الباب الثاني

قرار حاسم

أصيبت مسز سبارسيت، التي لا تكل ولا تتعب، بنزلة برد حادة؛ فتغيَّرَ صوتها وتقلَّص إلى همس، وانتابها عطاس مستمر، ورغم هذا ظلَّت تبحث عن المستر باوندرباي في كافة أنحاء لندن، حتى عثرت عليه.

أخبرته بقصتها، من أولها إلى آخرها، ثم أُغمي عليها، فعمل المستر باوندرباي على إعادتها إلى وعيها برفق، ثم صحبها إلى كوكتاون بالقطار.

فلما بلغا كوكتاون، ذهبا إلى بيت ثوماس جرادجرايند، المعروف باسم «ستون لودج».

اقتحم باوندرباي حجرة توم جرادجرايند في وقت متأخر من الليل، وقال له: «هذه سيدة، مسز سبارسيت، لديها ما تقوله لك.»

فقال المستر جرادجرايند: «إذَن، فأنت لم تتسلم خطابي.»

فقال المستر باوندرباي: «لا وقت للخطابات من شخص يتكلم عن خطابات مع جوزياه باوندرباي، مواطن كوكتاون، وعقله في مثل هذه الحال التي هو عليها الآن .. يا مسز سبارسيت، تقدمي يا مدام، وتكلمي.»

ولكن إصابة مسز سبارسيت بالبرد كانت شديدة، فلم تستطع الكلام. فقال باوندرباي: «إذن؛ فسأتكلم أنا بدلًا منها.»

قال المستر باوندرباي: «سمعت مسز سبارسيت، صدفة، حديثًا بين ابنتك وصديقك المستر جيمس هارتهاوس.»

فقال المستر جرادجرايند: «هل هذا حقيقي؟»

فصاح باوندرباي، يقول: «حقيقي .. وفي تلك المحادثة …»

فقال جرادجرايند: «لا لزوم للإعادة، يا باوندرباي. أنا أعرف ما حدث.»

فقال المستر باوندرباي: «هل تعرف؟ وربما تعرف أين ابنتك، الآن؟!»

قال المستر جرادجرايند: «لا شك في أنها هنا الآن». فصاح باوندرباي، يقول: «هنا؟»

قال جرادجرايند: «نعم، لويزا هنا. ففي اللحظة التي استطاعت فيها التخلص من ذلك الشخص الذي تتكلم عنه، أسرعت إلى هنا لحمايتها. ركبت القطار من بيتك الريفي، إلى كوكتاون. وجرت من هناك إلى هذا البيت، وسط العاصفة الهوجاء، جاءتني في حالة فظيعة. من المؤكد أنها بقيت هنا منذ تلك اللحظة. أرجوك من أجل خاطرك وخاطرها أن تكون أكثر هدوءًا.»

ظلَّ المستر باوندرباي مدَّةَ لحظة، ينظر حواليه في صمت، ثم قال لمسز سبارسيت وهو غاضب: «يسعدنا يا مدام أن نسمع منكِ أيَّ اعتذار بسيط. ربما أمكنكِ أن تفسري لنا لماذا سافرتِ حول هذا البلد بحكاية كلها هراء في هراء.»

انخرطت مسز سبارسيت في البكاء، فصحبها المستر باوندرباي إلى العربة التي كانت لا تزال واقفة أمام البيت، ونصحها بأن تذهب إلى المصرف وتضع قدميها في ماء ساخن وتستريح.

فقال المستر جرادجرايند: «أعتقد يا عزيزي باوندرباي أنني أفهم لويزا الآن أفضل مما كنت أفهمها من قبل. أعتقد أن لها شيمًا ستنمو وتكبر. وأقترح أننا إنْ تركناها على سجيتها الأفضل، لفترة ما، فسيكون هذا خيرًا لسعادتنا، جميعًا.»

احمرَّ وجه المستر باوندرباي غضبًا، وقال: «أتعني أنك تريد الاحتفاظ بها هنا، لوقت ما؟»

figure
كانت إصابة مسز سبارسيت بالبرد شديدة، فلم تستطع الكلام. فقال باوندرباي: «إذَن؛ فسأتكلم أنا بدلًا منها.»

فقال المستر جرادجرايند: «كنت أودُّ أن تسمح لها بأن تبقى هنا، في زيارة لنا.»

قال: «أستنتج من هذا يا توم جرادجرايند أنك تعتقد أن أخلاق لويزا وأخلاقي لا تتفقان، انظر إليَّ الآن، أنا جوزياه باوندرباي، مواطن كوكتاون. ابنتك لا تعرف قدر زوجها، وابنتك لم تولد عقيلة، أنا الذي منحتها ذلك الشرف بزواجي إياها. لقد دهشت نساء كثيرات، ساميات المنزلة لسلوكها، وأُدهشهن كيف أنني صبرت وتحملت ذلك. وأنا نفسي، أدهش الآن، ولن أتحمله.»

نهض المستر جرادجرايند، وقال: «يا باوندرباي، أعتقد أنه كلما قلَّ كلامنا الآن في هذه الليلة كان أفضل.»

فقال باوندرباي: «لا أريد أن أتعارك معك من أجل هذا الموضوع، يا توم جرادجرايند؛ ولكن، إذا لم ترجع ابنتك إلى بيتها غدًا، في الساعة الثانية عشرة ظهرًا، فسأفهم أنها تفضِّل البقاء بعيدًا، وسأرسل ملابسها ومتعلقاتها إلى هنا، فتتولى أنت أمرها مستقبلًا.»

فقال جرادجرايند: «أرجوك أن تعيد النظر في هذا يا باوندرباي، قبل أن تتخذ مثل هذا القرار.»

قال: «كلا؛ فأنا أقرِّر دائمًا بسرعة كلَّ ما أفعله، أفعله فورًا، وليس عندي ما أقوله زيادة على هذا. مساء الخير!»

ذهب المستر باوندرباي إلى بيته في كوكتاون وأوى في الفراش.

بعد الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق ظُهرًا في اليوم التالي، أمر المستر باوندرباي بحزم كل متعلقات زوجته، بعناية، وأرسلها إلى بيت توم جرادجزايند وأعلن عن عرض بيته الريفي للمبيع، وعاد من جديد إلى حياة العزوبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤