كنت في الليلة الماضية يا توم؟»

قال: «كنت أنتظرك بالمحطة يا مستر هارتهاوس، ولكنك تعني أين كنت أنت!»

فقال هارتهاوس: «منعني الذهابَ طارئٌ ما؛ فاضطررت إلى البقاء.»

فقال توم: «كذلك اضطررت أنا إلى البقاء. كلانا اضطر إلى البقاء؛ إذ بقيت بالمحطة حتى فاتني كل قطار، فكان لزامًا عليَّ أن أنام بالبلدة.»

– «أين؟»

– «ولماذا أين؟ في فراشي ببيتنا.»

– «هل رأيت أختك؟»

– «كيف أرى أختي وبيني وبينها مسافة أربعة وعشرين كيلومترًا؟»

عاد جيمس هارتهاوس إلى فندقه، وظلَّ طيلة بعد الظهر ينتظر أخبارًا، وأخيرًا جاءه خادم الفندق، يقول: «عفوًا يا سيدي، توجد فتاة تريد مقابلتك.»

أسرع المستر هارتهاوس بالخروج من حجرته إلى حيث تقف فتاة لم يرَها من قبل، ترتدي ثيابًا بسيطة، وكانت هادئة جدًّا، وجميلة جدًّا. فقادها إلى الحجرة، وقدَّم لها كرسيًّا لتجلس. فرآها في نور الشموع، أجمل مما كان يظن.

عندما صارا وحدهما، قالت الفتاة: «هل أنت المستر هارتهاوس؟»

قال: «نعم، أنا المستر هارتهاوس.»

قالت: «ربما أمكنك التخمين بمَن تركتها منذ لحظة قصيرة!»

قال: «كنت قلقًا جدًّا، ومهمومًا غاية الهم من أجل سيدة صغيرة السن، في الأربع والعشرين ساعة الماضية، وآمل أن تكوني قد جئتِ من عندها.»

قالت: «نعم! وتركتها منذ أقل من ساعة.»

– «أين؟»

قالت: «في بيت أبيها.»

استطال وجه المستر هارتهاوس، رغم بروده.

استطردت هذه الفتاة تقول: «جاءت إلى هناك في الليلة الماضية، في حالة اضطراب شديد، وظلَّت فاقدة الوعي طول الليل. أنا أقيم في بيت والدها، وكنت معها. يمكنك أن تتأكد يا سيدي من أنك لن تراها مرة أخرى.»

استنشق المستر هارتهاوس نفسًا عميقًا، وقال: «هل طلبت منكِ هذه السيدة أن تخبريني بهذا؟»

قالت: «كلا، ولكن لا تأمل في أن تراها.»

قال: «ولكن تلك السيدة لم تبعث إليَّ بأية رسالة، ولم تطلب منكِ أن تأتي إليَّ؟»

قالت: «هذا صحيح؛ ولكنها تثق بي، وأنا أعلم شيئًا عن زواجها، وأظنك أنت أيضًا تثق بي، يا مستر هارتهاوس.»

نزل هذا النبأ في المكان الذي به قلب جيمس هارتهاوس.

أردفت هذه الفتاة تقول: «أطلب منك، يا مستر هارتهاوس، أن ترحل من هذا المكان، في هذه الليلة، وتعد بألا تعود إليه.»

قال: «هل تسمحين لي بأن أعرف اسم عدوتي؟»

قالت: «اسمي؟»

قال: «نعم.»

قالت: «اسمي سيسي جوب، أنا فتاة فقيرة، انفصلت عن أبي الذي كان عارضًا في السيرك، فأشفق عليَّ المستر جرادجرايند، فعشت مع أسرته منذ ذلك الوقت.»

انصرفت سيسي.

بعد ذلك، أمسك المستر جيمس هارتهاوس قلمًا وكتب لأخيه في لندن:

عزيزي جاك

انتهى كل شيء في كوكتاون.

مللت هذا المكان.

سأعود.

المحب: جيم

ثم حزم أمتعته وغادر كوكتاون في نفس الليلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤